القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 114 سورة المائدة - قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنـزل

سورة المائدة الآية رقم 114 : سبع تفاسير معتمدة

سورة قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنـزل - عدد الآيات 120 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 114 من سورة المائدة عدة تفاسير - سورة المائدة : عدد الآيات 120 - - الصفحة 127 - الجزء 7.

سورة المائدة الآية رقم 114


﴿ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدٗا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةٗ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ﴾
[ المائدة: 114]

﴿ التفسير الميسر ﴾

أجاب عيسى ابن مريم طلب الحواريين فدعا ربه جل وعلا قائلا ربنا أنزل علينا مائدة طعام من السماء، نتخذ يوم نزولها عيدًا لنا، نعظمه نحن ومَن بعدنا، وتكون المائدة علامة وحجة منك يا ألله على وحدانيتك وعلى صدق نبوتي، وامنحنا من عطائك الجزيل، وأنت خير الرازقين.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«قال عيسى ابن مريم اللَّهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا» أي يوم نزولها «عيدا» نعظمه ونشرفه «لأوَّلنا» بدل من لنا بإعادة الجار «وآخرنا» ممن يأتي بعدنا «وآية منك» على قدرتك ونبوتي «وارزقنا» إياها «وأنت خير الرازقين».

﴿ تفسير السعدي ﴾

فلما سمع عيسى عليه الصلاة والسلام ذلك، وعلم مقصودهم، أجابهم إلى طلبهم في ذلك، فقال: اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ أي: يكون وقت نزولها عيدا وموسما، يتذكر به هذه الآية العظيمة، فتحفظ ولا تنسى على مرور الأوقات وتكرر السنين.
كما جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مذكرا لآياته، ومنبها على سنن المرسلين وطرقهم القويمة، وفضله وإحسانه عليهم.
وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ أي: اجعلها لنا رزقا، فسأل عيسى عليه السلام نزولها وأن تكون لهاتين المصلحتين، مصلحة الدين بأن تكون آية باقية، ومصلحة الدنيا، وهي أن تكون رزقا.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قال عيسى ابن مريم ) عند ذلك ، ( اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) وقيل : إنه اغتسل ولبس المسح وصلى ركعتين وطأطأ رأسه وغض بصره وبكى ، ثم قال : اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ، ( تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ) أي : عائدة من الله علينا حجة وبرهانا ، والعيد : يوم السرور ، سمي به للعود من الترح إلى الفرح ، وهو اسم لما اعتدته ويعود إليك ، وسمي يوم الفطر والأضحى عيدا لأنهما يعودان كل سنة ، قال السدي : معناه نتخذ اليوم الذي أنزلت فيه عيدا لأولنا وآخرنا ، أي : نعظمه نحن ومن بعدنا ، وقال سفيان : نصلي فيه ، قوله ( لأولنا ) أي : لأهل زماننا ( وآخرنا ) أي : لمن يجيء بعدنا ، وقال ابن عباس : يأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم ، ( وآية منك ) دلالة وحجة ، ( وارزقنا وأنت خير الرازقين )

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم حكى- سبحانه- ما تضرع به عيسى بعد أن سمع من الحواريين ما قالوه في سبب طلبهم لنزول المائدة من السماء فقال- تعالى- قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
وقوله: اللَّهُمَّ أى: يا الله.
فالميم المشددة عوض عن حرف النداء، ولذلك لا يجتمعان.
وهذا التعويض خاص بنداء الله ذي الجلال والإكرام.
وقوله: عِيداً أى سرورا وفرحا لنا، لأن كلمة العيد تستعمل بمعنى الفرح والسرور.
قال القرطبي: والعيد واحد الأعياد.
وأصله من عاد يعود أى: رجع وقيل ليوم الفطر والأضحى عيد، لأنهما يعودان كل سنة.
وقال الخليل: العيد كل يوم يجمع الناس فيه كأنهم عادوا إليه، وقال ابن الأنباري: سمى عيدا للعود إلى المرح والفرح فهو يوم سرور» .
والمعنى: قال عيسى بضراعة وخشوع- بعد أن سمع من الحواريين حجتهم- اللَّهُمَّ رَبَّنا أى: يا الله يا ربنا ومالك أمرنا، ومجيب سؤالنا.
أتوسل إليك أن تنزل علينا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ.
أى: أطعمة كائنة من السماء، هذه الأطعمة تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا أى:يكون يوم نزولها عيدا نعظمه ونكثر من التقرب إليك فيه نحن الذين شاهدناها، ويكون- أيضا- يوم نزولها عيدا وسرورا وبهجة لمن سيأتى بعدنا ممن لم يشاهدنا.
قال ابن كثير.
قال السدى: أى نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا.
وقال سفيان الثوري: يعنى يوما نصلى فيه.
وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم.
وقال سلمان الفارسي: يعنى يوما نصلى فيه.
وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم.
وقال سلمان الفارسي: تكون عظة لنا ولمن بعدنا .
وقوله: وَآيَةً مِنْكَ معطوف على قوله عِيداً.
أى: تكون هذه المائدة النازلة من السماء عيدا لأولنا وآخرنا، وتكون أيضا- دليلا- وعلامة منك- سبحانك- على صحة نبوتي ورسالتي، فيصدقونى فيما أبلغه عنك، ويزداد يقينهم بكمال قدرتك.
وقوله: وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ تذييل بمثابة التعليل لما قبله.
أى: أنزلها علينا يا ربنا وأرزقنا من عندك رزقا هنيئا رغدا، فإنك أنت خير الرازقين، وخير المعطين، وكل عطاء من سواك لا يغنى ولا يشبع.
وقد جمع عيسى في دعائه بين لفظي «اللهم وربنا» إظهارا لنهاية التضرع وشدة الخضوع، حتى يكون تضرعه أهلا للقبول والإجابة.
وعبر عن مجيء المائدة بالإنزال من السماء للإشارة إلى أنها هبة رفيعة، ونعمة شريفة، آتية من مكان عال مرتفع في الحس والمعنى، فيجب أن تقابل بالشكر لواهبها- عز وجل- وبتمام الخضوع والإخلاص له.
وقوله تَكُونُ لَنا عِيداً صفة ثانية لمائدة، وقوله لَنا خبر كان وقوله عِيداً حال من الضمير في الظرف.
قال الفخر الرازي: تأمل في هذا الترتيب، فإن الحواريين لما سألوا المائدة ذكروا في طلبها أغراضا، فقدموا ذكر الأكل فقالوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وأخروا الأغراض الدينية الروحانية.
فأما عيسى فإنه لما ذكر المائدة وذكر أغراضه فيها قدم الأغراض الدينية وأخر غرض الأكل حيث قال: وَارْزُقْنا وعند هذا يلوح لك مراتب درجات الأرواح في كون بعضها روحية، وبعضها جسمانية.
ثم إن عيسى لشدة صفاء دينه لما ذكر الرزق انتقل إلى الرازق بقوله وَارْزُقْنا لم يقف عليه: بل انتقل من الرزق إلى الرازق فقال: وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
فقوله: رَبَّنا ابتداء منه بذكر الحق.
وقوله أَنْزِلْ عَلَيْنا انتقال من الذات إلى الصفات.
وقوله تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا إشارة إلى ابتهاج الروح بالنعمة لا من حيث إنها نعمة، بل من حيث إنها صادرة من المنعم.
وقوله: وَآيَةً مِنْكَ إشارة إلى كون هذه المائدة دليلا لأصحاب النظر والاستدلال.
وقوله: وَارْزُقْنا إشارة إلى حصة النفس.
ثم قال الإمام الرازي: فانظر كيف ابتدأ بالأشرف فالأشرف نازلا إلى الأدون فالأدون ثم قال: وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وهو عروج مرة أخرى من الخلق إلى الخالق، ومن غير الله إلى الله، وعند ذلك تلوح لك سمة من كيفية عروج الأرواح المشرقة النورانية إلى الكمالات الإلهية ونزولها .

