القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 10 سورة سبأ - ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي

سورة سبأ الآية رقم 10 : سبع تفاسير معتمدة

سورة ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي - عدد الآيات 54 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 10 من سورة سبأ عدة تفاسير - سورة سبأ : عدد الآيات 54 - - الصفحة 429 - الجزء 22.

سورة سبأ الآية رقم 10


﴿ ۞ وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ ﴾
[ سبأ: 10]

﴿ التفسير الميسر ﴾

ولقد آتينا داود نبوة، وكتابًا وعلمًا، وقلنا للجبال والطير: سبِّحي معه، وألنَّا له الحديد، فكان كالعجين يتصرف فيه كيف يشاء.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«ولقد آتينا داود منا فضلا» نبوة وكتابا وقلنا «يا جبال أوّبي» رجعي «معه» بالتسبيح «والطير» بالنصب عطفا على محل الجبال، أي ودعوناها تسبح معه «وألنا له الحديد» فكان في يده كالعجين.

﴿ تفسير السعدي ﴾

أي: ولقد مننا على عبدنا ورسولنا, داود عليه الصلاة والسلام, وآتيناه فضلا من العلم النافع, والعمل الصالح, والنعم الدينية والدنيوية، ومن نعمه عليه, ما خصه به من أمره تعالى الجمادات, كالجبال والحيوانات, من الطيور, أن تُؤَوِّب معه, وتُرَجِّع التسبيح بحمد ربها, مجاوبة له، وفي هذا من النعمة عليه, أن كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لأحد قبله ولا بعده, وأن ذلك يكون منهضا له ولغيره على التسبيح إذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات, تتجاوب بتسبيح ربها, وتمجيده, وتكبيره, وتحميده, كان ذلك مما يهيج على ذكر اللّه تعالى.
ومنها: أن ذلك - كما قال كثير من العلماء, أنه طرب لصوت داود، فإن اللّه تعالى, قد أعطاه من حسن الصوت, ما فاق به غيره, وكان إذا رجَّع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجيِّ المطرب, طرب كل من سمعه, من الإنس, والجن, حتى الطيور والجبال, وسبحت بحمد ربها.
ومنها: أنه لعله ليحصل له أجر تسبيحها, لأنه سبب ذلك, وتسبح تبعا له.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله - عز وجل - : ( ولقد آتينا داود منا فضلا ) يعني النبوة والكتاب ، وقيل : الملك .
وقيل : جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما خص به ) ( يا جبال ) أي : وقلنا يا جبال ) ( أوبي ) أي : سبحي ) ( معه ) إذا سبح ، وقيل : هو تفعيل من الإياب وهو الرجوع ، أي : رجعي معه وقال القتيبي : أصله من التأويب في السير ، وهو أن يسير النهار كله وينزل ليلا كأنه قال أوبي النهار كله بالتسبيح معه .
وقال وهب : نوحي معه .
) ( والطير ) عطف على موضع الجبال ، لأن كل منادى في موضع النصب .
وقيل : معناه : وسخرنا وأمرنا الطير أن تسبح معه ، وقرأ يعقوب : " والطير " بالرفع ردا على الجبال ، أي : أوبي أنت والطير .
وكان داود إذا نادى بالناحية أجابته الجبال بصداها وعكفت الطير عليه من فوقه ، فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك .
وقيل : كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح .
وقيل : كان داود عليه السلام إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطا له .
( وألنا له الحديد ) حتى كان الحديد في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة .
وكان سبب ذلك على ما روي في الأخبار : أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج للناس متنكرا ، فإذا رأى رجلا لا يعرفه تقدم إليه وسأله عن داود ويقول له : ما تقول في داود واليكم هذا أي رجل هو ؟ فيثنون عليه ، ويقولون خيرا ، فقيض الله له ملكا في صورة آدمي ، فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله ، فقال الملك : نعم الرجل هو لولا خصلة فيه ، فراع داود ذلك وقال : ما هي يا عبد الله ؟ قال : إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ، قال فتنبه لذلك وسأل الله أن يسبب له سببا يستغني به عن بيت المال ، فيتقوت منه ويطعم عياله ، فألان الله تعالى له الحديد وعلمه صنعة الدرع ، وإنه أول من اتخذها .
ويقال : إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف درهم ، فيأكل ويطعم منها عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين .
ويقال إنه كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم ، فينفق ألفين منها على نفسه وعياله ، ويتصدق بأربعة آلاف على فقراء بني إسرائيل ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده " .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا بيان لما منّ الله- تعالى- به على عبده داود- عليه السلام- من خير وبركة.
أى: ولقد آتينا عبدنا داود فضلا عظيما، وخيرا وفيرا، وملكا كبيرا، بسبب إنابته إلينا، وطاعته لنا.
ثم فصل- سبحانه- مظاهر هذا الفضل فقال: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ والتأويب الترديد والترجيع.
يقال: أوّب فلان تأويبا إذا رجّع مع غيره ما يقوله.
والجملة مقول لقول محذوف: أى: وقلنا يا جبال رددى ورجعي مع عبدنا داود تسبيحه لنا، وتقديسه لذاتنا، وثناءه علينا، كما قال- تعالى-: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ.
وقوله: وَالطَّيْرَ بالنصب عطفا على قوله فَضْلًا أى: وسخرنا له الطير لتسبح معه بحمدنا.
أو معطوف على محل يا جِبالُ أى: ودعونا الجبال والطير إلى التسبيح معه.
قال الإمام ابن كثير- رحمه الله: يخبر- تعالى- عما أنعم به على عبده ورسوله داود- عليه السلام- مما آتاه من الفضل المبين، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن، والجنود ذوى العدد والعدد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم، الذي كان إذا سبح به، تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات.
والغاديات الرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات.
وفي الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع صوت أبى موسى الأشعرى يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته ثم قال: «لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود» .
وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فرق بين هذا النظم وبين أن يقال: «وآتينا داود منا فضلا» تأويب الجبال معه والطير؟قلت: كم بينهما من الفرق؟ ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى، من الدلالة على عزة الربوبية وكبرياء الألوهية، حيث جعلت الجبال منزلة منزلة العقلاء، الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا، إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت إلا وهو منقاد لمشيئته، غير ممتنع على إرادته .
وقوله- تعالى-: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، بيان لنعمة أخرى من النعم التي أنعم بها- سبحانه- عليه.
أى: وصيرنا الحديد لينا في يده، بحيث يصبح- مع صلابته وقوته- كالعجين في يده، يشكله كيف يشاء، من غير أن يدخله في نار، أو أن يطرقه بمطرقة.
فالجملة الكريمة معطوفة على قوله آتَيْنا، وهي من جملة الفضل الذي منحه- سبحانه- لنبيه داود- عليه السلام-.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود ، صلوات الله وسلامه عليه ، مما آتاه من الفضل المبين ، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن ، والجنود ذوي العدد والعدد ، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم ، الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات ، الصم الشامخات ، وتقف له الطيور السارحات ، والغاديات والرائحات ، وتجاوبه بأنواع اللغات . وفي الصحيح أنرسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ، ثم قال " لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود " .وقال أبو عثمان النهدي : ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا وتر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه .ومعنى قوله : ( أوبي ) أي : سبحي . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد .وزعم أبو ميسرة أنه بمعنى سبحي بلسان الحبشة . وفي هذا نظر ، فإن التأويب في اللغة هو الترجيع ، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها .وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه " الجمل " في باب النداء منه : ( يا جبال أوبي معه ) أي : سيري معه بالنهار كله ، والتأويب : سير النهار كله ، والإسآد : سير الليل كله . وهذا لفظه ، وهو غريب جدا لم أجده لغيره ، وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ في اللغة ، لكنه بعيد في معنى الآية هاهنا . والصواب أن المعنى في قوله تعالى : ( أوبي معه ) أي : رجعي معه مسبحة معه ، كما تقدم ، والله أعلم .وقوله : ( وألنا له الحديد ) : قال الحسن البصري ، وقتادة ، والأعمش وغيرهم : كان لا يحتاج أن يدخله نارا ولا يضربه بمطرقة ، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط; ولهذا قال :

