﴿ قال ياقوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
وهذا من أعظم أنواع المكابرة، التي لا تروج على أضعف الناس عقلا، وإنما هذا الوصف منطبق على قوم نوح، الذين جاءوا إلى أصنام قد صوروها ونحتوها بأيديهم، من الجمادات التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تغني عنهم شيئا، فنزلوها منزلة فاطر السماوات، وصرفوا لها ما أمكنهم من أنواع القربات، فلولا أن لهم أذهانا تقوم بها حجة اللّه عليهم لحكم عليهم بأن المجانين أهدى منهم، بل هم أهدى منهم وأعقل، فرد نوح عليهم ردا لطيفا، وترقق لهم لعلهم ينقادون له فقال: يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ أي: لست ضالا في مسألة من المسائل بوجه من الوجوه، وإنما أنا هاد مهتد، بل هدايته عليه الصلاة والسلام من جنس هداية إخوانه، أولي العزم من المرسلين، أعلى أنواع الهدايات وأكملها وأتمها، وهي هداية الرسالة التامة الكاملة، ولهذا قال: وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي: ربي وربكم ورب جميع الخلق، الذي ربى جميع الخلق بأنواع التربية، الذي من أعظم تربيته أن أرسل إلى عباده رسلا تأمرهم بالأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والعقائد الحسنة وتنهاهم عن أضدادها، ولهذا قال:
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ويرد نوح على قومه بأسلوب عف مهذب، فينفى عن نفسه الضلالة، ويكشف لهم عن حقيقة دعوته ومصدرها فيقول- كما حكى القرآن عنه-:قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ أى: قال نوح لقومه مستميلا لقلوبهم: يا قوم ليس بي أدنى شيء مما يسمى بالضلال فضلا عن الضلال المبين الذي رميتمونى به، فقد نفى الضلال عن نفسه الكريمة على أبلغ وجه، لأن التاء في- ضلالة- للمرة الواحدة منه، ونفى الأدنى أبلغ من نفى الأعلى، والمقام يقتضى ذلك، لأنهم لما بالغوا في رميه بالضلال المبين، رد عليهم بما يبرئه من أى لون من ألوانه. وفي تقديم الظرف (بي) تعريض بأنهم هم في ضلال واضح.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( قال ) نوح ، ( يا قوم ليس بي ضلالة ) ولم يقل ليست ، لأن معنى الضلالة : الضلال أو على تقديم الفعل ، ( ولكني رسول من رب العالمين )