﴿ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَإِنْ جَاهَدَاكَ أي: اجتهد والداك عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما، لأن حق اللّه، مقدم على حق كل أحد، و "لا طاعة لمخلوق، في معصية الخالق"ولم يقل: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما" بل قال: فَلَا تُطِعْهُمَا أي: بالشرك، وأما برهما، فاستمر عليه، ولهذا قال: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي، فلا تتبعهما. وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ وهم المؤمنون باللّه، وملائكته وكتبه، ورسله، المستسلمون لربهم، المنيبون إليه.واتباع سبيلهم، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى اللّه، التي هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى اللّه، ثم يتبعها سعي البدن، فيما يرضي اللّه، ويقرب منه. ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ الطائع والعاصي، والمنيب، وغيره فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فلا يخفى على اللّه من أعمالهم خافية.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- حدود الطاعة للوالدين فقال: وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما..والجملة الكريمة معطوفة على قوله وَوَصَّيْنَا ... بإضمار القول. أى: ووصينا الإنسان بوالديه. وقلنا له: وَإِنْ جاهَداكَ أى: وإن حملاك عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي في العبادة أو الطاعة، ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما في ذلك، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.وجملة ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ لبيان الواقع، فلا مفهوم لها، إذ ليس هناك من إله يعلم سوى الله- عز وجل-.ثم أمر- سبحانه- بمصاحبتهما بالمعروف حتى مع كفرهما فقال: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً.أى: إن حملاك على الشرك. فلا تطعهما، ومع ذلك فصاحبهما في الأمور الدنيوية التي لا تتعلق بالدين مصاحبة كريمة حسنة، يرتضيها الشرع، وتقتضيها مكارم الأخلاق.وقوله مَعْرُوفاً صفة لمصدر محذوف. أى: صحابا معروفا. أو منصوب بنزع الخافض. أى: بالمعروف.ثم أرشد- سبحانه- إلى وجوب اتباع أهل الحق فقال: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ... أى: واتبع- أيها العاقل طريق الصالحين من عبادي، الذين رجعوا إلى بالتوبة والإنابة والطاعة والإخلاص.ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ جميعا يوم القيامة- أيها الناس- فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في الدنيا، وأجازى كل إنسان على حسب عمله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.قال القرطبي ما ملخصه: وهاتان الآيتان نزلتا في شأن سعد بن أبى وقاص لما أسلم، وأن أمه حلفت أن لا تأكل طعاما حتى تموت.. وفيهما دليل على صلة الأبوين الكافرين، بما أمكن من المال إن كانا فقيرين.. وقد قالت أسماء بنت أبى بكر الصديق، للنبي صلى الله عليه وسلم وقد قدمت عليها خالتها وقيل: أمها من الرضاعة: يا رسول الله، إن أمى قدمت على وهي راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم» وراغبة قيل معناه: عن الإسلام، أو راغبة في الصلة .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) أي : بالمعروف ، وهو البر والصلة والعشرة الجميلة ( واتبع سبيل من أناب إلي ) أي : دين من أقبل إلى طاعتي ، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . قال عطاء عن ابن عباس : يريد أبا بكر ، وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، فقالوا له : قد صدقت هذا الرجل وآمنت به ؟ قال : نعم ، هو صادق ، فآمنوا به ، ثم حملهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أسلموا ، فهؤلاء لهم سابقة الإسلام . أسلموا بإرشاد أبي بكر . قال الله تعالى : ( واتبع سبيل من أناب إلي ) يعني أبا بكر ، ( ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) وقيل : نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقاص وأمه ، وقد مضت القصة وقيل : الآية عامة في حق كافة الناس .