واذكر نعمتي عليك، إذ ألهمتُ، وألقيتُ في قلوب جماعة من خلصائك أن يصدقوا بوحدانية الله تعالى ونبوتك، فقالوا: صدَّقنا يا ربنا، واشهد بأننا خاضعون لك منقادون لأمرك.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وإذ أوحيت إلى الحواريين» أمرتهم على لسانه «أن» أي بأن «آمنوا بي وبرسولي» عيسى «قالوا آمنا» بهما «واشهد بأننا مسلمون».
﴿ تفسير السعدي ﴾
واذكر نعمتي عليك إذ يسرت لك أتباعا وأعوانا. فأوحيت إلى الحواريين أي: ألهمتهم، وأوزعت قلوبهم الإيمان بي وبرسولي، أو أوحيت إليهم على لسانك، أي: أمرتهم بالوحي الذي جاءك من عند الله، فأجابوا لذلك وانقادوا، وقالوا: آمنا بالله، واشهد بأننا مسلمون، فجمعوا بين الإسلام الظاهر، والانقياد بالأعمال الصالحة، والإيمان الباطن المخرج لصاحبه من النفاق ومن ضعف الإيمان.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإذ أوحيت إلى الحواريين ) ألهمتهم وقذفت في قلوبهم ، وقال أبو عبيدة يعني أمرت و ( إلى ) صلة ، والحواريون خواص أصحاب عيسى عليه السلام ، ( أن آمنوا بي وبرسولي ) [ عيسى ] ( قالوا ) حين وفقتهم ( آمنا واشهد بأننا مسلمون ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال ابن كثير ما ملخصه: وقوله وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ هذا أيضا من الامتنان على عيسى، بأن جعل الله له أصحابا وأنصارا- وهم الحواريون- والمراد بهذا الوحى الإلهام كما في قوله: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ وكما في قوله وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ وقال بعض السلف في هذه الآية وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أى: ألهموا ذلك فامتثلوا ما ألهموا .فأنت ترى أن الإمام ابن كثير يرى أن المراد بالوحي هنا الإلهام. وعلى ذلك كثير من المفسرين، ومنهم من يرى أن المراد بقوله وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أى: أمرتهم في الإنجيل على لسانك أو أمرتهم على ألسنة رسلي.قال الآلوسى معززا هذا الرأى: وقد جاء استعمال الوحى بمعنى الأمر في كلام العرب، كما قال الزجاج وأنشد:الحمد لله الذي استقلت ... بإذنه السماء واطمأنتأوحى لها القرار فاستقرت أى: أمرها أن تقر فامتثلت .والحواريون جمع حوارى. وهم أنصار عيسى الذين لازموه وآمنوا به وصدقوه. وكانوا عونا له في الدعوة إلى الحق.يقال: فلان حوارى فلان. أى: خاصته من أصحابه. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الزبير بن العوام: لكل نبي حوارى وحوارى الزبير» .وأصل مادة «حور» الدلالة على شدة الصفاء ونصوع البياض، ولذلك قالوا في خالص لباب الدقيق: الحوارى وقالوا في النساء البيض: الحواريات والحواريات.وقد سمى الله- تعالى- أنصار عيسى بالحواريين، لأنهم أخلصوا لله نياتهم، وطهروا نفوسهم من النفاق والخداع فصاروا في نقائهم وصفائهم كالشىء الأبيض الخالص البياض.قال الراغب: والحواريون أنصار عيسى- عليه السلام- قيل كانوا صيادين وقال بعض العلماء إنما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم .والمعنى: اذكر نعمتي عليك- يا عيسى- حين أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ بطريق الإلهام أو بطريق الأمر على لسانك، وقلت لهم: أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي أى: آمنوا وصدقوا بأنى أنا الواحد الأحد المستحق للعبادة والخضوع وآمنوا برسولي عيسى بأنه مرسل من جهتي لهدايتكم وسعادتكم.وفي ذكر كلمة بِرَسُولِي إشارة إلى مقامه من الله- عز وجل- وانفصال شخصه عن ذات الله- سبحانه- وأن عيسى ما هو إلا رسول من رب العالمين وأن من زعموا أنه غير ذلك جاهلون وضالون.وقوله: قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ حكاية لما نطق به الحواريون من إيمان وطاعة.أى: أن الحواريين عند ما دعوا إلى الدين الحق قالُوا آمَنَّا بأن الله هو الواحد الأحد المستحق للعبادة وأنه لا والد له ولا ولد. ثم أكدوا إيمانهم هذا، بأن قالوا وَاشْهَدْ علينا يا إلهنا واشهد لنا يا عيسى يوم القيامة بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ أى: منقادون لكل ما جئتنا به وما تدعونا إليه.