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد .
ولقد آتينا داود منا فضلا بين لمنكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أن إرسال الرسل ليس أمرا بدعا ، بل أرسلنا الرسل وأيدناهم بالمعجزات ، وأحللنا بمن خالفهم العقاب .
( آتينا ) أعطينا .
( فضلا ) أي أمرا فضلناه به على غيره .
واختلف في هذا الفضل على تسعة أقوال : الأول : النبوة .
الثاني : الزبور .
الثالث : العلم ، قال الله تعالى : ولقد آتينا داود وسليمان علما .
الرابع - القوة ، قال الله تعالى : واذكر عبدنا داود ذا الأيد .
الخامس : تسخير الجبال والناس ، قال الله تعالى : يا جبال أوبي معه .
السادس : التوبة ، قال الله تعالى : فغفرنا له ذلك .
السابع : الحكم بالعدل ، قال الله تعالى : يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض الآية .
الثامن : إلانة الحديد ، قال تعالى : وألنا له الحديد .
التاسع : حسن الصوت ، وكان ، داود عليه السلام ذا صوت حسن ووجه حسن .
وحسن الصوت هبة من الله تعالى وتفضل منه ، وهو المراد بقوله تبارك وتعالى : يزيد في الخلق ما يشاء على ما يأتي إن شاء الله تعالى .
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي موسى : لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود .
قال العلماء : المزمار والمزمور الصوت الحسن ، وبه سميت آلة الزمر مزمارا .
وقد استحسن كثير من فقهاء الأمصار القراءة بالتزيين والترجيع .
وقد مضى هذا في مقدمة الكتاب والحمد لله .
قوله تعالى : يا جبال أوبي معه أي وقلنا يا جبال أوبي معه ، أي سبحي معه ، لأنه قال تبارك وتعالى : إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق .
قال أبو ميسرة : هو التسبيح بلسان الحبشة ، ومعنى تسبيح الجبال : هو أن الله تعالى خلق فيها تسبيحا كما خلق الكلام في الشجرة ، فيسمع منها ما يسمع من المسبح معجزة لداود عليه الصلاة والسلام .
وقيل : المعنى سيري معه حيث شاء ; من التأويب الذي هو سير النهار أجمع ومنزل الليل .
قال ابن مقبل :لحقنا بحي أوبوا السير بعدما دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنحوقرأ الحسن وقتادة وغيرهما : ( أوبي معه ) أي رجعي معه ; من آب يئوب إذا رجع ، أوبا وأوبة وإيابا .
وقيل : المعنى تصرفي معه على ما يتصرف عليه داود بالنهار ، فكان إذا قرأ الزبور صوتت الجبال معه ، وأصغت إليه الطير ، فكأنها فعلت ما فعل .
وقال وهب بن منبه : المعنى نوحي معه والطير تساعده على ذلك ، فكان إذا نادى بالنياحة أجابته الجبال بصداها ، وعكفت الطير عليه من فوقه .
فصدى الجبال الذي يسمعه الناس إنما كان من ذلك اليوم إلى هذه الساعة ; فأيد بمساعدة الجبال والطير لئلا يجد فترة ، فإذا دخلت الفترة اهتاج ، أي ثار وتحرك ، وقوي بمساعدة الجبال والطير .
وكان قد أعطي من الصوت ما يتزاحم الوحوش من الجبال على حسن صوته ، وكان الماء الجاري ينقطع عن الجري وقوفا لصوته .
( والطير ) بالرفع قراءة ابن أبي إسحاق ونصر عن عاصم وابن هرمز ومسلمة بن عبد الملك ، عطفا على لفظ الجبال ، أو على المضمر في ( أوبي ) وحسنه الفصل بمع .
الباقون بالنصب عطفا على موضع ( يا جبال ) أي نادينا الجبال والطير ، قاله سيبويه .
وعند أبي عمرو بن العلاء بإضمار فعل على معنى وسخرنا له الطير .
وقال الكسائي : هو معطوف ، أي وآتيناه الطير ، حملا على ولقد آتينا داود منا فضلا .
النحاس : ويجوز أن يكون مفعولا معه ، كما تقول : استوى الماء والخشبة .
