يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ْأي: عبدا صالحا ترضاه وتحببه إلى عبادك، والحاصل أنه سأل الله ولدا، ذكرا، صالحا، يبق بعد موته، ويكون وليا من بعده، ويكون نبيا مرضيا عند الله وعند خلقه، وهذا أفضل ما يكون من الأولاد، ومن رحمة الله بعبده، أن يرزقه ولدا صالحا، جامعا لمكارم الأخلاق ومحامد الشيم. فرحمه ربه واستجاب دعوته
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والمراد بالوراثة في قوله يَرِثُنِي وراثة العلم والنبوة والصفات الحميدة.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: «وقوله: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي قرأ الأكثرون بنصب الياء من الموالي على أنه مفعول، وعن الكسائي أنه سكن الياء..ووجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفا سيئا. فسأل الله ولدا يكون نبيا من بعده ليسوسهم بنبوته.. لا أنه خشي من وراثتهم له ماله. فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى هذا الحد، وأن يأنف من وراثة عصبته له، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم.وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» .وعلى هذا فتعين حمل قوله فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي على ميراث النبوة ولهذا قال: وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ كقوله: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ أى: في النبوة، إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل، أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة» .وقال بعض العلماء ما ملخصه: ومعنى يَرِثُنِي أى: إرث علم ونبوة، ودعوة إلى الله والقيام بدينه، لا إرث مال، ويدل لذلك أمران:أحدهما قوله: وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ومعلوم أن آل يعقوب انقرضوا من زمان، فلا يورث عنهم إلا العلم والنبوة والدين.والأمر الثاني ما جاء من الأدلة أن الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم- لا يورث عنهم المال، وإنما يورث عنهم العلم والدين، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان عن أبى بكر الصديق أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» .ثم بين القرآن الكريم أن الله- تعالى- قد أجاب بفضله وكرمه دعاء عبده زكريا. كما بين ما قاله زكريا عند ما بشره ربه بغلام اسمه يحيى فقال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قرأ أبو عمرو والكسائي : بجزم الثاء فيهما ، على جواب الدعاء ، وقرأ الآخرون بالرفع على الحال والصفة ، أي : وليا وارثا .واختلفوا في هذا الإرث; قال الحسن : معناه يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والحبورة .وقيل : أراد ميراث النبوة والعلم .وقيل : أراد إرث الحبورة ، لأن زكريا كان رأس الأحبار .قال الزجاج : والأولى أن يحمل على ميراث غير المال؛ لأنه يبعد أن يشفق زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يرثه بنو عمه ماله .والمعنى : أنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما كان شاهده من بني إسرائيل ، من تبديل الدين وقتل الأنبياء ، فسأل ربه وليا صالحا يأمنه على أمته ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع الدين . وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما .( واجعله رب رضيا ) أي برا تقيا مرضيا .