﴿ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه أي: إن ترهيب من رهب من المشركين، وقال: إنهم جمعوا لكم، داع من دعاة الشيطان، يخوف أولياءه الذين عدم إيمانهم، أو ضعف. فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين أي: فلا تخافوا المشركين أولياء الشيطان، فإن نواصيهم بيد الله، لا يتصرفون إلا بقدره، بل خافوا الله الذي ينصر أولياءه الخائفين منه المستجيبين لدعوته. وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله، والخوف المحمود: ما حجز العبد عن محارم الله.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يجعلوا خشيتهم وخوفهم منه وحده، فقال تعالى:إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.فالخطاب في الآية الكريمة للمؤمنين، والإشارة بذلكم إلى المثبط بالذات أو بالواسطة.وقوله إِنَّما أداة حصر، وذلِكُمُ مبتدأ والشَّيْطانُ خبره، وقوله: يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ جملة مستأنفة مبينة لشيطنته.وقيل إن ذلِكُمُ مبتدأ أول، والشَّيْطانُ مبتدأ ثان. وقوله يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ خبر للمبتد الثاني. وهو وخبره خبر للمبتدأ الأول.والمراد بالشيطان إبليس لأنه علم بالغلبة عليه ولأنه هو الذي يخوف بالوسوسة. وقيل المراد به أتباعه الذين دسهم لكي يرهبوا المؤمنين من الكافرين وهم جماعة بنى عبد القيس أو نعيم بن مسعود المجاشعي.إنما ذلكم المثبط لكم عن لقاء أعدائكم هو الشيطان، الذي يوسوس في قلوبكم بالشر بذاته، أو بواسطة أتباعه الضالين، ومن شأن المؤمنين الصادقين أنهم لا يتأثرون بهذه الوساوس الكاذبة، وإنما الذين يتأثرون بها هم ضعاف الإيمان.وقوله يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ أى يخوف أولياءه المنافقين وضعفاء الإيمان ليقعدوا عن مقاتلة المشركين. أما أنتم أيها المؤمنون الصادقون فإنكم لن يقعدكم تخويفه، لأن هذا التخويف لا أثر له في قلب من آمن بالله حق الإيمان، واتقاه حق تقاته.وقيل إن معنى يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ يخوفكم بأوليائه فحذف المفعول وحذف الجار. كما في قوله: فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ أى فإذا خفت عليه فرعون. فحذف المفعول. وكما في قوله: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ أى لينذركم يوم التلاقي.وقيل إن المعنى: يخوفكم أولياءه فحذف المفعول الأول كما تقول: أعطيت الأموال، أى أعطيت القوم الأموال.وقوله فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أى فلا تخافوا أولياء الشيطان، بل اجعلوا خوفكم منى وحدي، إن كنتم مؤمنين حقا.فالمقصود بهذه الجملة الكريمة تشجيعهم، وتقويتهم، وإلهاب شعورهم، إذ الإيمان الحق يستلزم الخوف من الله دون سواه.والمراد بالنهى عن الخوف وهو أمر نفسي: النهى عن أسبابه التي من أهمها حب الدنيا وكراهية الموت أى خذوا بأسباب القوة التي من أهمها التمسك بتقوى الله فإن ذلك يزيل الخوف من قلوبكم.وفي المقابلة بين النهى عن الخوف من أولياء الشيطان، وبين الأمر بأن يكون خوفهم من الله وحده، في هذه المقابلة إرشاد إلى العلاج الذي يزيل الخوف والفزع من نفوسهم. لأن الذي يجعل خشيته وخوفه من الله وحده لن يستطيع الشيطان أو أولياؤه أن يبعدوه عن الطريق القويم وصدق الله إذ يقول: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.وبذلك ترى أن الآيات الكريمة قد رفعت منازل الشهداء إلى أعلى الدرجات، وصرحت بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون. كما أثنت ثناء مستطابا على الذين لبوا دعوة رسولهم صلّى الله عليه وسلّم حين دعاهم إلى الجهاد في سبيل الله، ولم يمنعهم عن إجابة دعوته ما بهم من جراح، أو ما قاله لهم المرجفون من أقوال باطلة، فرضي الله عنهم وأرضاهم.ثم أخذ القرآن في تسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم عما يراه من كفر الكافرين. وعناد المعاندين، وفي بيان أن كفر الكافر إنما يعود عليه ضرره لا على غيره، وأنه- سبحانه- يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وأن حكمته سبحانه تقتضي تمييز الخبيث من الطيب. فقال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( إنما ذلكم الشيطان ) يعني : ذلك الذي قال لكم : ( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) من فعل الشيطان ألقى في أفواههم ليرهبوهم ويجبنوا عنهم ، ( يخوف أولياءه ) أي يخوفكم بأوليائه ، وكذلك هو في قراءة أبي بن كعب يعني : يخوف المؤمنين بالكافرين قال السدي : يعظم أولياءه في صدورهم ليخافوهم يدل عليه قراءة عبد الله بن مسعود " يخوفكم أولياءه " ( فلا تخافوهم وخافون ) في ترك أمري ( إن كنتم مؤمنين ) مصدقين بوعدي فإني متكفل لكم بالنصرة والظفر .