﴿ وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
تفسير الآيتين 19 و20 :أي: مكث يوسف في الجب ما مكث، حتى جَاءَتْ سَيَّارَةٌ أي: قافلة تريد مصر، فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ أي: فرطهم ومقدمهم، الذي يعس لهم المياه، ويسبرها ويستعد لهم بتهيئة الحياض ونحو ذلك، فَأَدْلَى ذلك الوارد دَلْوَهُ فتعلق فيه يوسف عليه السلام وخرج. قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ أي: استبشر وقال: هذا غلام نفيس، وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وكان إخوته قريبا منه، فاشتراه السيارة منهم، بِثَمَنٍ بَخْسٍ أي: قليل جدا، فسره بقوله: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ لأنه لم يكن لهم قصد إلا تغييبه وإبعاده عن أبيه، ولم يكن لهم قصد في أخذ ثمنه، والمعنى في هذا: أن السيارة لما وجدوه، عزموا أن يُسِرُّوا أمره، ويجعلوه من جملة بضائعهم التي معهم، حتى جاءهم إخوته فزعموا أنه عبد أبق منهم، فاشتروه منهم بذلك الثمن، واستوثقوا منهم فيه لئلا يهرب، والله أعلم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: - سبحانه- وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ بيان لما فعله السيارة بيوسف بعد أن أسروه بضاعة.وقوله شَرَوْهُ هنا بمعنى باعوه.والبخس: النقص، يقال بخس فلان فلانا حقه، إذا نقصه وعابه. وهو هنا بمعنى المبخوس.ودَراهِمَ جمع درهم، وهي بدل من بِثَمَنٍ.ومَعْدُودَةٍ صفة لدراهم، وهي كناية عن كونها قليلة، لأن الشيء القليل يسهل عده، بخلاف الشيء الكثير، فإنه في الغالب يوزن وزنا.والمعنى: أن هؤلاء المسافرين بعد أن أخذوا يوسف ليجعلوه عرضا من عروض تجارتهم، باعوه في الأسواق بثمن قليل تافه، وهو عبارة عن دراهم معدودة، ذكر بعضهم أنها لا تزيد على عشرين درهما.وقوله: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ بيان لعدم حرصهم على بقائه معهم، إذ أصل الزهد قلة الرغبة في الشيء، تقول زهدت في هذا الشيء، إذا كنت كارها له غير مقبل عليه.أى: وكان هؤلاء الذين باعوه من الزاهدين في بقائه معهم، الراغبين في التخلص منه بأقل ثمن قبل أن يظهر من يطالبهم به.قال الآلوسى ما ملخصه: «وزهدهم فيه سببه أنهم التقطوه من الجب، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالى أن يبيعه بأى ثمن خوفا من أن يعرض له مستحق ينزعه منه ... »
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وشروه ) أي : باعوه ( بثمن بخس ) قال الضحاك ، ومقاتل ، والسدي : حرام لأن ثمن الحر حرام ، وسمي الحرام بخسا لأنه مبخوس البركة .وعن ابن عباس ، وابن مسعود : بخس أي زيوف .وقال عكرمة والشعبي : بثمن قليل .( دراهم ) بدل من الثمن ( معدودة ) ذكر العدد عبارة عن قلتها .وقيل : إنما قال معدودة لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان أقل من أربعين درهما ، إنما كانوا يعدونها عدا ، فإذا بلغت أوقية وزنوها .واختلفوا في عدد تلك الدراهم : قال ابن عباس ، وابن مسعود ، وقتادة : عشرون درهما ، فاقتسموها درهمين درهمين .وقال مجاهد : اثنان وعشرون درهما .وقال عكرمة : أربعون درهما .( وكانوا ) يعني : إخوة يوسف ( فيه ) أي : في يوسف ( من الزاهدين ) لأنهم لم يعلموا منزلته عند الله .وقيل : كانوا في الثمن من الزاهدين ، لأنهم لم يكن قصدهم تحصيل الثمن ، إنما كان قصدهم تبعيد يوسف عن أبيه .ثم انطلق مالك بن ذعر وأصحابه بيوسف فتبعهم إخوته يقولون : استوثقوا منه لا يأبق ، قال : فذهبوا به حتى قدموا مصر وعرضه مالك على البيع فاشتراه قطفير قاله ابن عباس .وقيل : إظفير صاحب أمر الملك ، وكان على خزائن مصر يسمى العزيز وكان الملك يومئذ بمصر ونواحيها الريان بن الوليد بن شروان من العمالقة .وقيل : إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه ، ثم مات ويوسف حي .قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما دخلوا مصر تلقى قطفير مالك بن ذعر فابتاع منه يوسف بعشرين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين .وقال وهب بن منبه : قدمت السيارة بيوسف مصر فدخلوا به السوق يعرضونه للبيع ، فترافع الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه ذهبا ووزنه فضة ووزنه مسكا وحريرا ، وكان وزنه أربعمائة رطل ، وهو ابن ثلاث عشرة سنة فابتاعه قطفير من مالك بن ذعر بهذا الثمن ، فذلك قوله تعالى :