ولكن نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ ْ أي: انقلب الأمر عليهم، وانتكست عقولهم وضلت أحلامهم، فقالوا لإبراهيم: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ْ فكيف تهكم بنا وتستهزئ بنا وتأمرنا أن نسألها وأنت تعلم أنها لا تنطق؟ .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ولكن هذا الأثر، وهذا اللوم لأنفسهم، لم يلبث إلا قليلا حتى تبدد، بسبب استيلاء العناد والجحود عليهم، فقد صور القرآن حالهم بعد ذلك فقال: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ.وقوله: نُكِسُوا فعل مبنى للمجهول من النكس، وهو قلب الشيء من حال إلى حال، وأصله: قلب الشيء بحيث يصير أعلاه أسفله.أى: ثم انقلبوا من لومهم لأنفسهم لعبادتهم لما لا يقدر على دفع الأذى عنه، إلى التصميم على كفرهم وضلالهم، فقالوا لإبراهيم على سبيل التهديد: لقد علمت أن هذه الأصنام لا تنطق، فكيف تأمرنا بسؤالها؟ إن أمرك هذا لنا لهو دليل على أنك تسخر بعقولنا، ونحن لن نقبل ذلك، وسننزل بك العقاب الذي تستحقه.وقد شبه القرآن الكريم عودتهم إلى باطلهم وعنادهم، بعد رجوعهم إلى أنفسهم باللوم، شبه ذلك بالانتكاس، لأنهم بمجرد أى خطرت لهم الفكرة السليمة، أطفأوها بالتصميم على الكفر والضلال، فكان مثلهم كمثل من انتكس على رأسه بعد أن كان ما شيا على قدميه، فيا له من تصوير بديع لحالة من يعود إلى الظلام، بعد أن يتبين له النور.والجملة الكريمة لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ جواب لقسم محذوف، معمول لقول محذوف، والتقدير: ثم نكسوا على رءوسهم قائلين: والله لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.ولم يملك إبراهيم إزاء انتكاسهم على رءوسهم، إلا أن يوبخهم بعنف وضيق، - وهو الحليم الأواه المنيب- وقد قابلوا تأنيبه لهم بتوعده بالعذاب الشديد، ولكن الله- تعالى- نجاه من مكرهم، قال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ثم نكسوا على رءوسهم ) قال أهل التفسير : أجرى الله الحق على لسانهم في القول الأول ، ثم أدركتهم الشقاوة ، فهو معنى قوله : ( ثم نكسوا على رءوسهم ) أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم ، يقال نكس المريض إذا رجع إلى حاله الأول ، وقالوا : ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) فكيف نسألهم؟ فلما اتجهت الحجة لإبراهيم عليه السلام .