وقدموا ذكر الإيمان لأنه صفة القلب، وأخروا ذكر الإسلام لأنه عبارة عن الانقياد الظاهر فكأنهم قالوا: لقد استقر الإيمان في قلوبنا استقرارا مكينا، كان من ثماره أن انقادت ظواهرنا لكل ما يأمرنا الله به على لسانك يا عيسى.قال الفخر الرازي ما ملخصه: فإن قيل: إنه- تعالى- قال في أول الآية اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ ثم إن جميع ما ذكره- تعالى- من النعم مختص بعيسى، وليس لأمه تعلق بشيء منها. قلنا: كل ما حصل للولد من النعم الجليلة والدرجات العالية فهو حاصل على سبيل التضمن والتبع للأم ولذلك قال- تعالى- وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً فجعلهما معا آية واحدة لشدة اتصال كل واحد منهما بالآخر.وإنما ذكر- سبحانه قوله وَإِذْ أَوْحَيْتُ في معرض تعديد النعم لأن صيرورة الإنسان مقبول القول عند الناس محبوبا في قلوبهم، من أعظم نعم الله على الإنسان.وقد عدد عليه من النعم سبعا: إِذْ أَيَّدْتُكَ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ وَإِذْ تَخْلُقُ وإِذْ تَبَرَّأَ. وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى وَإِذْ كَفَفْتُ وَإِذْ أَوْحَيْتُ .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ) وهذا أيضا من الامتنان عليه - - عليه السلام - - بأن جعل له أصحابا وأنصارا . ثم قيل : المراد بهذا الوحي وحي إلهام ، كما قال : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) الآية [ القصص : 7 ] ، وهذا وحي إلهام بلا خوف ، وكما قال تعالى : ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون . ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا ) الآية [ النحل : 68 ، 69 ] . وهكذا قال بعض السلف في هذه الآية : ( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا ) [ أي : بالله وبرسول الله ] ( واشهد بأننا مسلمون ) أي : ألهموا ذلك فامتثلوا ما ألهموا .قال الحسن البصري : ألهمهم الله . عز وجل ذلك ، وقال السدي : قذف في قلوبهم ذلك .ويحتمل أن يكون المراد : وإذ أوحيت إليهم بواسطتك ، فدعوتهم إلى الإيمان بالله وبرسوله ، واستجابوا لك وانقادوا وتابعوك ، فقالوا : ( آمنا واشهد بأننا مسلمون )
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمونقوله تعالى : وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قد تقدم القول في معاني هذه الآية ، والوحي في كلام العرب معناه الإلهام ويكون على أقسام : وحي بمعنى إرسال جبريل إلى الرسل عليهم السلام ، ووحي بمعنى الإلهام كما في هذه الآية ; أي ألهمتهم وقذفت في قلوبهم ; ومنه قوله تعالى : وأوحى ربك إلى النحل وأوحينا إلى أم موسى ووحي بمعنى الإعلام في اليقظة والمنام قال أبو عبيدة : أوحيت بمعنى أمرت ، وإلى صلة يقال : وحى وأوحى بمعنى ; قال الله تعالى : بأن ربك أوحى لها وقال العجاج :وحى لها القرار فاستقرت بإذنه الأرض وما تعتتأي : أمرها بالقرار فاستقرت ، وقيل : أوحيت هنا بمعنى أمرتهم وقيل : بينت لهم . واشهد بأننا مسلمون على الأصل ; ومن العرب من يحذف إحدى النونين ; أي : واشهد يا رب ، وقيل : يا عيسى بأننا مسلمون لله .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكر أيضًا، يا عيسى، إذ ألقيت (19) =" إلى الحواريين "، وهم وزراء عيسى على دينه.* * *وقد بينا معنى ذلك، ولم قيل لهم " الحواريون "، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (20)* * *وقد اختلفت ألفاظ أهل التأويل في تأويل قوله: " وإذ أوحيت " ، وإن كانت متفقة المعاني.فقال بعضهم، بما:-12992 - حدثني به محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وإذ أوحيت إلى الحواريين " ، يقول: قدفت في قلوبهم.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ألهمتهم.* * *قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وإذْ ألقيتُ إلى الحواريين أنْ صدّقوا بي وبرسولي عيسى، فقالوا: "آمنا "، أي: صدقنا بما أمرتنا أن نؤمنَ يا ربنا =" واشهد " علينا " بأننا مسلمون " ، يقول: واشهد علينا بأننا خاضِعُون لك بالذّلة، سامعون مطيعُون لأمرك.------------------الهوامش :(19) انظر تفسير"أوحى" فيما سلف 6: 405 ، 406/9 : 399.(20) انظر تفسير"الحواريون" فيما سلف 6: 449 - 451.
﴿ وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ﴾