﴿ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- حالة المتقين فقال إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا.طائف من الطواف والطواف بالشيء أى: الاستدارة به أو حوله. يقال: طاف بالشيء إذا دار حوله. والمراد به هنا وسوسة الشيطان وهمزاته.أى: إن الذين اتقوا الله- تعالى- وصانوا أنفسهم عن كل ما يغضبه إذا مسهم شيء من وسوسة الشيطان ونزغاته التي تلهيهم عن طاعة الله ومراقبته تَذَكَّرُوا أى: تذكروا أن المس إنما هو من عدوهم الشيطان فعادوا سريعا إلى طاعة الله، وإلى خوف مقامه ونهوا أنفسهم عن اتباع همزات الشياطين.والجملة الكريمة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر ببيان أن الاستعاذة سنة مسلوكة للمتقين، وأن الإخلال بها من طبيعة الضالين.وفي قوله إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ إشعار بعلو منزلتهم، وقوة إيمانهم، وسلامة يقينهم لأنهم بمجرد أن تطوف بهم وساوس الشيطان أو بمجرد أن يمسهم شيء منه فإنهم يتذكرون عداوته، فيرجعون سريعا إلى حمى ربهم يستجيرون به ويتوبون إليه.وفي التعبير عن الوسوسة بالطائف إشعار بأنها وإن مست هؤلاء المتقين فإنها لا تؤثر فيهم، لأنها كأنها طافت حولهم دون أن تصل إليهم.وقوله فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ أى: فإذا هم مبصرون مواقع الخطأ، وخطوات الشيطان، فينتهون عنها.وفي هذه الآية الكريمة ما يهدى العقول، ويطب النفوس، إذ هي تبين لنا أن مس الشيطان قد يغلق بصيرة الإنسان عن كل خير، ولكن التقوى هي التي تفتح هذه البصيرة، وهي التي تجعل الإنسان دائما يقظا متذكرا لما أمره الله به أو نهاه عنه، فينتصر بذلك على وساوس الشيطان وهمزاته وتبقى لهم بصيرتهم على أحسن ما تكون صفاء ونقاء وكشفا.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( إن الذين اتقوا ) يعني المؤمنين ، ( إذا مسهم طائف من الشيطان ) قرأ ابن كثير وأهل البصرة والكسائي : " طيف " ، وقرأ الآخرون " طائف " بالمد والهمز ، وهما لغتان كالميت والمائت ، ومعناهما : الشيء يلم بك . وفرق قوم بينهما ، فقال أبو عمرو : الطائف ما يطوف حول الشيء والطيف : اللمة والوسوسة ، وقيل : الطائف ما طاف به من وسوسة الشيطان ، والطيف اللمم والمس . ( تذكروا ) عرفوا ، قال سعيد بن جبير : هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ . وقال مجاهد : هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه . ( فإذا هم مبصرون ) أي يبصرون مواقع خطاياهم بالتذكر والتفكر . قال السدي : إذا زلوا تابوا . وقال مقاتل : إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنه معصية ، فأبصر فنزع عن مخالفة الله .