وليمحص الله الذين آمنوا وهذا أيضا من الحكم أن الله يمحص بذلك المؤمنين من ذنوبهم وعيوبهم، يدل ذلك على أن الشهادة والقتال في سبيل الله يكفر الذنوب، ويزيل العيوب، وليمحص الله أيضا المؤمنين من غيرهم من المنافقين، فيتخلصون منهم، ويعرفون المؤمن من المنافق، ومن الحكم أيضا أنه يقدر ذلك، ليمحق الكافرين، أي: ليكون سببا لمحقهم واستئصالهم بالعقوبة، فإنهم إذا انتصروا، بغوا، وازدادوا طغيانا إلى طغيانهم، يستحقون به المعاجلة بالعقوبة، رحمة بعباده المؤمنين.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ذكر- سبحانه- حكمتين أخريين لما جرى للمؤمنين في غزوة أحد فقال: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ.وقوله وَلِيُمَحِّصَ من المحص بمعنى التنقية والتخليص. يقال: محصت الذهب بالنار ومحصته إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث. أو من التمحيص بمعنى الابتلاء والاختبار.وقوله وَيَمْحَقَ من المحق وهو محو الشيء والذهاب به، وأصله نقص الشيء قليلا قليلا حتى يفنى. يقال: محق فلان هذا الطعام إذا نقصه حتى أفناه ومنه المحاق، لآخر الشهر، لأن الهلال يبلغ أقصى مدى النقصان فيختفى.والمعنى: ولقد فعل- سبحانه- ما فعل في غزوة أحد، لكي يطهر المؤمنين ويصفيهم من الذنوب، ويخلصهم من المنافقين المندسين بينهم، ولكي يهلك الكافرين ويمحقهم بسبب بغيهم وبطرهم.فأنت ترى أن الله- تعالى- قد ذكر أربع حكم لما حدث للمؤمنين في غزوة أحد وهي:تحقق علم الله- تعالى- وإظهاره للمؤمنين، وإكرام بعضهم بالشهادة التي توصل صاحبها إلى أعلى الدرجات، وتطهير المؤمنين وتخليصهم من ذنوبهم ومن المنافقين، ومحق الكافرين واستئصالهم رويدا رويدا.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وليمحص الله الذين آمنوا ) أي : يطهرهم من الذنوب ، ( ويمحق الكافرين ) يفنيهم ويهلكهم معناه : أنهم إن قتلوكم فهو تطهير لكم ، وإن قتلتموهم فهو محقهم واستئصالهم .