ولو فُرض -أيها الرسول- أنك أطعت أكثر أهل الأرض لأضلُّوك عن دين الله، ما يسيرون إلا على ما ظنوه حقًّا بتقليدهم أسلافهم، وما هم إلا يظنون ويكذبون.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وإن تطع أكثر من في الأرض» أي الكفار «يضلوك عن سبيل الله» دينه «إن» ما «يتبعون إلا الظنَّ» في مجادلتهم لك في أمر الميتة إذ قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم «وإن» ما «هو إلا يخرصون» يكذبون في ذلك.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، محذرا عن طاعة أكثر الناس: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فإن أكثرهم قد انحرفوا في أديانهم وأعمالهم، وعلومهم. فأديانهم فاسدة، وأعمالهم تبع لأهوائهم، وعلومهم ليس فيها تحقيق، ولا إيصال لسواء الطريق. بل غايتهم أنهم يتبعون الظن، الذي لا يغني من الحق شيئا، ويتخرصون في القول على الله ما لا يعلمون، ومن كان بهذه المثابة، فحرى أن يحذِّر الله منه عبادَه، ويصف لهم أحوالهم؛ لأن هذا –وإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم- فإن أمته أسوة له في سائر الأحكام، التي ليست من خصائصه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) عن دين الله ، وذلك أن أكثر أهل الأرض كانوا على الضلالة ، وقيل : أراد أنهم جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في أكل الميتة ، وقالوا : أتأكلون ما تقتلون ولا تأكلون ما قتله الله عز وجل؟ فقال : ( وإن تطع أكثر من في الأرض ) أي : وإن تطعهم في أكل الميتة يضلوك عن سبيل الله ، ( إن يتبعون إلا الظن ) يريد أن دينهم الذي هم عليه ظن [ وهوى ] لم يأخذوه عن بصيرة ، ( وإن هم إلا يخرصون ) يكذبون .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وبعد أن أقام- سبحانه- الأدلة على وحدانيته وصدق نبيه صلى الله عليه وسلم أتبع ذلك بنهيه صلى الله عليه وسلم عن الالتفات إلى جهالات أعدائه فقال- تعالى-: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.أى: وإن تطع أكثر من في الأرض من الناس الذين استحبوا العمى على الهدى يضلوك عن الطريق المستقيم، وعن الدين القويم الذي شرعه الله لعباده، لأن هؤلاء المجادلين ما يتبعون في جدالهم وعقائدهم وأعمالهم إلا الظن الذي تزينه لهم أهواؤهم، وما هم إلا يخرصون أى:يكذبون.وأصل الخرص: القول بالظن. يقال: خرصت النخل خرصا- من باب قتل- حزرت ثمره وقدرته بالظن والتخمين. واستعمل في الكذب لما يداخله من الظنون الكاذبة، فيقال:خرص في قوله- كنصر- أى: كذب.قال صاحب المنار: «وهذا الحكم القطعي بضلال أكثر أهل الأرض ظاهر بما بيّنه به من اتباع الظن والخرص ولا سيما في ذلك العصر- تؤيده تواريخ الأمم كلها، فقد اتفقت على أن أهل الكتاب كانوا قد تركوا هداية أنبيائهم وضلوا ضلالا بعيدا، وكذلك أمم الوثنية التي كانت أبعد عهدا عن هداية رسلهم وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وهو أمى لم يكن يعلم من أحوال الأمم إلا شيئا يسيرا من شئون المجاورين لبلاد العرب خاصة»
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنه الضلال ، كما قال تعالى : ( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ) [ الصافات : 71 ] ، وقال تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ، وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم ، وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطل "إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون" فإن الخرص هو الحزر ومنه خرص النخل وهو حزر ما عليها من التمر وذلك كله عن قدر الله ومشيئته.
﴿ تفسير القرطبي ﴾
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصونقوله تعالى وإن تطع أكثر من في الأرض أي الكفار .يضلوك عن سبيل الله أي عن الطريق التي تؤدي إلى ثواب الله .إن يتبعون إلا الظن " إن " بمعنى ما . وكذلك وإن هم إلا يخرصون أي يحدسون ويقدرون ; ومنه الخرص ، وأصله القطع . قال الشاعر :ترى قصد المران فينا كأنه تذرع خرصان بأيدي الشواطبيعني جريدا يقطع طولا ويتخذ منه الخرص . وهو جمع الخرص ; ومنه خرص يخرص النخل خرصا إذا حزره ليأخذ الخراج منه . فالخارص يقطع بما لا يجوز القطع به ; إذ لا يقين معه . وسيأتي لهذا مزيد بيان في " الذاريات " إن شاء الله تعالى .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ (116)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تطع هؤلاء العادلين بالله الأنداد، يا محمد، فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لآلهتهم, وأهلُّوا به لغير ربهم، وأشكالَهم من أهل الزيغ والضلال, فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن دين الله، ومحجة الحق والصواب، فيصدُّوك عن ذلك .وإنما قال الله لنبيه: (وإن تطع أكثر من في الأرض)، من بني آدم, لأنهم كانوا حينئذ كفارًا ضلالا فقال له جل ثناؤه: لا تطعهم فيما دعوك إليه, فإنك إن تطعهم ضللت ضلالهم، وكنتَ مثلهم، لأنهم لا يدعونك إلى الهدى وقد أخطئوه . ثم أخبر جل ثناؤه عن حال الذين نَهَى نبيه عن طاعتهم فيما دعوه إليه في أنفسهم, فقال: (إن يتبعون إلا الظن)، فأخبر جل ثناؤه أنهم من أمرهم على ظن عند أنفسهم, وحسبان على صحة عزمٍ عليه، (25) وإن كان خطأ في الحقيقة =(وإن هم إلا يخرصون)، يقول: ما هم إلا متخرِّصون، يظنون ويوقعون حَزْرًا، لا يقينَ علمٍ. (26)* * *يقال منه: " خرَصَ يخرُصُ خَرْصًا وخروصًا "، (27)أي كذب، و " تخرّص بظن "، و " تخرّص بكذب ", و " خرصتُ النخل أخرُصه ", و " خَرِصَتْ إبلك "، أصابها البردُ والجوع .------------------الهوامش :(25) هكذا في المطبوعة و المخطوطة ، وأنا في شك من صوابه .(26) انظر مجاز القرآن أبي عبيدة 1 : 206 .(27) في المطبوعة : (( خرصا وخرصا )) ، وأثبت ما في المخطوطة ، ولم أجد (( خروصًا )) ، مصدرًا لهذا الفعل ، في شيء مما بين يدي من كتب اللغة ، ولكن ذكره أبو حيان في تفسيره أيضًا 4 : 205 .
﴿ وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ﴾