القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 10 سورة البقرة - في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم

سورة البقرة الآية رقم 10 : سبع تفاسير معتمدة

سورة في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم - عدد الآيات 286 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 10 من سورة البقرة عدة تفاسير - سورة البقرة : عدد الآيات 286 - - الصفحة 3 - الجزء 1.

سورة البقرة الآية رقم 10


﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ ﴾
[ البقرة: 10]

﴿ التفسير الميسر ﴾

في قلوبهم شكٌّ وفساد فابْتُلوا بالمعاصي الموجبة لعقوبتهم، فزادهم الله شكًا، ولهم عقوبة موجعة بسبب كذبهم ونفاقهم.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«في قلوبهم مرض» شك ونفاق فهو يمرض قلوبهم أي يضعفها «فزادهم الله مرضاً» بما أنزله من القرآن لكفرهم به «ولهم عذاب أليم» مؤلم «بما كانوا يُكذّبوِن» بالتشديد أي: نبي الله، وبالتخفيف أي قولهم آمنا.

﴿ تفسير السعدي ﴾

وقوله: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والمراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات والنفاق، لأن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله: مرض الشبهات الباطلة, ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع, كلها من مرض الشبهات، والزنا, ومحبة [الفواحش و]المعاصي وفعلها, من مرض الشهوات ، كما قال تعالى: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وهي شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين, فحصل له اليقين والإيمان, والصبر عن كل معصية, فرفل في أثواب العافية.
وفي قوله عن المنافقين: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين, وأنه بسبب ذنوبهم السابقة, يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وقال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وقال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ فعقوبة المعصية, المعصية بعدها, كما أن من ثواب الحسنة, الحسنة بعدها، قال تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى

﴿ تفسير البغوي ﴾

في قلوبهم مرض: شك ونفاق، وأصل المرض الضعف.
وسمي الشك في الدين مرضاً لأنه يضعف الدين كالمرض يضعف البدن.
فزادهم الله مرضاً: لأن الآيات كانت تنزل تترى، آية بعد آية، كلما كفروا بآية ازدادوا كفراً ونفاقاً وذلك معنى قوله تعالى: وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم [125-التوبة].
وقرأ ابن عامر وحمزة ف(زادهم) بالإمالة، وزاد حمزة إمالة (زاد) حيث وقع و(زاغ) و(خاب) و(طاب) و(حاق) و(ضاق)، والآخرون لا يميلونها.
ولهم عذاب أليم: مؤلم يخلص وجعه إلى قلوبهم.
بما كانوا يكذبون: ما للمصدر أي بتكذيبهم الله ورسوله في السر.
قرأ الكوفيون (يكذبون) بالتخفيف أي بكذبهم (إذ) قالوا آمنا وهم غير مؤمنين.

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم بين - سبحانه - العلة في خداعهم لله وللمؤمنين فقال : ( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) .
والمرض : العلة في البدن ونقيضه الصحة ، وقد يستعمل على وجه الاستعارة فيما يعرض للمرء فيخل بكمال نفسه ، كسوء العقيدة والحسد ، والبغضاء والنفاق ، وهو المراد هنا .
وسمي ما هم فيه من نفاق وكفر مرضا ، لكونه مانعا لهم من إدراك الفضائل .
كما أن مرض الأبدان يمنعها من التصرف الكامل .
وجعل القرآن قلوبهم ظرفا للمرض ، للإٍشعار بأنه تمكن منها تمكناً شديداً كما يتمكن الظرف من المظروف فيه .
ثم أخبر - سبحانه - بأنهم بسبب سوء أعمالهم قد زادهم الله ضلالا وخسراً فقال : ( فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً ) .
لأنهم استمروا في نفاقهم وشكهم ، ومن سنة الله أن المريض إذا لم يعالج مرضه زاد لا محالة مرضه ، إذ المرض ينشئ المرض ، والانحراف يبدأ يسيراً ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد .
والمعنى : أن هؤلاء المنافقين قد زادهم رجساً على رجسهم ، ومرضا على مرضهم ، وحسدا على حسدهم ، لأنهم عموا وصموا عن الحق ، ولأنهم كانوا يحزنون لأي نعمة تنزل بالمؤمنين .
كما قال - تعالى : ( إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ) ثم بين - سبحانه - سوء عاقبتهم فقال : ( وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) .
( أَلِيمٌ ) أي : مؤلم وموجع وجعاً شديدا .
من ألم - كفرح - فهو ألم ، وآلمه يؤلمه إيلاما ، أي : أوجعه إيجاعاً شديدا .
والكذب : الإِخبار عن الشيء بخلاف الواقع .
ولقد كان المنافقون كاذبين في قولهم " آمنا بالله وباليوم الآخر " وهم غير مؤمنين ، وجعلت الآية الكريمة العذاب الأليم مرتبا على كذبهم مع أنهم كفرة ، والكفر أكبر معصية من الكذب ، للإشعار بقبح الكذب ، وللتنفير منه بأبلغ وجه ، فهؤلاء المنافقون قد جمعوا الخستين ، الكفر الذي توعد الله مرتكبه بالعذاب العظيم ، والكذب الذي توعد الله مقترفة بالعقاب الأليم .
وعبر بقوله : ( كَانُوا يَكْذِبُون ) لإفادة تجدد الكذب وحدوثه منهم حيناً بعد حين ، وأن هذه الصفة هي أخص صفاتهم ، وأبرز جرائمهم .

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

قال السدي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية : ( في قلوبهم مرض ) قال : شك ، ( فزادهم الله مرضا ) قال : شكا .وقال [ محمد ] بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس [ في قوله ] ( : ( في قلوبهم مرض ) قال : شك .وكذلك قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن البصري ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة .وعن عكرمة ، وطاوس : ( في قلوبهم مرض ) يعني : الرياء .وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( في قلوبهم مرض ) قال : نفاق ( فزادهم الله مرضا ) قال : نفاقا ، وهذا كالأول .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( في قلوبهم مرض ) قال : هذا مرض في الدين ، وليس مرضا في الأجساد ، وهم المنافقون . والمرض : الشك الذي دخلهم في الإسلام ( فزادهم الله مرضا ) قال : زادهم رجسا ، وقرأ : ( فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) [ التوبة : 124 ، 125 ] قال : شرا إلى شرهم وضلالة إلى ضلالتهم .وهذا الذي قاله عبد الرحمن - رحمه الله - حسن ، وهو الجزاء من جنس العمل ، وكذلك قاله الأولون ، وهو نظير قوله تعالى أيضا : ( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) [ محمد : 17 ] .وقوله ( بما كانوا يكذبون ) وقرئ : يكذبون ، وقد كانوا متصفين بهذا وهذا ، فإنهم كانوا كذبة يكذبون بالحق يجمعون بين هذا وهذا . وقد سئل القرطبي وغيره من المفسرين عن حكمة كفه - عليه السلام - عن قتل المنافقين مع علمه بأعيان بعضهم ، وذكروا أجوبة عن ذلك منها ما ثبت في الصحيحين : أنه قال لعمر : أكره أن يتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه ومعنى هذا خشية أن يقع بسبب ذلك تغير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ولا يعلمون حكمة قتله لهم ، وأن قتله إياهم إنما هو على الكفر ، فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم فيقولون : إن محمدا يقتل أصحابه ، قال القرطبي : وهذا قول علمائنا وغيرهم كما كان يعطي المؤلفة قلوبهم مع علمه بشر اعتقادهم . قال ابن عطية : وهي طريقة أصحاب مالك نص عليه محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهري وابن الماجشون . ومنها : ما قال مالك ، رحمه الله : إنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه .قال القرطبي : وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه ، وإن اختلفوا في سائر الأحكام ، قال : ومنها ما قال الشافعي : إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم ؛ لأن ما يظهرونه يجب ما قبله . ويؤيد هذا قوله - عليه الصلاة والسلام - في الحديث المجمع على صحته في الصحيحين وغيرهما : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل . ومعنى هذا : أن من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهرا ، فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الدار الآخرة ، وإن لم يعتقدها لم ينفعه في الآخرة جريان الحكم عليه في الدنيا ، وكونه كان خليط أهل الإيمان ( ينادونهم ألم نكن معكم قالوا : بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله ) الآية [ الحديد : 14 ] ، فهم يخالطونهم في بعض المحشر ، فإذا حقت المحقوقية تميزوا منهم وتخلفوا بعدهم ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) [ سبأ : 54 ] ولم يمكنهم أن يسجدوا معهم كما نطقت بذلك الأحاديث ، ومنها ما قاله بعضهم : أنه إنما لم يقتلهم لأنه كان يخاف من شرهم مع وجوده - عليه السلام - بين أظهرهم يتلو عليهم آيات الله مبينات ، فأما بعده فيقتلون إذا أظهروا النفاق وعلمه المسلمون ، قال مالك : المنافق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزنديق اليوم . قلت : وقد اختلف العلماء في قتل الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم لا . أو يفرق بين أن يكون داعية أم لا ، أو يتكرر منه ارتداده أم لا ، أو يكون إسلامه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر عليه ؟ على أقوال موضع بسطها وتقريرها وعزوها كتاب الأحكام .( تنبيه ) قول من قال : كان عليه الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقا في غزوة تبوك الذين هموا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك ؛ عزموا على أن ينفروا به الناقة ليسقط عنها فأوحى الله إليه أمرهم فأطلع على ذلك حذيفة . ولعل الكف عن قتلهم كان لمدرك من هذه المدارك أو لغيرها والله أعلم .فأما غير هؤلاء فقد قال تعالى : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) الآية ، وقال تعالى : ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ) ففيها دليل على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم وإنما كانت تذكر له صفاتهم فيتوسمها في بعضهم كما قال تعالى : ( ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ) وقد كان من أشهرهم بالنفاق عبد الله بن أبي بن سلول وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلام الذي سبق في صفات المنافقين ومع هذا لما مات [ صلى عليه ] صلى الله عليه وسلم وشهد دفنه كما يفعل ببقية المسلمين ، وقد عاتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه فقال : إني أكره أن تتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه وفي رواية في الصحيح إني خيرت فاخترت وفي رواية لو أني أعلم لو زدت على السبعين يغفر الله له لزدت .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبونقوله تعالى : في قلوبهم مرض ابتداء وخبر .
والمرض عبارة مستعارة للفساد الذي في عقائدهم .
وذلك إما أن يكون شكا ونفاقا ، وإما جحدا وتكذيبا .
والمعنى : قلوبهم مرضى لخلوها عن العصمة والتوفيق والرعاية والتأييد .
قال ابن فارس اللغوي : المرض كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير في أمر .
والقراء مجمعون على فتح الراء من ( مرض ) إلا ما روى الأصمعي عن أبي عمرو أنه سكن الراء .
قوله تعالى : فزادهم الله مرضا قيل : هو دعاء عليهم .
ويكون معنى الكلام : زادهم الله شكا ونفاقا جزاء على كفرهم وضعفا عن الانتصار وعجزا عن القدرة ، كما قال الشاعر :يا مرسل الريح جنوبا وصبا إذ غضبت زيد فزدها غضباأي لا تهدها على الانتصار فيما غضبت منه .
وعلى هذا يكون في الآية دليل على جواز الدعاء على المنافقين والطرد لهم ; لأنهم شر خلق الله .
وقيل : هو إخبار من الله تعالى عن زيادة مرضهم ، أي فزادهم الله مرضا إلى مرضهم ، كما قال في آية أخرى : فزادتهم رجسا إلى رجسهم .
وقال أرباب المعاني : في قلوبهم مرض أي بسكونهم إلى الدنيا وحبهم لها وغفلتهم عن الآخرة وإعراضهم عنها .
وقوله : فزادهم الله مرضا أي وكلهم إلى أنفسهم ، وجمع عليهم هموم الدنيا فلم يتفرغوا من ذلك إلى اهتمام بالدين .
ولهم عذاب أليم بما يفنى عما يبقى .
وقال الجنيد : علل القلوب من اتباع الهوى ، كما أن علل الجوارح من مرض البدن .
قوله تعالى : ولهم عذاب أليم ( أليم ) في كلام العرب معناه مؤلم أي موجع ، مثل السميع بمعنى المسمع ، قال ذو الرمة يصف إبلا :ونرفع من صدور شمردلات يصك وجوهها وهج أليموآلم إذا أوجع .
والإيلام : الإيجاع .
والألم : الوجع ، وقد ألم يألم ألما .
والتألم : التوجع .
ويجمع أليم على ألماء مثل كريم وكرماء ، وآلام مثل أشراف .
قوله تعالى : بما كانوا يكذبون ما مصدرية ، أي بتكذيبهم الرسل وردهم على الله جل وعز وتكذيبهم بآياته ، قاله أبو حاتم .
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف ، ومعناه بكذبهم وقولهم آمنا وليسوا بمؤمنين .
مسألة : واختلف العلماء في إمساك النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين مع علمه بنفاقهم على أربعة أقوال :القول الأول : قال بعض العلماء : إنما لم يقتلهم ; لأنه لم يعلم حالهم أحد سواه .
وقد اتفق العلماء على بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه ، وإنما اختلفوا في سائر الأحكام .
قال ابن العربي : وهذا منتقض ، فقد قتل بالمجذر بن زياد الحارث بن سويد بن الصامت ; لأن المجذر قتل أباه سويدا يوم بعاث ، فأسلم الحارث وأغفله يوم أحد فقتله ، فأخبر به جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقتله به ; لأن قتله كان غيلة ، وقتل الغيلة حد من حدود الله .
قلت : وهذه غفلة من هذا الإمام ; لأنه إن ثبت الإجماع المذكور فليس بمنتقض بما ذكر ; لأن الإجماع لا ينعقد ولا يثبت إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي ، وعلى هذا فتكون تلك قضية في عين بوحي ، فلا يحتج بها أو منسوخة بالإجماع .
والله أعلم .
القول الثاني : قال أصحاب الشافعي : إنما لم يقتلهم لأن الزنديق وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإيمان يستتاب ولا يقتل .
قال ابن العربي : وهذا وهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستتبهم ولا نقل ذلك أحد ، ولا يقول أحد إن استتابة الزنديق واجبة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم معرضا عنهم مع علمه بهم .
فهذا المتأخر من أصحاب الشافعي الذي قال : إن استتابة الزنديق جائزة قال قولا لم يصح لأحد .
القول الثالث : إنما لم يقتلهم مصلحة لتأليف القلوب عليه لئلا تنفر عنه ، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله لعمر : معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي أخرجه البخاري ومسلم .
وقد كان يعطي للمؤلفة قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم تألفا ، وهذا هو قول علمائنا وغيرهم .
قال ابن عطية .
وهي طريقة أصحاب مالك رحمه الله في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ، نص على هذا محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل الأبهري وابن الماجشون ، واحتج بقوله تعالى : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض إلى قوله : وقتلوا تقتيلا .
قال قتادة : معناه إذا هم أعلنوا النفاق .
قال مالك رحمه الله : النفاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزندقة فينا اليوم ، فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة ، وهو أحد قولي الشافعي .
قال مالك : وإنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه ; إذ لم يشهد على المنافقين .
قال القاضي إسماعيل : لم يشهد على عبد الله بن أبي إلا زيد بن أرقم وحده ، ولا على الجلاس بن سويد إلا عمير بن سعد ربيبه ، ولو شهد على أحد منهم رجلان بكفره ونفاقه لقتل .
وقال الشافعي رحمه الله محتجا للقول الآخر : السنة فيمن شهد عليه بالزندقة فجحد وأعلن بالإيمان وتبرأ من كل دين سوى الإسلام أن ذلك يمنع من إراقة دمه .
وبه قال أصحاب الرأي وأحمد والطبري وغيرهم .
قال الشافعي وأصحابه .
وإنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم ; لأن ما يظهرونه يجب ما قبله .
وقال الطبري : جعل الله تعالى الأحكام بين عباده على الظاهر ، وتولى الحكم في سرائرهم دون أحد من خلقه ، فليس لأحد أن يحكم بخلاف ما ظهر ; لأنه حكم بالظنون ، ولو كان ذلك لأحد كان أولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد حكم للمنافقين بحكم المسلمين بما أظهروا ، ووكل سرائرهم إلى الله .
وقد كذب الله ظاهرهم في قوله : والله يشهد إن المنافقين لكاذبون قال ابن عطية : ينفصل المالكيون عما لزموه من هذه الآية بأنها لم تعين أشخاصهم فيها ، وإنما جاء فيها توبيخ لكل مغموص عليه بالنفاق ، وبقي لكل واحد منهم أن يقول : لم أرد بها وما أنا إلا مؤمن ، ولو عين أحد لما جب كذبه شيئا .
قلت : هذا الانفصال فيه نظر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أو كثيرا منهم بأسمائهم وأعيانهم بإعلام الله تعالى إياه ، وكان حذيفة يعلم ذلك بإخبار النبي عليه السلام إياه حتى كان عمر رضي الله عنه يقول له : يا حذيفة هل أنا منهم ؟ فيقول له : لا .
القول الرابع : وهو أن الله تعالى كان قد حفظ أصحاب نبيه عليه السلام بكونه ثبتهم أن يفسدهم المنافقون أو يفسدوا دينهم فلم يكن في تبقيتهم ضرر ، وليس كذلك اليوم ; لأنا لا نأمن من الزنادقة أن يفسدوا عامتنا وجهالنا .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌقال أبو جعفر: وأصل المرَض: السَّقم, ثم يقال ذلك في الأجساد والأديان.
فأخبر الله جلّ ثناؤه أن في قلوب المنافقين مَرَضًا، وإنما عنى تبارك وتعالى بخبره ص[ 1-279 ] عن مرض قلوبهم، الخبرَ عن مرض ما في قلوبهم من الاعتقاد = ولكن لمّا كان معلومًا بالخبَر عن مرض القلب، أنَّه معنىٌّ به مرضُ ما هم معتقدُوه من الاعتقاد -استغنى بالخبَر عن القلب بذلك = والكفاية عن تصريح الخبَر عن ضمائرهم واعتقاداتهم (59) كما قال عُمر بن لَجَأ:وَسَبَّحَتِ الْمَدِينَةُ, لا تَلُمْهَا,رَأَتْ قَمَرًا بِسُوقِهِمُ نَهَارَا (60)يريد: وسبَّح أهل المدينة، فاستغنى بمعرفة السامعين خَبَرَه بالخبَرِ عن المدينة، عن الخبر عن أهلها.
ومثله قول عنترة العبسي:هَلا سَأَلتِ الْخَيْلَ يَا ابْنَةَ مَالِكٍ?إنْ كُنْتِ جَاهِلَةً بِمَا لَمْ تَعْلَمِي (61)يريد: هلا سألتِ أصحاب الخيل؟ ومنه قولهم: " يا خَيْلَ الله اركبي", يراد: يا أصحاب خيل الله اركبوا.
والشواهد على ذلك أكثر من أن يُحصيها كتاب, وفيما ذكرنا كفاية لمن وُفِّق لفهمه.
فكذلك معنى قول الله جل ثناؤه: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) إنما يعني: في اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه في الدين، والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم, وبما جاء به من عند الله - مَرَض وسُقْم.
فاجتزأ بدلالة الخبَر عن قلوبهم على معناه، عن تصريح الخبر عن اعتقادهم.
والمرضُ الذي ذكر الله جل ثناؤه أنّه في اعتقاد قلوبهم الذي وصفناه: هو شكُّهم في أمر محمد وما جاء به من عند الله، وتحيُّرُهم فيه, فلا هم به موقنون إيقان إيمان, ولا هم له منكرون إنكارَ إشراك، ولكنهم، كما وصفهم الله عز وجل، مُذَبْذَبُونَ بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء (62) كما يقال: فلانٌ يمَرِّضُ في هذا الأمر, أي يُضَعِّف العزمَ ولا يصحِّح الروِيَّة فيه.
وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك، تَظاهر القول في تفسيره من المفسِّرين.
* ذكر من قال ذلك:322- حدثنا محمد بن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: " في قلوبهم مرضٌ"، أي شكٌّ.
323- وحدِّثت عن المِنْجَاب, قال: حدثنا بشر بن عُمارة, عن أبي رَوْق، عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: المرض: النفاق.
324- حُدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرّة الهمداني، عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " في قلوبهم مرضٌ" يقول: في قلوبهم شكّ.
325- حُدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال عبد الرحمن بن زيد، في قوله: " في قلوبهم مَرَضٌ"، قال: هذا مرض في الدِّين، وليس مَرَضًا في الأجساد، قال: وهم المنافقون.
326- حدثني المثنَّى بن إبراهيم، قال: حدثنا سُوَيْد بن نصر, قال: أخبرنا ابنُ المبارك قراءةً، عن سعيد، عن قتادة، في قوله " في قلوبهم مَرَض " قال: في قلوبهم رِيبَة وشك في أمر الله جل ثناؤه.
327- وحدِّثت عن عمّار بن الحسن, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس: " في قلوبهم مَرَضٌ" قال: هؤلاء أهلُ النفاق, والمرضُ الذي في قلوبهم: الشك في أمر الله تعالى ذكره.
328- حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال عبد الرحمن بن زيد: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ حتى بلغ ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) قال: المرض: الشكّ الذي دخلهم في الإسلام (63) .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًاقد دللنا آنفًا على أن تأويل المرض الذي وصَف الله جل ثناؤه أنه في قلوب المنافقين، هو الشكُّ في اعتقادات قلوبهم وأديانهم، وما هم عليه - في أمر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر نبوته وما جاء به - مقيمون.
فالمرض الذي أخبرَ الله جل ثناؤه عنهم أنَّه زادهم على مرضهم، نظيرُ ما كان في قلوبهم من الشَّكِّ والحيْرة قبل الزيادة, فزادهم الله بما أحدث من حدوده وفرائضِه - التي لم يكن فرضَها قبلَ الزيادة التي زادها المنافقين - من الشك والحيرة، إذْ شكُّوا وارتَابوا في الذي أحدَث لهم من ذلك - (64) إلى المرض والشك الذي كان في قلوبهم في السَّالف، من حدوده وفرائضه التي كان فَرَضها قبل ذلك.
كما زاد المؤمنين به إلى إيمانهم الذي كانوا عليه قبل ذلك، بالذي أحدث لهم من الفرائض والحدود إذْ آمنوا به، إلى إيمانهم بالسالف من حُدُوده وفرائضه - إيمانًا.
كالذي قال جل ثناؤه في تنزيله: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [سورة التوبة: 124، 125].
فالزيادة التي زِيدَها المنافقون من الرَّجاسة إلى رَجاستهم، هو ما وصفنا.
والتي زِيدَها المؤمنون إلى إيمانهم، هو ما بيَّنا.
وذلك هو التأويل المجمَعُ عليه.
ذكرُ بعض من قال ذلك من أهل التأويل:329- حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: " فزادهم الله مَرَضًا "، قال: شكًّا.
330- حدثني موسى بن هارون, قال: أخبرنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط، عن السُّدِّيّ، في خبر ذكره، عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرَّة الهمداني، عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " فزادَهُم الله مَرَضًا "، يقول: فزادهم الله رِيبَة وشكًّا.
331- حدثني المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا سُوَيْد بن نصر, قال: أخبرتا ابن المبارك قراءةً، عن سعيد، عن قتادة: " فزادهم الله مرضًا "، يقول: فزادهم الله ريبةً وشكًّا في أمْر الله.
332- حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد، في قول الله: " في قلوبهم مَرَضٌ فزادهم الله مَرَضًا "، قال: زادهم رِجْسًا، وقرأ قول الله عز وجل: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ قال: شرًّا إلى شرِّهم, وضلالةً إلى ضلالتهم.
333- وحدِّثت عن عمّار بن الحسن, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " فزادهم الله مَرَضًا "، قال: زادهم الله شكًّا (65) .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌقال أبو جعفر: والأليم: هو المُوجعُ.
ومعناه: ولهم عذاب مؤلم.
بصرفِ" مؤلم " إلى " أليم " (66) ، كما يقال: ضَرْبٌ وجيعُ بمعنى مُوجع, والله بَديع السموات والأرض، بمعنى مُبْدِع.
ومنه قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي:أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعي السَّمِيعُيُؤَرِّقنُي وأَصْحَابِي هُجُوعُ (67)بمعنى المُسْمِع.
ومنه قول ذي الرمة:وَتَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلاتٍيَصُدُّ وُجُوهَهَا وَهَجُ أَلِيمُ (68)ويروى " يَصُكُّ", وإنما الأليم صفةٌ للعذاب, كأنه قال: ولهم عذاب مؤلم.
وهو مأخوذ من الألم, والألم: الوَجَعُ.
كما-:334- حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع, قال: الأليم، المُوجع.
335- حدثنا يعقوب, قال: حدثنا هُشيم, قال: أخبرنا جُوَيْبر, عن الضحاك قال: الأليمُ, الموجع (69) .
336- وحدِّثت عن المِنْجاب بن الحارث, قال: حدثنا بشْر بن عُمارة, عن أبي رَوْق, عن الضحاك في قوله " أليم "، قال: هو العذاب المُوجع.
وكل شيء في القرآن من الأليم فهو الموجع (70) .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)اختلفت القَرَأة في قراءة ذلك (71) فقرأه بعضهم: ( بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) مُخَفَّفة الذَّال مفتوحة الياء, وهي قراءة عُظْم أهل الكوفة.
وقرأه آخرون: " يُكَذِّبُونَ" بضم الياء وتشديد الذال, وهي قراءة عُظْم أهل المدينة والحجاز والبصرة (72) .
وكأنّ الذين قرءوا ذلك، بتشديد الذال وضم الياء، رأوا أن الله جل ثناؤه إنما أوجب للمنافقين العذابَ الأليم بتكذيبهم نبيَّه صلى الله عليه وسلم وبما جاء به, وأن الكذِبَ لولا التكذيبُ لا يُوجب لأحدٍ اليَسير من العذاب, فكيف بالأليم منه؟ وليس الأمر في ذلك عندي كالذي قالوا.
وذلك: أنّ الله عز وجل أنبأ عن المنافقين في أول النبأ عنهم في هذه السورة، بأنهم يَكذِبون بدَعْواهم الإيمانَ، وإظهارهم ذلك بألسنتهم، خِداعًا لله عز وجلّ ولرسوله وللمؤمنين, فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ص[ 1-285 ] بذلك من قيلهم، مع استسرارهم الشكَّ والريبة, وَمَا يَخْدَعُونَ بصنيعهم ذلك إِلا أَنْفُسَهُمْ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ وَمَا يَشْعُرُونَ بموضع خديعتهم أنفسَهم، واستدراج الله عز وجل إيّاهم بإملائه لهم، فِي قُلُوبِهِمْ شك النفاق وريبَتُه (73) والله زائدهم شكًّا وريبة بما كانوا يَكذِبون الله ورسوله والمؤمنين بقَوْلهم بألسنتهم آمنَّا بالله وباليوم الآخر، وهم في قيلهم ذلك كَذَبة، لاستسرارهم الشَّكَّ والمرض في اعتقادات قلوبهم في أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
فأولى في حكمة الله جل جلاله، أن يكون الوعيد منه لهم على ما افتتح به الخبَر عنهم من قبيح أفعالهم وذميم أخلاقهم, دون ما لم يَجْرِ له ذكر من أفعالهم.
إذْ كان سائرُ آيات تنزيله بذلك نزل، وهو: أن يَفتتِح ذكر محاسن أفعالِ قومٍ، ثم يختم ذلك بالوعيد على ما افتتح به ذِكره من أفعالهم, ويفتتح ذِكْر مساوي أفعالِ آخرين، ثم يختم ذلك بالوعيدِ على ما ابتدأ به ذكرَه من أفعالهم.
فكذلك الصحيح من القول - في الآيات التي افتتح فيها ذِكر بعض مساوى أفعال المنافقين - أنْ يختم ذلك بالوعيد على ما افتتح به ذِكرَه من قبائح أفعالهم.
فهذا هذا (74) ، مع دلالة الآية الأخرى على صحة ما قلنا، وشهادتِها بأن الواجب من القراءة ما اخترنا, وأنّ الصواب من التأويل ما تأوّلنا، من أنّ وعيد الله المنافقين في هذه الآية العذابَ الأليمَ على الكذب الجامع معنى الشكّ والتكذيب, وذلك قولُ الله تبارك وتعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة المنافقون: 1، 2].
والآية ص[ 1-286 ] الأخرى في المجادلة: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [سورة المجادلة: 16].
فأخبر جل ثناؤه أنّ المنافقين - بقيلهم ما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, مع اعتقادهم فيه ما هم معتقدون - كاذبون.
ثم أخبر تعالى ذكره أنّ العذاب المُهينَ لهم، على ذلك من كذبهم.
ولو كان الصحيح من القراءة على ما قرأه القارِئون في سورة البقرة: " ولهم عذاب أليم بما كانوا يُكَذِّبون " لكانت القراءةُ في السورة الأخرى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لمكذِّبون, ليكون الوعيدُ لهم الذي هو عَقِيب ذلك وعيدًا على التكذيب لا على الكذب.
وفي إجماع المسلمين على أنّ الصواب من القراءة في قوله: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ بمعنى الكذب - وأن إيعاد الله تبارك وتعالى فيه المنافقين العذابَ الأليمَ على ذلك من كذبهم - أوضحُ الدّلالة على أن الصحيح من القراءة في سورة البقرة: " بما كانوا يَكْذِبون " بمعنى الكذِب, وأن الوعيدَ من الله تعالى ذِكره للمنافقين فيها على الكذب - حقٌّ - لا على التكذيب الذي لم يجر له ذِكر - نظيرَ الذي في سورة المنافقين سواءً.
وقد زعم بعضُ نحويِّي البصرة أن " ما " من قول الله تبارك اسمه " بما كانوا يكذبون "، اسم للمصدر, كما أنّ" أنْ" و " الفعل " اسمان للمصدر في قولك: أحب أن تَأتيني, وأن المعنى إنما هو بكَذبِهم وتَكْذِيبهم.
قال: وأدخل " كان " ليخبر أنه كان فيما مضى, كما يقال: ما أحسن ما كان عبدُ الله، فأنت تعجَبُ من عبد الله لا من كونه, وإنما وَقع التعجُّب في اللفظ على كوْنه.
وكان بعض نحويِّي الكوفة يُنكر ذلك من قوله ويستخطئه، ويقول: إنما ألغِيَت " كان " في التعجُّب، لأن الفعل قد تقدَّمها, فكأنه قال: " حَسَنًا كان زيد " و " حَسَن كان زَيْدٌ" يُبْطِلُ" كان ", ويُعْمِل مع الأسماء والصِّفات التي بألفاظِ الأسماء، إذا جاءت قبل " كان "، ووقعت " كان " بينها وبين الأسماء.
وأما العِلَّة في إبطالها إذا أبطِلت في هذه الحال، فَلِشَبَهِ الصِّفات والأسماء ب " فعل " و " يفعل " اللتين لا يظهرُ عمل ص[1-287 ] " كان " فيهما.
ألا ترى أنك تقول: " يقوم كان زيد ", ولا يظهر عمل " كان " في" يقوم ", وكذلك " قام كان زيد ".
فلذلك أبطل عملها مع " فاعل " تمثيلا ب " فعل " و " يفعل ", وأعملت مع " فاعل " أحيانًا لأنه اسم، كما تعمل في الأسماء.
فأما إذا تقدمت " كان " الأسماءَ والأفعالَ، وكان الاسم والفِعْلُ بعدها, فخطأ عنده أن تكون " كان " مبطلة.
فلذلك أحال قول البصريّ الذي حكيناه, وتأوّل قول الله عز وجل " بما كانوا يكذبون " أنه بمعنى: الذي يكذبونه.
-----------------الهوامش :(59) في المطبوعة : "والكناية عن تصريح الخبر .
.
.
" ، وقوله : "والكفاية عن تصريح الخبر .
.
.
" معطوف على قوله"الخبر عن مرض ما في قلوبهم .
.
.
"(60) يأتي البيت في تفسير آية البقرة : 110 (1 : 391 بولاق) .
(61) في معلقته المشهورة .
(62) تضمين آية سورة النساء : 143 .
(63) الأخبار : 322 - 328 ، نقلها ابن كثير 1 : 88 ، والسيوطي 1 : 30 ، والشوكاني 1 : 30 - مع تتمتها الآتية في تفسير بقية الآية ، بالأرقام : 329 ، 336 ، 330 ، 332 ، 331 ، 333 - على هذا التوالي .
ولكن 336 لم يذكر فيه"عن ابن عباس" .
و"المنجاب" في 323 ، 336 : هو ابن الحارث بن عبد الرحمن التميمي ، من شيوخ مسلم ، روى عنه في صحيحه ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وهو بكسر الميم وسكون النون وفتح الجيم وآخره باء موحدة .
(64) سياق العبارة : "فزادهم الله بما أحدث من حدوده .
.
.
من الشك والحيرة .
.
.
إلى المرض والشك الذي كان في قلوبهم .
.
.
" .
(65) الأخبار : 329 - 333 : هي تمام الآثار السالفة : 322 - 328 .
(66) في المطبوعة : "فصرف مؤلم .
.
" .
(67) الأصمعيات : 43 ، ويأتي في تفسير آية سورة يونس : 1 (11 : 58 بولاق) .
وريحانة : هي بنت معديكرب ، أخت عمرو بن معديكرب ، وهي أم دريد بن الصمة ، وكان أبوه الصمة ، سباها وتزوجها .
(الأغاني 10 : 4) .
(68) ديوانه : 592 .
وقوله"ونرفع من صدور .
.
" أي نستحثها في السير ، والإبل إذا أسرعت رفعت من صدورها .
وشمردلات جمع شمردلة : وهي الناقة الحسنة الجميلة الخلق الفتية السريعة .
وقوله"يصد وجوهها" أي يستقبل وجوهها ويضربها وهج أليم ، فتصد وجوهها أي تلويها كالمعرضة عن لذعته .
ورواية ديوانه : "يصك" ، وصكة صكة : ضربة ضربة شديدة .
والوهج : حرارة الشمس ، أو حرارة النار من بعيد .
(69) الأثر 335- يعقوب : هو ابن إبراهيم الدورقي الحافظ .
هشيم - بضم الهاء : هو ابن بشير ، بفتح الباء وكسر الشين المعجمة ، بن القاسم ، أبو معاوية الواسطي ، إمام حافظ كبير ، روى عنه الأئمة : أحمد وابن المديني وغيرهما ، وقال عبد الرحمن بن مهدي : "كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري" .
ومعنى هذا الأثر مضمن في الذي بعده : 336 .
(70) الأثر 336- ذكره السيوطي 1 : 30 .
وأشار إليه الشوكاني 1 : 30 .
(71) في المطبوعة : "اختلفت القراء" ، والقَرَأَة : جمع قارئ ، وانظر ما مضى ، 51 تعليق ، وص 64 تعليق : 4 ، وص 109 تعليق : 1 .
(72) في المطبوعة : "قراءة معظم أهل الكوفة" ، و"قراءة معظم أهل المدينة .
.
.
" ، وعظم الناس : معظمهم وأكثرهم .
وانظر التعليق السالف ، ثم ص 109 تعليق : 1 .
(73) في المطبوعة : "في قلوبهم شك ، أي نفاق وريبة" .
والذي في المخطوطة أصح .
(74) في المطبوعة : "فهذا مع دلالة الآية الأخرى .
.
" ، ولم يأت في الجملة خبر قوله"فهذا" ، والذي في المخطوطة هو الصواب .

﴿ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ﴾

قراءة سورة البقرة

المصدر : تفسير : في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم