واذكر-أيها النبي- حين اختبر الله إبراهيم بما شرع له من تكاليف، فأدَّاها وقام بها خير قيام. قال الله له: إني جاعلك قدوة للناس. قال إبراهيم: ربِّ اجعل بعض نسلي أئمة فضلا منك، فأجابه الله سبحانه أنه لا تحصل للظالمين الإمامةُ في الدين.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«و» اذكر «إذا ابتلى» اختبر «إبراهيم» وفي قراءة إبراهام. «ربُّه بكلمات» بأوامر ونواه كلَّفه بها، قيل هي مناسك الحج، وقيل المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وفرق الرأس وقلم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء «فأتمهن» أداهن تامات «قال» تعالى له «إني جاعلك للناس إماما» قدوة في الدين «قال ومن ذرِّيتي» أولادي اجعل أئمة «قال لا ينال عهدي» بالإمامة «الظالمين» الكافرين منهم دل على أنه ينال غير الظالم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يخبر تعالى, عن عبده وخليله, إبراهيم عليه السلام, المتفق على إمامته وجلالته, الذي كل من طوائف أهل الكتاب تدعيه, بل وكذلك المشركون: أن الله ابتلاه وامتحنه بكلمات, أي: بأوامر ونواهي, كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده, ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء, والامتحان من الصادق, الذي ترتفع درجته, ويزيد قدره, ويزكو عمله, ويخلص ذهبه، وكان من أجلِّهم في هذا المقام, الخليل عليه السلام. فأتم ما ابتلاه الله به, وأكمله ووفاه, فشكر الله له ذلك, ولم يزل الله شكورا فقال: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا أي: يقتدون بك في الهدى, ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية, ويحصل لك الثناء الدائم, والأجر الجزيل, والتعظيم من كل أحد. وهذه - لعمر الله - أفضل درجة, تنافس فيها المتنافسون, وأعلى مقام, شمر إليه العاملون, وأكمل حالة حصلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم, من كل صديق متبع لهم, داع إلى الله وإلى سبيله. فلما اغتبط إبراهيم بهذا المقام, وأدرك هذا, طلب ذلك لذريته, لتعلو درجته ودرجة ذريته، وهذا أيضا من إمامته, ونصحه لعباد الله, ومحبته أن يكثر فيهم المرشدون، فلله عظمة هذه الهمم العالية, والمقامات السامية. فأجابه الرحيم اللطيف, وأخبر بالمانع من نيل هذا المقام فقال: لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ أي: لا ينال الإمامة في الدين, من ظلم نفسه وضرها, وحط قدرها, لمنافاة الظلم لهذا المقام, فإنه مقام آلته الصبر واليقين، ونتيجته أن يكون صاحبه على جانب عظيم من الإيمان والأعمال الصالحة, والأخلاق الجميلة, والشمائل السديدة, والمحبة التامة, والخشية والإنابة، فأين الظلم وهذا المقام؟ ودل مفهوم الآية, أن غير الظالم, سينال الإمامة, ولكن مع إتيانه بأسبابها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قرأ ابن عامر (إبراهام) بالألف في أكثر المواضع وهو اسم أعجمي ولذلك لا يجر وهو إبراهيم بن تارخ بن ناخور وكان مولده بالسوس من أرض الأهواز وقيل بابل وقيل: كوفي، وقيل:لشكر، وقيل حران، وكان أبوه نقله إلى أرض بابل أرض نمرود بن كنعان.ومعنى الابتلاء: الاختبار والامتحان والأمر، وابتلاء الله العباد ليس ليعلم أحوالهم بالابتلاء، لأنه عالم بهم، ولكن ليعلم العباد أحوالهم حتى يعرف بعضهم بعضاً.واختلفوا في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام؛ فقال عكرمة وابن عباس رضي الله عنهما: "هي ثلاثون سماهن شرائع الإسلام، ولم يبتل بها أحد فأقامها كلها إلا إبراهيم فكتب له البراءة، فقال تعال: وإبراهيم الذي وفى [37-النجم]، عشر في براءة التائبون العابدون إلى آخرها، وعشر في الأحزاب إن المسلمين والمسلمات، وعشر في سورة المؤمنين في قوله: قد أفلح المؤمنو" الآيات، وقوله إلا المصلين في سأل سائل".وقال طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما: "ابتلاه الله بعشرة أشياء وهي: الفطرة خمس في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وخمس في الجسد: تقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء بالماء".وفي الخبر: ((أن إبراهيم عليه السلام أول من قص الشارب، وأول من اختتن، وأول من قلم الأظافر، وأول من رأى الشيب فلما رآه قال: يا رب ما هذا؟ قال [سمة]: الوقار، قال: يارب زدني وقاراً)).قال مجاهد: "هي الآيات التي بعدها في قوله عز وجل إني جاعلك للناس إماماً [124-البقرة] إلى آخر القصة.وقال الربيع وقتادة: "مناسك الحج"، وقال الحسن: "ابتلاه الله بسبعة أشياء: بالكواكب والقمر والشمس، فأحسن فيها النظر وعلم أن ربه دائم لا يزول، وبالنار فصبر عليها، وبالهجرة وبذبح ابنه وبالختان فصبر عليها".قال سعيد بن جبير: "هو قول إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان البيت ربنا تقبل منا[(127-البقرة] الآية فرفعاها بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"، قال يمان بن رباب: "هن محاجة قومه قال الله تعالى: وحاجه قومه إلى قوله تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم [83-الأنعام].وقيل هي قوله: الذي خلقني فهو يهدين [78-الشعراء] إلى آخر الآيات.فأتمهن قال قتادة : "أداهن"، قال الضحاك: "قام بهن"، وقال نعمان: "عمل بهن".قال الله تعالى: قال إني جاعلك للناس إماماً يقتدى بك في الخير.قال إبراهيم.ومن ذريتي أي ومن أولادي أيضاً فاجعل منهم أئمة يقتدى بهم في الخير.قال الله تعالى.لا ينال لا يصيب.عهدي الظالمين قرأ حمزة وحفص بإسكان الياء والباقون بفتحها أي من كان منهم ظالماً لا يصيبه.قال عطاء بن أبي رباح: "عهدي رحمتي"، وقال السدي : "نبوتي"، وقيل: الإمامة، قال مجاهد: "ليس لظالم أن يطاع في ظلمه".ومعنى الآية: لا ينال ما عهدت إليك من النبوة والإمامة من كان ظالماً من ولدك، وقيل: أراد بالعهد الأمان من النار، وبالظالم المشرك كقوله تعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن [82-الأنعام].
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والابتلاء: الاختبار. أى. اختبره ربه- تعالى- بما كلفه به من الأوامر والنواهي، ومعنى اختبار الله- تعالى- لعبده، أن يعامله معاملة المختبر مجازا، إذ حقيقة الاختبار محالة عليه- تعالى- لعلمه المحيط بالأشياء والله- تعالى- تارة يختبر عباده بالضراء ليصبروا. وتارة بالسراء ليشكروا وفي كلتا الحالتين تبدو النفس البشرية على حقيقتها.وفي إسناد الابتلاء إلى الرب إشعار للتالي أو للسامع بأنه ابتلاه بما ابتلاه به تربية له، وتقوية لعزمه، حتى يستطيع النهوض بعظائم الأمور.وقد اختلف المفسرون في تعيين المراد بالكلمات التي اختبر الله بها نبيه إبراهيم- عليه السلام- على أقوال كثيرة.قال ابن جرير: «ولا يجوز الجزم بشيء مما ذكروه منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع. قال: ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له، ولعل أرجح الآراء في المراد بهذه الكلمات، أنها الأوامر التي كلفه الله بها، فأتى بها على أتم وجه» .وقوله: فَأَتَمَّهُنَّ أى أتى بهن على الوجه الأكمل، وأداهن أداء تاما يليق- به- عليه السلام- ولذا مدحه الله بقوله: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى.وجيء بالفاء في فَأَتَمَّهُنَّ للدلالة على الفور والامتثال. وذلك من شدة العزم، وقوة اليقين.وفي إجمال القرآن لتلك الكلمات التي امتحن الله بها إبراهيم، وفي وصفه له بأنه أتمهن، إشعار بأنها من الأعمال التي لا ينهض بها الا ذو عزم قوى يتلقى أوامر ربه بحسن الطاعة وسرعة الامتثال.وقدم المفعول وهو لفظ إبراهيم لأن المقصود تشريف إبراهيم بإضافة اسم الرب إلى اسمه مع مراعاة الإيجاز، فلذلك لم يقل وإذ ابتلى الله ابراهيم.وجملة قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً مستأنفة لبيان ما من الله به على إبراهيم من الكرامة ورفعة المقام، بعد أن ذكر- سبحانه- أنه عامله معاملة المختبر له، إذ كلفه بأمور شاقة فأحسن القيام بها.جاعلك: من جعل بمعنى صير. والإمام: القدوة الذي يؤتم به في أقواله وأفعاله.والمراد بالإمامة هنا: الرسالة والنبوة، فإنهما أكمل أنواع الإمامة، والرسول أكمل أفراد هذا النوع، وقد كان إبراهيم- عليه السلام- رسولا يقتدى به الناس في أصول الدين ومكارم الأخلاق.وقال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ولم يقل: «إنى جاعلك للناس رسولا، ليكون ذلك دالا على أن رسالته تنفع الأمة المرسل إليها بطريق التبليغ، وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الاقتداء، فان إبراهيم- عليه السلام- قد رحل إلى آفاق كثيرة، فانتقل من بلاد الكلدان إلى العراق، وإلى الشام، وإلى الحجاز، وإلى مصر وكان في جميع منازله أسوة حسنة لغيره.وقد مدح القرآن إبراهيم في كثير من آياته، ومن ذلك قوله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.وجملة قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي واقعة موقع الجواب عما من شأنه أن يخطر في نفس السامع، فكأنه قال: وماذا كان من إبراهيم عند ما تلقى من ربه تلك البشارة العظمى؟ فكان الجواب أن إبراهيم قد التمس الإمامة لبعض ذريته أيضا.أى: قال إبراهيم: واجعل يا رب من ذريتي أئمة يقتدى بهم.وقد رد الله- تعالى- على قول إبراهيم بقوله: قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.وإنما قال إبراهيم ومن ذريتي ولم يقل وذريتي، لأنه يعلم أن حكمة الله من هذا العالم لم تجر بأن يكون جميع نسل أحد ممن يصلحون لأن يقتدى بهم فلم يسأل ما هو غير مألوف عادة، لأن سؤال ذلك ليس من آداب الدعاء.أى: قال الله لإبراهيم: قد أجبتك وعاهدتك بأن أحسن إلى ذريتك لكن لا يصيب عهدي الذي عهدته إليك بالإمامة الذين ظلموا منهم، فالعهد هنا بمعنى الإمامة المشار إليها في قوله:جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً.وفي هذه الجملة الكريمة إيجاز بديع، إذ المراد منها إجابة طلب إبراهيم من الإنعام على بعض ذريته بالإمامة كما قال- تعالى-:وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ ولكنها تدل صراحة على أن الظالمين من ذريته ليسوا أهلا لأن يكونوا أئمة يقتدى بهم، وتشير إلى أن غير الظالمين منهم قد تنالهم النبوة، وقد نالت من ذريته إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وغيرهم من الأنبياء.قال- تعالى-: وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ.ثم تحدث القرآن بعد ذلك عن مكانة البيت الحرام، وعن قصة بنائه، وعن الدعوات الخاشعات التي كان إبراهيم يتضرع بها إلى الله عند رفعه البيت فقال:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى منبها على شرف إبراهيم خليله ، عليه السلام وأن الله تعالى جعله إماما للناس يقتدى به في التوحيد ، حتى قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي ; ولهذا قال : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) أي : واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملة إبراهيم وليسوا عليها ، وإنما الذي هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من المؤمنين ، اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم ، أي : اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي ( فأتمهن ) أي : قام بهن كلهن ، كما قال تعالى : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] ، أي : وفى جميع ما شرع له ، فعمل به صلوات الله عليه ، وقال تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ النحل : 120 ، 123 ] ، وقال تعالى : ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ الأنعام : 161 ] ، وقال تعالى : ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) [ آل عمران : 67 ، 68 ]وقوله تعالى : ( بكلمات ) أي : بشرائع وأوامر ونواه ، فإن الكلمات تطلق ، ويراد بها الكلمات القدرية ، كقوله تعالى عن مريم ، عليها السلام ، : ( وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ) [ التحريم : 12 ] . وتطلق ويراد بها الشرعية ، كقوله تعالى : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا [ لا مبدل لكلماته ] ) [ الأنعام : 115 ] أي : كلماته الشرعية . وهي إما خبر صدق ، وإما طلب عدل إن كان أمرا أو نهيا ، ومن ذلك هذه الآية الكريمة : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) أي : قام بهن . قال : ( إني جاعلك للناس إماما ) أي : جزاء على ما فعل ، كما قام بالأوامر وترك الزواجر ، جعله الله للناس قدوة وإماما يقتدى به ، ويحتذى حذوه .وقد اختلف [ العلماء ] في تفسير الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل ، عليه السلام . فروي عن ابن عباس في ذلك روايات :فقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، قال ابن عباس : ابتلاه الله بالمناسك . وكذا رواه أبو إسحاق السبيعي ، عن التميمي ، عن ابن عباس .وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) قال : ابتلاه الله بالطهارة : خمس في الرأس ، وخمس في الجسد ; في الرأس : قص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الرأس . وفي الجسد : تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والختان ، ونتف الإبط ، وغسل أثر الغائط والبول بالماء .قال ابن أبي حاتم : وروي عن سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وأبي صالح ، وأبي الجلد ، نحو ذلك .قلت : وقريب من هذا ما ثبت في صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء " [ قال مصعب ] ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة .قال وكيع : انتقاص الماء ، يعني : الاستنجاء .وفي الصحيح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط " . ولفظه لمسلم .وقال ابن أبي حاتم : أنبأنا يونس بن عبد الأعلى ، قراءة ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن حنش بن عبد الله الصنعاني ، عن ابن عباس : أنه كان يقول في هذه الآية : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قال : عشر ، ست في الإنسان ، وأربع في المشاعر . فأما التي في الإنسان : حلق العانة ، ونتف الإبط ، والختان . وكان ابن هبيرة يقول : هؤلاء الثلاثة واحدة . وتقليم الأظفار ، وقص الشارب ، والسواك ، وغسل يوم الجمعة . والأربعة التي في المشاعر : الطواف ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، والإفاضة .وقال داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم ، قال الله تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قلت له : وما الكلمات التي ابتلى الله إبراهيم بهن فأتمهن ؟ قال : الإسلام ثلاثون سهما ، منها عشر آيات في : براءة : ( التائبون العابدون [ الحامدون ] ) [ التوبة : 112 ] إلى آخر الآية ، وعشر آيات في أول سورة ( قد أفلح المؤمنون ) و ( سأل سائل بعذاب واقع ) وعشر آيات في الأحزاب : ( إن المسلمين والمسلمات ) [ الآية : 35 ] إلى آخر الآية ، فأتمهن كلهن ، فكتبت له براءة . قال الله : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] .هكذا رواه الحاكم ، وأبو جعفر بن جرير ، وأبو محمد بن أبي حاتم ، بأسانيدهم إلى داود بن أبي هند ، به . وهذا لفظ ابن أبي حاتم .وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن : فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم . ومحاجته نمروذ في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه . وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم . والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم ، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله ، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه ، فلما مضى على ذلك من الله كله وأخلصه للبلاء قال الله له : ( أسلم قال أسلمت لرب العالمين ) على ما كان من خلاف الناس وفراقهم .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا إسماعيل بن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن يعني البصري : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات [ فأتمهن ] ) قال : ابتلاه بالكوكب فرضي عنه ، وابتلاه بالقمر فرضي عنه ، وابتلاه بالشمس فرضي عنه ، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه ، وابتلاه بالختان فرضي عنه ، وابتلاه بابنه فرضي عنه .وقال ابن جرير : حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول : أي والله ، ابتلاه بأمر فصبر عليه : ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر ، فأحسن في ذلك ، وعرف أن ربه دائم لا يزول ، فوجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما كان من المشركين . ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله ، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك . وابتلاه الله بذبح ابنه والختان فصبر على ذلك .وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عمن سمع الحسن يقول في قوله : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات [ فأتمهن ] )قال : ابتلاه الله بذبح ولده ، وبالنار ، والكوكب والشمس ، والقمر .وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا سلم بن قتيبة ، حدثنا أبو هلال ، عن الحسن ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) قال : ابتلاه بالكوكب ، والشمس ، والقمر ، فوجده صابرا .وقال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) فمنهن : ( إني جاعلك للناس إماما ) ومنهن : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) ومنهن : الآيات في شأن المنسك والمقام الذي جعل لإبراهيم ، والرزق الذي رزق ساكنو البيت ، ومحمد بعث في دينهما .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قال الله لإبراهيم : إني مبتليك بأمر فما هو ؟ قال : تجعلني للناس إماما . قال : نعم . قال : ومن ذريتي ؟ ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) قال : تجعل البيت مثابة للناس ؟ قال : نعم . قال : وأمنا . قال : نعم . قال : وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ؟ قال : نعم . قال : وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله ؟ قال : نعم .قال ابن أبي نجيح : سمعته من عكرمة ، فعرضته على مجاهد ، فلم ينكره .وهكذا رواه ابن جرير من غير وجه ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد .وقال سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قال : ابتلي بالآيات التي بعدها : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات [ فأتمهن ] ) قال : الكلمات : ( إني جاعلك للناس إماما ) وقوله : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) وقوله ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وقوله : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ) الآية ، وقوله : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) الآية ، قال : فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم .قال السدي : الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم ربه : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) ، ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم [ يتلو عليهم آياتك ] ) .[ وقال القرطبي : وفي الموطأ وغيره ، عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إبراهيم ، عليه السلام ، أول من اختتن وأول من ضاف الضيف ، وأول من استحد ، وأول من قلم أظفاره ، وأول من قص الشارب ، وأول من شاب فلما رأى الشيب ، قال : ما هذا ؟ قال : وقار ، قال : يا رب ، زدني وقارا . وذكر ابن أبي شيبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال : أول من خطب على المنابر إبراهيم ، عليه السلام ، قال غيره : وأول من برد البريد ، وأول من ضرب بالسيف ، وأول من استاك ، وأول من استنجى بالماء ، وأول من لبس السراويل . وروي عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم ، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم " قلت : هذا حديث لا يثبت ، والله أعلم . ثم شرع القرطبي يتكلم على ما يتعلق بهذه الأشياء من الأحكام الشرعية ] .قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله : أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر ، وجائز أن يكون بعض ذلك ، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع . قال : ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له .قال : غير أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نظير معنى ذلك خبران ، أحدهما ما حدثنا به أبو كريب ، حدثنا رشدين بن سعد ، حدثني زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله ( الذي وفى ) [ النجم : 37 ] ؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ) [ الروم : 17 ] حتى يختم الآية " .قال : والآخر منهما : حدثنا به أبو كريب ، أخبرنا الحسن ، عن عطية ، أخبرنا إسرائيل ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإبراهيم الذي وفى ) أتدرون ما وفى ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " وفى عمل يومه ، أربع ركعات في النهار " .ورواه آدم في تفسيره ، عن حماد بن سلمة . وعبد بن حميد ، عن يونس بن محمد ، عن حماد بن سلمة ، عن جعفر بن الزبير ، به .ثم شرع ابن جرير يضعف هذين الحديثين ، وهو كما قال ; فإنه لا تجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما ، وضعفهما من وجوه عديدة ، فإن كلا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء ، مع ما في متن الحديث مما يدل على ضعفه [ والله أعلم ] .ثم قال ابن جرير : ولو قال قائل : إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب من القول الذي قاله غيرهم كان مذهبا ، فإن قوله : ( إني جاعلك للناس إماما ) وقوله : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين ) وسائر الآيات التي هي نظير ذلك ، كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم .قلت : والذي قاله أولا من أن الكلمات تشمل جميع ما ذكر ، أقوى من هذا الذي جوزه من قول مجاهد ومن قال مثله ; لأن السياق يعطي غير ما قالوه والله أعلم .وقوله : ( قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) لما جعل الله إبراهيم إماما ، سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته ، فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون ، وأنه لا ينالهم عهد الله ، ولا يكونون أئمة فلا يقتدى بهم ، والدليل على أنه أجيب إلى طلبته قول الله تعالى في سورة العنكبوت : ( وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ) [ العنكبوت : 27 ] فكل نبي أرسله الله وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم ففي ذريته صلوات الله وسلامه عليه .وأما قوله تعالى : ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) فقد اختلفوا في ذلك ، فقال خصيف ، عن مجاهد في قوله : ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) قال : إنه سيكون في ذريتك ظالمون .وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) قال : لا يكون لي إمام ظالم [ يقتدى به ] . وفي رواية : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به . وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) قال : لا يكون إمام ظالم يقتدى به .وقال ابن أبي حاتم : حدثني أبي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا شريك ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( ومن ذريتي ) قال : أما من كان منهم صالحا فسأجعله إماما يقتدى به ، وأما من كان ظالما فلا ولا نعمة عين .وقال سعيد بن جبير : ( لا ينال عهدي الظالمين ) المراد به المشرك ، لا يكون إمام ظالم . يقول : لا يكون إمام مشرك .وقال ابن جريج ، عن عطاء ، قال : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ) فأبى أن يجعل من ذريته إماما ظالما . قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال : أمره .وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا عمرو بن ثور القيساري فيما كتب إلي ، حدثنا الفريابي ، حدثنا إسرائيل ، حدثنا سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال الله لإبراهيم : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ) فأبى أن يفعل ، ثم قال : ( لا ينال عهدي الظالمين )وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي [ له ] أن يوليه شيئا من أمره وإن كان من ذرية خليله ومحسن ستنفذ فيه دعوته ، وتبلغ له فيه ما أراد من مسألته .وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( لا ينال عهدي الظالمين ) قال : يعني لا عهد لظالم عليك في ظلمه ، أن تطيعه فيه .وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، عن إسرائيل ، عن مسلم الأعور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : ( لا ينال عهدي الظالمين ) قال : ليس للظالمين عهد ، وإن عاهدته فانتقضه .وروي عن مجاهد ، وعطاء ، ومقاتل بن حيان ، نحو ذلك .وقال الثوري ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، قال : ليس لظالم عهد .وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( لا ينال عهدي الظالمين ) قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به ، وأكل وعاش .وكذا قال إبراهيم النخعي ، وعطاء ، والحسن ، وعكرمة .وقال الربيع بن أنس : عهد الله الذي عهد إلى عباده : دينه ، يقول : لا ينال دينه الظالمين ، ألا ترى أنه قال : ( وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ) [ الصافات : 113 ] ، يقول : ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق .وكذا روي عن أبي العالية ، وعطاء ، ومقاتل بن حيان .وقال جويبر ، عن الضحاك : لا ينال طاعتي عدو لي يعصيني ، ولا أنحلها إلا وليا لي يطيعني .وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن سعيد الأسدي ، حدثنا سليم بن سعيد الدامغاني ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا ينال عهدي الظالمين ) قال : " لا طاعة إلا في المعروف " .وقال السدي : ( لا ينال عهدي الظالمين ) يقول : عهدي نبوتي .فهذه أقوال مفسري السلف في هذه الآية على ما نقله ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، رحمهما الله تعالى . واختار ابن جرير أن هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما . ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل ، عليه السلام ، أنه سيوجد من ذريتك من هو ظالم لنفسه ، كما تقدم عن مجاهد وغيره ، والله أعلم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمينفيه ثلاثة وعشرون مسألة الأولى : لما جرى ذكر الكعبة والقبلة اتصل ذلك بذكر إبراهيم عليه السلام ، وأنه الذي بنى البيت ، فكان من حق اليهود - وهم من نسل إبراهيم - ألا يرغبوا عن دينه . والابتلاء : الامتحان والاختبار ، ومعناه أمر وتعبد . وإبراهيم تفسيره بالسريانية فيما ذكر الماوردي ، وبالعربية فيما ذكر ابن عطية : أب رحيم . قال السهيلي : وكثيرا ما يقع الاتفاق بين السرياني والعربي أو يقاربه في اللفظ ، ألا ترى أن إبراهيم تفسيره أب راحم ، لرحمته بالأطفال ، ولذلك جعل هو وسارة زوجته كافلين لأطفال المؤمنين يموتون صغارا إلى يوم القيامة .قلت : ومما يدل على هذا ما خرجه البخاري من حديث الرؤيا الطويل عن سمرة ، وفيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في الروضة إبراهيم عليه السلام وحوله أولاد الناس . وقد أتينا عليه في كتاب التذكرة ، والحمد لله .وإبراهيم هو ابن تارخ بن ناخور في قول بعض المؤرخين . وفي التنزيل : وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر وكذلك في صحيح البخاري ، ولا تناقض في ذلك ، على ما يأتي في " الأنعام " بيانه إن شاء الله تعالى . وكان له أربع بنين : إسماعيل وإسحاق ومدين ومدائن على ما ذكره السهيلي . وقدم على الفاعل للاهتمام ، إذ كون الرب تبارك وتعالى مبتليا معلوم ، وكون الضمير المفعول في العربية متصلا بالفاعل موجب تقديم المفعول ، فإنما بني الكلام على هذا الاهتمام ، فاعلمه . وقراءة العامة إبراهيم بالنصب ، ربه بالرفع على ما ذكرنا . وروي عن جابر بن زيد أنه قرأ على العكس ، وزعم أن ابن عباس أقرأه كذلك . والمعنى دعا إبراهيم ربه وسأل ، وفيه بعد ، لأجل الباء في قوله : بكلمات .الثانية : بكلمات الكلمات جمع كلمة ، ويرجع تحقيقها إلى كلام الباري تعالى ، لكنه عبر عنها عن الوظائف التي كلفها إبراهيم عليه السلام ، ولما كان تكليفها بالكلام سميت به ، كما سمي عيسى كلمة ; لأنه صدر عن كلمة وهي كن . وتسمية الشيء بمقدمته أحد قسمي المجاز ، قاله ابن العربي .الثالثة : واختلف العلماء في المراد بالكلمات على أقوال : أحدها : شرائع الإسلام ، وهي ثلاثون سهما ، عشرة منها في سورة براءة : التائبون العابدون إلى آخرها ، وعشرة في الأحزاب : إن المسلمين والمسلمات إلى آخرها ، وعشرة في المؤمنون : قد أفلح المؤمنون إلى قوله : على صلواتهم يحافظون وقوله في سأل سائل : إلا المصلين إلى قوله : والذين هم على صلاتهم يحافظون . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما ابتلى الله أحدا بهن فقام بها كلها إلا إبراهيم عليه السلام ، ابتلي بالإسلام فأتمه فكتب الله له البراءة فقال : وإبراهيم الذي وفى . وقال بعضهم : بالأمر والنهي ، وقال بعضهم : بذبح ابنه ، وقال بعضهم : بأداء الرسالة ، والمعنى متقارب . وقال مجاهد : هي قوله تعالى : إني مبتليك بأمر ، قال : تجعلني للناس إماما ؟ قال نعم . قال : ومن ذريتي ؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين ، قال : تجعل البيت مثابة للناس ؟ قال نعم . قال : وأمنا ؟ قال نعم . قال : وترينا مناسكنا وتتوب علينا ؟ قال نعم . قال : وترزق أهله من الثمرات ؟ قال نعم . وعلى هذا القول فالله تعالى هو الذي أتم . وأصح من هذا ما ذكرهعبد الرزاق عن معمر عن طاوس عن ابن عباس في قوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال : ابتلاه الله بالطهارة ، خمس في الرأس وخمس في الجسد : قص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الشعر . وفي الجسد : تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والاختتان ، ونتف الإبط ، وغسل مكان الغائط والبول بالماء ، وعلى هذا القول فالذي أتم هو إبراهيم ، وهو ظاهر القرآن . وروى مطرف عن أبي الجلد أنها عشر أيضا ، إلا أنه جعل موضع الفرق غسل البراجم ، وموضع الاستنجاء الاستحداد . وقال قتادة : هي مناسك الحج خاصة . الحسن : هي الخلال الست : الكوكب ، والقمر ، والشمس ، والنار ، والهجرة ، والختان . قال أبو إسحاق الزجاج : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة ; لأن هذا كله مما ابتلي به إبراهيم عليه السلام .قلت : وفي الموطأ وغيره عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إبراهيم عليه السلام أول من اختتن ، وأول من أضاف الضيف ، وأول من استحد ، وأول من قلم الأظفار ، وأول من قص الشارب ، وأول من شاب ، فلما رأى الشيب قال : ما هذا ؟ قال : وقار ، قال : يا رب زدني وقارا . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه قال : أول من خطب على المنابر إبراهيم خليل الله . قال غيره : وأول من ثرد الثريد ، وأول من ضرب بالسيف ، وأول من استاك ، وأول من استنجى بالماء ، وأول من لبس السراويل . وروى معاذ بن جبل قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم .قلت : وهذه أحكام يجب بيانها والوقف عليها والكلام فيها ، فأول ذلك " الختان " وما جاء فيه ، وهي المسألة :الرابعة : أجمع العلماء على أن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن . واختلف في السن لي اختتن فيها ، ففي الموطأ عن أبي هريرة موقوفا : وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة . ومثل هذا لا يكون رأيا ، وقد رواه الأوزاعي مرفوعا عن يحيى بن سعيد عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة . ذكره أبو عمر . وروي مسندا مرفوعا من غير رواية يحيى من وجوه : أنه اختتن حين بلغ ثمانين سنة واختتن بالقدوم . كذا في صحيح مسلم وغيره " ابن ثمانين سنة " ، وهو المحفوظ في حديث ابن عجلان وحديث الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال عكرمة : اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة . قال : ولم يطف بالبيت بعد على ملة إبراهيم إلا مختون ، هكذا قال عكرمة وقال المسيب بن رافع ، ذكره المروزي . و " القدوم " يروى مشددا ومخففا . قال أبو الزناد : القدوم ( مشددا ) : موضع .الخامسة : واختلف العلماء في الختان ، فجمهورهم على أن ذلك من مؤكدات السنن ومن فطرة الإسلام التي لا يسع تركها في الرجال . وقالت طائفة : ذلك فرض ، لقوله تعالى : أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا . قال قتادة : هو الاختتان ، وإليه مال بعض المالكيين ، وهو قول الشافعي . واستدل ابن سريج على وجوبه بالإجماع على تحريم النظر إلى العورة ، وقال : لولا أن الختان فرض لما أبيح النظر إليها من المختون . وأجيب عن هذا بأن مثل هذا يباح لمصلحة الجسم كنظر الطبيب ، والطب ليس بواجب إجماعا ، على ما يأتي في " النحل " بيانه إن شاء الله تعالى . وقد احتج بعض أصحابنا بما رواه الحجاج بن أرطأة عن أبي المليح عن أبيه عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الختان سنة للرجال مكرمة للنساء . والحجاج ليس ممن يحتج به .قلت : أعلى ما يحتج به في هذا الباب حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الفطرة خمس الاختتان . . . ) الحديث ، وسيأتي . وروى أبو داود عن أم عطية أن امرأة كانت تختن النساء بالمدينة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل . قال أبو داود : وهذا الحديث ضعيف راويه مجهول . وفي رواية ذكرها رزين : ولا تنهكي فإنه أنور للوجه وأحظى عند الرجل .السادسة : فإن ولد الصبي مختونا فقد كفي مؤنة الختان . قال الميموني قال لي أحمد : إن ها هنا رجلا ولد له ولد مختون ، فاغتم لذلك غما شديدا ، فقلت له : إذا كان الله قد كفاك المؤنة فما غمك بهذا .السابعة : قال أبو الفرج الجوزي حدثت عن كعب الأحبار قال : خلق من الأنبياء ثلاثة عشر مختونين : آدم وشيث وإدريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وشعيب وسليمان ويحيى وعيسى والنبي صلى الله عليه وسلم . وقال محمد بن حبيب الهاشمي : هم أربعة عشر : آدم وشيث ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريا وعيسى وحنظلة بن صفوان ( نبي أصحاب الرس ) ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين .قلت : اختلفت الروايات في النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر أبو نعيم الحافظ في " كتاب الحلية " بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا . وأسند أبو عمر في التمهيد حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد حدثنا محمد بن عيسى حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا الوليد بن مسلم عن شعيب عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس : أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه ، وجعل له مأدبة وسماه " محمدا " . قال أبو عمر : هذا حديث مسند غريب . قال يحيى بن أيوب : طلبت هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممن لقيته إلا عند ابن أبي السري . قال أبو عمر : وقد قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا .الثامنة : واختلفوا متى يختن الصبي ، فثبت في الأخبار عن جماعة من العلماء أنهم قالوا : ختن إبراهيم إسماعيل لثلاث عشرة سنة . وختن ابنه إسحاق لسبعة أيام . وروي عن فاطمة أنها كانت تختن ولدها يوم السابع ، وأنكر ذلك مالك وقال ذلك من عمل اليهود . ذكره عنه ابن وهب . وقال الليث بن سعد : يختن الصبي ما بين سبع سنين إلى عشر . ونحوه روى ابن وهب عن مالك . وقال أحمد : لم أسمع في ذلك شيئا . وفي البخاري عن سعيد بن جبير قال : سئل ابن عباس : مثل من أنت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أنا يومئذ مختون . قال : وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك أو يقارب الاحتلام .واستحب العلماء في الرجل الكبير يسلم أن يختن ، وكان عطاء يقول : لا يتم إسلامه حتى يختتن وإن بلغ ثمانين سنة . وروي عن الحسن أنه كان يرخص للشيخ الذي يسلم ألا يختتن ، ولا يرى به بأسا ولا بشهادته وذبيحته وحجه وصلاته ، قال ابن عبد البر : وعامة أهل العلم على هذا . وحديث بريدة في حج الأغلف لا يثبت . وروي عن ابن عباس وجابر بن زيد وعكرمة : أن الأغلف لا تؤكل ذبيحته ولا تجوز شهادته .التاسعة : [ وأول من استحد ] فالاستحداد استعمال الحديد في حلق العانة . وروت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اطلى ولي عانته بيده . وروى ابن عباس أن رجلا طلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ إلى عانته قال له : اخرج عني ، ثم طلى عانته بيده . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور ، وكان إذا كثر الشعر على عانته حلقه . قال ابن خويز منداد : وهذا يدل على أن الأكثر من فعله كان الحلق وإنما تنور نادرا ، ليصح الجمع بين الحديثين .العاشرة : في تقليم الأظفار . وتقليم الأظفار : قصها ، والقلامة ما يزال منها . وقال مالك : أحب للنساء من قص الأظفار وحلق العانة مثل ما هو على الرجال . ذكره الحارث بن مسكين وسحنون عن ابن القاسم . وذكر الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " له ( الأصل التاسع والعشرون ) : حدثنا عمر بن أبي عمر قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي عن عمر بن بلال الفزاري قال : سمعت عبد الله بن بشر المازني يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قصوا أظافيركم وادفنوا قلاماتكم ونقوا براجمكم ونظفوا لثاتكم من الطعام وتسننوا ولا تدخلوا علي قخرا بخرا ثم تكلم عليه فأحسن . قال الترمذي : فأما قص الأظفار فمن أجل أنه يخدش ويخمش ويضر ، وهو مجتمع الوسخ ، فربما أجنب ولا يصل الماء إلى البشرة من أجل الوسخ فلا يزال جنبا . ومن أجنب فبقي موضع إبرة من جسده بعد الغسل غير مغسول فهو جنب على حاله حتى يعم الغسل جسده كله ، فلذلك ندبهم إلى قص الأظفار . والأظافير جمع الأظفور ، والأظفار جمع الظفر . وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سها في صلاته فقال : وما لي لا أوهم ورفغ أحدكم بين ظفره وأنملته ويسألني أحدكم عن خبر السماء وفي أظافيره الجنابة والتفث . وذكر هذا الخبر أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف بإلكيا في " أحكام القرآن " له ، عن سليمان بن فرج أبي واصل قال : أتيت أبا أيوب رضي الله عنه فصافحته ، فرأى في أظفاري طولا فقال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن خبر السماء فقال : يجيء أحدكم يسأل عن خبر السماء وأظفاره كأظفار الطير حتى يجتمع فيها الوسخ والتفث .وأما قوله : ادفنوا قلاماتكم فإن جسد المؤمن ذو حرمة ، فما سقط منه وزال عنه فحفظه من الحرمة قائم ، فيحق عليه أن يدفنه ، كما أنه لو مات دفن ، فإذا مات بعضه فكذلك أيضا تقام حرمته بدفنه ، كي لا يتفرق ولا يقع في النار أو في مزابل قذرة . وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفن دمه حيث احتجم كي لا تبحث عنه الكلاب . حدثنا بذلك أبي رحمه الله تعالى قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا الهنيد بن القاسم بن عبد الرحمن بن ماعز قال : سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يقول إن أباه حدثه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم ، فلما فرغ قال : يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد . فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه ، فلما رجع قال : يا عبد الله ما صنعت به ؟ . قال : جعلته في أخفى مكان ظننت أنه خافيا عن الناس . قال : لعلك شربته ؟ قال نعم . قال : لم شربت الدم ، وويل للناس منك وويل لك من الناس . حدثني أبي قال : حدثنا مالك بن سليمان الهروي قال : حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان : الشعر ، والظفر ، والدم ، والحيضة ، والسن ، والقلفة ، والبشيمة .وأما قوله : نقوا براجمكم فالبراجم تلك الغضون من المفاصل ، وهي مجتمع الدرن ( واحدها برجمة ) وهو ظهر عقدة كل مفصل ، فظهر العقدة يسمى برجمة ، وما بين العقدتين تسمى راجبة ، وجمعها رواجب ، وذلك مما يلي ظهرها ، وهي قصبة الأصبع ، فلكل أصبع برجمتان وثلاث رواجب إلا الإبهام فإن لها برجمة وراجبتين ، فأمر بتنقيته لئلا يدرن فتبقى فيه الجنابة ، ويحول الدرن بين الماء والبشرة .وأما قوله : نظفوا لثاتكم فاللثة واحدة ، واللثات جماعة ، وهي اللحمة فوق الأسنان ودون الأسنان ، وهي منابتها . والعمور : اللحمة القليلة بين السنين ، واحدها عمر . فأمر بتنظيفها لئلا يبقى فيها ويضر الطعام فتتغير عليه النكهة وتتنكر الرائحة ، ويتأذى الملكان ; لأنه طريق القرآن ، ومقعد الملكين عند نابيه . وروي في الخبر في قوله تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد قال : عند نابيه . حدثنا بذلك محمد بن علي الشقيقي قال : سمعت أبي يذكر ذلك عن سفيان بن عيينة وجاد ما قال ، وذلك أن اللفظ هو عمل الشفتين يلفظ الكلام عن لسانه إلى البراز . وقوله : لديه أي عنده ، والدى والعند في لغتهم السائرة بمعنى واحد ، وكذلك قولهم " لدن " فالنون زائدة . فكأن الآية تنبئ أن الرقيب عتيد عند مغلظ الكلام وهو الناب .وأما قوله : تسننوا وهو السواك مأخوذ من السن ، أي نظفوا السن .وقوله : لا تدخلوا علي قخرا بخرا فالمحفوظ عندي ( قحلا وقلحا ) . وسمعت الجارود يذكر عن النضر قال : الأقلح الذي قد اصفرت أسنانه حتى بخرت من باطنها ، ولا أعرف القخر . والبخر : الذي تجد له رائحة منكرة لبشرته ، يقال : رجل أبخر ، ورجال بخر . حدثنا الجارود قال : حدثنا جرير عن منصور عن أبي علي عن أبي جعفر بن تمام بن العباس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استاكوا ، ما لكم تدخلون علي قلحا .الحادية عشرة : في قص الشارب . وهو الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار ، ولا يجزه فيمثل نفسه ، قاله مالك . وذكر ابن عبد الحكم عنه قال : وأرى أن يؤدب من حلق شاربه . وذكر أشهب عنه أنه قال في حلق الشارب : هذه بدع ، وأرى أن يوجع ضربا من فعله . وقال ابن خويز منداد قال مالك : أرى أن يوجع من حلقه ضربا . كأنه يراه ممثلا بنفسه ، وكذلك بنتفه الشعر ، وتقصيره عنده أولى من حلقه . وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ذا لمة ، وكان أصحابه من بين وافر الشعر أو مقصر ، وإنما حلق وحلقوا في النسك . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقص أظافره وشاربه قبل أن يخرج إلى الجمعة . وقال الطحاوي : لم نجد عن الشافعي في هذا شيئا منصوصا ، وأصحابه الذين رأيناهم : المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما ، ويدل ذلك أنهما أخذا ذلك عن الشافعي رحمه الله تعالى . قال : وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد فكان مذهبهم في شعر الرأس والشارب أن الإحفاء أفضل من التقصير . وذكر ابن خويز منداد عن الشافعي أن مذهبه في حلق الشارب كمذهب أبي حنيفة سواء . وقال أبو بكر الأثرم : رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه شديدا ، وسمعته سئل عن السنة في إحفاء الشارب فقال : يحفى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أحفوا الشوارب . قال أبو عمر : إنما في هذا الباب أصلان : أحدهما : أحفوا ، وهو لفظ محتمل التأويل . والثاني : قص الشارب ، وهو مفسر ، والمفسر يقضي على المجمل ، وهو عمل أهل المدينة ، وهو أولى ما قيل به في هذا الباب . روى الترمذي عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من شاربه ويقول : إن إبراهيم خليل الرحمن كان يفعله . قال : هذا حديث حسن غريب . وخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الفطرة خمس الاختتان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط . وفيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى . والأعاجم يقصون لحاهم ، ويوفرون شواربهم أو يوفرونهما معا ، وذلك عكس الجمال والنظافة . ذكر رزين عن نافع أن ابن عمر كان يحفي شاربه حتى ينظر إلى الجلد ، ويأخذ هذين ، يعني ما بين الشارب واللحية . وفي البخاري : وكان ابن عمر يأخذ من طول لحيته ما زاد على القبضة إذا حج أو اعتمر . وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها . قال : هذا حديث غريب .الثانية عشرة : وأما الإبط فسنته النتف ، كما أن سنة العانة الحلق ، فلو عكس جاز لحصول النظافة ، والأول أولى ; لأنه المتيسر المعتاد .الثالثة عشرة : وفرق الشعر : تفريقه في المفرق ، وفي صفته صلى الله عليه وسلم : إن انفرقت عقيصته فرق ، يقال : فرقت الشعر أفرقه فرقا ، يقال : إن انفرق شعر رأسه فرقه في مفرقه ، فإن لم ينفرق تركه وفرة واحدة . خرج النسائي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون شعورهم ، وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، أخرجه البخاري ومسلم عن أنس . قال القاضي عياض : سدل الشعر إرساله ، والمراد به ها هنا عند العلماء إرساله على الجبين ، واتخاذه كالقصة ، والفرق في الشعر سنة ; لأنه الذي رجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم .وقد روي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون ناصية كل من لم يفرق شعره . وقد قيل : إن الفرق كان من سنة إبراهيم عليه السلام ، فالله أعلم .الرابعة عشرة : وأما الشيب فنور ويكره نتفه ، ففي النسائي وأبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تنتفوا الشيب ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورا يوم القيامة وكتب الله له حسنة وحط عنه خطيئة .قلت : وكما يكره نتفه كذلك يكره تغييره بالسواد ، فأما تغييره بغير السواد فجائز ، لقوله صلى الله عليه وسلم في حق أبي قحافة - وقد جيء به ولحيته كالثغامة بياضا - : غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد . ولقد أحسن من قال :يسود أعلاها ويبيض أصلها ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصلوقال الآخر :يا خاضب الشيب بالحناء تستره سل المليك له سترا من النارالخامسة عشرة : وأما الثريد فهو أزكى الطعام وأكثره بركة ، وهو طعام العرب ، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالفضل على سائر الطعام فقال : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام . وفي صحيح البستي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت إذا ثردت غطته شيئا حتى يذهب فوره وتقول : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه أعظم للبركة .السادسة عشرة : قلت : وهذا كله في معنى ما ذكره عبد الرزاق عن ابن عباس ، وما قاله سعيد بن المسيب وغيره . ويأتي ذكر المضمضة والاستنشاق والسواك في سورة " النساء " وحكم الاستنجاء في " براءة " وحكم الضيافة في " هود " إن شاء الله تعالى . وخرج مسلم عن أنس قال : وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة ، قال علماؤنا : هذا تحديد في أكثر المدة ، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة ، وهذا الحديث يرويه جعفر بن سليمان . قال العقيلي : في حديثه نظر . وقال أبو عمر فيه : ليس بحجة ، لسوء حفظه وكثرة غلطه . وهذا الحديث ليس بالقوي من جهة النقل ; ولكنه قد قال به قوم ، وأكثرهم على ألا توقيت في ذلك ، وبالله التوفيق .السابعة عشرة : قوله تعالى : قال إني جاعلك للناس إماماالإمام : القدوة ، ومنه قيل لخيط البناء : إمام ، وللطريق : إمام ; لأنه يؤم فيه للمسالك ، أي يقصد . فالمعنى : جعلناك للناس إماما يأتمون بك في هذه الخصال ، ويقتدي بك الصالحون . فجعله الله تعالى إماما لأهل طاعته ، فلذلك اجتمعت الأمم على الدعوى فيه - والله أعلم - أنه كان حنيفا .الثامنة عشرة : قال ومن ذريتي دعاء على جهة الرغباء إلى الله تعالى ، أي من ذريتي يا رب فاجعل . وقيل : هذا منه على جهة الاستفهام عنهم ، أي ومن ذريتي يا رب ماذا يكون ؟ فأخبره الله تعالى أن فيهم عاصيا وظالما لا يستحق الإمامة . قال ابن عباس : سأل إبراهيم عليه السلام أن يجعل من ذريته إمام ، فأعلمه الله أن في ذريته من يعصي فقال : لا ينال عهدي الظالمين .التاسعة عشرة : قوله تعالى : ومن ذريتي أصل ذرية ، فعلية من الذر ; لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم عليه السلام كالذر حين أشهدهم على أنفسهم . وقيل : هو مأخوذ من ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا خلقهم ، ومنه الذرية وهي نسل الثقلين ، إلا أن العرب تركت همزها ، والجمع الذراري . وقرأ زيد بن ثابت " ذرية " بكسر الذال و " ذرية " بفتحها . قال ابن جني أبو الفتح عثمان : يحتمل أصل هذا الحرف أربعة ألفاظ : أحدها : ذرأ ، والثاني : ذرر ، والثالث : ذرو ، والرابع : ذري ، فأما الهمزة فمن ذرأ الله الخلق ، وأما ذرر فمن لفظ الذر ومعناه ، وذلك لما ورد في الخبر ( أن الخلق كان كالذر ) وأما الواو والياء ، فمن ذروت الحب وذريته يقالان جميعا ، وذلك قوله تعالى : فأصبح هشيما تذروه الرياح وهذا للطفه وخفته ، وتلك حال الذر أيضا . قال الجوهري : ذرت الريح التراب وغيره تذروه وتذريه ذروا وذريا أي نسفته ، ومنه قولهم : ذرى الناس الحنطة ، وأذريت الشيء إذا ألقيته ، كإلقائك الحب للزرع . وطعنه فأذراه عن ظهر دابته ، أي ألقاه . وقال الخليل : إنما سموا ذرية ; لأن الله تعالى ذرأها على الأرض كما ذرأ الزارع البذر . وقيل : أصل ذرية ، ذرورة ، لكن لما كثر التضعيف أبدل من إحدى الراءات ياء ، فصارت ذروية ، ثم أدغمت الواو في الياء فصارت ذرية . والمراد بالذرية هنا الأبناء خاصة ، وقد تطلق على الآباء والأبناء ، ومنه قوله تعالى : وآية لهم أنا حملنا ذريتهم يعني آباءهم .الموفية عشرين : قوله تعالى : قال لا ينال عهدي الظالمين اختلف في المراد بالعهد ، فروى أبو صالح عن ابن عباس أنه النبوة ، وقاله السدي . مجاهد : الإمامة . قتادة : الإيمان . عطاء : الرحمة . الضحاك : دين الله تعالى . وقيل : عهده أمره . ويطلق العهد على الأمر ، قال الله تعالى : إن الله عهد إلينا أي أمرنا . وقال : ألم أعهد إليكم يابني آدم يعني ألم أقدم إليكم الأمر به ، وإذا كان عهد الله هو أوامره فقوله : لا ينال عهدي الظالمين أي لا يجوز أن يكونوا بمحل من يقبل منهم أوامر الله ولا يقيمون عليها ، على ما يأتي بيانه بعد هذا آنفا إن شاء الله تعالى . وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى : لا ينال عهدي الظالمين قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فآمن به ، وأكل وعاش وأبصر . قال الزجاج : وهذا قول حسن ، أي لا ينال أماني الظالمين ، أي لا أؤمنهم من عذابي . وقال سعيد بن جبير : الظالم هنا المشرك . وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف لا ينال عهدي الظالمون برفع الظالمون . الباقون بالنصب . وأسكن حمزة وحفص وابن محيصن الياء في عهدي ، وفتحها الباقون .الحادية والعشرون : استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على أن الإمام يكون من أهل العدل والإحسان والفضل مع القوة على القيام بذلك ، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا ينازعوا الأمر أهله ، على ما تقدم من القول فيه . فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل ، لقوله تعالى : لا ينال عهدي الظالمين ولهذا خرج ابن الزبير والحسين بن علي رضي الله عنهم . وخرج خيار أهل العراق وعلماؤهم على الحجاج ، وأخرج أهل المدينة بني أمية وقاموا عليهم ، فكانت الحرة التي أوقعها بهم مسلم بن عقبة .والذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه ; لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف ، وإراقة الدماء ، وانطلاق أيدي السفهاء ، وشن الغارات على المسلمين ، والفساد في الأرض . والأول مذهب طائفة من المعتزلة ، وهو مذهب الخوارج ، فاعلمه .الثانية والعشرون : قال ابن خويز منداد : وكل من كان ظالما لم يكن نبيا ولا خليفة ولا حاكما ولا مفتيا ، ولا إمام صلاة ، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة ، ولا تقبل شهادته في الأحكام ، غير أنه لا يعزل بفسقه حتى يعزله أهل الحل والعقد . وما تقدم من أحكامه موافقا للصواب ماض غير منقوض . وقد نص مالك على هذا في الخوارج والبغاة أن أحكامهم لا تنقض إذا أصابوا بها وجها من الاجتهاد ، ولم يخرقوا الإجماع ، أو يخالفوا النصوص . وإنما قلنا ذلك لإجماع الصحابة ، وذلك أن الخوارج قد خرجوا في أيامهم ولم ينقل أن الأئمة تتبعوا أحكامهم ، ولا نقضوا شيئا منها ، ولا أعادوا أخذ الزكاة ولا إقامة الحدود التي أخذوا وأقاموا ، فدل على أنهم إذا أصابوا وجه الاجتهاد لم يتعرض لأحكامهم .الثالثة والعشرون : قال ابن خويز منداد : وأما أخذ الأرزاق من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال : إن كان جميع ما في أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه ، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره . وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما في أيدي الأمراء اليوم فالورع تركه ، ويجوز للمحتاج أخذه ، وهو كلص في يده مال مسروق ، ومال جيد حلال وقد وكله فيه رجل فجاء اللص يتصدق به على إنسان فيجوز أن تؤخذ منه الصدقة ، وإن كان قد يجوز أن يكون اللص يتصدق ببعض ما سرق ، إذا لم يكن شيء معروف بنهب ، وكذلك لو باع أو اشترى كان العقد صحيحا لازما - وإن كان الورع التنزه عنه - وذلك أن الأموال لا تحرم بأعيانها وإنما تحرم لجهاتها . وإن كان ما في أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم . ولو كان ما في أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب ، فهو كما لو وجد في أيدي اللصوص وقطاع الطريق ، ويجعل في بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد ، فإذا لم يعرف صرفه الإمام في مصالح المسلمين .