إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ أي: فهذا الذي هو محل الخوف والوحشة بسبب ما أسدى من الظلم وما تقدم له من الجرم، وأما المرسلون فما لهم وللوحشة والخوف؟ ومع هذا من ظلم نفسه بمعاصي الله، ثم تاب وأناب فبدل سيئاته حسنات ومعاصيه طاعات فإن الله غفور رحيم، فلا ييأس أحد من رحمته ومغفرته فإنه يغفر الذنوب جميعا وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه-: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ استثناء منقطع مما قبله.أى: إنى يا موسى لا يخاف لدى المرسلون، لكن من ظلم وارتكب فعلا سيئا من عبادي، ثم تاب إلى توبة صادقة، بأن ترك الظلم إلى العدل والشر إلى الخير. والمعصية إلى الطاعة، فإنى أغفر له ما فرط منه، لأنى أنا وحدي الواسع المغفرة والرحمة.قال ابن كثير: هذا استثناء منقطع، وفيه بشارة عظيمة للبشر، وذلك أن من كان على شيء ثم أقلع عنه وتاب وأناب، فإن الله يتوب عليه، كما قال- تعالى- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى وقال- تعالى- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماًوقيل: إن الاستثناء متصل، فيكون المعنى: لا يخاف لدى المرسلون، إلا من ظلم منهم بأن وقع في الصغائر التي لا يسلم منها أحد، ثم تاب منها وأقلع عنها، فإنى غفور رحيم.قال الآلوسى: «والظاهر- هنا- انقطاع الاستثناء، والأوفق بشأن المرسلين، أن يراد بمن ظلم: من ارتكب ذنبا كبيرا أو صغيرا من غيرهم. وثُمَّ يحتمل أن تكون للتراخي الزمانى فتفيد الآية المغفرة لمن بدل على الفور من باب أولى. ويحتمل أن تكون للتراخي الرتبى، وهو ظاهر بين الظلم والتبديل ... »وعبر- سبحانه- عن ترك الظلم بالتبديل، للإشارة إلى الإقلاع التام عن هذا الظلم، وإلى أن هذا الظلم قد حل محله العدل والطاعة والانقياد لأمره- تعالى-.
﴿ تفسير البغوي ﴾
وقوله : ( إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ) واختلف في هذا الاستثناء ، قيل : هذا إشارة إلى أن موسى حين قتل القبطي خاف من ذلك ، ثم تاب فقال : رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، فغفر له . قال ابن جريج : قال الله تعالى لموسى : إنما أخفتك لقتلك النفس . وقال : معنى الآية : لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يتوب ، فعلى هذا التأويل يكون الاستثناء صحيحا وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله : ) ( إلا من ظلم ) ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الناس كافة . وفي الآية متروك استغني عن ذكره بدلالة الكلام عليه ، تقديره : فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم .وقال بعض العلماء : ليس هذا باستثناء من المرسلين لأنه لا يجوز عليهم الظلم ، بل هو استثناء من المتروك في الكلام ، معناه : لا يخاف لدي المرسلون ، إنما الخوف على غيرهم من الظالمين ، إلا من ظلم ثم تاب ، وهذا من الاستثناء المنقطع ، معناه لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف ، فإن تاب وبدل حسنا بعد سوء فإن الله غفور رحيم ، يعني يغفر الله له ويزيل الخوف عنه .وقال بعض النحويين : " إلا " هاهنا بمعنى : " ولا " يعني : لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء ، يقول : لا يخاف لدي المرسلون ولا المذنبون التائبون ، كقوله تعالى : " لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " ( البقرة - 150 ) ، يعني : ولا الذين ظلموا