﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
كان المسلمون في أول الإسلام ممنوعين من قتال الكفار، ومأمورين بالصبر عليهم، لحكمة إلهية، فلما هاجروا إلى المدينة، وأوذوا، وحصل لهم منعة وقوة، أذن لهم بالقتال، قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ يفهم منه أنهم كانوا قبل ممنوعين، فأذن الله لهم بقتال الذين يقاتلون، وإنما أذن لهم، لأنهم ظلموا، بمنعهم من دينهم، وأذيتهم عليه، وإخراجهم من ديارهم. وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ فليستنصروه، وليستعينوا به .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم رخص- سبحانه- للمؤمنين بأن يقاتلوا في سبيله فقال: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا....وقوله- تعالى- أُذِنَ فعل ماض مبنى للمجهول مأخوذ من الإذن بمعنى الإباحة والرخصة. والمقصود إباحة مشروعية القتال، وقد قالوا: بأن هذه الآيات أول ما نزل في شأن مشروعية القتال.أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس قال: لما خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم ليهلكن، فنزلت هذه الآيات.وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي أُذِنَ بالبناء الفاعل. والمأذون لهم فيه هو القتال، وهو محذوف في قوة المذكور بدليل قوله يُقاتَلُونَ والباء في قوله بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا للسببية.أى: أذن الله- تعالى- للمؤمنين، ورخص لهم، بأن يقاتلوا أعداءهم الذين ظلموهم، وآذوهم، واعتدوا عليه، بعد أن صبر هؤلاء المؤمنون على أذى أعدائهم صبرا طويلا.قال الآلوسى: والمراد بالموصول أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم الذين في مكة، فقد نقل الواحدي وغيره، أن المشركين كانوا يؤذونهم، وكانوا يأتون النبي صلّى الله عليه وسلّم بين مضروب ومشجوج ويتظلمون إليه فيقول لهم: اصبروا فإنى لم أومر بالقتال حتى هاجر صلّى الله عليه وسلّم فنزلتهذه الآية. وهي أول آية نزلت في القتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية .وقوله- تعالى-: وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ وعد منه- سبحانه- للمؤمنين بالنصر وحض لهم على الإقدام على الجهاد في سبيله بدون تردد أو وهن.أى: وإن الله- تعالى- لقادر على أن ينصر عباده المؤمنين. وعلى أن يمكن لهم في الأرض، وعلى أن يجعلهم الوارثين لأعدائهم الكافرين.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: قوله: وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ أى: هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكنه يريد من عباده أن يبلوا جهدهم في طاعته، كما قال- تعالى-: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها، ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.. .وإنما شرع- سبحانه- الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة، كان المشركون أكثر عددا. فلو أمر المسلمون بالقتال لشق ذلك عليهم ...فلما استقروا بالمدينة. وصارت لهم دار إسلام، ومعقلا يلجئون إليه شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك.. .
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) قرأ أهل المدينة والبصرة وعاصم : " أذن " بضم الألف والباقون بفتحها ، أي : أذن الله ، " للذين يقاتلون " ، قرأ أهل المدينة وابن عامر وحفص " يقاتلون " بفتح التاء يعني المؤمنين الذين يقاتلهم المشركون ، وقرأ الآخرون بكسر التاء يعني الذين أذن لهم بالجهاد " يقاتلون " المشركين .قال المفسرون : كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون محزونين من بين مضروب ومشجوج ، ويشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول لهم : اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال ، فنزلت هذه الآية بالمدينة .وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة ، فكانوا يمنعون فأذن الله لهم في قتال الكفار الذين يمنعونهم من الهجرة ( بأنهم ظلموا ) أي : بسبب ما ظلموا ، واعتدي عليهم بالإيذاء ، ( وإن الله على نصرهم لقدير )