﴿ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: لم نرسل الرسل عبثا، ولا ليتخذهم الناس أربابا، ولا ليدعوا إلى أنفسهم، بل أرسلناهم يدعون الناس إلى كل خير، وينهون عن كل شر، ويبشرونهم على امتثال ذلك بالثواب العاجل والأجل، وينذرونهم على معصية ذلك بالعقاب العاجل والآجل، فقامت بذلك حجة الله على العباد، ومع ذلك يأبى الظالمون الكافرون، إلا المجادلة بالباطل، ليدحضوا به الحق، فسعوا في نصر الباطل مهما أمكنهم، وفي دحض الحق وإبطاله، واستهزءوا برسل الله وآياته، وفرحوا بما عندهم من العلم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، ويظهر الحق على الباطل بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ومن حكمة الله ورحمته، أن تقييضه المبطلين المجادلين الحق بالباطل، من أعظم الأسباب إلى وضوح الحق وتبين شواهده وأدلته، وتبين الباطل وفساده، فبضدها تتبين الأشياء.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- تعالى- وظيفة الرسل فقال: وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ.أى: تلك هي وظيفة الرسل الكرام الذين نرسلهم لهداية الناس وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.فهم يبشرون المؤمنين بحسن العاقبة وجزيل الثواب، وينذرون الفاسقين والكافرين بسوء العاقبة، وشديد العقاب.وقوله- تعالى-: وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ بيان لموقف الكافرين من الرسل- عليهم الصلاة والسلام-.ويجادل من المجادلة بمعنى المخاصمة والمنازعة. ومفعوله محذوف.والباطل: هو الشيء الزائل المضمحل الذي هو ضد الحق والعدل. والحق هو الشيء الثابت القويم الذي تؤيده شريعة الله- عز وجل-.والدحض: الطين الذي لا تستقر عليه الأقدام. فمعنى يدحضوا: يزيلوا ويبطلوا تقول العرب: دحضت رجل فلان، إذا زلت وزلقت.. ومنه قوله- تعالى-: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ.والمعنى: ويجادل الذين كفروا رسلهم بالجدال الباطل، ليزيلوا به الحق الذي جاء به هؤلاء الرسل ويدحضوه ويبطلوه، والله- تعالى- متم نوره ولو كره الكافرون، فإن الباطل مهما طال فإن مصيره إلى الاضمحلال والزوال.وقوله- تعالى- وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً معطوف على ما قبله لبيان رذيلة أخرى من رذائل هؤلاء الكافرين.والمراد بآيات الله: تلك المعجزات التي أيد الله- تعالى- بها رسله سواء أكانت قولا أم فعلا، ويدخل فيها القرآن دخولا أوليا.أى: أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بجدال رسلهم بالباطل، بل أضافوا إلى ذلك أنهم اتخذوا الآيات التي جاء بها الرسل كدليل على صدقهم، واتخذوا ما أنذروهم به من قوارع إذا ما استمروا على كفرهم. اتخذوا كل ذلك «هزوا» أى: اتخذوها محل سخريتهم ولعبهم ولهوهم واستخفافهم، كما قال- سبحانه-: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ) ومجادلتهم قولهم : " أبعث الله بشرا رسولا " ( الإسراء - 94 ) . " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " ( الزخرف - 31 ) وما أشبهه ( ليدحضوا ) ليبطلوا ( به الحق ) وأصل الدحض الزلق يريد ليزيلوا به الحق ( واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ) فيه إضمار يعني وما أنذروا به وهو القرآن هزوا أي استهزاء .