﴿ وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
معظمهم اعتدوا وتجرؤوا، وأعلنوا بذلك. وفرقة أعلنت بنهيهم والإنكار عليهم. وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم، ونهيهم لهم، وقالوا لهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا كأنهم يقولون: لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم اللّه، ولم يصغ للنصيح، بل استمر على اعتدائه وطغيانه، فإنه لا بد أن يعاقبهم اللّه، إما بهلاك أو عذاب شديد. فقال الواعظون: نعظهم وننهاهم مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ أي: لنعذر فيهم. وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي: يتركون ما هم فيه من المعصية، فلا نيأس من هدايتهم، فربما نجع فيهم الوعظ، وأثر فيهم اللوم. وهذا المقصود الأعظم من إنكار المنكر ليكون معذرة، وإقامة حجة على المأمور المنهي، ولعل اللّه أن يهديه، فيعمل بمقتضى ذلك الأمر، والنهي.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- طوائف هذه القرية وحال كل طائفة فقال تعالى وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً، قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.والذي يفهم من الآية الكريمة، - وعليه جمهور المفسرين- أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق.1- فرقة المعتدين في السبت، المتجاوزين حدود الله عن تعمد وإصرار.2- فرقة الناصحين لهم بالانتهاء عن تعديهم وفسوقهم.3- فرقة اللائمين للناصحين ليأسهم من صلاح العادين في السبت.وهذه الفرقة الثالثة هي التي عبر القرآن الكريم عنها بقوله: وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً أى: قالت فرقة من أهل القرية، لإخوانهم الذين لم يألوا جهدا في نصيحة العادين في السبت، لم تعظون قوما لا فائدة من وعظهم ولا جدوى من تحذيرهم، لأن الله تعالى قد قضى باستئصالهم وتطهير الأرض منهم، أو بتعذيبهم عذابا شديدا، جزاء تماديهم في الشر، وصممهم عن سماع الموعظة فكان رد الناصحين عليهم مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.فهم قد عللوا نصيحتهم للعادين بعلتين:الأولى: الاعتذار إلى الله- تعالى- من مغبة التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.والثانية: الأمل في صلاحهم وانتفاعهم بالموعظة حتى ينجو من العقوبة، ويسيروا في طريق المهتدين.وقيل: إن أهل القرية كانوا فرقتين، فرقه أقدمت على الذنب فاعتدت في السبت، وفرقة أحجمت عن الأقدام، ونصحت المعتدين بعدم التجاوز لحدود الله- تعالى- فلما داومت الفرقة الواعظة على نصيحتها للفرقة العادية، قالت لها الفرقة العادية على سبيل التهكم والاستهزاء: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا في زعمكم؟ فاجابتهم الناصحة بقولها. معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.والذي نرجحه أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق كما قال جمهور المفسرين- لأن هذا هو الظاهر من الضمائر في الآية الكريمة، إذ لو كانوا فرقتين لقالت الناهية للعاصية (ولعلكم تتقون) بكاف الخطاب، بدل قولهم (ولعلهم يتقون) الذي يدل على أن المحاورة قد دارت بين الفرقة اللائمة، والفرقة الناصحة.قال الإمام القرطبي عند تفسيره الآية الكريمة: إن بنى إسرائيل افترقت ثلاث فرق «فرقة عصت وصدت، وكانوا، نحوا من سبعين ألفا، فرقة نهت واعتزلت، وكانوا نحوا من اثنى عشر ألفا، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص، وأن هذه الطائفة هي التي قالت للناهية، لم تعظون قوما- عصاة- الله مهلكهم، أو معذبهم على غلبة الظن. وما عهد حينئذ من فعل الله تعالى بالأمم العاصية؟) .وقوله مَعْذِرَةً بالنصب على أنها مفعول لأجله أى: وعظناهم لأجل المعذرة، أو منصوبة على أنها مصدر لفعل مقدر من لفظها أى: نعتذر معذرة وقرئت «معذرة» بالرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف أى: موعظتنا معذرة وقد اختار سيبويه هذا الوجه وقال في تعليله: لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا ولكنهم قيل لهم لم تعظون؟ فقالوا موعظتنا معذرة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم ) اختلفوا في الذين قالوا هذا ، قيل : كانوا من الفرقة الهالكة ، وذلك أنهم لما قيل لهم انتهوا عن هذا العمل السيئ ، قبل أن ينزل بكم العذاب وإنا نعلم أن الله منزل بكم بأسه إن لم تنتهوا أجابوا وقالوا : ( لم تعظون قوما الله مهلكهم ) ، ( أو ) علمتم أنه ( معذبهم عذابا شديدا قالوا ) أي : قال الناهون ( معذرة ) أي : موعظتنا معذرة ( إلى ربكم ) قرأ حفص : " معذرة " بالنصب أي نفعل ذلك معذرة إلى ربكم . والأصح أنها من قول الفرقة الساكتة ، قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم ، قالوا معذرة إلى ربكم ، ومعناه أن الأمر بالمعروف واجب علينا فعلينا موعظة هؤلاء عذرا إلى الله ، ( ولعلهم يتقون ) أي : يتقون الله ويتركوا المعصية ، ولو كان الخطاب مع المعتدين لكان يقول ولعلكم تتقون .