القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

الآية 157 من سورة الأعراف - الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل

سورة الأعراف الآية رقم 157 : قراءة و استماع

قراءة و استماع الآية 157 من سورة الأعراف مكتوبة - عدد الآيات 206 - Al-A‘raf - الصفحة 170 - الجزء 9.

سورة الأعراف الآية رقم 157

﴿ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴾
[ الأعراف: 157]


﴿ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنـزل معه أولئك هم المفلحون ﴾


﴿ تفسير السعدي ﴾

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ احتراز عن سائر الأنبياء، فإن المقصود بهذا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم.
والسياق في أحوال بني إسرائيل وأن الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم شرط في دخولهم في الإيمان، وأن المؤمنين به المتبعين، هم أهل الرحمة المطلقة، التي كتبها اللّه لهم، ووصفه بالأمي لأنه من العرب الأمة الأمية، التي لا تقرأ ولا تكتب، وليس عندها قبل القرآن كتاب.
الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ باسمه وصفته، التي من أعظمها وأجلها، ما يدعو إليه، وينهى عنه.
وأنه يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه.
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو: كل ما عرف قبحه في العقول والفطر.
فيأمرهم بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار والمملوك، وبذل النفع لسائر الخلق، والصدق، والعفاف، والبر، والنصيحة، وما أشبه ذلك، وينهى عن الشرك باللّه، وقتل النفوس بغير حق، والزنا، وشرب ما يسكر العقل، والظلم لسائر الخلق، والكذب، والفجور، ونحو ذلك.
فأعظم دليل يدل على أنه رسول اللّه، ما دعا إليه وأمر به، ونهى عنه، وأحله وحرمه، فإنه يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ من المطاعم والمشارب، والمناكح.
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ من المطاعم والمشارب والمناكح، والأقوال والأفعال.
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ أي: ومن وصفه أن دينه سهل سمح ميسر، لا إصر فيه، ولا أغلال، ولا مشقات ولا تكاليف ثقال.
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ أي: عظموه وبجلوه وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزلَ مَعَهُ وهو القرآن، الذي يستضاء به في ظلمات الشك والجهالات، ويقتدى به إذا تعارضت المقالات، أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الظافرون بخير الدنيا والآخرة، والناجون من شرهما، لأنهم أتوا بأكبر أسباب الفلاح.
وأما من لم يؤمن بهذا النبي الأمي، ويعزره، وينصره، ولم يتبع النور الذي أنزل معه، فأولئك هم الخاسرون.

﴿ تفسير الوسيط ﴾

قوله- تعالى- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ في محل جر على أنه نعت لقوله:لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أو بدل منه.
أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.
أى: هم الذين يتبعون .
.
.
إلخ.
وقد وصف الله- تعالى- رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بأوصاف كريمة تدعو العاقل المنصف إلى اتباعه والإيمان به.
الوصف الأول: أنه رسول الله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا.
الوصف الثاني: أنه نبي أوحى الله إليه بشريعة عامة كاملة باقية إلى يوم الدين.
الوصف الثالث: أنه أمى ما قرأ ولا كتب ولا جلس إلى معلم ولا أخذ علمه عن أحد ولكن الله- تعالى- أوحى إليه بالقرآن الكريم عن طريق جبريل- عليه السلام-، وأفاض عليه من لدنه علوما نافعة ومبادئ توضح ما أنزله عليه من القرآن الكريم، فسبق بذلك الفلاسفة والمشرعين والمؤرخين وأرباب العلوم الكونية والطبيعية، فأميته مع هذه العلوم التي يصلح عليها أمر الدنيا والآخرة، أوضح دليل على أن ما يقوله إنما هو بوحي من الله إليه.
قال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا .
وقال- سبحانه- وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ .
الصفة الرابعة: أشار إليها بقوله الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ أى هذا الرسول النبي الأمى من صفاته أن أهل الكتاب يجدون اسمه ونعته مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ووجود اسمه ونعته في كتبهم من أكبر الدواعي إلى الإيمان به وتصديقه واتباعه ولقد كان اليهود يبشرون ببعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل زمانه ويقرءون في كتبهم ما يدل على ذلك، فلما بعث الله- تعالى- نبيه بالهدى ودين الحق آمن منهم الذين فتحوا قلوبهم للحق، وخافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى، وأما الذين استنكفوا واستكبروا، وحسدوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم على ما آتاه الله من فضله فقد أخذوا يحذفون من كتبهم ما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها، «أو يؤولونه تأويلا فاسدا أو يكتمونه عن عامتهم.
ورغم حرصهم على حذف ما جاء عن الرسول في كتبهم أو تأويلهم السقيم له، أو كتمانه عن الأميين منهم.
أبى الله- تعالى- إلا أن يتم نوره، إذ بقي في التوراة والإنجيل ما بشر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وصرح بنعوته وصفاته، بل وباسمه صريحا.
وقد تحدث العلماء الإثبات عن بشارات الأنبياء بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وجمعوا عشرات النصوص التي ذكرت نعوته وصفاته، وها نحن نذكر طرفا مما قاله العلماء في هذا الشأن.
قال الإمام الماوردي في (أعلام النبوة) : (وقد تقدمت بشائر من سلف من الأنبياء، بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم مما هو حجة على أممهم، ومعجزة تدل على صدقه عند غيرهم، بما أطلعه الله- تعالى- على غيبه، ليكون عونا للرسل، وحثا على القبول، فمنهم من عينه باسمه، ومنهم من ذكره بصفته ومنهم من عزاه إلى قومه، ومنهم من أضافه إلى بلده، ومنهم من خصه بأفعاله، ومنهم من ميزه بظهوره وانتشاره، وقد حقق الله- تعالى- هذه الصفات جميعها فيه، حتى صار جليا بعد الاحتمال، ويقينا بعد الارتياب) .
وجاء في (منية الأذكياء في قصص الأنبياء) : (إن نبينا- عليه الصلاة والسلام- قد بشر به الأنبياء السابقون، وشهدوا بصدق نبوته، ووصفوه وصفا رفع كل احتمال، حيث صرحوا باسمه وبلده وجنسه وحليته وأطواره وسمته، ومع أن أهل الكتاب حذفوا اسمه من نسخهم الأخيرة إلا أن ذلك لم يجدهم نفعا، لبقاء الصفات التي اتفق عليها المؤرخون من كل جنس وملة وهي أظهر دلالة من الاسم على المسمى، إذ قد يشترك اثنان في اسم، ويمتنع اشتراك اثنين في جميع الأوصاف.
لكن من أمد غير بعيد قد شرعوا في تحريف بعض الصفات ليبعد صدقها على النبي صلّى الله عليه وسلّم فترى كل نسخة متأخرة تختلف عما قبلها في بعض المواضع اختلافا لا يخفى على اللبيب أمره، ولا ما قصد به.
ولم يفدهم ذلك غير تقوية الشبهة عليهم.
لانتشار النسخ بالطبع وتيسير المقابلة بينها» .
وقال المرحوم الشيخ (رحمة الله الهندي) في كتابه (إظهار الحق) (إن الأخبار الواقعة في حق محمد صلّى الله عليه وسلّم توجد كثيرة إلى الآن- أيضا- مع وقوع التحريفات في هذه الكتب.
ومن عرف أولا طريق أخبار النبي المتقدم عن النبي المتأخر.
ثم نظر ثانيا بنظر الإنصاف إلى هذه الاخبارات وقابلها بالأخبارات التي نقلها الانجيليون في حق عيسى- عليه السلام- جزم بأن الاخبارات المحمدية في غاية القوة) «3» .
وقد جمع صاحب كتاب (إظهار الحق) وغيره من العلماء والمؤرخين كثيرا من البشائر التي وردت في التوراة والإنجيل خاصة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ومبينة نعوته وصفاته.
ومن أجمع ما جاء في التوراة خاصا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنهما- قال: (قرأت في التوراة صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم (محمد رسول الله: عبدى ورسولي، سميته المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله) .
كذلك مما يشهد بوجود النبي صلّى الله عليه وسلّم في التوراة، ما أخرجه الإمام أحمد عن أبى صخر العقيلي قال: (حدثني رجل من الأعراب فقال: جلبت حلوبة .
إلى المدينة في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما فرغت من بيعي قلت لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه، قال: فتلقاني بين أبى بكر وعمر يمشيان، فتبعتهم حتى إذا أتوا على رجل من اليهود وقد نشر التوراة يقرؤها يعزى بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي) فقال برأسه هكذا، أى: لا، فقال ابنه: أى والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم «أقيموا اليهودي عن أخيكم» ثم تولى كفنه والصلاة عليه.
هذا، ومن أراد مزيد معرفة بتلك المسألة فليراجع ما كتبه العلماء في ذلك .
ثم وصف الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم بصفة خامسة فقال تعالى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ أى هذا الرسول النبي الأمى الذي يجده أهل الكتاب مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل من صفاته كذلك أنه يأمرهم بالمعروف الذي يتناول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر كما يتناول مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وغير ذلك من الأمور التي جاء بها الشرع الحنيف.
وارتاحت لها العقول السليمة، والقلوب الطاهرة وينهاهم عن المنكر الذي يتناول الكفر والمعاصي ومساوئ الأخلاق.
ثم وصف الله- تعالى- رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بصفة سادسة فقال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ أى: يحل لهم ما حرمه الله عليهم من الطيبات كالشحوم وغيرها بسبب ظلمهم وفسوقهم عقوبة لهم، ويحل لهم كذلك ما كانوا قد حرموه على أنفسهم دون أن يأذن به الله كلحوم الإبل وألبانها، ويحرم عليهم ما هو خبيث كالدم ولحم الميتة والخنزير في المأكولات، وكأخذ الربا وأكل أموال الناس بالباطل في المعاملات وفي ذلك سعادتهم وفلاحهم.
ثم وصف الله تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم بصفة سابعة فقال تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ.
الإصر: الثقل الذي يأصر صاحبه.
أى بحبسه عن الحركة لثقله، ويطلق على العهد كما في قوله تعالى: قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي أى عهدي.
قال القرطبي: «وقد جمعت هذه الآية المعنيين، فإن بنى إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ذلك العهد وثقل تلك الأعمال، كغسل البول، وتحليل الغنائم، ومجالسة الحائض، ومؤاكلتها ومضاجعتها.
فإنهم كانوا إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه.
وإذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها وإذا حاضت المرأة لم يقربوها.
إلى غير ذلك مما ثبت في الصحيح وغيره» .
والأغلال: جمع غل.
وهو ما يوضع في العنق أو اليد من الحديد.
والتعبير بوضع الإصر والأغلال عنهم استعارة لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقة والتكاليف الشديدة كاشتراط قتل النفس لصحة التوبة.
فقد شبه- سبحانه- ما أخذ به بنو إسرائيل من الشدة في العبادات والمعاملات والمأكولات جزاء ظلمهم بحال من يحمل أثقالا يئن من حملها وهو فوق ذلك مقيد بالسلاسل والأغلال في عنقه ويديه ورجليه.
والمعنى: إن من صفات هذا الرسول النبي الأمى أنه جاءهم ليرفع عنهم ما ثقل عليهم من تكاليف كلفهم الله بها بسبب ظلمهم.
لأنه- عليه الصلاة والسلام جاء بالتبشير والتخفيف.
وبعث بالحنيفية السمحة.
ومن وصاياه صلّى الله عليه وسلّم: «بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا» .
قال الإمام ابن كثير: «وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم.
فوسع الله على هذه الأمة أمورها.
وسهلها لهم.
ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله تجاوز لأمتى ما حدثت به أنفسهم ما لم تقل أو تعمل» .
وقال: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولهذا قال: أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ.
وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.
وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه: قد فعلت قد فعلت» .
إذا، فمن الواجب على بنى إسرائيل أن يتبعوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم الذي هذه صفاته، والذي في اتباعه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم، ولهذا ختم الله- تعالى- الآية الكريمة ببيان حالة المصدقين لنبيه فقال تعالى:فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
أى: فالذين آمنوا بهذا الرسول النبي الأمى من بنى إسرائيل وغيرهم وعزروه، بأن منعوه وحموه من كل من يعاديه، مع التعظيم والتوقير له ونصروه بكل وسائل النصر وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ وهو القرآن والوحى الذي جاء به ودعا إليه الناس، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أى الفائزون الظافرون برحمة الله ورضوانه.
وبذلك تكون الآية الكريمة قد وصفت النبي صلّى الله عليه وسلّم بأحسن الصفات وأكرم المناقب، وأقامت الحجة على أهل الكتاب بما يجدونه في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم بأنه ما جاء إلا لهدايتهم وسعادتهم، وأنهم إن آمنوا به وصدقوه، كانوا من الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ.

﴿ تفسير البغوي ﴾

( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) الآية .
قال نوف البكالي الحميري : لما اختار موسى قومه سبعين رجلا قال الله تعالى لموسى : أجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا ، تصلون حيث أدركتكم الصلاة إلا عند مرحاض أو حمام أو قبر ، وأجعل السكينة في قلوبكم ، وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظهر قلوبكم ، يقرؤها الرجل والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير ، فقال ذلك موسى لقومه ، فقالوا : لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس ، ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا ، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهور قلوبنا ، ولا نريد أن نقرأها إلا نظرا ، فقال الله تعالى : " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة " إلى قوله : " أولئك هم المفلحون " ، فجعلها الله لهذه الأمة .
فقال موسى عليه السلام : يا رب اجعلني نبيهم ، فقال : نبيهم منهم ، قال : رب اجعلني منهم فقال : إنك لن تدركهم ، فقال موسى عليه السلام : يا رب إني أتيتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا ، فأنزل الله تعالى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) الأعراف - 159 ، فرضي موسى .
قوله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - .
قال ابن عباس رضي الله عنهما هو نبيكم كان أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وهو منسوب إلى الأم ، أي هو على ما ولدته أمه .
وقيل هو منسوب إلى أمته ، أصله أمتي فسقطت التاء في النسبة كما سقطت في المكي والمدني وقيل : هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة .
( الذي يجدونه ) أي : يجدون صفته ونعته ونبوته ، ( مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل )أخبرنا عبد الواحد المليحي أن أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن سنان حدثنا فليح حدثنا هلال عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة : قال : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا " .
تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال عن عطاء عن ابن سلام أخبرنا الإمام الحسين بن محمد القاضي أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني أنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام أنا أبو الحسن أحمد بن سيار القرشي حدثنا عبد الله بن عثمان عن أبي حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن عبد الله بن ضمرة عن كعب - رضي الله عنه - قال : إني أجد في التوراة مكتوبا محمد رسول الله لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون يحمدون الله في كل منزلة ويكبرونه على كل نجد ، يأتزرون على أنصافهم ويوضئون أطرافهم ، صفهم في الصلاة وصفهم في القتال سواء ، مناديهم ينادي في جو السماء ، لهم في جوف الليل دوي كدوي النحل ، مولده بمكة ومهاجره بطابة وملكه بالشام .
قوله تعالى : ( يأمرهم بالمعروف ) أي : بالإيمان ، ( وينهاهم عن المنكر ) أي : عن الشرك ، وقيل : المعروف : الشريعة والسنة ، والمنكر : ما لا يعرف في شريعة ولا سنة .
وقال عطاء : يأمرهم بالمعروف : بخلع الأنداد ، ومكارم الأخلاق ، وصلة الأرحام ، وينهاهم عن المنكر : عن عبادة الأوثان وقطع الأرحام .
( ويحل لهم الطيبات ) يعني : ما كانوا يحرمونه في الجاهلية من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ( ويحرم عليهم الخبائث ) يعني : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، والزنا وغيرها من المحرمات .
( ويضع عنهم إصرهم ) قرأ ابن عامر " آصارهم " بالجمع .
والإصر : كل ما يثقل على الإنسان من قول أو فعل .
قال ابن عباس والحسن والضحاك والسدي ومجاهد : يعني العهد الثقيل كان أخذ على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة .
وقال قتادة : يعني التشديد الذي كان عليهم في الدين ، ( والأغلال ) يعني : الأثقال ( التي كانت عليهم ) وذلك مثل : قتل الأنفس في التوبة ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض النجاسة عن الثوب بالمقراض ، وتعيين القصاص في القتل وتحريم أخذ الدية ، وترك العمل في السبت ، وأن صلاتهم لا تجوز إلا في الكنائس ، وغير ذلك من الشدائد .
وشبهت بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق .
( فالذين آمنوا به ) أي : بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
( وعزروه ) وقروه ، ( ونصروه ) على الأعداء ( واتبعوا النور الذي أنزل معه ) يعني : القرآن ( أولئك هم المفلحون )
قراءة سورة الأعراف

المصدر : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل