﴿ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: كل مَنْ أطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه من ذكر وأنثى وصغير وكبير، فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي: النعمة العظيمة التي تقتضي الكمال والفلاح والسعادة مِنَ النَّبِيِّينَ الذين فضلهم الله بوحيه، واختصهم بتفضيلهم بإرسالهم إلى الخلق، ودعوتهم إلى الله تعالى وَالصِّدِّيقِينَ وهم: الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به قولا وعملا وحالا ودعوة إلى الله، وَالشُّهَدَاءِ الذين قاتلوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله فقتلوا، وَالصَّالِحِينَ الذين صلح ظاهرهم وباطنهم فصلحت أعمالهم، فكل من أطاع الله تعالى كان مع هؤلاء في صحبتهم وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا بالاجتماع بهم في جنات النعيم والأُنْس بقربهم في جوار رب العالمين.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
روى المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا فلان مالي أراك محزونا؟ فقال الرجل: يا نبي الله شيء فكرت فيه. فقال ما هو؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك. وغدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك. فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا. فأتاه جبريل بهذه الآية. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ.. إلخ.قال: فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فبشره» .والمعنى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ بالانقياد لأمره ونهيه، ويطع الرَّسُولَ في كل ما جاء به من ربه «فأولئك» المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بالنعم التي تقصر العبارات عن تفصيلها وبيانها.وقوله: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ بيان للمنعم عليهم الذين يكون المطيع في صحبتهم ورفقتهم.أى: فأولئك المتصفون بتمام الطاعة لله- تعالى- ولرسوله صلى الله عليه وسلم، يكونون يوم القيامة في صحبة الأنبياء الذين أرسلهم الله مبشرين ومنذرين فبلغوا رسالته ونالوا منه- سبحانه- أشرف المنازل.وبدأ- سبحانه- بالنبيين لعلو درجاتهم، وسمو منزلتهم على من عداهم من البشر.وقوله وَالصِّدِّيقِينَ جمع صديق وهم الذين صدقوا بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم تصديقا لا يخالجه شك، ولا تحوم حوله ريبة، وصدقوا في دفاعهم عن عقيدتهم وتمسكهم بها، وسارعوا إلى ما يرضى الله بدون تردد أو تباطؤ.وقوله وَالشُّهَداءِ جمع شهيد. وهم الذين استشهدوا في سبيل الله، ومن أجل إعلاء دينه وشريعته.وقوله وَالصَّالِحِينَ جمع صالح. وهم الذين صلحت نفوسهم، واستقامت قلوبهم وأدوا ما يجب عليهم نحو خالقهم ونحو أنفسهم ونحو غيرهم.هؤلاء هم الأخيار الأطهار الذين يكون المطيعون لله ولرسوله في رفقتهم وصحبتهم.قال الفخر الرازي: «وليس المراد بكون من أطاع الله وأطاع الرسول مع النبيين والصديقين ... كون الكل في درجة واحدة، لأن هذا يقتضى التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول. وأنه لا يجوز. بل المراد كونهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الأخر، وإن بعد المكان، لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضا: وإذا أرادوا الزيارة والتلاقي قدروا عليه. فهذا هو المراد من هذه المعية.ثم قال: وقد دلت الآية على أنه لا مرتبة بعد النبوة في الفضل والعلم إلا هذا الوصف. وهو كون الإنسان صديقا ولذا أينما ذكر في القرآن الصديق والنبي لم يجعل بينهما واسطة كما قال- تعالى- في صفة إدريس إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا .وقوله- تعالى وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً تذييل مقرر لما قبله مؤكد للترغيب في العمل الصالح الذي يوصل المسلم إلى صحبة هؤلاء الكرام.وقوله حَسُنَ فعل مراد به المدح ملحق بنعم. ومضمن معنى التعجب من حسنهم.واسم الإشارة أُولئِكَ يعود إلى كل صنف من هذه الأصناف الأربعة وهم النبيون ومن بعدهم.والرفيق: هو المصاحب الذي يلازمك في عمل أو سفر أو غيرهما. وسمى رفيقا لأنك ترافقه ويرافقك ويستعين كل واحد منكما بصاحبه في قضاء شئونه. وهو مشتق من الرفق بمعنى لين الجانب، ولطف المعاشرة.ولم يجمع، لأن صيغة فعيل يستوي فيها الواحد وغيره.والمعنى وحسن كل واحد من أولئك الأخيار- وهم الأنبياء ومن بعدهم- رفيقا ومصاحبا في الجنة لأن رفقة كل واحد منهم تشرح الصدور، وتبهج النفوس.والمخصوص بالمدح محذوف أى: وحسن كل واحد من المذكورين رفيقا أو وحسن المذكورون أو الممدوحون رفيقا، لأن حسن لها حكم نعم.وقوله أُولئِكَ فاعل حسن. ورفيقا تمييز.قال صاحب الكشاف وقوله وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فيه معنى التعجب كأنه قيل:وما أحسن أولئك رفيقا. ولاستقلاله بمعنى التعجب قرئ وحسن بسكون السين) .
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين ) الآية ، نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه يعرف الحزن في وجهه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما غير لونك " ؟ فقال : يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك لأنك ترفع مع النبيين ، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدا ، فنزلت هذه الآية .وقال قتادة : قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : كيف يكون الحال في الجنة وأنت في الدرجات العلى ونحن أسفل منك؟ فكيف نراك؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .( ومن يطع الله ) في أداء الفرائض ، ( والرسول ) في السنن ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين ) أي لا تفوتهم رؤية الأنبياء ومجالستهم لا أنهم يرفعون إلى درجة الأنبياء ، ( والصديقين ) وهم أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والصديق المبالغ في الصدق ، ( والشهداء ) قيل : هم الذين استشهدوا في يوم أحد ، وقيل : الذين استشهدوا في سبيل الله ، وقال عكرمة : النبيون هاهنا : محمد صلى الله عليه وسلم والصديقون أبو بكر ، والشهداء عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، ( والصالحين ) سائر الصحابة رضي الله عنهم ، ( وحسن أولئك رفيقا ) يعني : رفقاء الجنة ، والعرب تضع الواحد موضع الجمع ، كقوله تعالى : ( ثم نخرجكم طفلا ) ( غافر - 67 ) أي : أطفالا ( ويولون الدبر ) أي : الأدبار .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، أنا أبو العباس السراج ، أنا قتيبة بن سعد ، أنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله الرجل يحب قوما ولما يلحق بهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " المرء مع من أحب " .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي وأبو عمرو محمد بن عبد الرحمن النسوي قالا أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا أبو يحيى زكريا بن يحيى المروزي ، أنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله متى الساعة؟ قال : " وما أعددت لها " ؟ قال : فلم يذكر كثيرا ، إلا أنه يحب الله ورسوله قال : " فأنت مع من أحببت " .