قال له قومه: كيف نصدِّقك ونتبعك، والذين اتبعوك أراذل الناس وأسافلهم؟
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«قالوا أنؤمن» نصدق «لك» لقولك «واتبعك» وفي قراءة وأتباعك جمع تابع مبتدأ «الأرذلون» السفلة كالحاكة والأساكفة.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فقالوا ردا لدعوته, ومعارضة له بما ليس يصلح للمعارضة: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ أي: كيف نتبعك ونحن لا نرى أتباعك إلا أسافل الناس, وأراذلهم, وسقطهم. بهذا يعرف تكبرهم عن الحق, وجهلهم بالحقائق, فإنهم لو كان قصدهم الحق, لقالوا - إن كان عندهم إشكال وشك في دعوته - بيّن لنا صحة ما جئت به بالطرق الموصلة إلى ذلك، ولو تأملوا حق التأمل, لعلموا أن أتباعه, هم الأعلون, خيار الخلق, أهل العقول الرزينة, والأخلاق الفاضلة, وأن الأرذل, من سلب خاصية عقله, فاستحسن عبادة الأحجار, ورضي أن يسجد لها, ويدعوها, وأبى الانقياد لدعوة الرسل الكمل. وبمجرد ما يتكلم أحد الخصمين في الكلام الباطل, يعرف فساد ما عنده بقطع النظر عن صحة دعوى خصمه، فقوم نوح, لما سمعنا عنهم, أنهم قالوا في ردهم دعوة نوح: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ فبنوا على هذا الأصل, الذي كل أحد يعرف فساده, رد دعوته - عرفنا أنهم ضالون مخطئون, ولو لم نشاهد من آيات نوح ودعوته العظيمة, ما يفيد الجزم واليقين, بصدقه وصحة ما جاء به.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ) قرأ يعقوب : " وأتباعك الأرذلون " السفلة . وعن ابن عباس قال : الصاغة . وقال عكرمة الحاكة والأساكفة . )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
فماذا كان ردهم على هذا القول الحكيم لنبيهم؟ لقد حكى القرآن ردهم فقال: قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ.والأرذلون: جمع الأرذل. وهو الأقل من غيره في المال والجاه والنسب.أى: قال قوم نوح له عند ما دعاهم إلى إخلاص العبادة لله- تعالى-: يا نوح أنؤمن لك، والحال أن الذين اتبعوك من سفلة الناس وفقرائهم، وأصحاب الحرف الدنيئة فينا..؟.وهذا المنطق المرذول قد حكاه القرآن في كثير من آياته، على ألسنة المترفين، وهم يردون على أنبيائهم عند ما يدعونهم إلى الدين الحق..
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقولون : أنؤمن لك ونتبعك ، ونتساوى في ذلك بهؤلاء الأراذل الذين اتبعوك وصدقوك ، وهم أراذلنا ; ولهذا قالوا : ( أنؤمن لك واتبعك الأرذلون . قال وما علمي بما كانوا يعملون ) ؟ أي : وأي شيء يلزمني من اتباع هؤلاء لي ، ولو كانوا على أي شيء كانوا عليه لا يلزمني التنقيب عنه والبحث والفحص ، إنما علي أن أقبل منهم تصديقهم إياي ، وأكل سرائرهم إلى الله ، عز وجل .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : قالوا أنؤمن لك أي نصدق قولك . واتبعك الأرذلون الواو للحال وفيه إضمار " قد " أي وقد اتبعك . الأرذلون جمع الأرذل ، المكسر : الأراذل ، والأنثى : الرذلى ، والجمع : الرذل . قال النحاس : ولا يجوز حذف الألف واللام في شيء من هذا عند أحد من النحويين علمناه . وقرأ ابن مسعود والضحاك ويعقوب الحضرمي وغيرهم ( وأتباعك الأرذلون ) . النحاس : وهي قراءة حسنة ; وهذه الواو أكثرها تتبعها الأسماء والأفعال ب " قد " . وأتباع جمع تبع وتبيع يكون للواحد والجمع . قال الشاعر :له تبع قد يعلم الناس أنه على من يداني صيف وربيعارتفاع ( أتباعك ) يجوز أن يكون بالابتداء و ( الأرذلون ) الخبر ; التقدير أنؤمن لك وإنما أتباعك الأرذلون . ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير في قوله : أنؤمن لك والتقدير : أنؤمن لك نحن وأتباعك الأرذلون فنعد منهم ; وحسن ذلك الفصل بقوله : " لك " وقد مضى القول في الأراذل في سورة ( هود ) مستوفى . ونزيده هنا بيانا وهي المسألة :الثانية : فقيل : إن الذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكناته وبنو بنيه . واختلف هل كان معهم غيرهم أم لا . وعلى أي الوجهين كان فالكل صالحون ; وقد قال نوح : ونجني ومن معي من المؤمنين والذين معه هم الذين اتبعوه ، ولا يلحقهم من قول الكفرة شين ولا ذم بل الأرذلون هم المكذبون لهم . قال السهيلي : وقد أغري كثير من العوام بمقالة رويت في تفسير هذه الآية : هم الحاكة والحجامون . ولو كانوا حاكة كما زعموا لكان إيمانهم بنبي الله واتباعهم له مشرفا كما تشرف بلال وسلمان بسبقهما للإسلام ; فهما من وجوه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم ، فلا ذرية نوح كانوا حاكة ولا حجامين ، ولا قول الكفرة في الحاكة والحجامين إن كانوا آمنوا به " أرذلون " ما يلحق اليوم بحاكتنا ذما ولا نقصا ; لأن هذه حكاية عن قول الكفرة إلا أن يجعل الكفرة حجة ومقالتهم أصلا ; وهذا جهل عظيم وقد أعلم الله تعالى أن الصناعات ليست بضائرة في الدين .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: قال قوم نوح له مجيبيه عن قيله لهم: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قالوا: أنؤمن لك يا نوح, ونقرّ بتصديقك فيما تدعونا إليه, وإنما اتبعك منا الأرذلون دون ذوي الشرف وأهل البيوتات.