وسمعت الزجاج يجيز : قمت وزيدا ، فالمعنى أوبي معه ومع الطير .
وألنا له الحديد قال ابن عباس : صار عنده كالشمع .
وقال الحسن : كالعجين ، فكان يعمله من غير نار .
وقال السدي : كان الحديد في يده كالطين المبلول والعجين والشمع ، يصرفه كيف شاء ، من غير إدخال نار ولا ضرب بمطرقة .
وقاله مقاتل .
وكان يفرغ من الدرع في بعض اليوم أو بعض الليل ، ثمنها ألف درهم .
وقيل : أعطي قوة يثني بها الحديد ، وسبب ذلك أن داود عليه السلام ، لما ملك بني إسرائيل لقي ملكا وداود يظنه إنسانا ، وداود متنكر خرج يسأل عن نفسه وسيرته في بني إسرائيل في خفاء ، فقال داود لذلك الشخص الذي تمثل له : ( ما قولك في هذا الملك داود ) ؟ فقال له الملك ( نعم العبد لولا خلة فيه ) قال داود : ( وما هي ) ؟ قال : ( يرتزق من بيت المال ولو أكل من عمل يده لتمت فضائله ) .
فرجع فدعا الله في أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه ، فعلمه صنعة لبوس كما قال جل وعز في سورة ( الأنبياء ) ، فألان له الحديد فصنع الدروع ، فكان يصنع الدرع فيما بين يومه وليلته يساوي ألف درهم ، حتى ادخر منها كثيرا وتوسعت معيشة منزله ، وتصدق على الفقراء والمساكين ، وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين ، وهو أول من اتخذ الدروع وصنعها وكانت قبل ذلك صفائح .
ويقال : إنه كان يبيع كل درع منها بأربعة آلاف .
والدرع مؤنثة إذا كانت للحرب .
ودرع المرأة مذكر .
مسألة : في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع ، وأن التحرف بها لا ينقص من مناصبهم ، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم ; إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم ، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن خير ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ) .
وقد مضى هذا في ( الأنبياء ) مجودا والحمد لله .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)يقول تعالى ذكره: ولقد أعطينا داود منا فضلا وقلنا للجبال (أَوِّبِي مَعَهُ) : سبحي معه إذا سبح.
والتأويب عند العرب: الرجوع ومبيت الرجل في منزله وأهله، ومنه قول الشاعر:يَوْمَانِ يَومُ مقاماتٍ وأنديةٍويومُ سَيرٍ إلَى الأعْدَاءِ تَأْوِيبِ (1)أي رجوع وقد كان بعضهم يقرؤه (أُوْبِي مَعَهُ) من آب يئوب، بمعنى تصرفي معه، وتلك قراءة لا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءة الحجة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني سليمان بن عبد الجبار قال ثني محمد بن الصلت قال ثنا أَبو كدينة، وحدثنا محمد بن سنان القزاز قال ثنا الحسن بن الحسن الأشقر قال ثنا أَبو كدينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي معه.
حدثني محمد بن سعد قال ثني أَبي قال ثني عمي قال ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) يقول: سبحي معه.
حدثنا أَبو عبد الرحمن العلائي قال ثنا مِسْعر عن أَبي حصين عن أَبي عبد الرحمن (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) يقول: سبحي.
حدثنا ابن حميد قال ثنا حكام عن عنبسة عن أَبي إسحاق عن أَبي ميسرة (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي بلسان الحبشة.
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال: ثنا فضيل عن منصور عن مجاهد في قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي معه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي.
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) أي: سبحي معه إذا سبح.
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي معه، قال: والطيرُ أيضًا.
حُدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال ثنا مروان بن معاوية عن جويبر عن الضحاك قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) سبحي معه.
وقوله (وَالطَّيْرَ) وفي نصب الطير وجهان: أحدهما على ما قاله ابن زيد من أن الطير نوديت كما نوديت الجبال فتكون منصوبة من أجل أنها معطوفة على مرفوع بما لا يحسن إعادة رافعه عليه فيكون كالمصدر (2) عن جهته، والآخر: فعل ضمير متروك استغني بدلالة الكلام عليه، فيكون معنى الكلام: فقلنا يا جبال أوبي معه وسخرنا له الطير.
وإن رفع ردا على ما في قوله: سبحي من ذكر الجبال كان جائزًا، وقد يجوز رفع الطير وهو معطوف على الجبال، وإن لم يحسن نداؤها بالذي نوديت به الجبال، فيكون ذلك كما قال الشاعر:ألا يا عمرُو والضحاكَ سِيرافقد جاوزتما خَمَرَ الطريقِ (3)وقوله (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ذكر أن الحديد كان في يده كالطين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء بغير إدخال نار ولا ضرب بحديد.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) سخر الله له الحديد بغير نار.
حدثنا ابن بشار قال: ثنا ابن عثمة قال: ثنا سعيد بن بشير عن قتادة في قوله (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) كان يسويها بيده ولا يدخلها نارًا ولا يضربها بحديدة.
-----------------------الهوامش :(1) البيت لسلامة بن جندل.
قاله أبو عبيدة في (مجاز القرآن، مصورة الجامعة رقم 26059 ص 197 - ب) وانظره في المفضليات طبع القاهرة سنة 1926 والتأويب أن يبيت في أهله.
قال سلامة بن جندل: (يومان .
.
.
البيت).
استشهد به (اللسان: أوب) ونسبه لسلامة وقال: التأويب أن يسير النهار أجمع، وينزل الليل.
وقيل: هو تباري الركاب في السير.
قال: سلامة .
.
.
البيت.
ثم قال التأويب في كلام العرب: سير النهار كله إلى الليل.
يقال: أوب القوم تأويبا: أي ساروا بالنهار.
و (في اللسان: أوب): والتأويب: الرجوع.
وقوله عز وجل: (يا جبال أوبي معه) ويقرأ: (أوبي معه) أي بضم الهمزة.
فمن قرأ أوبي معه (بفتح الهمزة، وشد الواو المكسورة) فمعناه: يا جبال سبحي معه، ورجعة التسبح لأنه قال: سخرنا الجبال معه يسبحن.
ومن قرأ (أوبي معه) أي بضم الهمزة، فمعناه: عودي معه في التسبيح كلما عاد فيه.
(2) لعله كالمصروف عن جهته.
(3) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 261) قال في قوله تعالى: (يا جبال أوبي معه والطير): منصوبة على جهتين: إحداهما أن تنصبهما بالفعل، بقوله: (ولقد آتينا داود منا فضلا) وسخرنا له الطير، فيكون مثل قوله: أطعمته طعاما وما تريد، وسقيته ماء.
فيجوز ذلك.
والوجه الآخر بالنداء، لأنك إذا قلت: يا عمرو والصلت أقبلا، نصبت: الصلت بدعائهما، فإذا فقدت كان كالمعدول عن جهته، فنصب، وقد يجوز رفعه، على أن يتبع ما قبله.
ويجوز رفعه على أوبي أنت والطير.
وأنشدني بعض العرب النداء إذا نصب، لفقده يا أيها: (ألا يا عمرو والضحاك) والخمر بالتحريك: ما سترك من الشجر وغيرها، فيجوز نصب الضحاك ورفعه.
وقال الآخر: يا طلحة الكامل وابن الكامل.

﴿ ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ﴾

قراءة سورة سبأ

المصدر : تفسير : ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي