ومَن يخرج من أرض الشرك إلى أرض الإسلام فرارًا بدينه، راجيًا فضل ربه، قاصدًا نصرة دينه، يجد في الأرض مكانًا ومتحولا ينعم فيه بما يكون سببًا في قوته وذلة أعدائه، مع السعة في رزقه وعيشه، ومن يخرج من بيته قاصدًا نصرة دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإعلاء كلمة الله، ثم يدركه الموت قبل بلوغه مقصده، فقد ثبت له جزاء عمله على الله، فضلا منه وإحسانًا. وكان الله غفورًا رحيمًا بعباده.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما» مهاجرا «كثيرا وسعة» في الرزق «ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت» في الطريق كما وقع لجندع بن ضمرة الليثي «فقد وقع» ثبت «أجره على الله وكان الله غفورا رحيما».
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب، وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته، أنه يجد مراغما في الأرض وسعة، فالمراغم مشتمل على مصالح الدين، والسعة على مصالح الدنيا. وذلك أن كثيرًا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتًا بعد الألفة، وفقرًا بعد الغنى، وذلا بعد العز، وشدة بعد الرخاء. والأمر ليس كذلك، فإن المؤمن ما دام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقص، لا في العبادات القاصرة عليه كالصلاة ونحوها، ولا في العبادات المتعدية كالجهاد بالقول والفعل، وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهو بصدد أن يفتن عن دينه، خصوصا إن كان مستضعفًا. فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله ومراغمتهم، فإن المراغمة اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل، وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر الله تعالى. واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأولادهم وأموالهم لله، كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من الإيمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله، ما كانوا به أئمة لمن بعدهم، وكذلك حصل لهم مما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم، ما كانوا به أغنى الناس، وهكذا كل من فعل فعلهم، حصل له ما حصل لهم إلى يوم القيامة. ثم قال: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: قاصدا ربه ورضاه، ومحبة لرسوله ونصرًا لدين الله، لا لغير ذلك من المقاصد ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ بقتل أو غيره، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أي: فقد حصل له أجر المهاجر الذي أدرك مقصوده بضمان الله تعالى، وذلك لأنه نوى وجزم، وحصل منه ابتداء وشروع في العمل، فمن رحمة الله به وبأمثاله أن أعطاهم أجرهم كاملاً ولو لم يكملوا العمل، وغفر لهم ما حصل منهم من التقصير في الهجرة وغيرها. ولهذا ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا يغفر للمؤمنين ما اقترفوه من الخطيئات، خصوصا التائبين المنيبين إلى ربهم. رَحِيمًا بجميع الخلق رحمة أوجدتهم وعافتهم ورزقتهم من المال والبنين والقوة، وغير ذلك. رحيمًا بالمؤمنين حيث وفقهم للإيمان، وعلمهم من العلم ما يحصل به الإيقان، ويسر لهم أسباب السعادة والفلاح وما به يدركون غاية الأرباح، وسيرون من رحمته وكرمه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فنسأل الله أن لا يحرمنا خيره بشر ما عندنا.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( مراغما ) أي : متحولا يتحول إليه ، وقال مجاهد : متزحزحا عما يكره ، وقال أبو عبيدة : المراغم : يقال : راغمت قومي وهاجرتهم ، وهو المضطرب والمذهب .روي أنه لما نزلت هذه الآية سمعها رجل من بني ليث شيخ كبير مريض يقال له جندع بن ضمرة ، فقال : والله ما أبيت الليلة بمكة ، أخرجوني ، فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التنعيم فأدركه الموت ، فصفق يمينه على شماله ثم قال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك ، فمات فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لو وافى المدينة لكان أتم وأوفى أجرا ، وضحك المشركون وقالوا : ما أدرك هذا ما طلب ، فأنزل الله : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت ) . أي : قبل بلوغه إلى مهاجره ، ( فقد وقع ) أي : وجب ( أجره على الله ) بإيجابه على نفسه فضلا منه ، ( وكان الله غفورا رحيما ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم رغب- سبحانه- في الهجرة من أجل إعلاء دينه بأسمى ألوان الترغيب فقال: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً.وقوله: مُراغَماً اسم مكان أى يجد في الأرض متحولا ومهاجرا.قال القرطبي ما ملخصه: اختلف في تأويل المراغم فقال مجاهد: المراغم: المتزحزح. وقال ابن عباس: المراغم: المتحول والمذهب. وقال ابن زيد: المراغم: المهاجر.وهذه الأقوال متفقة المعاني وهو اسم الموضع الذي يراغم فيه. وهو مشتق من الرغام أى التراب ورغم أنف فلان أى لصق بالتراب. وراغمت فلانا هجرته وعاديته.وهذا كله تفسير بالمعنى. فأما الخاص باللفظة فهو أن المراغم موضع المراغمة كما ذكرناه وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده.فكأن كفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين بمكة، فلو هاجر منهم مهاجر لأرغم أنوف قريش لحصوله في منعة منهم، فتلك المنعة هي موضع المراغمة .والمعنى: ومن يهاجر تاركا دار إقامته من أجل إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه، يجد في الأرض أماكن كثيرة يأمن فيها مكر أعدائه وظلمهم، ويجد فيها من الخير والنعمة والسعة في الرزق ما يكون سببا لرغم أنف أعدائه الذين فارقهم كراهة لصحبتهم القبيحة، ومعاملتهم السيئة.قال الفخر الرازي: وذلك لأن من فارق بلده وذهب إلى بلدة أجنبية، فإذا استقام أمره في تلك البلدة الأجنبية، ووصل ذلك الخبر إلى أهل بلدته خجلوا من سوء معاملتهم له ورغمت أنوفهم- أى أصابهم الذل- بسبب ذلك.فكأنه قيل: يا أيها الإنسان إنك كنت تكره الهجرة عن وطنك خوفا من أن تقع في المشقة والمحنة والسفر، فلا تخف فإن الله- تعالى- سيعطيك من النعم الجليلة، والمراتب العظيمة، في دار هجرتك ما يصير سببا لرغم أنوف أعدائك، ويكون سببا لسعة عيشك.وإنما قدم- سبحانه- ذكر رغم الأعداء على ذكر سعة العيش لأن ابتهاج الإنسان الذي يهاجر عن أهله وبلده بسبب شدة ظلمهم له بدولته من حيث إنها تصير سببا لرغم أنوف الأعداء. أشد من ابتهاجه بتلك الدولة من حيث إنها صارت سببا لسعة العيش عليه .وقوله وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ تنويه عظيم بشأن الهجرة من أجل إعلاء كلمة الله، حيث جعل- سبحانه- ثوابها حاصلا حتى ولو لم يصل المهاجر إلى مقصده.أى: ومن يخرج من بيته تاركا أهله ووطنه، فارا بدينه إلى المكان الذي تعلو فيه كلمة الله وكلمة رسوله، قاصدا بذلك نصرة الحق وأهله، من يفعل ذلك ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ وهو في طريقه قبل أن يصل إلى مكان هجرته «فقد وقع أجره على الله» أى: فقد ثبت ووجب له الأجر عند الله- تعالى- تفضلا منه- سبحانه- وكرما وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً فيغفر لهذا المهاجر ما فرط منه من تقصير، ويرحمه برحمته الواسعة.وقوله ثُمَّ يُدْرِكْهُ بالجزم عطفا على فعل الشرط وهو وَمَنْ يَخْرُجْ. وجوابه قوله:فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.قال الآلوسى: وقرئ ثُمَّ يُدْرِكْهُ بالرفع. وخرجه ابن جنى على أنه فعل مضارع مرفوع والموت فاعله. والجملة خبر لمبتدأ محذوف أى: ثم هو يدركه الموت .وفي التعبير بقوله فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ بعث للطمأنينة في قلوب المهاجرين، وحفز لهم على الهجرة من أجل إعلاء كلمة الله لأنهم إذا وصلوا إلى دار هجرتهم فقد راغموا أنف أعدائهم ورزقهم الله بالخير من فضله، وإن ماتوا قبل أن يصلوا أعطاهم- سبحانه- ثواب المهاجرين كاملا ببركة حسن نياتهم، وكافأهم على ذلك أجرا جزيلا لا يعلم مقداره إلا هو.وقد وردت روايات في سبب نزول هذه الآية الكريمة منها ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها نزلت في جندب بن ضمرة وكان قد بلغه وهو بمكة قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ.. الآية فقال لبنيه: احملونى فإنى لست من المستضعفين، وإنى لأهتدى إلى الطريق، وإنى لا أبيت الليلة بمكة. فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة- وكان شيخا كبيرا، فمات بالتنعيم- وهو موضع قرب مكة- ولما أدركه الموت أخذ يصفق يمينه على شماله ويقول: اللهم هذه لك. وهذه لرسولك صلى الله عليه وسلم أبايعك على ما بايع عليه رسولك- ثم مات- ولما بلغ خبر موته الصحابة قالوا: ليته مات بالمدينة فنزلت الآية .هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:1- وجوب الهجرة من دار لا يستطيع المسلم فيها أن يؤدى شعائر دينه.قال القرطبي: في هذه الآيات دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي. وقال سعيد بن جبير: إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها. وتلا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها. وقال مالك: هذه الآيات دالة على أنه ليس لأحد المقام في أرض يسب فيها السلف ويعمل فيها بغير الحق .وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه: قال الحافظ بن حجر في «الفتح» : الهجرة الترك.والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره. وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه.وقد وقعت في الإسلام على وجهين:الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن. كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة.الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان. وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين. وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالمدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا.ثم قال الشيخ القاسمى: وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلى بلفظ:انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار. أى: ما دام في الدنيا دار كفر، فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن في دينه.وروى الإمام أحمد وأبو داود عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة. ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» .2- أن من خرج للهجرة في سبيل الله ومات في الطريق أعطاه الله- تعالى- أجر المهاجرين ببركة نيته الصادقة، ويدل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» .وقال صاحب الكشاف: كل هجرة لغرض ديني- من طلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة وزهدا في الدنيا أو ابتغاء رزق طيب- فهي هجرة إلى الله ورسوله. وإن أدركه الموت في طريقه فأجره واقع على الله .وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد وبخت الذين رضوا أن يقيموا مع الكافرين في ذلة وهوان مع قدرتهم على الهجرة، وتوعدتهم على ضعف إيمانهم، بسوء المصير، وحرضت المؤمنين في كل زمان ومكان على الهجرة في سبيل الله بأسمى ألوان التحريض وأشدها، ووعدت المهاجر من أجل إعلاء كلمة الحق بالخير الوفير، والأجر الجزيل. «وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.وبعد أن حض- سبحانه- عباده على الهجرة في سبيله أتبع ذلك ببيان جانب من مظاهر رحمته في التيسير عليهم فيما شرعه لهم من عبادات، حيث أباح لهم قصر الصلاة في حالة السفر، وعرفهم كيف يؤدونها في حالة الجهاد والخوف من مباغتة العدو لهم فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) هذا تحريض على الهجرة ، وترغيب في مفارقة المشركين ، وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه ، و " المراغم " مصدر ، تقول العرب : راغم فلان قومه مراغما ومراغمة ، قال نابغة بني جعدة .كطود يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهربوقال ابن عباس : " المراغم " : التحول من أرض إلى أرض . وكذا روي عن الضحاك والربيع بن أنس ، الثوري ، وقال مجاهد : ( مراغما كثيرا ) يعني : متزحزحا عما يكره . وقال سفيان بن عيينة : ( مراغما كثيرا ) يعني : بروجا .والظاهر - والله أعلم - أنه التمنع الذي يتحصن به ، ويراغم به الأعداء .قوله : ( وسعة ) يعني : الرزق . قاله غير واحد ، منهم : قتادة ، حيث قال في قوله : ( يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) إي ، والله ، من الضلالة إلى الهدى ، ومن القلة إلى الغنى .وقوله : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ) أي : ومن خرج من منزله بنية الهجرة ، فمات في أثناء الطريق ، فقد حصل له من الله ثواب من هاجر ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من الصحاح والمسانيد والسنن ، من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه " .وهذا عام في الهجرة وفي كل الأعمال . ومنه الحديث الثابت في الصحيحين في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا . ثم أكمل بذلك العابد المائة ، ثم سأل عالما : هل له من توبة ؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد آخر يعبد الله فيه ، فلما ارتحل من بلده مهاجرا إلى البلد الآخر ، أدركه الموت في أثناء الطريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقال هؤلاء : إنه جاء تائبا . وقال هؤلاء : إنه لم يصل بعد . فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أقرب كان منها ، فأمر الله هذه أن تقرب من هذه ، وهذه أن تبعد فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر ، فقبضته ملائكة الرحمة . وفي رواية : أنه لما جاءه الموت ناء بصدره إلى الأرض التي هاجر إليها .وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عبد الله بن عتيك ، عن أبيه عبد الله بن عتيك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خرج من بيته مهاجرا في سبيل الله - ثم قال بأصابعه هؤلاء الثلاث : الوسطى والسبابة والإبهام ، فجمعهن وقال : وأين المجاهدون - ؟ فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله ، أو لدغته دابة فمات ، فقد وقع أجره على الله أو مات حتف أنفه ، فقد وقع أجره على الله - والله ! إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن قتل قعصا فقد استوجب المآب .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي عن المنذر بن عبد الله ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ; أن الزبير بن العوام قال : هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة ، فنهشته حية في الطريق فمات ، فنزلت فيه : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ) قال الزبير : فكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة ، فما أحزنني شيء حزن وفاته حين بلغني ; لأنه قل أحد ممن هاجر من قريش إلا معه بعض أهله ، أو ذوي رحمه ، ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى ، ولا أرجو غيره .وهذا الأثر غريب جدا فإن هذه القصة مكية ، ونزول هذه الآية مدنية ، فلعله أراد أنها أنزلت تعم حكمه مع غيره ، وإن لم يكن ذلك سبب النزول ، والله أعلم .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا سليمان بن داود مولى عبد الله بن جعفر ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان ، عن الأشعث - هو ابن سوار - عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خرج ضمرة بن جندب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله [ ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ] ) .وحدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، أنبأنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة بن العيص الزرقي ، الذي كان مصاب البصر ، وكان بمكة فلما نزلت : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ) فقلت : إني لغني ، وإني لذو حيلة ، [ قال ] فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتنعيم ، فنزلت هذه الآية : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت [ فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ] )قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن حميد بن أبي حميد ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خرج حاجا فمات ، كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمرا فمات ، كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات ، كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة " .وهذا حديث غريب من هذا الوجه .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما فيه خمس مسائل :الأولى : قوله تعالى : ومن يهاجر في سبيل الله يجد شرط وجوابه في الأرض مراغما اختلف في تأويل المراغم ؛ فقال مجاهد : المراغم المتزحزح . وقال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم : المراغم المتحول والمذهب . وقال ابن زيد : والمراغم المهاجر ؛ وقاله أبو عبيدة . قال النحاس : فهذه الأقوال متفقة المعاني . فالمراغم المذهب والمتحول في حال هجرة ، وهو اسم الموضع الذي يراغم فيه ، وهو مشتق من الرغام . ورغم أنف فلان أي لصق بالتراب . وراغمت فلانا هجرته وعاديته ، ولم أبال إن رغم أنفه . وقيل : إنما سمي مهاجرا ومراغما لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم ، فسمي خروجه مراغما ، وسمي مصيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة . وقال السدي : المراغم المبتغى للمعيشة . وقال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : المراغم الذهاب في الأرض . وهذا كله تفسير بالمعنى ، وكله قريب بعضه من بعض ؛ فأما الخاص باللفظة فإن المراغم موضع المراغمة كما ذكرنا ، وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده ؛ فكأن كفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين بمكة ، فلو هاجر منهم مهاجر لأرغم أنوف قريش لحصوله في منعة منهم ، فتلك المنعة هي موضع المراغمة . ومنه قول النابغة :كطرد يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهربالثانية : قوله تعالى : وسعة أي في الرزق ؛ قاله ابن عباس والربيع والضحاك . وقال قتادة : المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى . وقال مالك : السعة سعة البلاد . وهذا أشبه بفصاحة العرب ؛ فإن بسعة الأرض وكثرة المعاقل تكون السعة في الرزق ، واتساع الصدر لهمومه وفكره وغير ذلك من وجوه الفرج . ونحو هذا المعنى قول الشاعر :وكنت إذا خليل رام قطعي وجدت وراي منفسحا عريضاوقال آخر :لكان لي مضطرب واسع في الأرض ذات الطول والعرضالثالثة : قال مالك : هذه الآية دالة على أنه ليس لأحد المقام بأرض يسب فيها السلف ويعمل فيها بغير الحق . وقال : والمراغم الذهاب في الأرض ، والسعة سعة البلاد على ما تقدم . واستدل أيضا بعض العلماء بهذه الآية على أن للغازي إذا خرج إلى الغزو ثم مات قبل القتال له سهمه وإن لم يحضر الحرب ؛ رواه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أهل المدينة . وروي ذلك عن ابن المبارك أيضا .الرابعة : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله الآية . قال عكرمة مولى ابن عباس : طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته . وفي قول عكرمة هذا دليل على شرف هذا العلم قديما ، وأن الاعتناء به حسن والمعرفة به فضل ؛ ونحو منه قول ابن عباس : مكثت سنين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما يمنعني إلا مهابته . والذي ذكره عكرمة هو ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع ؛ حكاه الطبري عن سعيد بن جبير . ويقال فيه : ضميرة أيضا . ويقال : جندع بن ضمرة من بني ليث ، وكان من المستضعفين بمكة وكان مريضا ، فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة قال : أخرجوني ؛ فهيئ له فراش ثم وضع عليه وخرج به فمات في الطريق بالتنعيم ، فأنزل الله فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية . وذكر أبو عمر أنه قد قيل فيه : خالد بن حزام بن خويلد ابن أخي خديجة ، وأنه هاجر إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات قبل أن يبلغ أرض الحبشة ؛ فنزلت فيه الآية ، والله أعلم . وحكى أبو الفرج الجوزي أنه حبيب بن ضمرة . وقيل : ضمرة بن جندب الضمري ؛ عن السدي . وحكي عن عكرمة أنه جندب بن ضمرة الجندعي . وحكي عن ابن جابر أنه ضمرة بن بغيض الذي من بني ليث . وحكى المهدوي أنه ضمرة بن ضمرة بن نعيم . وقيل : ضمرة بن خزاعة ، والله أعلم . وروى معمر عن قتادة قال : لما نزلت إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم الآية ، قال رجل من المسلمين وهو مريض : والله ما لي من عذر ! إني لدليل في الطريق ، وإني لموسر ، فاحملوني . فحملوه فأدركه الموت في الطريق ؛ فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لو بلغ إلينا لتم أجره ؛ وقد مات بالتنعيم . وجاء بنوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بالقصة ، فنزلت هذه الآية ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية . وكان اسمه ضمرة بن جندب ، ويقال : جندب بن ضمرة على ما تقدم . وكان الله غفورا لما كان منه من الشرك رحيما حين قبل توبته .الخامسة : قال ابن العربي : قسم العلماء رضي الله عنهم الذهاب في الأرض قسمين : هربا وطلبا ؛ فالأول ينقسم إلى ستة أقسام : الأول : الهجرة وهي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وكانت فرضا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة ، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان ؛ فإن بقي في دار الحرب عصى ؛ ويختلف في حاله . الثاني : الخروج من أرض البدعة ؛ قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف . قال ابن العربي : وهذا صحيح ؛ فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فزل عنه ، قال الله تعالى : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم إلى قوله الظالمين . الثالث : الخروج من أرض غلب عليها الحرام : فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم . الرابع : الفرار من الأذية في البدن ؛ وذلك فضل من الله أرخص فيه ، فإذا خشي على نفسه فقد أذن الله في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور . وأول من فعله إبراهيم عليه السلام ؛ فإنه لما خاف من قومه قال : إني مهاجر إلى ربي العنكبوت : ، وقال : إني ذاهب إلى ربي سيهدين الصافات : . وقال مخبرا عن موسى : فخرج منها خائفا يترقب . الخامس : خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة . وقد أذن صلى الله عليه وسلم للرعاة حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا . وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون ؛ فمنع الله سبحانه منه بالحديث الصحيح عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم بيانه في " البقرة " . بيد أن علماءنا قالوا : هو مكروه . السادس : الفرار خوف الأذية في المال ؛ فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، والأهل مثله وأوكد .وأما قسم الطلب فينقسم قسمين : طلب دين وطلب دنيا ؛ فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه إلى تسعة أقسام : الأول : سفر العبرة ؛ قال الله تعالى : أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وهو كثير . ويقال : إن ذا القرنين إنما طاف الأرض ليرى عجائبها . وقيل : لينفذ الحق فيها . الثاني : سفر الحج . والأول وإن كان ندبا فهذا فرض . الثالث : سفر الجهاد وله أحكامه . الرابع : سفر المعاش ؛ فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة فيخرج في طلبه لا يزيد عليه من صيد أو احتطاب أو احتشاش ؛ فهو فرض عليه . الخامس : سفر التجارة والكسب الزائد على القوت ، وذلك جائز بفضل الله سبحانه وتعالى ، قال الله تعالى : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم يعني التجارة ، وهي نعمة من الله بها في سفر الحج ، فكيف إذا انفردت . السادس : في طلب العلم وهو مشهور . السابع : قصد البقاع ؛ قال صلى الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد . الثامن : الثغور للرباط بها وتكثير سوادها للذب عنها . التاسع : زيارة الإخوان في الله تعالى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : زار رجل أخا له في قرية فأرصد الله له ملكا على مدرجته فقال أين تريد فقال أريد أخا لي في هذه القرية قال : هل لك من نعمة تربها عليه ؟ قال : لا غير أني أحببته في الله عز وجل . قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه . رواه مسلم وغيره .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ومن يهاجر في سبيل الله "، ومن يُفارق أرضَ الشرك وأهلَها هربًا بدينه منها ومنهم، إلى أرض الإسلام وأهلها المؤمنين (58) =" في سبيل الله "، يعني: في منهاج دين الله وطريقه الذي شرعه لخلقه، وذلك الدين القَيِّم (59) =" يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا "، يقول: يجد هذا المهاجر في سبيل الله=" مراغمًا كثيرًا "، وهو المضطرب في البلاد والمذْهب.* * *يقال منه: " راغم فلانٌ قومه مراغمًا ومُرَاغمة "، مصدرًا، ومنه قول نابغة بني جعدة:كَطَوْدٍ يُلاذُ بِأَرْكَانِهِعَزِيزِ المُراغَمِ وَالمَهْرَبِ (60)وقوله: " وسعة "، فإنه يحتمل السِّعة في أمر دينهم بمكة، (61) وذلك منعُهم إياهم -كان- من إظهار دينهم وعبادة ربهم علانية. (62)* * *ثم أخبر جل ثناؤه عمن خرج مهاجرًا من أرض الشرك فارًّا بدينه إلى الله وإلى رسوله، إن أدركته منيَّته قبل بلوغه أرضَ الإسلام ودارَ الهجرة فقال: من كان كذلك=" فقد وقع أجرُه على الله "، وذلك ثوابُ عمله وجزاءُ هجرته وفراق وطنه وعشيرته إلى دار الإسلام وأهل دينه. (63) يقول جل ثناؤه: ومن يخرج مهاجرًا من داره إلى الله وإلى رسوله، فقد استوجب ثواب هجرته= إن لم يبلغ دارَ هجرته باخترام المنية إيّاه قبل بلوغه إياها (64) = على ربه=" وكان الله غفورًا رحيمًا "، يقول: ولم يزل الله تعالى ذكره=" غفورًا " يعني: ساترًا ذنوب عبادهِ المؤمنين بالعفو لهم عن العقوبة عليها=" رحيمًا "، بهم رفيقًا. (65)* * *وذكر أن هذه الآية نزلت بسبب بعض من كان مقيمًا بمكة وهو مسلم، فخرج لما بلغه أن الله أنزل الآيتين قبلها، وذلك قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ إلى قوله: " وكان الله عفوًّا غفورًا "، فمات في طريقه قبلَ بلوغه المدينة.