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وإذ ابتلى)، وإذا اختبر.* * *يقال منه: " ابتليت فلانا أبتليه ابتلاء "، ومنه قول الله عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [سورة النساء: 6]، يعني به: اختبروهم. (18) .* * *وكان اختبار الله تعالى ذكره إبراهيم، اختبارا بفرائض فرضها عليه, وأمر أمره به. وذلك هو " الكلمات " التي أوحاهن إليه، وكلفه العمل بهن، امتحانا منه له واختبارا.* * *ثم اختلف أهل التأويل في صفة " الكلمات " التي ابتلى الله بها إبراهيم نبيه وخليله صلوات الله عليه.* * *فقال بعضهم: هي شرائع الإسلام, وهي ثلاثون سهما. (19)* ذكر من قال ذلك:1907- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، قال ابن عباس: لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم, ابتلاه الله بكلمات، فأتمهن. قال: فكتب الله له البراءة فقال: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [سورة النجم: 37]. قال: عشر منها في" الأحزاب ", وعشر منها في" براءة ", وعشر منها في" المؤمنون " و " سأل سائل "، وقال: إن هذا الإسلام ثلاثون سهما. (20)1908- حدثنا إسحاق بن شاهين قال، حدثنا خالد الطحان, عن داود, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله غير إبراهيم، ابتلي بالإسلام فأتمه, فكتب الله له البراءة فقال: " وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى "، فذكر عشرا في" براءة " [112] فقال: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ إلى آخر الآية، (21) وعشرا في" الأحزاب " [35]، إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ , وعشرا في" سورة المؤمنون " [1-9] إلى قوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ , وعشرا في" سأل سائل " [22-34] وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ .1909- حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه قال، حدثنا علي بن الحسن قال، حدثنا خارجة بن مصعب, عن داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: الإسلام ثلاثون سهما, وما ابتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلا إبراهيم, قال الله: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ، فكتب الله له براءة من النار. (22)* * *وقال آخرون: هي خصال عشر من سنن الإسلام.* ذكر من قال ذلك:1910- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس, عن أبيه, عن ابن عباس: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، ابتلاه الله بالطهارة: خمس في الرأس, وخمس في الجسد. في الرأس: قص الشارب, والمضمضة, والاستنشاق, والسواك, وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار, وحلق العانة, والختان, ونتف الإبط, وغسل أثر الغائط والبول بالماء. (23)1911- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن الحكم بن أبان, عن القاسم بن أبي بزة, عن ابن عباس، بمثله- ولم يذكر أثر البول.1912- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا سليمان قال، حدثنا أبو هلال قال، حدثنا قتادة في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، ابتلاه بالختان, وحلق العانة, وغسل القبل والدبر, والسواك, وقص الشارب, وتقليم الأظافر, ونتف الإبط. قال أبو هلال: ونسيت خصلة.1913- حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن مطر, عن أبي الخلد قال: ابتلي إبراهيم بعشرة أشياء، هن في الإنسان: سنة: الاستنشاق, وقص الشارب, والسواك, ونتف الإبط, وقلم الأظفار, وغسل البراجم, والختان, وحلق العانة, وغسل الدبر والفرج (24) .* * *وقال بعضهم: بل " الكلمات " التي ابتلي بهن عشر خلال; بعضهن في تطهير الجسد, وبعضهن في مناسك الحج.*ذكر من قال ذلك :1914- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا محمد بن حرب قال، حدثنا ابن لهيعة, عن ابن هبيرة, عن حنش, عن ابن عباس في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال، ستة في الإنسان, وأربعة في المشاعر. فالتي في الإنسان: حلق العانة, والختان, ونتف الإبط, وتقليم الأظفار, وقص الشارب, والغسل يوم الجمعة. وأربعة في المشاعر: الطواف, والسعي بين الصفا والمروة, ورمي الجمار, والإفاضة. (25)* * *وقال آخرون: بل ذلك: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ، في مناسك الحج.* ذكر من قال ذلك:1915- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن "، فمنهن: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ، وآيات النسك. (26)1916- حدثنا أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح مولى أم هانئ في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، منهن إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ومنهن آيات النسك: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [سورة البقرة: 127].1917- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال الله لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال: تجعلني للناس إماما! قال: نعم. قال: ومن ذريتي. قال: لا ينال عهدي الظالمين. قال: تجعل البيت مثابة للناس. قال: نعم. [قال]: وأمنا. قال: نعم. [قال]: وتجعلنا مسلمين لك, ومن ذريتنا أمة مسلمة لك. قال: نعم. [قال]: وترينا مناسكنا وتتوب علينا. قال: نعم. قال: وتجعل هذا البلد آمنا. قال: نعم. قال: وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم. قال: نعم.1918- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد، مثله.1919- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح، أخبره به عن عكرمة، فعرضته على مجاهد فلم ينكره.1920- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد بنحوه. قال ابن جريج: فاجتمع على هذا القول مجاهد وعكرمة جميعا.1921- حدثنا سفيان قال، حدثني أبي, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال، ابتلي بالآيات التي بعدها: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .1922- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن "، فالكلمات: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ، وقوله: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ ، وقوله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وقوله: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ الآية, وقوله: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ الآية. قال: فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم. (27)1923- حدثني محمد بن سعد (28) قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن "، فمنهن: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ، ومنهن: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ، ومنهن الآيات في شأن النسك, والمقام الذي جعل لإبراهيم, والرزق الذي رزق ساكنو البيت، ومحمد صلى الله عليه وسلم في ذريتهما عليهما السلام.* * *وقال آخرون: بل ذلك مناسك الحج خاصة.* ذكر من قال ذلك:1924- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سلم بن قتيبة قال، حدثنا عمر بن نبهان, عن قتادة, عن ابن عباس في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، مناسك الحج. (29)1925- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال، كان ابن عباس يقول في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، المناسك.1926- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة قال، قال ابن عباس: ابتلاه بالمناسك.1927- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, قال: بلغنا عن ابن عباس أنه قال: إن الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم، المناسك.1928- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا شريك, عن أبي إسحاق, عن التميمي, عن ابن عباس قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، مناسك الحج.1929- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك, عن أبي إسحاق, عن التميمي, عن ابن عباس في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، منهن مناسك الحج. (30)* * *وقال آخرون: هي أمور، منهن الختان.* ذكر من قال ذلك:1930- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا سلم بن قتيبة، عن يونس بن أبي إسحاق, عن الشعبي: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، منهن الختان.1931- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا يونس بن أبي إسحاق, قال: سمعت الشعبي يقول، فذكر مثله.1932- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال، سمعت الشعبي - وسأله أبو إسحاق عن قول الله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " - قال، منهن الختان، يا أبا إسحاق.* * *وقال آخرون: بل ذلك الخلال الست: الكوكب, والقمر, والشمس, والنار, والهجرة, والختان, التي ابتلي بهن فصبر عليهن.* ذكر من قال ذلك:1933- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, قال: قلت للحسن: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ". قال: ابتلاه بالكوكب، فرضي عنه؛ وابتلاه بالقمر، فرضي عنه؛ وابتلاه بالشمس، فرضي عنه؛ وابتلاه بالنار، فرضي عنه؛ وابتلاه بالهجرة, وابتلاه بالختان.1934- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: كان الحسن يقول: إي والله، ابتلاه بأمر فصبر عليه: ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر, فأحسن في ذلك, وعرف أن ربه دائم لا يزول, فوجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما كان من المشركين؛ ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله؛ ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة، فصبر على ذلك؛ فابتلاه الله بذبح ابنه وبالختان، فصبر على ذلك.1935- حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عمن سمع الحسن يقول في قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، ابتلاه الله بذبح ولده, وبالنار, وبالكوكب, والشمس, والقمر.1936- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سلم بن قتيبة قال، حدثنا أبو هلال, عن الحسن: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال، ابتلاه بالكوكب, وبالشمس والقمر, فوجده صابرا.* * *وقال آخرون بما:1937- حدثنا به موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم ربه: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ [سورة البقرة: 127-129]* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله عز وجل أخبر عباده أنه اختبر إبراهيم خليله بكلمات أوحاهن إليه, وأمره أن يعمل بهن فأتمهن, كما أخبر الله جل ثناؤه عنه أنه فعل. (31) وجائز أن تكون تلك الكلمات جميع ما ذكره من ذكرنا قوله في تأويل " الكلمات ", وجائز أن تكون بعضه. لأن إبراهيم صلوات الله عليه قد كان امتحن فيما بلغنا بكل ذلك, فعمل به، وقام فيه بطاعة الله وأمره الواجب عليه فيه. وإذ كان ذلك كذلك, فغير جائز لأحد أن يقول: عنى الله بالكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم شيئا من ذلك بعينه دون شيء, ولا عنى به كل ذلك، إلا بحجة يجب التسليم لها: من خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم, أو إجماع من الحجة. ولم يصح في شيء من ذلك خبر عن الرسول بنقل الواحد, ولا بنقل الجماعة التي يجب التسليم لما نقلته. غير أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نظير معنى ذلك خبران، لو ثبتا, أو أحدهما, كان القول به في تأويل ذلك هو الصواب. أحدهما، ما:-1938- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا رشدين بن سعد قال، حدثني زبّان بن فائد, عن سهل بن معاذ بن أنس, عن أبيه, قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله: الَّذِي وَفَّى ؟ [سورة النجم:37] لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [سورة الروم: 17] حتى يختم الآية. (32)والآخر منهما ما:-1939- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا الحسن بن عطية قال، حدثنا إسرائيل, عن جعفر بن الزبير, عن القاسم, عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى قال، أتدرون ما وَفَّى ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: وفي عمل يومه، أربع ركعات في النهار. (33)* * *قال أبو جعفر: فلو كان خبر سهل بن معاذ عن أبيه صحيحا سنده، كان بينا أن الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فقام بهن، هو قوله كلما أصبح وأمسى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ - أو كان خبر أبي أمامة عدولا نقلته, كان معلوما أن الكلمات التي أوحين إلى إبراهيم فابتلي بالعمل بهن: أن يصلي كل يوم أربع ركعات. غير أنهما خبران في أسانيدهما نظر.* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في معنى " الكلمات " التي أخبر الله أنه ابتلي بهن إبراهيم، ما بينا آنفا.ولو قال قائل في ذلك: إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس، أولى بالصواب من القول الذي قاله غيرهم، كان مذهبا. لأن قوله: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ، وقوله: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وسائر الآيات التي هي نظير ذلك، كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلي بهن إبراهيم. (34)* * *القول في تأويل قوله تعالى : فَأَتَمَّهُنَّقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " فأتمهن "، فأتم إبراهيم الكلمات. و " إتمامه إياهن "، إكماله إياهن، بالقيام لله بما أوجب عليه فيهن، وهو الوفاء الذي قال الله جل ثناؤه: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [سورة النجم: 37]، يعني وفى بما عهد إليه،" بالكلمات ", بما أمره به من فرائضه ومحنته فيها، (35) كما:-1940- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود, عن عكرمة, عن ابن عباس: " فأتمهن "، أي فأداهن.1941- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " فأتمهن "، أي عمل بهن فأتمهن.1942- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " فأتمهن "، أي عمل بهن فأتمهن.* * *القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًاقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " إني جاعلك للناس إماما "، فقال الله: يا إبراهيم، إني مصيرك للناس إماما، يؤتم به ويقتدى به، كما:-1943- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " إني جاعلك للناس إماما "، ليؤتم به ويقتدى به.* * *يقال منه: " أممت القوم فأنا أؤمهم أما وإمامة "، إذا كنت إمامهم.* * *وإنما أراد جل ثناؤه بقوله لإبراهيم: " إني جاعلك للناس إماما "، إني مصيرك تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي, تتقدمهم أنت، (36) ويتبعون هديك, ويستنون بسنتك التي تعمل بها، بأمري إياك ووحيي إليك.* * *القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِيقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: قال إبراهيم- لمّا رفع الله منزلته وكرمه, فأعلمه ما هو صانع به، من تصييره إماما في الخيرات لمن في عصره، ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم، يهتدى بهديه ويقتدى بأفعاله وأخلاقه - : يا رب، ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدي بهم، كالذي جعلتني إماما يؤتم بي ويقتدى بي. مسألة من إبراهيم ربه سأله إياها، كما:-1944- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, قال: قال إبراهيم: " ومن ذريتي"، يقول: فاجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدى به.* * *وقد زعم بعض الناس أن قول إبراهيم: " ومن ذريتي"، مسألة منه ربه لعقبه أن يكونوا على عهده ودينه, كما قال: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [سورة إبراهيم:35]، فأخبر الله جل ثناؤه أن في عقبه الظالم المخالف له في دينه، بقوله: لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .* * *والظاهر من التنزيل يدل على غير الذي قاله صاحب هذه المقالة. لأن قول إبراهيم صلوات الله عليه: " ومن ذريتي"، في إثر قول الله جل ثناؤه: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا . فمعلوم أن الذي سأله إبراهيم لذريته، لو كان غير الذي أخبر ربه أنه أعطاه إياه، لكان مبينا. (37) ولكن المسألة لما كانت مما جرى ذكره, اكتفى بالذكر الذي قد مضى، من تكريره وإعادته, فقال: " ومن ذريتي"، بمعنى: ومن ذريتي فاجعل مثل الذي جعلتني به، من الإمامة للناس.* * *القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)قال أبو جعفر: هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماما يقتدي به أهل الخير. وهو من الله جل ثناؤه جواب لما يتوهم في مسألته إياه (38) أن يجعل من ذريته أئمة مثله. فأخبر أنه فاعل ذلك، إلا بمن كان من أهل الظلم منهم, فإنه غير مُصَيِّره كذلك, ولا جاعله في محل أوليائه عنده، بالتكرمة بالإمامة. لأن الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته، دون أعدائه والكافرين به.* * *واختلف أهل التأويل في العهد الذي حرم الله جل ثناؤه الظالمين أن ينالوه.فقال بعضهم: ذلك " العهد "، هو النبوة.* ذكر من قال ذلك:1945- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " قال لا ينال عهدي الظالمين "، يقول: عهدي, نبوتي.فمعنى قائل هذا القول في تأويل الآية: لا ينال النبوة أهل الظلم والشرك.* * *وقال آخرون: معنى " العهد ": عهد الإمامة.فتأويل الآية على قولهم: لا أجعل من كان من ذريتك بأسرهم ظالما، إماما لعبادي يقتدى به.* ذكر من قال ذلك:1946- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال، لا يكون إمام ظالما.1947- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: قال الله: " لا ينال عهدي الظالمين " قال، لا يكون إمام ظالما.1948- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن عكرمة بمثله.1949- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد في قوله: " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال، لا يكون إمام ظالم يقتدى به.1950- حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.1951- حدثنا مشرَّف بن أبان الحطاب قال، حدثنا وكيع, عن سفيان, عن خصيف, عن مجاهد في قوله: " لا ينال عهدي الظالمين " قال، لا أجعل إماما ظالما يقتدى به. (39) .1952- حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " لا ينال عهدي الظالمين " قال، لا أجعل إماما ظالما يقتدى به.1953- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: " لا ينال عهدي الظالمين ": قال: لا يكون إماما ظالم.قال ابن جريج: وأما عطاء فإنه قال: " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي "، فأبى أن يجعل من ذريته ظالما إماما. قلت لعطاء: ما عهده؟ قال: أمره.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: أنه لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه.* ذكر من قال ذلك:1954- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " لا ينال عهدي الظالمين "، يعني: لا عهد لظالم عليك في ظلمه، أن تطيعه فيه.1955- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله, عن إسرائيل, عن مسلم الأعور, عن مجاهد, عن ابن عباس: " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال، ليس للظالمين عهد, وإن عاهدته فانقضه.1956- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن سفيان, عن هارون بن عنترة, عن أبيه, عن ابن عباس قال، ليس لظالم عهد.* * *وقال آخرون: معنى " العهد " في هذا الموضع: الأمان.فتأويل الكلام على معنى قولهم: قال الله لا ينال أماني أعدائي, وأهل الظلم لعبادي. أي: لا أؤمنهم من عذابي في الآخرة.* ذكر من قال ذلك:1957- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " قال لا ينال عهدي الظالمين "، ذلكم عند الله يوم القيامة، لا ينال عهده ظالم, فأما في الدنيا، فقد نالوا عهد الله, فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم به. (40) فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه.1958- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " لا ينال عهدي الظالمين " قال، لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون, فأما في الدنيا فقد ناله الظالم، وأكل به وعاش.1959- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن, عن إسرائيل, عن منصور, عن إبراهيم: " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال، لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون. فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به، وأكل وأبصر وعاش.* * *وقال آخرون: بل " العهد " الذي ذكره الله في هذا الموضع: دين الله.* ذكر من قال ذلك:1960- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال: قال الله لإبراهيم: " لا ينال عهدي الظالمين " فقال: فعهد الله الذي عهد إلى عباده، دينه. يقول: لا ينال دينه الظالمين. ألا ترى أنه قال: وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ [سورة الصافات:113]، يقول: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق.1961- حدثني يحيى بن جعفر قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك في قوله: " لا ينال عهدي الظالمين " قال، لا ينال عهدي عدو لي يعصيني, ولا أنحلها إلا وليا لي يطيعني. (41)* * *قال أبو جعفر: وهذا الكلام، وإن كان ظاهره ظاهر خبر = عن أنه لا ينال من ولد إبراهيم صلوات الله عليه عهد الله - الذي هو النبوة والإمامة لأهل الخير, بمعنى الاقتداء به في الدنيا, والعهد الذي بالوفاء به ينجو في الآخرة, من وفى لله به في الدنيا (42) - من كان منهم ظالما متعديا جائرا عن قصد سبيل الحق (43) . فهو إعلام من الله تعالى ذكره لإبراهيم: أن من ولده من يشرك به, ويجور عن قصد السبيل, ويظلم نفسه وعباده، كالذي:-1962- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير, عن خصيف, عن مجاهد في قوله: " لا ينال عهدي الظالمين " قال: إنه سيكون في ذريتك ظالمون (44)* * *وأما نصب " الظالمين ", فلأن العهد هو الذي لا ينال الظالمين.وذكر أنه في قراءة ابن مسعود: " لا ينال عهدي الظالمون "، بمعنى: أن الظالمين هم الذين لا ينالون عهد الله.* * *وإنما جاز الرفع في" الظالمين " والنصب, وكذلك في" العهد "، لأن كل ما نال المرء فقد ناله المرء, كما يقال: " نالني خير فلان، ونلت خيره ", فيوجه الفعل مرة إلى الخير ومرة إلى نفسه.* * *وقد بينا معنى " الظلم " فيما مضى، فكرهنا إعادته. (45)------------الهوامش :(18) انظر ما سلف في الجزء 2 : 48 ، 49 .(19) السهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر ، وهي القداح . ثم سمى ما يفوز به الفالج سهما ، ثم كثر حتى سمى كل نصيب سهما . وقوله هنا يدل على أنهم استعملوه في كل جزء من شيء يتجزأ وهو جملة واحدة . فقوله : "سهما" هنا ، أي خصلة وشعبة . وسيأتي شاهدها في الأخبار الآتية .(20) سيأتي بيانها في الأثر التالي .(21) في المطبوعة : "الآيات" ، والصواب ما أثبت .(22) الخبر 1909- عبد الله بن أحمد بن شبويه : هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن ثابت بن مسعود بن يزيد ، أبو عبد الرحمن ، عرف بابن شبويه ، وهو من أئمة الحديث ، كما قال الخطيب . مترجم في تاريخ بغداد 9 : 371 ، وله ترجمة موجزة في ابن أبي حاتم . ووقع في المطبوعة هنا"عبيد الله بن أحمد بن شبرمة" . وهو تحريف وخطأ . صححناه من التاريخ ، ومما سيأتي في التفسير .علي بن الحسن بن شقيق بن دينار : ثقة ، من شيوح أحمد ، والبخاري ، وغيرهما . مترجم في التهذيب ، وفي شرح المسند : 7437 .وهذا الخبر سيأتي بهذا الإسناد ، في التفسير : 27 : 43 (بولاق) . وكذلك رواه أبو جعفر بهذا الإسناد ، في التاريخ 1 : 144 .وذكره ابن كثير 1 : 302 ، ونسبه أيضًا لابن أبي حاتم ، والحاكم . وذكره السيوطي 1 : 111-112 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، وابن مردويه ، وابن عساكر . وهذا الإسناد صحيح .(23) الخبر : 1910- وهذا الإسناد صحيح أيضًا .وهو في تفسير عبد الرزاق (مخطوطة دار الكتب المصورة) ، بهذا الإسناد .وكذلك رواه أبو جعفر في التاريخ 1 : 144 ، من تفسير عبد الرزاق . بهذا الإسناد .وكذلك رواه الحاكم 2 : 266 ، من طريق ابن طاوس عن أبيه ، به . وقال : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي .وذكره ابن كثير 1 : 301 . وكذلك ذكره السيوطي 1 : 111 وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه .(24) الخبر : 1913- مطر : هو ابن طهمان الوراق . وأبو الجلد : بفتح الجيم وسكون اللام ، سبق بيانه : 434 . وفي المطبوعة"أبو الخلد" بالخاء المعجمة بدل الجيم ، وهو تصحيف تكرر فيها كثيرا .البراجم جمع برجمة (بضم الباء وسكون الراء وضم الجيم) : وهي ظهور القصب من مفاصل الأصابع .(25) الخبر : 1914- ابن هبيرة : هو عبد الله بن هبيرة السبائي المصري ، وهو ثقة ، وثقه أحمد وغيره ، وخرج له مسلم في الصحيح . حنش ، بفتحتين وبالشين المعجمة : هو ابن عبد الله السبائي الصنعاني ، من صنعاء دمشق -وهي قرية بالغوطة من دمشق- وهو تابعي ثقة .وهذا الخبر رواه أيضًا ابن أبي حاتم ، عن يونس بن عبد الأعلى . عن ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، بهذا الإسناد - كما في ابن كثير 1 : 302 . وهو إسناد صحيح .(26) يأتي بيان آيات النسك في الخبرين التاليين .(27) في المطبوعة : "فذلك كلمة من الكلمات" ، والصواب من ابن كثير 1 : 303 .(28) في المطبوعة : "محمد بن سعيد" ، وهو خطأ ، وهو إسناد دائر في الطبري ، وانظر رقم : 305 .(29) الخبر : 1924- هذا الإسناد ضعيف من ناحيتين . أما سلم -بفتح السين وسكون اللام- ابن قتيبة أبو قتيبة : فإنه ثقة ، خرج له البخاري في صحيحه . وأما الضعف ، فلأن"عمر بن نبهان الغبري" بضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة : ضعيف جدا ، ذمه الإمام أحمد ، وقال ابن معين : ليس بشيء . وهو مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3/1/138 . والوجه الآخر من الضعف : أنه منقطع ، لأن قتادة لم يدرك ابن عباس .(30) الخبران : 1928 ، 1929- أبو إسحق : هو السبيعي ، عمرو بن عبد الله الهمداني ، الإمام التابعي الثقة ، التميمي : هو"أربدة" بسكون الراء وكسر الباء الموحدة . ويقال"أربد" بدون هاء . وهو تابعي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 1/2/64 ، وابن أبي حاتم 1/1/345 ، وقد عرف بأني راوي التفسير عن ابن عباس . وفي المسند : 2405- في حديث آخر"عن أبي إسحاق ، عن التميمي الذي يحدث التفسير" . لم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي .(31) في المطبوعة : "وأتمهن" بالواو ، والأجود ما أثبت .(32) الحديث : 1938- إسناده منهار لا تقوم له قائمة . وقد ضعفه الطبري نفسه ، هو والحديث الذي بعده . وقال ابن كثير 1 : 304- بعد إشارته إلى ذلك : "وهو كما قال ، فإنه لا يجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما ، وضعفهما من وجود عديدة ، فإن كلا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء ، مع ما في متن الحديث مما يدل على ضعفه" .رشدين بن سعد : ضعيف جدا ، وقد فصلنا القول فيه في شرح المسند : 5748 ، و"رشدين" : بكسر الراء وسكون الشين المعجمة وكسر الدال وبعد الياء نون ، ووقع في المطبوعة وفي ابن كثير"راشد" . وهو تصحيف .زبان بن فائد المصري الحمراوي : ضعيف أيضًا . قال أحمد : "أحاديثه مناكير" ، وضعفه ابن معين . مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/405 ، وابن أبي حاتم 1/2/616 . وقال ابن حبان في كتاب المجروحين (ص : 210 مخطوطة مصور عندي) : "منكر الحديث جدا ، يتفرد عن سهل بن معاذ بنسخة كأنها موضوعة" . و"زبان" : بالزاي المعجمة وتشديد الباء الموحدة . ووقع في المطبوعة"ريان" بالراء والتحتية ، وهو تصحيف .سهل بن معاذ بن أنس الجهني : ضعيف أيضًا ، ضعفه ابن معين . وقال ابن حبان في كتاب المجروحين (ص : 232) : "روى عنه زبان بن فائد ، منكر الحديث جدا . فلست أدري أوقع التخليط في حديثه منه أو من زبان بن فائد؟ فإن كان من أحدهما فالأخبار التي رواها أحدهما ساقطة" .وهذا الحديث -على ما فيه من ضعف شديد- رواه أحمد في المسند : 15688 (ج 3 ص 439 حلبي) . بل إنه روى هذه النسخة ، التي كاد ابن حبان أن يجزم بأنها موضوعة .(33) الحديث : 1939- ضعفه أيضًا الطبري ووافقه ابن كثير ، كما قلنا في الذي قبله . الحسن بن عطية بن نجيح الكوفي : ثقة ، روى عنه البخاري في الكبير 2/1/299 ، ولم يذكر فيه جرحا ، وروى عنه أبو حاتم وأبو زرعة ، وقال أبو حاتم : "صدوق" . وهو مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1/2/27 . وهو غير"الحسن بن عطية بن سعد العوفي ، السابق ترجمته في : 305 .إسرائيل : هو ابن يونس بن إسحاق السبيعي ، وهو ثقة ، مضى في : 1291 .جعفر بن الزبير الحنفي ، أو الباهلي ، الدمشقي ثم البصري : ضعيف جدا . مترجم في التهذيب ، وفي الكبير للبخاري 1/2/191 ، وفي الضعفاء له ، ص : 7 ، وقال : "متروك الحديث ، تركوه" ، وفي ابن أبي حاتم 1/1/479 . وقال ابن حبان في كتاب المجروحين (ص : 142) : "روى عن القاسم مولى معاوية وغيره ، أشياء كأنها موضوعة" . وقال أبو حاتم : "روى جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، نسخة موضوعة ، أكثر من مئة حديث" .وأما القاسم : فهو ابن عبد الرحمن الشامي ، وكنيته أبو عبد الرحمن ، وقد اختلف فيه ، والراجح أنه ثقة ، وأن ما أنكر عليه إنما جاء من الرواة عنه الضعفاء . وقد بينا ذلك في شرح المسند : 598 ، وما علقنا به على تهذيب السنن للمنذري : 2376 .والحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور 6 : 129 ، ونسبه أيضًا لسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وغيرهم ، وقال : "بسند ضعيف" .(34) وقد نقل ابن كثير في تفسيره 1 : 304 هذه الفقرة من أول قوله"ولو قال قائل" ثم عقب عليه بقوله : "قلت : والذي قاله أولا : من أن الكلمات تشمل جميع ما ذكر ، أقوى من هذا الذي جوزه من قول مجاهد ومن قال مثله . لأن السياق يعطى غير ما قالوه ، والله أعلم" . لم يأت ابن كثير بشيء ، فإن قول الطبري بين ، وهو قاض بأن الصواب هو القول الأول ، وأن هذا الثاني لو قيل كان مذهبا . وهذه كلمة تضعيف لا كلمة تقوية .(35) في المطبوعة : "يعني : وفى بما عهد إليه بالكتاب فأمره به من فرائضه ومحنه فيها" ، وهي عبارة مضطربة لا تستقيم ، وكأن الصواب ما أثبته .(36) في المطبوعة : "فتقدمهم أنت" ، ليست بشيء .(37) قوله : "لكان مبينا" ، أي لجاء ما سأل إبراهيم ربه مبينا في الآية .(38) في المطبوعة : "لما توهم" ، وهي خطأ ، والصواب ما أثبته ، بالبناء للمجهول .(39) الخبر : 1951- مشرف بن أبان أبو ثابت الحطاب ، شيخ الطبري : ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد 13 : 224 ، وذكر أنه يروي عن ابن عيينة ، وغيره . مات ببغداد سنة 243 . ولم أجد له ترجمة ولا ذكرا غير ذلك ، و"مشرف" : بوزن"محمد" ، كما نص على أنه الجادة في المشتبه للذهبي ، ص : 484 ، والتبصير للحافظ ابن حجر (مخطوط مصور) .ووقع في المطبوعة"مسروق" ، وهو خطأ بين ، وقد مضى في : 1383 باسم"بشر بن أبان الحطاب" . وهو خطأ أيضًا . ثم هو سيأتي على الصواب : "مشرف" - في : 2382 .وأما"الحطاب" ، فهكذا هو الثابت هنا بالحاء المهملة ، وفي تاريخ بغداد"الخطاب" بالمعجمة . ولم أستطع الترجيح بينهما .(40) في المطبوعة : "وعادوهم" ، والصواب من الدر المنثور 1 : 118 ، وقوله : "غازوهم" أي كانوا معهم في الغزو وشاركوهم في الغنائم .(41) الأثر : 1961- يحيى بن جعفر ، هو يحيى بن أبي طالب ، وانظر الأثر رقم : 284 .(42) سياق هذه الجملة المعترضة : " . . لا ينال من ولد إبراهيم عهد الله . . . من كان منهم ظالما . . . " .(43) وسياق هذه الجملة التي اعترضتها الجملة الطويلة السالفة : "وإن كان ظاهره ظاهر خبر . . فهو إعلام من الله . . . " ، وهكذا دأب أبي جعفر رضي الله عنه .(44) الأثر : 1962- في المطبوعة"عتاب بن بشر" ، وهو خطأ . هو عتاب بن بشير الجزري أبو الحسن ويقال أبو سهل الحراني (تهذيب التهذيب) والتاريخ الكبير للبخاري 4/1/56 .(45) انظر ما سلف 1 : 523-524 .
﴿ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ﴾