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ) قال السدي : أي نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا ، وقال سفيان الثوري : يعني يوما نصلي فيه ، وقال قتادة : أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم ، وعن سلمان الفارسي : عظة لنا ولمن بعدنا . وقيل : كافية لأولنا وآخرنا .( وآية منك ) أي : دليلا تنصبه على قدرتك على الأشياء ، وعلى إجابتك دعوتي ، فيصدقوني فيما أبلغه عنك ) وارزقنا ) أي : من عندك رزقا هنيئا بلا كلفة ولا تعب ( وأنت خير الرازقين )

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقينقوله تعالى : قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا الأصل عند سيبويه يا الله ، والميمان بدل من " يا " .
ربنا نداء ثان لا يجيز سيبويه غيره ولا يجوز أن يكون نعتا ; لأنه قد أشبه الأصوات من أجل ما لحقه .
أنزل علينا مائدة المائدة الخوان الذي عليه الطعام ; قال قطرب : لا تكون المائدة مائدة حتى يكون عليها طعام ، فإن لم يكن قيل : خوان وهي فاعلة من ماد عبده إذا أطعمه وأعطاه ; فالمائدة تميد ما عليها أي : تعطي ، ومنه قول رؤبة - أنشده الأخفش :تهدي رءوس المترفين الأنداد إلى أمير المؤمنين الممتادأي المستعطى المسئول ; فالمائدة هي المطعمة والمعطية الآكلين الطعام ، ويسمى الطعام أيضا مائدة تجوزا ; لأنه يؤكل على المائدة ; كقولهم للمطر سماء ، وقال أهل الكوفة : سميت مائدة لحركتها بما عليها ; من قولهم : ماد الشيء إذا مال وتحرك قال الشاعر :لعلك باك إن تغنت حمامة يميد بها غصن من الأيك مائلوقال آخر :وأقلقني قتل الكناني بعده فكادت بي الأرض الفضاء تميدومنه قوله تعالى : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ، وقال أبو عبيدة : مائدة فاعلة بمعنى مفعولة ، مثله عيشة راضية بمعنى مرضية و ماء دافق الطارق : أي : مدفوق .
قوله تعالى : تكون لنا عيدا ( تكون ) نعت لمائدة وليس بجواب .
وقرأ الأعمش " تكن " على الجواب ; والمعنى : يكون يوم نزولها عيدا لأولنا أي : لأول أمتنا وآخرها ; فقيل : إن المائدة نزلت عليهم يوم الأحد غدوة وعشية ; فلذلك جعلوا الأحد عيدا ، والعيد واحد الأعياد ; وإنما جمع بالياء وأصله الواو للزومها في الواحد ; ويقال : للفرق بينه وبين أعواد الخشب وقد عيدوا أي : شهدوا العيد ; قاله الجوهري ، وقيل : أصله من عاد يعود أي : رجع فهو عود بالواو ، فقلبت ياء لانكسار ما قبلها مثل الميزان والميقات والميعاد فقيل ليوم الفطر والأضحى : عيدا لأنهما يعودان كل سنة .
وقال الخليل : العيد كل يوم يجمع كأنهم عادوا إليه ، وقال ابن الأنباري : سمي عيدا للعود في المرح والفرح ; فهو يوم سرور الخلق كلهم ; ألا ترى أن المسجونين في ذلك اليوم لا يطالبون ولا يعاقبون ; ولا يصاد الوحش ولا الطيور ; ولا تنفذ الصبيان إلى المكاتب ، وقيل : سمي عيدا لأن كل إنسان يعود إلى قدر منزلته ; ألا ترى إلى اختلاف ملابسهم وهيئاتهم ومآكلهم فمنهم من يضيف ومنهم من يضاف ، ومنهم من يرحم ومنهم من يرحم ، وقيل : سمي بذلك لأنه يوم شريف تشبيها بالعيد : وهو فحل كريم مشهور عند العرب وينسبون إليه ، فيقال : إبل عيدية ; قال ( رذاذ الكلبي ) :ظلت تجوب بها البلدان ناجية عيدية أرهنت فيها الدنانيروقد تقدم ، وقرأ زيد بن ثابت " لأولانا وأخرانا " على الجمع .
قال ابن عباس : يأكل منها آخر الناس كما يأكل منها أولهم .
وآية منك يعني دلالة وحجة وارزقنا أي : أعطنا .
وأنت خير الرازقين أي : خير من أعطى ورزق ; لأنك الغني الحميد .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114)قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم، أنه أجاب القوم إلى ما سألوا من مسألة ربه مائدةً تنزل عليهم من السماء.
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا ".
فقال بعضهم: معناه: نتخذ اليومَ الذي نزلت فيه عيدًا نُعَظِّمه نحن ومن بعدَنا.
* ذكر من قال ذلك:12997 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: " تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا " ، يقول: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدًا نعظِّمه نحن ومن بعدنا.