ذكر الأخبار الواردة بذلك:10282- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله "، قال: كان رجل من خزاعة يقال له ضمرة بن العيص - أو: العيص بن ضمرة بن زنباع- قال: فلما أمروا بالهجرة كان مريضًا، فأمر أهله أن يفرُشوا له على سريره ويحملوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ففعلوا، فأتاه الموتُ وهو بالتَّنعيِم، فنزلت هذه الآية. (66)10283- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قال: نزلت هذه الآية: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله " في ضمرة بن العيص بن الزنباع= أو فلان بن ضمرة بن العيص بن الزنباع= حين بلغ التنعيم ماتَ، فنزلت فيه.10284- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن العَوَّام التيمي، بنحو حديث يعقوب، عن هشيم، قال: وكان رجلا من خُزاعة. (67)10285- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغَمًا كثيرًا وسعة "، الآية، قال: لما أنزل الله هؤلاء الآيات، ورجل من المؤمنين يقال له: " ضمرة " بمكة، قال: " والله إنّ لي من المال ما يُبَلِّغني المدينة وأبعدَ منها، وإنِّي لأهتدي! أخرجوني"، وهو مريض حينئذ، فلما جاوز الحرَم قبضَه الله فمات، فأنزل الله تبارك وتعالى: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله "، الآية.10286- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: لما نزلت: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ، قال رجل من المسلمين يومئذٍ وهو مريض: " والله ما لي من عُذْر، إني لدليلٌ بالطريق، وإنّي لموسِر، فاحملوني"، (68) فحملوه، فأدركه الموت بالطريق، فنزل فيه (69) " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ".10287- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت عكرمة يقول: لما أنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الآيتين، قال رجل من بني ضَمْرة، وكان مريضًا: " أخرجوني إلى الرَّوْح "، (70) فأخرجوه، حتى إذا كان بالحَصْحاص مات، فنزل فيه: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله "، الآية.10288- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن المنذر بن ثعلبة، عن علباء بن أحمر اليشكري قوله: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله "، قال: نزلت في رجل من خزاعة. (71)10289- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة، عن الضحاك في قول الله جل وعز: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله "، قال: لما سمع رجل من أهل مكة أن بني كنانة قد ضربتْ وجوهَهم وأدبارَهم الملائكةُ، قال لأهله: " أخرجوني"، وقد أدنفَ للموت. (72) قال: فاحتمل حتى انتهى إلى عَقَبة قد سماها، (73) فتوفَّي، فأنزل الله: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله "، الآية. (74)10290- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما سمع هذه (75) = يعني: بقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ إلى قوله: " وكان الله عفوًّا غفورًا " = ضمرةُ بن جندب الضمري، قال لأهله، وكان وجعًا: " أرحلوا راحلتي، فإن الأخشبين قد غَمَّاني!" = يعني: جَبَلىْ مكة=" لعلي أن أخرج فيصيبني رَوْح "! (76) فقعد على راحلته، ثم توجه نحو المدينة، فمات بالطريق، فأنزل الله: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ". وأما حين توجه إلى المدينة فإنه قال: " اللهم إني مهاجر إليك وإلى رسولك ".10291- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قال: لما نزلت هذه الآية= يعني قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ، قال جندب بن ضمرة الجُنْدَعي." اللهم أبلغتَ في المعذرة والحجّة، ولا معذرة لي ولا حُجَّة "! قال: ثم خرج وهو شيخ كبير، فمات ببعض الطريق، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات قبل أن يهاجر، فلا ندري أعلى ولايةٍ أم لا! فنزلت: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ".10292- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: لما أنزل الله في الذين قتلوا مع مشركي قريش ببدر: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الآية، سمع بما أنزل الله فيهم رجل من بني لَيْثٍ كان على دين النبي صلى الله عليه وسلم مقيمًا بمكة، وكان ممن عَذَر الله، كان شيخًا كبيرًا وَصِبًا، (77) فقال لأهله: " ما أنا ببائت الليلة بمكة!"، فخُرِج به، (78) حتى إذا بلغ التَّنعيم من طريق المدينة أدركه الموت، فنزل فيه " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله " الآية.10293- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغَمًا كثيرًا وسعة "، قال: وهاجر رجل من بني كنانة يريد النبي صلى الله عليه وسلم فمات في الطريق، فسخِر به قومه واستهزؤوا به وقالوا: لا هو بلغ الذي يريد، ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويدفن! قال: فنزل القرآن: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ".10294- حدثنا أحمد بن منصور الرماديّ قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ، فكان بمكة رجل يقال له " ضمرة "، (79) من بني بكر، وكان مريضًا، فقال لأهله: " أخرجوني من مكة، فإني أجد الحرّ". فقالوا: أين نخرجك؟ فأشار بيده نحو المدينة، فنزلت هذه الآية: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله " إلى آخر الآية.10295- حدثني الحارث بن أبي أسامة قال، حدثنا عبد العزيز بن أبان قال، حدثنا قيس، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت هذه الآية: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ، قال: رَخَّص فيها قوم من المسلمين ممن بمكة من أهل الضرر، (80) حتى نزلت فضيلة المجاهدين على القاعدين، فقالوا: قد بين الله فضيلةَ المجاهدين على القاعدين، ورخَّص لأهل الضرر! حتى نزلت: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ إلى قوله: وَسَاءَتْ مَصِيرًا ، قالوا: هذه موجبة! حتى نزلت: إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا ، فقال ضَمْرة بن العِيص الزُّرَقي، أحد بني ليثٍ، وكان مُصَاب البصر: " إنيّ لذو حيلة، لي مال، ولي رقيق، فاحملوني". فخرج وهو مريض، فأدركه الموت عند التنعيم، فدفن عند مسجد التنعيم، فنزلت فيه هذه الآية: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت " الآية. (81)* * *واختلف أهل التأويل في تأويل " المراغم ". (82)فقال بعضهم: هو التحول من أرض إلى أرض.*ذكر من قال ذلك:10296- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " مراغَمًا كثيرًا "، قال: المراغَم، التحوّل من الأرض إلى الأرض.10297- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " مراغمًا كثيرًا "، يقول: متحوَّلا.10298- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا "، قال: متحوَّلا.10299- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن أو قتادة: " مراغمًا كثيرًا "، قال: متحوَّلا.10300- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا "، قال: مندوحةً عما يكره.* * *10301- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: " مراغمًا كثيرًا "، قال: مزحزحًا عما يكره.10302- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " مراغمًا كثيرًا "، قال: متزحزحًا عما يكره.وقال آخرون: مبتغَى معيشةٍ.*ذكر من قال ذلك:10303- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا "، يقول: مبتغىً للمعيشة.* * *وقال آخرون: " المراغَمُ"، المهاجر.*ذكر من قال ذلك:10304- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " مراغمًا "، المراغَم، المهاجَر.* * *قال أبو جعفر: وقد بينا أوْلَى الأقوال في ذلك بالصواب فيما مضى قبل. (83)* * *واختلفوا أيضًا في معنى: " السعة " التي ذكرها الله في هذا الموضع، فقال: " وسعة ". فقال بعضهم: هي: السعة في الرزق.*ذكر من قال ذلك:10305- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " مراغمًا كثيرًا وسعة "، قال: السعة في الرزق.10306- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " مراغمًا كثيرًا وسعة "، قال: السعة في الرزق.10307- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وسعة "، يقول: سعة في الرزق.* * *وقال آخرون في ذلك ما:-10308- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعة "، أي والله، من الضلالة إلى الهدى، ومن العَيْلة إلى الغِنى. (84)قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبرَ أن من هاجر في سبيله يجد في الأرض مضطرَبًا ومتَّسعًا. وقد يدخل في" السعة "، السعة في الرزق، والغنى من الفقر، ويدخل فيه السعة من ضيق الهمِّ والكرب الذي كان فيه أهل الإيمان بالله من المشركين بمكة، وغير ذلك من معاني" السعة "، التي هي بمعنى الرَّوْح والفرَج من مكروهِ ما كره الله للمؤمنين بمقامهم بين ظَهْري المشركين وفي سلطانهم. ولم يضع الله دِلالة على أنه عنى بقوله: " وسعة "، بعض معاني" السعة " التي وصفنا. فكل معاني" السعة " التي هي بمعنى الرَّوح والفرج مما كانوا فيه من ضيق العيش، وغم جِوار أهل الشرك، وضيق الصدر بتعذّر إظهار الإيمان بالله وإخلاص توحيده وفراق الأنداد والآلهة، داخلٌ في ذلك.وقد تأول قوم من أهل العلم هذه الآية= أعني قوله: " ومن يخرُج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله "= أنها في حكم الغازي يخرج للغزو، فيدركه الموت بعد ما يخرج من منزله فاصلا فيموت، أنّ له سَهْمه من المغنَم، وإن لم يكن شهد الوقعة، كما:-10309- حدثني المثنى قال، حدثنا يوسف بن عديّ قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن أهل المدينة يقولون: " من خرج فاصلا وجب سهمه "، وتأوّلوا قوله تبارك وتعالى: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ". (85)------------الهوامش :(58) انظر تفسير"الهجرة" فيما سلف ص: 100 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.(59) انظر تفسير"سبيل الله" في مراجع اللغة.(60) ديوانه 22 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 138 ، اللسان (رغم). والبيت من قصيدته التي في الديوان ، ولكنه أفرد منها فلم يعرف مكانه. و"الطود": الجبل العظيم المنيف. ولست أدري على أي شيء تقع كاف التشبيه.(61) هكذا جاءت هذه العبارة في المطبوعة والمخطوطة ، وهي غير مستقيمة. وظني أنه سقط من الناسخ شيء من كلام أبي جعفر ، ولعله يكون هكذا:"وقوله: "وسعة" ، فإنه يحتمل السَّعةَ في الرِّزق ، ويحتمل السعة في أمر دينهم ، من ضيعتهم في أرض أهل الشرك بمكة ، وذلك منعهم...."فقوله: "وذلك منعهم" ، تفسير"الضيق" ، كما هو ظاهر من تأويل أبي جعفر. وانظر ما سيأتي في تأويل معنى"السعة" ص: 122.(62) في المطبوعة. أسقط قوله: "كان" الموضوعة هنا بين الخطين ، لظن الناشر أنها خطأ وزيادة. وهو كلام عربي محكم ، يضعون"كان" هذا الموضع للدلالة على الماضي ، فكأنه قال: "وهو ما كان من منعهم إياهم" ، ولكن الناشر أخطأ معرفة معناه ، فحذف"كان" ، فأساء.(63) انظر تفسير"الأجر" فيما سلف ص: 98 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.(64) "اخترمته المنية": أخذته من بين أصحابه وقطعته منهم. من"الخرم" وهو الشق والفصم ، يقال: "ما خرمت منه شيئا" أي: ما نقصت وما قطعت.(65) انظر تفسير"كان" ، و"غفور" ، و"رحيم" في مواضعها من فهارس اللغة في الأجزاء السالفة.(66) الأثر: 10282 - أخرجه البيهقي في السنن 9: 14 ، 15 ، وهذه القصة قصة رجل واحد اختلف في اسمه واسم أبيه على أكثر من عشرة أوجه ، هكذا قال الحافظ ابن حجر في الإصابة. وقد ساق أبو جعفر هنا من 10282 -10295 أكثر وجوه هذا الاختلاف في اسمه واسم أبيه. فتركت لذلك الإشارة إلى هذا الاختلاف في مواضعه من الآثار التالية.و"التنعيم" موضع في الحل ، بين مر وسرف ، بينه وبين مكة فرسخان. ومن التنعيم يحرم من أراد العمرة من أهل مكة.(67) الأثر: 10284 -"العوام التيمي" ، لم أجد له ذكرًا في كتب التراجم ، وأخشى أن يكون الصواب"العوام ، عن التيمي" ، يعني: "العوام بن حوشب الشيباني" ، وهو يروي عن"إبراهيم التيمي". و"هشيم" يروي عن"العوام بن حوشب".(68) قوله: "لدليل بالطريق" ، أي عارف به ، يقال: "دللت بهذا الطريق دلالة" ، أي: عرفته ، فهو"دليل بين الدلالة".(69) في المطبوعة: "فنزلت فيه" ، وأثبت ما في المخطوطة.(70) قوله: "أخرجوني إلى الروح" (بفتح الراء وسكون الواو): أي: إلى السعة والراحة وبرد النسيم. هذا تفسيره ، وسيأتي في رقم: 10290"لعلي أن أخرج فيصببني روح" ، أي: برد النسيم ، وكان يجد الحر في مكة حتى غمه ، كما سيأتي في الأثر: 10294.وأما "الحصحاص" ، فهو موضع بالحجاز ، وقال ياقوت"جبل مشرف على ذي طوى" ، يعني: بناحية مكة. ويقال فيه: "ذو الحصحاص" ، قال شاعر حجازي:ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَغَيَّرَ بَعْدَنَاظِبَاءٌ بِذِي الَحصْحَاصِ نُجْلٌ عُيُونُهَاوَلِي كَبِدٌ مَقْرُوحَةٌ قَدْ بَدَا بِهَاصُدُوعُ الهَوَى، لَوْ كَانَ قَيْنٌ يَقِينُهَا!(71) الأثر: 10288 -"ثعلبة بن المنذر بن حرب الطائي". و"علباء بن أحمر اليشكري" ، مضيا برقم: 7190.(72) يقال: "دنفت الشمس للمغيب" (على وزن: فرح) و"أدنفت" ، إذا دنت للمغيب واصفرت ، وكذلك يقال المريض: "دنف المريض وأدنف" ، أي ثقل ودنا للموت. و"الدنف" (بفتحتين) المرض اللازم المخامر.(73) "العقبة" (بفتحات): طريق في الجبل وعر= أو: هو الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه.(74) الأثر: 10289 - هذا الأثر ساقط من المخطوطة.(75) في المطبوعة: "لما سمع بهذه" ، غير ما في المخطوطة ، لقوله بعد: "يعني: بقوله.." ولا بأس بهذا التغيير ، وإن كان ما في المخطوطة صوابا أيضًا.(76) انظر التعليق السالف قريبًا: ص: 115 ، تعليق: 3.(77) في المطبوعة: "وضيئًا" ، وليس له معنى يقبل في هذا الموضع. وفي المخطوطة: "وصيا" بالياء ، وهو تصحيف ما أثبته.و"رجل وصب" ، دام عليه المرض ولزمه وثبت عليه. و"الوصب" (بفتحتين) المرض الموجع الدائم.(78) في المطبوعة: "فخرجوا به مريضًا" ، وكأنه تصرف من النساخ أو الناشر الأول. وفي الدر المنثور 2: 208: "فخرجوا به" ليس فيه"مريضًا". وأثبت ما في المخطوطة: "فخرج به" بالبناء للمجهول.(79) في المطبوعة: "وكان بمكة" بالواو ، وأثبت ما في المخطوطة.(80) في المطبوعة: "ممن كان بمكة" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو صواب محض.(81) الأثر: 10295 -"الحارث بن أبي أسامة" منسوب إلى جده ، وهو: "الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي" ، ولد في شوال سنة 186 ، ومات يوم عرفة ضحوة النهار سنة 282 ، عن ست وتسعين سنة. وهو ثقة مترجم في تاريخ بغداد 8 : 218 ، 219. يروي عنه أبو جعفر الطبري في التفسير ، وفي التاريخ 11 : 57 ، 58.و"عبد العزيز بن أبان الأموي" من ولد"سعيد بن العاص". مترجم في التهذيب ، وقال ابن معين: "كذاب خبيث يضع الأحاديث".و"قيس" ، هو"قيس بن الربيع" ، مضى برقم: 159 ، 4842 ، وغيرها.* * *هذا ، وقد رأيت كيف اختلفوا في اسم الرجل الذي خرج مهاجرًا إلى الله ورسوله ، وقد تركت التنبيه على ذلك ، كما أسلفت ، فإن تحقيق شيء من اسمه واسم أبيه يكاد يكون مستحيلا.(82) في المخطوطة: "في تأويل الآية" ، والصواب ما في المطبوعة ، سها الناسخ.(83) انظر ما سلف ص: 112 ، 113.(84) "العيلة": الفقر.(85) الأثر: 10309 -"يوسف بن عدي بن زريق التيمي" ، كوفي ، نزل مصر ، ومات بها سنة 232. ثقة. مترجم في التهذيب.و"يزيد بن أبي حبيب المصري" سلف برقم: 4348 ، 5493.
﴿ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ﴾