﴿ وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم ذكر قولهم واستنصارهم لربهم، فقال: وما كان قولهم أي: في تلك المواطن الصعبة إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا والإسراف: هو مجاوزة الحد إلى ما حرم، علموا أن الذنوب والإسراف من أعظم أسباب الخذلان، وأن التخلي منها من أسباب النصر، فسألوا ربهم مغفرتها. ثم إنهم لم يتكلوا على ما بذلوا جهدهم به من الصبر، بل اعتمدوا على الله، وسألوه أن يثبت أقدامهم عند ملاقاة الأعداء الكافرين، وأن ينصرهم عليهم، فجمعوا بين الصبر وترك ضده، والتوبة والاستغفار، والاستنصار بربهم، لا جرم أن الله نصرهم، وجعل لهم العاقبة في الدنيا والآخرة
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أتبع- سبحانه- محاسنهم الفعلية، ببيان محاسنهم القولية فقال- تعالى- وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.أى أن هؤلاء الأنقياء الأوفياء الصابرين ما كان لهم من قول في مواطن القتال وفي عموم الأحوال إلا الضراعة إلى الله- بثلاثة أمور:أولها: حكاه القرآن عنهم في قوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا.أى: إنهم يدعون الله- تعالى- بأن يغفر لهم ذنوبهم ما كان صغيرا منها وما كان كبيرا: وأن يغفر لهم إسرافهم في أمرهم أى ما تجاوزوه من الحدود التي حدها لهم وأمرهم بعدم تجاوزها.وثانيها: حكاه القرآن عنهم في قوله وَثَبِّتْ أَقْدامَنا اى اجعلنا يا ربنا ممن يثبت لحرب أعدائك وقتالهم ولا تجعلنا ممن يوليهم الأدبار.وثالثها: حكاه القرآن عنهم في قوله وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أى اجعل النصر لنا يا ربنا على أعدائك وأعدائنا الذين جحدوا وحدانيتك، وكذبوا نبيك وضلوا ضلالا بعيدا.وتأمل معى- أخى القارئ- هذه الدعوات الكريمة تراها قد جمعت ما جمعت من صدق اليقين، وحسن الترتيب.فهم قد التمسوا- أولا- من خالقهم مغفرة ذنوبهم والتجاوز عما وقعوا فيه من أخطاء وهذا يدل على سلامة قلوبهم وتواضعهم واستصغار أعمالهم مهما عظمت أمام فضل الله ونعمه.ثم التمسوا منه- ثانيا- تثبيت أقدامهم عند لقاء الأعداء حتى لا يفروا من أمامهم.ثم التمسوا منه- ثالثا- النصر على الكافرين وهو غاية القتال، لأن الانتصار عليهم يؤدى إلى منع وقوع الفتنة في الأرض، وإلى إعلاء كلمة الحق.قال صاحب الكشاف: قوله وَما كانَ قَوْلَهُمْ إلخ هذا القول وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين هضما لها واستقصارا. والدعاء بالاستغفار منها مقدما على طلب تثبيت الأقدام في مواطن الحرب والنصرة على العدو، ليكون طلبهم إلى ربهم عن زكاة وطهارة وخضوع. وهو أقرب إلى الاستجابة» .وكان هنا ناقصة، وقوله قَوْلَهُمْ بالنصب خبرها واسمها المصدر المتحصل من «أن» وما بعدها في قوله إِلَّا أَنْ قالُوا والاستثناء مفرغ.أى: ما كان قولهم في ذلك المقام وفي غيره من المواطن إلا قولهم هذا الدعاء أى هو دأبهم وديدنهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( وما كان قولهم ) نصب على خبر كان والاسم في أن قالوا ، ومعناه : وما كان قولهم عند قتل نبيهم ، ( إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا ) أي : الصغائر ، ( وإسرافنا في أمرنا ) أي : الكبائر ، ( وثبت أقدامنا ) كي لا تزول ، ( وانصرنا على القوم الكافرين ) يقول فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد .