﴿ أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
أولئك الموصوفون بتلك الصفات جزاؤهم مغفرة من ربهم تزيل عنهم كل محذور وجنات تجري من تحتها الأنهار فيها من النعيم المقيم، والبهجة والسرور والبهاء، والخير والسرور، والقصور والمنازل الأنيقة العاليات، والأشجار المثمرة البهية، والأنهار الجاريات في تلك المساكن الطيبات، خالدين فيها لا يحولون عنها، ولا يبغون بها بدلا، ولا يغير ما هم فيه من النعيم، ونعم أجر العاملين عملوا لله قليلا فأجروا كثيرا ف "عند الصباح يحمد القوم السرى" وعند الجزاء يجد العامل أجره كاملا موفرا. وهذه الآيات الكريمات من أدلة أهل السنة والجماعة، على أن الأعمال تدخل في الإيمان، خلافا للمرجئة، ووجه الدلالة إنما يتم بذكر الآية، التي في سورة الحديد، نظير هذه الآيات، وهي قوله تعالى: سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله فلم يذكر فيها إلا لفظ الإيمان به وبرسله، وهنا قال: أعدت للمتقين ثم وصف المتقين بهذه الأعمال المالية والبدنية، فدل على أن هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم أولئك المؤمنون.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- عاقبة من هذه صفاتهم فقال: أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ، وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ.أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات السابقة من الإنفاق في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس.. إلخ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ تستر ذنوبهم، وتمسح خطاياهم.وفي الإشارة إليهم بأولئك الدالة على البعد، إشعار بعلو منزلتهم في الفضل، وسمو مكانتهم عند الله- تعالى-.وقوله وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ معطوف على مَغْفِرَةٌ أى لهم بجانب هذه المغفرة جنات تجرى من تحت أشجارها وثمرها الأنهار.وقوله خالِدِينَ فِيها حال مقدرة من الضمير المجرور في جَزاؤُهُمْ لأنه مفعول به في المعنى، إذ هو بمعنى أولئك يجزيهم الله- تعالى- جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها.فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وعد أصحاب هذه الصفات بأمور ثلاثة:وعدهم بغفران ذنوبهم وهذا منتهى الأماني والآمال.ووعدهم بإدخالهم في جناته التي يتوفر لهم فيها وتشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.ووعدهم بالخلود في تلك الجنات حتى يتم لهم السرور والحبور.وقوله- تعالى- وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ تذييل قصد به مدح ما أعد لهم من جزاء، حتى يرغب في تحصيله العقلاء.والمخصوص بالمدح محذوف أى ونعم أجر العاملين هذا الجزاء الذي وعدهم الله به مغفرة وجنات خالدين فيها.وبذلك نرى السورة الكريمة قبل أن تفصل الحديث عن غزوة أحد، قد ذكرت المؤمنين بطرف مما حدث من بعضهم فيها، وبالنتائج الطيبة التي حصلوا عليها من غزوة بدر، ثم أمرتهم بتقوى الله، وبالمسارعة إلى الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى رضاه.ثم أخذت السورة الكريمة بعد ذلك تتحدث عن غزوة أحد وعن آثارها في نفوس المؤمنين، فبدأت بالإشارة إلى سنن الله في المكذبين بآياته لتخفف عن المؤمنين مصابهم، ثم أمرتهم بالصبر والثبات ونهتهم عن الوهن والجزع لأنهم هم الأعلون. وإن تكن قد أصابتهم جراح فقد أصيب المشركون بأمثالها، والله- تعالى- فيما حدث في غزوة أحد حكم، منها: تمييز الخبيث من الطيب، وتمحيص القلوب واتخاذ الشهداء، ومحق الكافرين.استمع إلى القرآن الكريم وهو يسوق تلك المعاني بأسلوبه الذي يبعث الأمل في قلوب المؤمنين. ويرشدهم إلى ما يقويهم ويثبتهم، ويمسح بتوجيهاته دموعهم، ويخفف عنه آلامهم فيقول:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ) ثواب المطيعين . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أنا حميد بن زنجويه ، أنا عفان بن مسلم ، أنا أبو عوانة ، أنا عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة الأسدي ، عن أسماء بن الحكم الفزاري ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه يقول : إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ينفعني الله منه بما شاء أن ينفعني وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته ، وإنه حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر أنه سمع رسول الله يقول : " ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له " ورواه أبو عيسى عن قتيبة عن أبي عوانة وزاد : ثم قرأ : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) الآية .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أبو منصور السمعاني ، أنا أبو جعفر الرياني ، أنا حميد بن زنجويه ، أنا هشام بن عبد الملك ، أخبرنا همام ، عن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي طلحة ، قال : كان قاض بالمدينة يقال له عبد الرحمن بن أبي عمرة فسمعته يقول : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن عبدا أذنب ذنبا فقال : أي رب أذنبت ذنبا فاغفره لي قال : فقال ربه عز وجل : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، فغفر له فمكث ما شاء الله ، ثم أصاب ذنبا آخر فقال : رب أذنبت ذنبا فاغفره لي فقال ربه عز وجل : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أبو منصور السمعاني ، أنا أبو جعفر الرياني ، أنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا النعمان السدوسي ، أخبرنا المهدي بن ميمون ، أخبرنا غيلان بن جرير ، عن شهر بن حوشب عن معديكرب عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال : " قال يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ، ابن آدم إنك إن تلقاني بقراب الأرض خطايا لقيتك بقرابها مغفرة بعد أن لا تشرك بي شيئا ، ابن آدم إنك إن تذنب حتى تبلغ ذنوبك عنان السماء ثم تستغفرني أغفر لك " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين الحسني الشرفي ، أنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر أخبرنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ، حدثني أبي عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : " من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئا " قال ثابت البناني : بلغني أن إبليس بكى حين نزلت هذه الآية ( والذين إذا فعلوا فاحشة ) إلى آخرها .