القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

الآية 265 من سورة البقرة - ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة

سورة البقرة الآية رقم 265 : قراءة و استماع

قراءة و استماع الآية 265 من سورة البقرة مكتوبة - عدد الآيات 286 - Al-Baqarah - الصفحة 45 - الجزء 3.

سورة البقرة الآية رقم 265

﴿ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾
[ البقرة: 265]


﴿ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير ﴾


﴿ تفسير السعدي ﴾

هذا مثل المنفقين أموالهم على وجه تزكو عليه نفقاتهم وتقبل به صدقاتهم فقال تعالى: ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله أي: قصدهم بذلك رضى ربهم والفوز بقربه وتثبيتا من أنفسهم أي: صدر الإنفاق على وجه منشرحة له النفس سخية به، لا على وجه التردد وضعف النفس في إخراجها وذلك أن النفقة يعرض لها آفتان إما أن يقصد الإنسان بها محمدة الناس ومدحهم وهو الرياء، أو يخرجها على خور وضعف عزيمة وتردد، فهؤلاء سلموا من هاتين الآفتين فأنفقوا ابتغاء مرضات الله لا لغير ذلك من المقاصد، وتثبيتا من أنفسهم، فمثل نفقة هؤلاء كمثل جنة أي: كثيرة الأشجار غزيرة الظلال، من الاجتنان وهو الستر، لستر أشجارها ما فيها، وهذه الجنة بربوة أي: محل مرتفع ضاح للشمس في أول النهار ووسطه وآخره، فثماره أكثر الثمار وأحسنها، ليست بمحل نازل عن الرياح والشمس، ف أصابها أي: تلك الجنة التي بربوة وابل وهو المطر الغزير فآتت أكلها ضعفين أي: تضاعفت ثمراتها لطيب أرضها ووجود الأسباب الموجبة لذلك، وحصول الماء الكثير الذي ينميها ويكملها فإن لم يصبها وابل فطل أي: مطر قليل يكفيها لطيب منبتها، فهذه حالة المنفقين أهل النفقات الكثيرة والقليلة كل على حسب حاله، وكل ينمى له ما أنفق أتم تنمية وأكملها والمنمي لها هو الذي أرحم بك من نفسك، الذي يريد مصلحتك حيث لا تريدها، فيالله لو قدر وجود بستان في هذه الدار بهذه الصفة لأسرعت إليه الهمم وتزاحم عليه كل أحد، ولحصل الاقتتال عنده، مع انقضاء هذه الدار وفنائها وكثرة آفاتها وشدة نصبها وعنائها، وهذا الثواب الذي ذكره الله كأن المؤمن ينظر إليه بعين بصيرة الإيمان، دائم مستمر فيه أنواع المسرات والفرحات، ومع هذا تجد النفوس عنه راقدة، والعزائم عن طلبه خامدة، أترى ذلك زهدا في الآخرة ونعيمها، أم ضعف إيمان بوعد الله ورجاء ثوابه؟! وإلا فلو تيقن العبد ذلك حق اليقين وباشر الإيمان به بشاشة قلبه لانبعثت من قلبه مزعجات الشوق إليه، وتوجهت همم عزائمه إليه، وطوعت نفسه له بكثرة النفقات رجاء المثوبات، ولهذا قال تعالى: والله بما تعملون بصير فيعلم عمل كل عامل ومصدر ذلك العمل، فيجازيه عليه أتم الجزاء

﴿ تفسير الوسيط ﴾

التثبيت: تحقيق الشيء وترسيخه، والجنة- كما يقول الراغب- كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض.
وأصل الجن ستر الشيء على الحاسة، يقال: جنه الليل وأجنه أى ستره.
وسميت الجنة بذلك لأنها تظلل ما تحتها وتستره.
والربوة- بضم الراء وفتحها- المكان المرتفع من الأرض.
وأصلها من قولهم:ربا الشيء يربو إذا ازداد وارتفع ومنه الربا للزيادة المأخوذة على أصل الشيء.
والمعنى: ومثل الذين ينفقون أموالهم طلبا لرضى الله- تعالى- وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى:وتوطينا لأنفسهم على حفظ هذه الطاعة وعلى ترك ما يفسدها كمثل جنة بموضع مرتفع من الأرض نزل بها مطر كثير فأخرجت ثمرها ضِعْفَيْنِ أى ضعفا بعد ضعف فتكون التثنية للتكثير، أو فأعطت صاحبها أو الناس مثلي ما كانت تثمر في سائر الأوقات بسبب ما أصابها من المطر الغزير.
أو فأخرجت ثمرها ضعفين بالنسبة إلى غيرها من الجنان.
والمقصود تشبيه نفقة هؤلاء المؤمنين المخلصين في زكائها ونمائها عند الله بتلك الحديقة اليانعة المرتفعة التي تنزل عليها المطر الغزير فآتت أكلها مضاعفا وأخرجت للناس من كل زوج بهيج.
وقوله: ابْتِغاءَ مفعول لأجله أى يبذلون نفقتهم من أجل رضا الله- عز وجل- أو حال من فاعل ينفقون.
أى ينفقون أموالهم طالبين رضا الله.
وقوله: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ معطوف على سابقه، وقد ذكر صاحب الكشاف أوجها في معنى هذه الجملة الكريمة فقال: قوله: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى وليثبتوا منها ببذل المال الذي هو شقيق الروح على سائر العبادات الشاقة وعلى الإيمان، لأن النفس إذا ريضت بالتحامل عليها وتكليفها، ما يصعب عليها ذلت خاضعة لصاحبها وقل طمعها في اتباعه لشهواتها وبالعكس، فكان إنفاق المال تثبيتا لها على الإيمان واليقين.
ومِنْ على هذا الوجه للتبعيض، مثلها في قولهم: هز من عطفه وحرك من نشاطه.
ويجوز أن يراد من قوله- تعالى-: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى: وتصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم لأنه إذا أنفق المسلّم ماله في سبيل الله، علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن إخلاص قلبه.
ومِنْ على هذا الوجه لابتداء الغاية، كقوله- تعالى- حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ويحتمل أن يكون المعنى: وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه، وتعضد هذا المعنى قراءة مجاهد: وتثبيتا من أنفسهم: فإن قلت: فما معنى التبعيض؟ قلت: معناه أن من يذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه معا فهو الذي ثبتها كلها كما في قوله- تعالى-: وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ .
وخصص الجنة بأنها بربوة لأن الأشجار في المكان المرتفع من الأرض تكون عادة أحسن منظرا، وأزكى ثمرا، للطافة هوائها، فكان من فوائد هذا القيد إعطاء وجه الشبه- وهو تضعيف المنفعة وجمالها قوة ووضوحا، كما أن من فوائده تحسين المشبه به تحسينا يعود أثره إلى المشبه عند السامع.
ثم قال- تعالى-: فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ.
والطل: هو المطر القليل وجمعه طلال، وهو مبتدأ محذوف الخبر أى فطل قليل يصيبها يكفيها.
والمراد أن هذه الجنة لطيبها وكرم منبتها تزكو وتثمر كثر المطر النازل عليها أو قل فكذلك نفقة المؤمنين المخلصين تزكو عند الله وتطيب كثرت أو قلت، لأن إخلاصهم فيها جعلها عند الله- تعالى- مضاعفة نامية.
أى أنه- سبحانه- عليم بأحوال عباده لا تخفى عليه خافية، وسيجازى المخلصين بما يرضيهم كما سيجازى المنانين والمرائين بما يستحقون.
ففي الجملة الكريمة ترغيب وترهيب ووعيد.
وبذلك نرى القرآن الكريم قد ساق في هذه الآية وسابقتها حالتين متقابلتين: حالة الذي يبطل صدقته بالمن والأذى والرياء، وكيف تكون عاقبته ونهايته.
وحالة الذي ينفق ماله طلبا لرضا الله وتعويدا لنفسه على فعل الطيبات وكيف يكون جزاؤه عند العليم الخبير ولقد صور القرآن هاتين الحالتين تصويرا مؤثرا بديعا، من شأنه أن يهدى العقلاء إلى فعل الخيرات، وإخلاص النيات، واجتناب السيئات.
ثم ساق القرآن آية كريمة حذر فيها الناس من ارتكاب ما نهى الله عنه وبين فيها كيف أن المن والأذى والرياء وما يشبه ذلك من رذائل يؤدى إلى ذهاب الشيء النافع من بين يدي صاحبه وهو أحوج ما يكون إليه.
استمع إلى القرآن وهو يصور نهاية هذا الإنسان البائس.

﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى : ( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله ) أي طلب رضا الله تعالى ( وتثبيتا من أنفسهم ) قال قتادة : احتسابا وقال الشعبي والكلبي : تصديقا من أنفسهم أي يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم على يقين بالثواب وتصديق بوعد الله ويعلمون أن ما أخرجوا خير لهم مما تركوا وقيل على يقين بإخلاف الله عليهم .
وقال عطاء ومجاهد : يثبتون أي يضعون أموالهم قال الحسن : كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت فإن كان لله أمضى وإن كان يخالطه شك أمسك وعلى هذا القول يكون التثبيت بمعنى التثبت كقوله تعالى : " وتبتل إليه تبتيلا ( 8 - المزمل ) أي تبتلا ( كمثل جنة ) أي بستان قال ( المبرد ) والفراء : إذا كان في البستان نخل فهو جنة وإن كان فيه كرم فهو فردوس ( بربوة ) قرأ ابن عامر وعاصم بربوة وإلى ربوة في سورة المؤمنون بفتح الراء وقرأ الأخرون بضمها وهي المكان المرتفع المستوي الذي تجري فيه الأنهار فلا يعلوه الماء ولا يعلو عن الماء وإنما جعلها بربوة لأن النبات عليها أحسن وأزكى ( أصابها وابل ) مطر شديد كثير ( فآتت أكلها ) ثمرها قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف وقرأ الباقون بالتثقيل وزاد نافع وابن كثير تخفيف أكله والأكل وخفف أبو عمرو رسلنا ورسلكم ورسلهم وسبلنا .
( ضعفين ) أي أضعفت في الحمل قال عطاء : حملت في السنة من الريع ما يحمل غيرها في سنتين وقال عكرمة : حملت في السنة مرتين ( فإن لم يصبها وابل فطل ) أي فطش وهو المطر الضعيف الخفيف ويكون دائما .
قال السدي : هو الندى وهذا مثل ضربه الله تعالى لعمل المؤمن المخلص فيقول : كما أن هذه الجنة تريع في كل حال ولا تخلف سواء قل المطر أو كثر كذلك يضعف الله صدقة المؤمن المخلص الذي لا يمن ولا يؤذي سواء قلت نفقته أو كثرت وذلك أن الطل إذا كان يدوم يعمل عمل الوابل الشديد .
( والله بما تعملون بصير ) .

قراءة سورة البقرة

المصدر : ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة