﴿ وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ومن أنواع سفاهتهم أن الأنعام التي أحلها الله لهم عموما، وجعلها رزقا ورحمة، يتمتعون بها وينتفعون، قد اخترعوا فيها بِدعًا وأقوالا من تلقاء أنفسهم، فعندهم اصطلاح في بعض الأنعام [والحرث] أنهم يقولون فيها: هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ أي: محرم لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ أي: لا يجوز أن يطعمه أحد، إلا من أردنا أن يطعمه، أو وصفناه بوصف -من عندهم-. وكل هذا بزعمهم لا مستند لهم ولا حجة إلا أهويتهم، وآراؤهم الفاسدة. وأنعام ليست محرمة من كل وجه، بل يحرمون ظهورها، أي: بالركوب والحمل عليها، ويحمون ظهرها، ويسمونها الحام، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها، بل يذكرون اسم أصنامهم وما كانوا يعبدون من دون الله عليها، وينسبون تلك الأفعال إلى الله، وهم كذبة فُجَّار في ذلك. سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ على الله، من إحلال الشرك، وتحريم الحلال من الأكل، والمنافع.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى القرآن رذيلة ثالثة من رذائلهم المتعددة، وهي أن أوهام الجاهلية وضلالاتها ساقتهم إلى عزل قسم من أموالهم لتكون حكرا على آلهتهم بحيث لا ينتفع بها أحد سوى سدنتها، ثم عمدوا إلى قسم من الأنعام فحرموا ركوبها وعمدوا إلى قسم آخر فحرموا أن يذكر اسم الله عليها عند ذبحها أو ركوبها إلى آخر تلك الأوهام المفتراة.استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك فيقول: وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ.حجر: بمعنى المحجور أى: الممنوع من التصرف فيه، ومنه قيل للعقل حجر لكون الإنسان في منع منه مما تدعوه إليه نفسه من اثام.أى: ومن بين أوهام المشركين وضلالاتهم أنهم يقتطعون بعض أنعامهم وأقواتهم من الحبوب وغيرها ويقولون: هذه الأنعام وتلك الزروع محجورة علينا أى: محرمة ممنوعة، لا يأكل منها إلا من نشاء، يعنون: خدم الأوثان والرجال دون النساء أى: لا يأكل منها إلا خدم الأوثان والرجال فقط.وقوله: بِزَعْمِهِمْ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل قالوا. أى: قالوا ذلك متلبسين بزعمهم الباطل من غير حجة.وقوله: وَقالُوا هذِهِ الإشارة إلى ما جعلوه لآلهتم، والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله:أَنْعامٌ وَحَرْثٌ وقوله حِجْرٌ صفة لأنعام وحرث، وقوله لا يَطْعَمُها صفة ثانية لأنعام وحرث.هذا هو النوع الأول الذي ذكرته الآية من أنواع ضلالاتهم.أما النوع الثاني فهو قوله- تعالى- وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها أى: وقالوا مشيرين إلى طائفة أخرى من أنعامهم: هذه أنعام حرمت ظهورها فلا تركب ولا يحمل عليها، يعنون بها البحائر والسوائب والوصائل والحوامي التي كانوا يزعمون أنها تعتق وتقصى لأجل الآلهة.فقوله وَأَنْعامٌ خبر لمبتدأ محذوف والجملة معطوفة على قوله هذِهِ أَنْعامٌ.وأما النوع الثالث من أنواع اختراعاتهم الذي ذكرته الآية فهو قوله: وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا.أى: وقالوا أيضا هذه أنعام لا يذكر اسم الله عليها عند الذبح، وإنما يذكر عليها أسماء الأصنام لأنها ذبحت من أجلها.وقد عقب- سبحانه- على تلك الأقسام الثلاثة الباطلة بقوله: افْتِراءً عَلَيْهِ أى فعلوا ما فعلوا من هذه الأباطيل وقالوا ما قالوا من تلك المزاعم من أجل الافتراء على الله وعلى دينه، فإنه- سبحانه- لم يأذن لهم في ذلك ولا رضيه منهم.ثم ختمت الآية بهذا التهديد الشديد حيث قال: - سبحانه- سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ أى: سيجزيهم الجزاء الشديد الأليم بسبب هذا الافتراء القبيح.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وقالوا ) يعني : المشركين ، ( هذه أنعام وحرث حجر ) أي حرام ، يعني : ما جعلوا لله ولآلهتهم من الحرث والأنعام على ما مضى ذكره . وقال مجاهد : يعني بالأنعام البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، ( لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم ) يعنون الرجال دون النساء ، ( وأنعام حرمت ظهورها ) يعني الحوامي كانوا لا يركبونها ، ( وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ) أي : يذبحونها باسم الأصنام لا باسم الله ، وقال أبو وائل : معناه لا يحجون عليها ولا يركبونها لفعل الخير ، لأنه لما جرت العادة بذكر اسم الله على فعل الخير عبر بذكر الله تعالى عن فعل الخير . ( افتراء عليه ) يعني : أنهم يفعلون ذلك ويزعمون أن الله أمرهم به افتراء عليه ( سيجزيهم بما كانوا يفترون )