وَاسْتَفْتَحُوا أي: الكفار أي: هم الذين طلبوا واستعجلوا فتح الله وفرقانه بين أوليائه وأعدائه فجاءهم ما استفتحوا به وإلا فالله حليم لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أي: خسر في الدنيا والآخرة من تجبر على الله وعلى الحق وعلى عباد الله واستكبر في الأرض وعاند الرسل وشاقهم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه- وَاسْتَفْتَحُوا من الاستفتاح بمعنى الاستنصار، أى: طلب النصر من الله- تعالى- على الأعداء. والسين والتاء للطلب.ومنه قوله- تعالى- إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ.. وقوله- تعالى- وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا....أو يكون وَاسْتَفْتَحُوا من الفتاحة بمعنى الحكم والقضاء، أى: واستحكموا الله - تعالى- وطلبوا منه القضاء والحكم، ومنه قوله- تعالى- رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ.والجملة الكريمة معطوفة على فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ، والضمير يعود إلى الرسل.والمعنى: والتمس الرسل من خالقهم- عز وجل- أن ينصرهم على أعدائه وأعدائهم، وأن يحكم بحكمه العادل بينهم وبين هؤلاء المكذبين.قالوا: ومما يؤيد ذلك قراءة ابن عباس ومجاهد وابن محيصن وَاسْتَفْتَحُوا- بكسر التاء- أمرا للرسل.ومنهم من يرى أن الضمير يعود للفريقين: الرسل ومكذبيهم. أى: أن كل فريق دعا الله أن ينصره على الفريق الآخر.وقوله وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ بيان لنتيجة الاستفتاح. والجبار: الإنسان المتكبر المغرور المتعالي على غيره، المدعى لمنزلة أو لشيء ليس من حقه.والعنيد: مأخوذ من العند- بفتح النون- بمعنى الميل. يقال: عند فلان عن الطريق- كنصر وضرب وكرم- عنودا، إذا مال عنها. وعند فلان عن الحق، إذا خالفه.والجملة الكريمة معطوفة على محذوف، والتقدير: واستفتحوا فنصر الله- تعالى- رسله على أعدائهم، وخاب وخسر، كل متكبر متجبر معاند للحق.قال ابن كثير: قوله: وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أى: متجبر في نفسه معاند للحق، كما قال- تعالى- أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ.وفي الحديث: «يؤتى بجهنم يوم القيامة، فتنادى الخلائق فتقول: إنى وكلت بكل جبار عنيد ... » .وقال- سبحانه- وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ولم يقل وخاب الذين كفروا كما هو مقتضى الظاهر من السياق، للتنبيه على أن الذين كفروا كانوا جبابرة معاندين للحق، وأن كل من كان كذلك فلا بد من أن تكون عاقبته الخيبة والخسران.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( واستفتحوا ) أي : استنصروا . قال ابن عباس ، ومقاتل : يعني الأمم ، وذلك أنهم قالوا : اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا ، نظيره قوله تعالى : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ) ( الأنفال - 32 ) .وقال مجاهد ، وقتادة : واستفتحوا يعني الرسل ، وذلك أنهم لما يئسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب كما قال نوح عليه السلام ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ( نوح - 26 ) وقال موسى عليه السلام : ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم ) ( يونس - 88 ) . ، الآية( وخاب ) خسر . وقيل : هلك ( كل جبار عنيد ) والجبار : الذي لا يرى فوقه أحدا . والجبرية : طلب العلو بما لا غاية وراءه . وهذا الوصف لا يكون إلا لله عز وجل .وقيل : الجبار : الذي يجبر الخلق على مراده ، والعنيد : المعاند للحق ومجانبه . قاله مجاهد .وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : هو المعرض عن الحق .وقال مقاتل : هو المتكبر .وقال قتادة : " العنيد " الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله .