﴿ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: يستعجلك هؤلاء المكذبون بالعذاب، لجهلهم، وظلمهم، وعنادهم، وتعجيزا لله، وتكذيبا لرسله، ولن يخلف الله وعده، فما وعدهم به من العذاب، لابد من وقوعه، ولا يمنعهم منه مانع، وأما عجلته، والمبادرة فيه، فليس ذلك إليك يا محمد، ولا يستفزنك عجلتهم وتعجيزهم إيانا. فإن أمامهم يوم القيامة، الذي يجمع فيه أولهم وآخرهم، ويجازون بأعمالهم، ويقع بهم العذاب الدائم الأليم، ولهذا قال: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ من طوله، وشدته، وهوله، فسواء أصابهم عذاب في الدنيا، أم تأخر عنهم العذاب، فإن هذا اليوم، لا بد أن يدركهم.ويحتمل أن المراد: أن الله حليم، ولو استعجلوا العذاب، فإن يوما عنده كألف سنة مما تعدون، فالمدة، وإن تطاولتموها، واستبطأتم فيها نزول العذاب، فإن الله يمهل المدد الطويلة ولا يهمل، حتى إذا أخذ الظالمين بعذابه لم يفلتهم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أكد- سبحانه- انطماس بصائرهم، حيث بين أنهم بدل أن يتوبوا إلى الله ويستغفروه، استعجلوا العذاب فقال: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ. وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.أى: أن هؤلاء الطغاة بدل أن يسيروا في الأرض فيعتبروا ويتعظوا، أخذوا يطلبون منك- أيها الرسول الكريم- نزول العذاب عاجلا، على سبيل الاستهزاء بك والاستخفاف بما هددناهم به، ويقولون لك: متى هو؟.فالجملة الكريمة وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ خبرية في اللفظ، استفهامية في المعنى.وقوله- سبحانه-: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ جملة حالية جيء بها لتهديدهم على استعجالهم العذاب، أى: والحال أن الله- تعالى- لن يخلف ما وعدهم به من العذاب، بل هو منجزه في الوقت الذي يريده هو وليس الذي يريدونه هم.وقوله- سبحانه-: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ جملة مستأنفة سيقت لبيان أن حساب الأزمان في تقدير الله- تعالى- يخالف ما يقدره البشر.أى: دعهم- أيها الرسول الكريم- يستعجلون العذاب، فذلك دأب الظالمين في كل حين، وسبيل الجاهلين في كل زمان، وأعلمهم أن الله- تعالى- لن يخلف وعده إياهم به في الوقت المحدد لذلك، وإن يوما عنده- تعالى- كألف سنة مما يعده هؤلاء في دنياهم، وسيأتيهم هذا اليوم الذي يطول عليهم طولا شديدا، لما يرون فيه من عذاب مهين.قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قال ابن عباس ومجاهد: يعنى من الأيام التي خلق فيها السموات والأرض. وقال عكرمة: يعنى من أيام الآخرة، أعلمهم الله إذ استعجلوه بالعذاب في أيام قصيرة أنه يأتيهم به في أيام طويلة.وقال الفراء: هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة.وقيل المعنى: وإن يوما في الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سنى الدنيا فيها خوف وشدة.. .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ويستعجلونك بالعذاب ) نزلت في النضر بن الحارث حيث قال : إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ( ولن يخلف الله وعده ) فأنجز ذلك يوم بدر . ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي : " يعدون " بالياء هاهنا لقوله : ( ويستعجلونك ) وقرأ الباقون : بالتاء لأنه أعم ، لأنه خطاب للمستعجلين والمؤمنين ، واتفقوا في تنزيل " السجدة " أنه بالتاء .قال ابن عباس : يعني يوما من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض .وقال مجاهد وعكرمة : يوما من أيام الآخرة ، والدليل عليه ما روي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة ، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم ، وذلك مقدار خمسمائة سنة " .قال ابن زيد : " وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " هذه أيام الآخرة . وقوله : " كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون " يوم القيامة . والمعنى على هذا : أنهم يستعجلون بالعذاب ، وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة .وقيل : معناه وإن يوما من أيام العذاب الذي استعجلوه في الثقل والاستطالة والشدة كألف سنة مما تعدون ، فكيف تستعجلونه؟ هذا كما يقال : أيام الهموم طوال ، وأيام السرور قصار .وقيل : معناه إن يوما عنده وألف سنة في الإمهال سواء ، لأنه قادر متى شاء أخذهم لا يفوته شيء بالتأخير ، فيستوي في قدرته وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء .