﴿ قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: قَالَ قَائِلٌ ْ من إخوة يوسف الذين أرادوا قتله أو تبعيده: لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ ْ فإن قتله أعظم إثما وأشنع، والمقصود يحصل بتبعيده عن أبيه من غير قتل، ولكن توصلوا إلى تبعيده بأن تلقوه فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ْ وتتوعدوه على أنه لا يخبر بشأنكم، بل على أنه عبد مملوك آبق منكم، لأجل أن يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ ْ الذين يريدون مكانا بعيدا، فيحتفظون فيه.وهذا القائل أحسنهم رأيا في يوسف، وأبرهم وأتقاهم في هذه القضية، فإن بعض الشر أهون من بعض، والضرر الخفيف يدفع به الضرر الثقيل، .فلما اتفقوا على هذا الرأي.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه- قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ، وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ بيان للرأى الذي اقترحه أحدهم، واستقر عليه أمرهم.قال القرطبي ما ملخصه: قوله وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة «في غيابة الجب» بالإفراد- وقرأ أهل المدينة «في غيابات الجب» - بالجمع-.وكل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة، ومنه قيل للقبر غيابة- قال الشاعر:فإن أنا يوما غيبتني غيابتى ... فسيروا بسيرى في العشيرة والأهلوالجب: الركية- أى الحفرة- التي لم تطو- أى لم تبن بالحجارة- فإذا طويت فهي بئر. وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا. وجمع الجب جببة وجباب وأجباب.وجمع بين الغيابة والجب، لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين ... » .والسيارة: جمع سيار، والمراد بهم جماعة المسافرين الذين يبالغون في السير ليصلوا إلى مقصودهم.والمعنى: قال قائل من إخوة يوسف أفزعه ما هم مقدمون عليه بشأن أخيهم الصغير:لا تقتلوا يوسف، لأن قتله جرم عظيم، وبدلا من ذلك، ألقوه في قعر الجب حيث يغيب خبره، إلى أن يلتقطه من الجب بعض المسافرين، فيذهب به إلى ناحية بعيدة عنكم، وبذلك تستريحون منه ويخل لكم وجه أبيكم.ولم يذكر القرآن اسم هذا القائل أو وصفه، لأنه لا يتعلق بذكر ذلك غرض، وقد رجح بعض المفسرين أن المراد بهذا القائل «يهوذا» .والفائدة في وصفه بأنه منهم، الإخبار بأنهم لم يجمعوا على قتله أو طرحه في أرض بعيدة حتى يدركه الموت.وأتى باسم يوسف دون ضميره. لاستدرار عطفهم عليه، وشفقتهم به، واستعظام أمر قتله.وجواب الشرط في قوله «إن كنتم فاعلين» محذوف لدلالة «وألقوه» عليه.والمعنى: إن كنتم فاعلين ما هو خير وصواب، فألقوه في غيابة الجب، ولا تقتلوه ولا تطرحوه أرضا.وفي هذه الجملة من هذا القائل، محاولة منه لتثبيطهم عما اقترحوه من القتل أو التغريب بأسلوب بليغ، حيث فوض الأمر إليهم، تعظيما لهم، وحذرا من سوء ظنهم به، فكان أمثلهم رأيا، وأقربهم إلى التقوى.قالوا: وفي هذا الرأى عبرة في الاقتصاد عند الانتقام، والاكتفاء بما حصل به الغرض دون إفراط، لأن غرضهم إنما هو إبعاد يوسف عن أبيهم. وهذا الإبعاد يتم عن طريق إلقائه في غيابة الجب.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف ) وهو يهوذا وقال [ قتادة ] : روبيل وكان ابن خالة يوسف وكان أكبرهم سنا وأحسنهم رأيا فيه . والأول أصح أنه يهوذا نهاهم عن قتله ، وقال : القتل كبيرة عظيمة . ( وألقوه في غيابة الجب ( قرأ أبو جعفر ونافع : " غيابات الجب " على الجمع في الحرفين ، وقرأ الباقون " غيابة الجب " على الواحد ، أي : في أسفل الجب وظلمته . والغيابة : كل موضع ستر عنك الشيء وغيبه . والجب : البئر غير المطوية لأنه جب ، أي : قطع ولم يطو .( يلتقطه ) يأخذه ، والالتقاط : أخذ الشيء من حيث لا يحتسبه ( بعض السيارة ) أي : بعض المسافرين ، فيذهب به إلى ناحية أخرى ، فتستريحوا منه ( إن كنتم فاعلين ) أي : إن عزمتم على فعلكم ، وهم كانوا يومئذ بالغين ، ولم يكونوا أنبياء بعد .وقيل : لم يكونوا بالغين ، وليس بصحيح; بدليل أنهم قالوا : " وتكونوا من بعده قوما صالحين " ." قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا " والصغير لا ذنب له .وقال محمد بن إسحاق : اشتمل فعلهم على جرائم من قطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له ، والغدر بالأمانة ، وترك العهد ، والكذب مع أبيهم . وعفا الله عنهم ذلك كله حتى لا ييئس أحد من رحمة الله .وقال بعض [ أهل العلم ] إنهم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم ، ولو فعلوا لهلكوا أجمعين ، وكل ذلك كان قبل أن أنبأهم الله تعالى .وسئل أبو عمرو بن العلاء : كيف قالوا : " نرتع ونلعب " وهم أنبياء ؟ قال : كان ذلك قبل أن نبأهم الله تعالى ، فلما أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضرب من الحيل .