12998 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله " تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا " ، قال: أرادوا أن تكون لعَقِبهم من بعدهم.
12999 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: " أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا "، قال: الذين هم أحياء منهم يومئذ =" وآخرنا " ، من بعدهم منهم.
13000- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، قال سفيان: " تكون لنا عيدًا " ، قالوا: نصلي فيه.
نزلت مرتين.
* * *وقال آخرون: معناه: نأكل منها جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:13001 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن ليث, عن عقيل, عن ابن عباس أنه قال: أكل منها = يعني: من المائدة = حين وضعت بين أيديهم، آخر الناس، كما أكل منها أولهم.
* * *وقال آخرون: معنى قوله " عيدًا " ، عائدة من الله تعالى ذكره علينا، وحجة وبرهانًا.
* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال: " معناه: تكون لنا عيدًا, نعبد ربنا في اليوم الذي تنزل فيه، ونصلي له فيه, كما يعبد الناس في أعيادهم "، لأن المعروف من كلام الناس المستعمل بينهم في" العيد "، ما ذكرنا، دون القول الذي قاله من قال: " معناه: عائدة من الله علينا ".
وتوجيه معاني كلام الله إلى المعروف من كلام من خوطب به، أولى من توجيهه إلى المجهول منه، ما وجد إليه السبيل.
* * *وأما قوله: " لأولنا وآخرنا "، فإن الأولى من تأويله بالصواب، قولُ من قال: " تأويله: للأحياء منا اليوم، ومن يجيء بعدنا منا "، للعلة التي ذكرناها في قوله: " تكون لنا عيدًا " ، لأن ذلك هو الأغلب من معناه.
* * *وأما قوله: " وآية منك " ، فإن معناه: وعلامةً وحجة منك يا رب، على عبادك في وحدانيتك, وفي صدقي على أنّي رسولٌ إليهم بما أرسلتني به (1) =" وارزقنا وأنت خير الرازقين " ، وأعطنا من عطائك, فإنك يا رب خير من يعطي، وأجود من تفضَّل, لأنه لا يدخل عطاءه منٌّ ولا نكَد.
(2)* * *وقد اختلف أهل التأويل في" المائدة ", هل أنزلت عليهم، أم لا؟ وما كانت؟فقال بعضهم: نزلت، وكانت حوتًا وطعامًا, فأكل القوم منها, ولكنها رفعت بعد ما نزلت بأحداثٍ منهم أحدثوها فيما بينهم وبين الله تعالى ذكره.
ذكر من قال ذلك:13002 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال شعبة, عن أبي إسحاق, عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : نزلت المائدة، خبزًا وسمكًا.
13003 - حدثني الحسين بن علي الصدائي قال ، حدثنا أبي, عن الفضيل, عن عطية قال : " المائدة "، سمكة فيها طعم كلِّ طعام.
13004- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله, عن فضيل, عن مسروق, عن عطية قال : " المائدة "، سمك فيه من طعم كل طعام.
13005- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن أبي عبد الرحمن قال : نزلت المائدة خبزًا وسمكًا.
13006 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال : نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين، خِوانٌ عليه خبز وسمك، يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاؤوا.
13007 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا المنذر بن النعمان, أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله: " أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا " ، قال: نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات = قال الحسن، قال أبو بكر: (3) فحدَّثت به عبد الصمد بن معقل فقال: سمعت وهبًا، وقيل له: وما كان ذلك يُغْني عنهم؟ فقال: لا شيء، ولكن الله حَثَا بين أضعافهن البركة, فكان قوم يأكلون ثم يخرجون, ويجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون, حتى أكلوا جميعهم وأفضَلُوا.
13008 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد قال : هو الطعام ينزل عليهم حيث نزلوا.
13009 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: " مائدة من السماء " ، قال: مائدة عليها طعام، أُتوا بها؛ حين عرض عليهم العذاب إن كفروا.
ألوان من طعام ينزل عليهم.
(4)13010 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن أبي معشر, عن إسحاق بن عبد الله: أن المائدة نزلت على عيسى ابن مريم, عليها سبعة أرغفة وسبعة أحْوات, يأكلون منها ما شاؤوا.
قال: فسرق بعضهم منها وقال: " لعلها لا تنزل غدًا!"، فرفعت.
13011 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود, عن سماك بن حرب, عن رجل من بني عجل قال: صليت إلى جنب عَمار بن ياسر, فلما فرغ قال : هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال فقلت: لا! قال: إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد.
قال : فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم ما لم تخبئوا، أو تخونوا، أو ترفعوا, فإن فعلتم فإنّي أعذبكم عذابًا لا أعذّبه أحدا من العالمين! قال: فما تمّ يومهم حتى خبئوا ورَفعوا وخانوا, فعذبوا عذابًا لم يعذبه أحد من العالمين.
وإنكم معشر العرب، كنتم تتْبعون أذنابَ الإبل والشاء, فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم، تعرفون حسبه ونسبه, وأخبركم على لسان نبيكم أنكم ستظهارون على العرَب, ونهاكم أن تكنزوا الذهبَ والفضة.
وايمْ الله.
لا يذهبُ الليلُ والنهارُ حتى تكنزوهما، ويعذِّبكم عذابًا أليمًا.
13012 - حدثنا الحسن بن قزعة البصري قال ، حدثنا سفيان بن حبيب قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة, عن خلاس بن عمرو, عن عمار بن ياسر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزلت المائدة خبزًا ولحمًا, وأُمروا أن لا يخونوا ولا يدَّخروا ولا يرفعوا لغدٍ, فخانوا وادّخروا ورفعوا, فمسخوا قردة وخنازير.
(5)13013- حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال ، حدثنا يوسف بن خالد قال ، حدثنا نافع بن مالك, عن عكرمة, عن ابن عباس في المائدة قال : كانت طعامًا ينزل عليهم من السماء حيثما نزلوا.
* * ** ذكر من قال ذلك:13014- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي, عن سعيد, عن قتادة, عن خلاس بن عمرو, عن عمار قال : نزلت المائدة وعليها ثمرٌ من ثمر الجنة, فأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا، قال: فخان القوم وخبئوا وادَّخروا, فحوّلهم الله قردة وخنازير.
(6)13015 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: ذُكر لنا أنها كانت مائدة ينزل عليها الثمرُ من ثمار الجنة, وأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا لغد, بلاء ابتلاهم الله به, (7) وكانوا إذا فعلوا شيئًا من ذلك، أنبأهم به عيسى, فخان القوم فيه فخبئوا وادّخروا لغدٍ.
* * *وقال آخرون: كان عليها من كلّ طعام إلا اللحم.
* ذكر من قال ذلك:13016 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جرير, عن عطاء, عن ميسرة قال : كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل, اختلفت عليها الأيدي بكل طعام.
13017 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن عطاء, عن ميسرة وزاذان قالا كانت الأيدي تختلف عليها بكل طعام.
13018- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان الثوري, عن عطاء بن السائب, عن زاذان وميسرة، في: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ، قالا رأوا الأيدي تختلف عليها بكل شيء إلا اللحم.
(8)* * *وقال آخرون: لم ينزل الله على بني إسرائيل مائدة.
* * *ثم اختلف قائلو هذه المقالة.
فقال بعضهم: إنما هذا مثل ضربه الله تعالى ذكره لخلقه، نهاهم به عن مسألة نبيّ الله الآيات.
* ذكر من قال ذلك:13019 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك عن ليث, عن مجاهد في قوله: " أنزل علينا مائدة من السماء " ، قال: مثل ضُرب, لم ينزل عليهم شيء.
* * *وقال آخرون: إنّ القوم لما قيل لهم: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، استعفَوْا منها فلم تنزل.
* ذكر من قال ذلك:13020 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة قال : كان الحسن يقول: لما قيل لهم: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ ، إلى آخر الآية، قالوا: لا حاجة لنا فيها‍ فلم تنزل.
13021- حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة, عن منصور بن زاذان, عن الحسن: أنه قال في المائدة: لم تنزل.
(9)13022 - حدثني الحارث قال ، حدثنا القاسم بن سلام قال ، حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قال : مائدة عليها طعام، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا, فأبوا أن تَنزل عليهم.
* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألتَه ذلك ربَّه.
وإنما قلنا ذلك، للخبر الذي روينا بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل التأويل من بعدهم، غير من انفرد بما ذكرنا عنه.
وبعدُ, فإن الله تعالى ذكره لا يخلف وعدَه، ولا يقع في خبره الْخُلف, وقد قال تعالى ذكره مخبرًا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم حين سأله ما سأله من ذلك: إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ , وغير جائز أن يقول تعالى ذكره: إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ , ثم لا ينزلها، لأن ذلك منه تعالى ذكره خبر, ولا يكون منه خلاف ما يخبر.
ولو جاز أن يقول: إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ , ثم لا ينزلها عليهم, جاز أن يقول: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، ثم يكفر منهم بعد ذلك، فلا يعذّبه, فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة.
وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى ذكره بذلك.
* * *وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة, فأن يقال: كان عليها مأكول.
وجائز أن يكون كان سمكًا وخبزًا, وجائزٌ أن يكون كانَ ثمرًا من ثمر الجنة، وغيرُ نافع العلم به، ولا ضارّ الجهل به، إذا أقرَّ تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل.
------------------------الهوامش :(1) انظر تفسير"آية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
(2) وانظر تفسير"الرزق" فيما سلف من فهارس اللغة (رزق).
(3) "أبو بكر" هو"عبد الرزاق" ، وهو: "عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري".
(4) في المطبوعة ، غير هذه العبارة تغيرًا شاملا مزيلا لمعناها ، فكتب: مائدة عليها طعام ، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا ، فأبوا أن تنزل عليهم" ، وأثبت ما في المخطوطة.
أما المعنى الذي صحح الناشر الأول عليه هذا الأثر ، فهو مخالف لهذا كل المخالفة ، لأنه من قول من قال: "لم تنزل على بني إسرائيل مائدة" ، وهو قول مروي عن مجاهد فيما سيأتي رقم: 13021.
(5) الأثر: 13012 -"الحسن بن قزعة بن عبيد الهاشمي البصري" ، ثقة.
مضى برقم: 8281.
و"سفيان بن حبيب البصري" ، ثقة ، مضى برقم: 11302 ، 11321.
و"خلاس بن عمرو الهجري" ، مضى مرارًا ، منها: 4557 ، 5134 ، وغيرهما.
وكان في المطبوعة: "جلاس بن عمرو" ، وهو خطأ.
وهذا الخبر ، رواه الترمذي في كتاب التفسير من سننه ، بإسناده عن الحسن بن قزعة ، ثم قال: "هذا حديث رواه أبو عاصم وغير واحد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار ، موقوفًا.
ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث الحسن بن قزعة = حدثنا حميد بن مسعدة ، حدثنا سفيان بن حبيب ، عن سعيد بن أبي عروبة ، نحوه ، ولم يرفعه.
وهذا أصح من حديث الحسن بن قزعة ، ولا نعرف للحديث المرفوع أصلا".
وانظر الأثر التالي رقم: 13014 ، وهو الخبر الموقوف.
(6) الأثر: 13014 - انظر التعليق على رقم: 13012 ، وكان في المطبوعة هنا أيضًا"جلاس بن عمرو" وهو خطأ.
(7) في المطبوعة والمخطوطة: "أبلاهم الله به" ، وهو لا يصح ، صواب قراءته ما أثبت.
(8) الأثران: 13017 ، 13018 -"زاذان الكندي الضرير" ، مضى برقم: 9508.
(9) الأثر: 13021 -"منصور بن زاذان الثقفي الواسطي" ، أبو المغيرة.
ثقة ، روى عن أبي العالية ، وعطاء بن أبي رباح ، والحسن ، وابن سيرين.
مترجم في التهذيب.

﴿ قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنـزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ﴾

قراءة سورة المائدة

المصدر : تفسير : قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنـزل