القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 103 سورة الصافات - فلما أسلما وتله للجبين

سورة الصافات الآية رقم 103 : سبع تفاسير معتمدة

سورة فلما أسلما وتله للجبين - عدد الآيات 182 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 103 من سورة الصافات عدة تفاسير - سورة الصافات : عدد الآيات 182 - - الصفحة 450 - الجزء 23.

سورة الصافات الآية رقم 103


﴿ فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ ﴾
[ الصافات: 103]

﴿ التفسير الميسر ﴾

فلما استسلما لأمر الله وانقادا له، وألقى إبراهيم ابنه على جبينه -وهو جانب الجبهة- على الأرض؛ ليذبحه.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«فلما أسلما» خضعا وانقادا لأمر الله تعالى «وتله للجبين» صرعه عليه، ولكل إنسان جبينان بينهما الجبهة وكان ذلك بمنى، وأمرَّ السكين على حلقه فلم تعمل شيئا بمانع من القدرة الإلهية.

﴿ تفسير السعدي ﴾

فَلَمَّا أَسْلَمَا أي: إبراهيم وابنه إسماعيل، جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده، امتثالا لأمر ربه، وخوفا من عقابه، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر، وهانت عليه في طاعة ربه، ورضا والده، وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي: تل إبراهيم إسماعيل على جبينه، ليضجعه فيذبحه، وقد انكب لوجهه، لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه.


﴿ تفسير البغوي ﴾

( فلما أسلما ) انقادا وخضعا لأمر الله - تعالى - قال قتادة : أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه ، ( وتله للجبين ) أي : صرعه على الأرض .
قال ابن عباس : أضجعه على جبينه على الأرض والجبهة بين الجبينين ، قالوا : فقال له ابنه الذي أراد ذبحه : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينقص أجري وتراه أمي فتحزن ، واشحذ شفرتك ، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد ، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني ، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل ، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني ، فقال له إبراهيم عليه السلام : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ، ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه ، ثم أقبل عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكي والابن - أيضا - يبكي ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك السكين .
ويروى أنه كان يجر الشفرة في حلقه فلا تقطع ، فشحذها مرتين أو ثلاثة بالحجر ، كل ذلك لا تستطيع .
قال السدي : ضرب الله - تعالى - صفحة من نحاس على حلقه قالوا : فقال الابن عند ذلك : يا أبت كبني لوجهي على جبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله تعالى ، وإني لا أنظر إلى الشفرة فأجزع ، ففعل ذلك إبراهيم ثم وضع الشفرة على قفاه فانقلبت السكين ونودي : أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا .
وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله قال : لما رأى إبراهيم ذبح ابنه قال الشيطان : لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا ، فتمثل له الشيطان رجلا وأتى أم الغلام ، فقال لها : هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت : ذهب به يحتطبان من هذا الشعب ، قال : لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه ، قالت : كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك ، قال : إنه يزعم أن الله قد أمره بذلك ، قالت : فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه ، فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه ، فقال له : يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك ؟ قال : نحتطب لأهلنا من هذا الشعب ، قال : والله ما يريد إلا أن يذبحك ، قال : ولم ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك ، قال : فليفعل ما أمره به ربه فسمعا وطاعة ، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم - عليه السلام - فقال له : أين تريد أيها الشيخ ؟ قال : أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه ، قال : والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا ، فعرفه إبراهيم - عليه السلام - فقال : إليك عني يا عدو الله فوالله لأمضين لأمر ربي ، فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئا مما أراد ، قد امتنعوا منه بعون الله تعالى .
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس : أن إبراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ، ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم مضى إبراهيم لأمر الله - عز وجل - .
قال الله عز وجل : " فلما أسلما وتله للجبين " .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما كان من الابن وأبيه فقال: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وأسلما: بمعنى استسلما وانقادا لأمر الله، فالفعل لازم، أو بمعنى: سلّم الذبيح نفسه وسلم الأب ابنه، فيكون متعديا والمفعول محذوف.
وقوله وَتَلَّهُ أى: صرعه وأسقطه، وأصل التل: الرمي على التّل وهو الرمل الكثيف المرتفع، ثم عمم في كل رمى ودفع، يقال: تل فلان فلانا إذا صرعه وألقاه على الأرض.
والجبين: أحد جانبي الجبهة، وللوجه جبينان، والجبهة بينهما.
أى: فلما استسلم الأب والابن لأمر الله- تعالى- وصرع الأب ابنه على شقه، وجعل جبينه على الأرض، واستعد الأب لذبح ابنه.
.
كان ما كان منا من رحمة بهما.
ومن إكرام لهما، ومن إعلاء لقدرهما.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أين جواب لما؟ قلت: هو محذوف تقديره: فلما أسلما وتله للجبين «وناديناه أن يا إبراهيم.
قد صدقت الرؤيا» كان ما كان مما تنطق به الحال، ولا يحيط به الوصف من استبشارهما واغتباطهما، وحمدهما لله، وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله، وما اكتسبا في تضاعيفه من الثواب، ورضوان الله الذي ليس وراءه مطلوب.
.
.
وقد ذكروا هنا آثارا منها أن إسماعيل- عليه السلام- لما هم أبوه بذبحه قال له: يا أبت اشدد رباطى حتى لا أضطرب، واكفف عنى ثيابك حتى لا يتناثر عليها شيء من دمى فتراه أمى فتحزن، وأسرع مرّ السكين على حلقى ليكون أهون للموت على، فإذا أتيت أمى فاقرأ عليها السلام منى.
.
وكان ذلك عند الصخرة التي بمنى.
.
.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

قال الله تعالى : ( فلما أسلما وتله للجبين ) أي : فلما تشهدا وذكرا الله تعالى إبراهيم على الذبح والولد على شهادة الموت . وقيل : ( أسلما ) ، [ يعني ] : استسلما وانقادا ; إبراهيم امتثل أمر الله ، وإسماعيل طاعة الله وأبيه . قاله مجاهد ، وعكرمة والسدي ، وقتادة ، وابن إسحاق ، وغيرهم .ومعنى ( وتله للجبين ) أي : صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ، ليكون أهون عليه ، قال ابن عباس ، ومجاهد وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وقتادة : ( وتله للجبين ) : أكبه على وجهه .وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج ويونس قالا حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي عاصم الغنوي ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس أنه قال : لما أمر إبراهيم بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي ، فسابقه فسبقه إبراهيم ، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات ، وثم تله للجبين ، وعلى إسماعيل قميص أبيض ، فقال له : يا أبت ، إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره ، فاخلعه حتى تكفنني فيه . فعالجه ليخلعه ، فنودي من خلفه : ( أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ) ، فالتفت إبراهيم فإذا بكبش أبيض أقرن أعين . قال ابن عباس : لقد رأيتنا نتبع ذلك الضرب من الكباش .وذكر تمام الحديث في " المناسك " بطوله . ثم رواه أحمد بطوله عن يونس ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، فذكر نحوه إلا أنه قال : " إسحاق " . فعن ابن عباس في تسمية الذبيح روايتان ، والأظهر عنه إسماعيل ، لما سيأتي بيانه .وقال محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، عن قتادة ، عن جعفر بن إياس ، عن ابن عباس في قوله : ( وفديناه بذبح عظيم ) قال : خرج عليه كبش من الجنة . قد رعى قبل ذلك أربعين خريفا ، فأرسل إبراهيم ابنه واتبع الكبش ، فأخرجه إلى الجمرة الأولى ، فرماه بسبع حصيات فأفلته عندها ، فجاء الجمرة الوسطى فأخرجه عندها ، فرماه بسبع حصيات ثم أفلته فأدركه عند الجمرة الكبرى ، فرماه بسبع حصيات فأخرجه عندها . ثم أخذه فأتى به المنحر من منى فذبحه ، فوالذي نفس ابن عباس بيده لقد كان أول الإسلام ، وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة قد حش ، يعني : يبس .وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، أخبرنا القاسم قال : اجتمع أبو هريرة وكعب ، فجعل أبو هريرة يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل كعب يحدث عن الكتب ، فقال أبو هريرة : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن لكل نبي دعوة مستجابة ، وإني قد خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " . فقال له كعب : أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم . قال : فداك أبي وأمي - أو : فداه أبي وأمي - أفلا أخبرك عن إبراهيم - عليه السلام - ؟ إنه لما أري ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان : إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدا . فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه ، فذهب الشيطان فدخل على سارة ، فقال : أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت : غدا به لبعض حاجته . قال : لم يغد لحاجة ، وإنما ذهب به ليذبحه . قالت : ولم يذبحه ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك . قالت : فقد أحسن أن يطيع ربه . فذهب الشيطان في أثرهما فقال للغلام : أين يذهب بك أبوك ؟ قال : لبعض حاجته . قال : إنه لا يذهب بك لحاجة ، ولكنه يذهب بك ليذبحك . قال : ولم يذبحني ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك . قال : فوالله لئن كان الله أمره بذلك ليفعلن . قال : فيئس منه فلحق بإبراهيم ، فقال : أين غدوت بابنك ؟ قال لحاجة . قال : فإنك لم تغد به لحاجة ، وإنما غدوت به لتذبحه قال : ولم أذبحه ؟ قال : تزعم أن ربك أمرك بذلك . قال : فوالله لئن كان الله أمرني بذلك لأفعلن . قال : فتركه ويئس أن يطاع .وقد رواه ابن جرير عن يونس ، عن ابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي أخبره ، أن كعبا قال لأبي هريرة . . . فذكره بطوله ، وقال في آخره : وأوحى الله إلى إسحاق أني أعطيتك دعوة أستجيب لك فيها . قال إسحاق : اللهم ، إني أدعو أن تستجيب لي : أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين ، لا يشرك بك شيئا ، فأدخله الجنة .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي ، وبين أن أختبئ شفاعتي ، فاختبأت شفاعتي ، ورجوت أن تكفر الجم لأمتي ، ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لتعجلت فيها دعوتي ، إن الله لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له : يا إسحاق ، سل تعطه . فقال : أما والذي نفسي بيده لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان ، اللهم من مات لا يشرك بك شيئا فاغفر له وأدخله الجنة " .هذا حديث غريب منكر . وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث ، وأخشى أن يكون في الحديث زيادة مدرجة ، وهي قوله : " إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق " إلى آخره ، والله أعلم . فهذا إن كان محفوظا فالأشبه أن السياق إنما هو عن " إسماعيل " ، وإنما حرفوه بإسحاق ; حسدا منهم كما تقدم ، وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها بمنى من أرض مكة ، حيث كان إسماعيل لا إسحاق [ عليهما السلام ] ، فإنه إنما كان ببلاد كنعان من أرض الشام .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : فلما أسلما أي انقادا لأمر الله .
وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعلي رضوان الله عليهم " فلما سلما " أي : فوضا أمرهما إلى الله .
وقال ابن عباس : استسلما .
وقال قتادة : أسلم أحدهما نفسه لله - عز وجل - وأسلم الآخر ابنه .
وتله للجبين قال قتادة : كبه وحول وجهه إلى القبلة .
وجواب " لما " محذوف عند البصريين تقديره فلما أسلما وتله للجبين فديناه بكبش .
وقال الكوفيون : الجواب " ناديناه " والواو زائدة مقحمة ، كقوله : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا أي : أوحينا .
وقوله : وهم من كل حدب ينسلون واقترب أي : اقترب .
وقوله : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال أي : قال لهم .
وقال امرؤ القيس :فلما أجزنا ساحة الحي وانتحىأي : انتحى ، والواو زائدة .
وقال أيضا :حتى إذا حملت بطونكم ورأيتم أبناءكم شبواوقلبتم ظهر المجن لنا إن اللئيم الفاجر الخبأراد قلبتم .
النحاس : والواو من حروف المعاني لا يجوز أن تزاد .
وفي الخبر : إن الذبيح قال لإبراهيم - عليه السلام - حين أراد ذبحه : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف ثيابك لئلا ينتضح عليها شيء من دمي فتراه أمي فتحزن ، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون الموت أهون علي ، واقذفني للوجه ، لئلا تنظر إلى وجهي فترحمني ، ولئلا أنظر إلى الشفرة فأجزع ، وإذا أتيت إلى أمي فأقرئها مني السلام .
فلما جر إبراهيم - عليه السلام - السكين ضرب الله عليه صفيحة من نحاس ، فلم تعمل السكين شيئا ، ثم ضرب به على جبينه وحز في قفاه فلم تعمل السكين شيئا ، فذلك قوله تعالى : وتله للجبين .
كذلك قال ابن عباس : معناه كبه على وجهه فنودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فالتفت فإذا بكبش ، ذكره المهدوي .
وقد تقدمت الإشارة إلى عدم صحته ، وأن المعنى لما اعتقد الوجوب وتهيأ للعمل ، هذا بهيئة الذبح ، وهذا بصورة المذبوح ، أعطيا محلا للذبح فداء ، ولم يكن هناك مر سكين .
وعلى هذا يتصور النسخ قبل الفعل على ما تقدم .
والله أعلم .
قال الجوهري : وتله للجبين أي : صرعه ، كما تقول : كبه لوجهه .
الهروي : والتل الدفع والصرع ، ومنه حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - : وتركوك لمتلك أي : لمصرعك .
وفي حديث آخر : فجاء بناقة كوماء فتلها أي : أناخها .
وفي الحديث : بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي قال ابن الأنباري : أي : فألقيت في يدي ، يقال : تللت الرجل إذا ألقيته .
قال ابن الأعرابي : فصبت في يدي ، والتل الصب ، يقال : تل يتل إذا صب ، وتل يتل بالكسر إذا سقط .
قلت : وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بشراب فشرب منه ، وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ ، فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ، فقال الغلام : لا والله ، لا أوثر بنصيبي منك أحدا .
قال ، فتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده ، يريد جعله في يده .
وقال بعض أهل الإشارة : إن إبراهيم ادعى محبة الله ، ثم نظر إلى الولد بالمحبة ، فلم يرض حبيبه محبة مشتركة ، فقيل له : يا إبراهيم اذبح ولدك في مرضاتي ، فشمر وأخذ السكين وأضجع ولده ، ثم قال : اللهم تقبله مني في مرضاتك .
فأوحى الله إليه : يا إبراهيم لم يكن المراد ذبح الولد ، وإنما المراد أن ترد قلبك إلينا ، فلما رددت قلبك بكليته إلينا رددنا ولدك إليك .
وقال كعب وغيره : لما أري إبراهيم ذبح ولده في منامه ، قال الشيطان : والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا .
فتمثل الشيطان لهم في صورة الرجل ، ثم أتى أم الغلام وقال : أتدرين أين يذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت : لا .
قال : إنه يذهب به ليذبحه .
قالت : كلا هو أرأف به من ذلك .
فقال : إنه يزعم أن ربه أمره بذلك .
قالت : فإن كان ربه قد أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه .
ثم أتى الغلام فقال : أتدري أين يذهب بك أبوك ؟ قال : لا .
قال : فإنه يذهب بك ليذبحك .
قال : ولم ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك .
قال : فليفعل ما أمره الله به ، سمعا وطاعة لأمر الله .
ثم جاء إبراهيم فقال : أين تريد ؟ والله إني لأظن أن الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك .
فعرفه إبراهيم فقال : إليك عني يا عدو الله ، فوالله لأمضين لأمر ربي .
فلم يصب الملعون منهم شيئا .
وقال ابن عباس : لما أمر إبراهيم بذبح ابنه عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الأخرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم مضى إبراهيم لأمر الله تعالى .
واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه ، فقيل : بمكة في المقام .
وقيل : في المنحر بمنى عند الجمار التي رمى بها إبليس لعنه الله ، قاله ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب وسعيد بن المسيب .
وحكي عن سعيد بن جبير : أنه ذبحه على الصخرة التي بأصل ثبير بمنى .
وقال ابن جريج : ذبحه بالشام وهو من بيت المقدس على ميلين .
والأول أكثر ، فإنه ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة ، فدل على أنه ذبحه بمكة .
وقال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام ، وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه من ميزاب الكعبة وقد يبس .
أجاب من قال بأن الذبح وقع بالشام : لعل الرأس حمل من الشام إلى مكة .
والله أعلم .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)يقول تعالى ذكره: فلما أسلما أمرهما لله وفوّضاه إليه واتفقا على التسليم لأمره والرضا بقضائه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا ثابت بن محمد، وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا مسلم بن صالح، قالا ثنا عبد الله بن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) قال: اتفقا على أمر واحد.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قوله ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) قال: أسلما جميعا لأمر الله ورضي الغلام بالذبح، ورضي الأب بأن يذبحه، فقال: يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلي فترحمني، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع، ولكن أدخل الشفرة من تحتي، وامض لأمر الله، فذلك قوله ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) فلما فعل ذلك ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ).
&; 21-76 &;حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) قال: أسلم هذا نفسه لله، وأسلم هذا ابنه لله.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) قال: أسلما ما أمرا به.
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) يقول: أسلما لأمر الله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) : أي سلم إبراهيم لذبحه حين أمر به وسلم ابنه للصبر عليه، حين عرف أن الله أمره بذلك فيه.
وقوله ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) يقول: وصَرَعَه للجَبِيِن، والجبينان ما عن يمين الجبهة وعن شمالها، وللوجه جبينان، والجبهة بينهما.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو العاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) قال: وضع وجهه للأرض، قال: لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني، ولا تجهز عليّ، اربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) : أى وكبه لفيه وأخذ الشفرة ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ) حتى بلغ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍحدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، &; 21-78 &; عن أبيه، عن ابن عباس ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) قال: أكبه على جبهته.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) قال: جبينه، قال: أخذ جبينه ليذبحه.
حدثنا ابن سنان، قال: ثنا حجاج، عن حماد، عن أبي عاصم الغَنَوِيّ عن أبي الطُّفَيل، قال: قال ابن عباس: إن إبراهيم لما أُمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسابقه، فسبقه إبراهيم، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حَصَيَات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوُسْطَى، فرماه بسبع حَصَيَات حتى ذهب، ثم تلَّه للجَبِين، وعلى إسماعيل قَميص أبيض، فقال له: يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غير هذا، فاخلعه حتى تكفنني فيه، فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أعْيَن أبيض فذبحه، فقال ابن عباس: لقد رأيتنا نتبع هذا الضرب من الكِباش.

﴿ فلما أسلما وتله للجبين ﴾

قراءة سورة الصافات

المصدر : تفسير : فلما أسلما وتله للجبين