وخص اللّه المشارق بالذكر، لدلالتها على المغارب، أو لأنها مشارق النجوم التي سيذكرها، فلهذا قال: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى ذكر اللّه في الكواكب هاتين الفائدتين العظيمتين:إحداهما: كونها زينة للسماء، إذ لولاها، لكانت السماء جرما مظلما لا ضوء فيها، ولكن زينها فيها لتستنير أرجاؤها، وتحسن صورتها، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ويحصل فيها من المصالح ما يحصل.والثانية: حراسة السماء عن كل شيطان مارد، يصل بتمرده إلى استماع الملأ الأعلى، وهم الملائكة، فإذا استمعت قذفتها بالشهب الثواقب مِنْ كُلِّ جَانِبٍ طردا لهم، وإبعادا عن استماع ما يقول الملأ الأعلى.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك بعض مظاهر قدرته في خلقه لهذه السموات وكيف أنه- تعالى- قد زين السماء الدنيا بالكواكب. وحفظها من تسلل أى شيطان إليها فقال تعالى:وقوله- تعالى-: زَيَّنَّا من التزيين بمعنى التحسين والتجميل. والمراد بالسماء الدنيا:السماء التي هي أقرب سماء إلى الأرض. فالدنيا مؤنث أدنى بمعنى أقرب.والكواكب: جمع كوكب وهو النجم الذي يرى في السماء.وقوله: بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ فيه ثلاث قراءات سبعية، فقد قرأ الجمهور بإضافة زينة إلى الكواكب. أى: بلا تنوين في لفظ «بزينة» . وقرأ بعضهم بتنوين لفظ «زينة» وخفض لفظ الكواكب على أنه بدل منه. وقرأ بعضهم بتنوين لفظ بِزِينَةٍ ونصب لفظ الكواكب، على أنه مفعول لفعل محذوف أى: أعنى الكواكب.والمعنى: إنا بقدرتنا وفضلنا زينا السماء الدنيا التي ترونها بأعينكم- أيها الناس- بالكواكب، فجعلناها مضيئة بحيث تهتدون بها في سيركم من مكان إلى مكان.كما قال- تعالى- في آية أخرى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ .ومما لا شك أن منظر السماء وهي مليئة بالنجوم، يشرح الصدور، ويؤنس النفوس، وخصوصا للسائرين في فجاج الأرض، أو ظلمات البحر.
﴿ تفسير البغوي ﴾
" إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب "، قرأ عاصم، برواية أبي بكر: (( بزينة )) منونة (( الكواكب )) نصب، أي: بتزييننا الكواكب، وقرأ حمزة ، وحفص: (( بزينة )) منونة، (( الكواكب )) خفضاً على البدل، أي: بزينة بالكواكب، أي: زيناها بالكواكب. وقرأ الآخرون: (( بزينة الكواكب ))، بلا تنوين على الإضافة. قال ابن عباس: بضوء الكواكب.