﴿ فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا أي: ناداه الله تعالى وأخبره أن هذا محل مقدس مبارك، ومن بركته أن جعله الله موضعا لتكليم الله لموسى وندائه وإرساله.وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عن أن يظن به نقص أو سوء بل هو الكامل في وصفه وفعله.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- ما حدث لموسى عند ما اقترب من النار فقال: فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها ... وأَنْ هنا مفسرة، لما في النداء من معنى القول.وقوله: بُورِكَ من البركة، بمعنى ثبوت الخير وكثرته. والخير هنا يتمثل في تكليم الله- تعالى- لنبيه موسى. وفي ندائه له. وتشريفه برسالته، وتأييده بالمعجزات.والمراد بمن في النار: من هو قريب منها، وهو موسى- عليه السلام-.والمراد بمن حولها: الملائكة الحاضرون لهذا النداء، أو الأماكن المجاورة لها.أى: فلما وصل موسى- عليه السلام- إلى القرب من مكان النار، نودي موسى من قبل الله- عز وجل- على سبيل التكريم والتحية: أن قدس وطهر واختير للرسالة من هو بالقرب منها وهو موسى- عليه السلام- ومن حولها من الملائكة، أو الأماكن القريبة منها.قال الآلوسى: «قوله: مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها ذهب جماعة إلى أن في الكلام مضافا مقدرا في موضعين. أى: من في مكان النار، ومن حول مكانها قالوا: ومكانها البقعة التي حصلت فيها، وهي البقعة المباركة، المذكورة في قوله- تعالى-: فَلَمَّا أَتاها أى النار- نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ... .وقيل: من في النار: موسى- عليه السلام-، ومن حولها: الملائكة الحاضرون ... وقيل الأول الملائكة، والثاني موسى، واستغنى بعضهم عن تقدير المضاف بجعل الظرفية مجازا عن القرب التام ... وأيا ما كان فالمراد بذلك بشارة موسى- عليه السلام-» .وقال الشوكانى: «ومذهب المفسرين أن المراد بالنار- هنا- النور» .وقوله- تعالى-: وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ من تتمة النداء، وخبر منه- تعالى- لموسى بالتنزيه. لئلا يتوهم من سماع كلامه- تعالى- التشبيه بما للبشر من كلام.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها ) أي : بورك على من في النار أو من في النار ، والعرب تقول : باركه الله وبارك فيه ، وبارك عليه ، بمعنى واحد . وقال قوم : البركة راجعة إلى موسى والملائكة ، معناه : بورك في من طلب النار ، وهو موسى عليه السلام ) ( ومن حولها ) وهم الملائكة الذين حول النار ، ومعناه : بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين حول النار ، وهذا تحية من عند الله - عز وجل - لموسى بالبركة ، كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت . ومذهب أكثر المفسرين أن المراد بالنار النور ، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا ، و " من في النار " هم الملائكة ، وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس والتسبيح ، و " من حولها " هو موسى لأنه كان بالقرب منها ، ولم يكن فيها . وقيل : " من في النار ومن حولها " جميعا الملائكة . وقيل : " من في النار " موسى و " من حولها " الملائكة ، وموسى وإن لم يكن في النار كان قريبا منها ، كما يقال : بلغ فلان المنزل ، إذا قرب منه ، وإن لم يبلغه بعد . وذهب بعضهم إلى أن البركة راجعة إلى النار . وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : معناه بوركت النار . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سمعت أبيا يقرأ : أن بوركت النار ومن حولها ، و " من " قد تأتي بمعنى ما ، كقوله تعالى : فمنهم من يمشي على بطنه ( النور - 45 ) ، و " ما " قد يكون صلة في الكلام ، كقوله " جند ما هنالك " ( ص - 11 ) ، ومعناه : بورك في النار وفيمن حولها ، وهم الملائكة وموسى عليهم السلام ، وسمى النار مباركة كما سمى البقعة مباركة فقال : " في البقعة المباركة " .وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن في قوله : ( بورك من في النار ) يعني قدس من في النار ، وهو الله ، عنى به نفسه ، على معنى أنه نادى موسى منها وأسمعه كلامه من جهتها كما روي : أنه مكتوب في التوراة : " جاء الله من سيناء ، وأشرف من ساعين ، واستعلى من جبال فاران " فمجيئه من سيناء : بعثة موسى منها ، ومن ساعين بعثة المسيح منها ، ومن جبال فاران بعثة المصطفى منها ، وفاران مكة . قيل : كان ذلك نوره - عز وجل - . قال سعيد بن جبير : كانت النار بعينها ، والنار إحدى حجب الله تعالى ، كما جاء في الحديث : " حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ثم نزه الله نفسه وهو المنزه من كل سوء وعيب ، فقال جل ذكره . ( وسبحان الله رب العالمين )