وذلك أن القلم وما يسطرون به من أنواع الكلام، من آيات الله العظيمة، التي تستحق أن يقسم الله بها، على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون فنفى عنه الجنون بنعمة ربه عليه وإحسانه، حيث من عليه بالعقل الكامل، والرأي الجزل، والكلام الفصل، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام، وسطره الأنام، وهذا هو السعادة في الدنيا، ثم ذكر سعادته في الآخرة، فقال: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وجواب القسم قوله : ( مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) .أى : وحق القلم الذى يكتب به الكاتبون من مخلوقاتنا المتعددة ، إنك - أيها الرسول الكريم - لمبرأ مما اتهمك به أعداؤك من الجنون ، وكيف تكون مجنونا وقد أنعم الله - تعالى - عليك بالنبوة والحكمة .فالمقصود بالآيات الكريمة تسلية النبى صلى الله عليه وسلم عما أصابه من المشركين ، ودفع تهمهم الباطلة دفعا يأتى عليها من القواعد فيهدمها ، وإثبات أنه رسول من عنده - تعالى - .وأقسم - سبحانه - بالقلم ، لعظيم شرفه ، وكثرة منافعه ، فبه كتبت الكتب السماوية ، وبه تكتب العلوم المفيدة . . وبه يحصل التعارف بين الناس . .وصدق الله إذ يقول : ( اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم . الذى عَلَّمَ بالقلم . عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ ) قال القرطبى : أقسم - سبحانه - بالقلم . لما فيه من البيان كاللسان . وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من السماء من فى الأرض ، ومنه قول أبى الفتح البستى :إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم ... وعدُّوه مما يُكْسِبُ المجد والكرَمْكفى قلم الكتاب عزا ورفعة ... مدى الدهر أن الله أقسم بالقلَمْوالضمير فى قوله : ( يَسْطُرُونَ ) راجع إلى غير مذكور فى الكلام ، إلا أنه معلوم للسامعين ، لأن ذكر القلم يدل على أن هناك من يكتب به .ونفى - سبحانه - عنه صلى الله عليه وسلم الجنون بأبلغ أسلوب ، لأن المشركين كانوا يصفونه بذلك ، قال - تعالى - . ( وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ الذكر وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) قال الآلوسى : قوله : ( مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) . جواب القسم ، والباء الثانية مزيدة لتأكيد النفى . ومجنون خبر ما ، والباء الأولى للملابسة ، والجار والمجرور فى موضع الحال من الضمير فى الخبر ، والعامل فيها معنى النفى .والمعنى : انتفى عنك الجنون فى حال كونك ملتبسا بنعمة ربك أى : منعما عليك بما أنعم من حصافة الرأى ، والنبوة . .وفى إضافته صلى الله عليه وسلم إلى الرب - عز وجل - مزيد إشعار بالتسلية والقرب والمحبة . ومزيد إشعار - أيضا - بنفى ما افتراه الجاهلون من كونه صلى الله عليه وسلم مجنونا ، لأن هذه الصفة لا تجتمع فى عبد أنعم الله - تعالى - عليه ، وقربه ، واصطفاه لحمل رسالته وتبليغ دعوته .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) [ هو ] جواب لقولهم ياأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ( الحجر - 6 ) فأقسم الله بالنون والقلم وما يكتب من الأعمال فقال : ( ما أنت بنعمة ربك ) بنبوة ربك ( بمجنون ) أي : إنك لا تكون مجنونا وقد أنعم الله عليك بالنبوة والحكمة . وقيل : بعصمة ربك . وقيل : هو كما يقال : ما أنت بمجنون [ والحمد لله ] وقيل : معناه ما أنت بمجنون والنعمة لربك ، كقولهم : سبحانك اللهم وبحمدك ، أي : والحمد لك .