القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 125 سورة النساء - ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله

سورة النساء الآية رقم 125 : سبع تفاسير معتمدة

سورة ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله - عدد الآيات 176 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 125 من سورة النساء عدة تفاسير - سورة النساء : عدد الآيات 176 - - الصفحة 98 - الجزء 5.

سورة النساء الآية رقم 125


﴿ وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا ﴾
[ النساء: 125]

﴿ التفسير الميسر ﴾

لا أحد أحسن دينًا ممن انقاد بقلبه وسائر جوارحه لله تعالى وحده، وهو محسن، واتبع دين إبراهيم وشرعه، مائلا عن العقائد الفاسدة والشرائع الباطلة. وقد اصطفى الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- واتخذه صفيّاً من بين سائر خلقه. وفي هذه الآية، إثبات صفة الخُلّة لله -تعالى- وهي أعلى مقامات المحبة، والاصطفاء.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«ومن» أي لا أحد «أحسن دينا ممن أسلم وجهه» أي انقاد وأخلص عمله «لله وهو محسن» موحد «واتبع ملة إبراهيم» الموافقة لملة الإسلام «حنيفا» حال أي مائلا عن الأديان كلها إلى الدين القيم «واتخذ الله إبراهيم خليلا» صفيا خالص المحبة له.

﴿ تفسير السعدي ﴾

أي: لا أحد أحسن من دين من جمع بين الإخلاص للمعبود، وهو إسلام الوجه لله الدال على استسلام القلب وتوجهه وإنابته وإخلاصه، وتوجه الوجه وسائر الأعضاء لله.
وَهُوَ ْ مع هذا الإخلاص والاستسلام مُحْسِنٌ ْ أي: متبع لشريعة الله التي أرسل بها رسله، وأنزل كتبه، وجعلها طريقا لخواص خلقه وأتباعهم.
وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ْ أي: دينه وشرعه حَنِيفًا ْ أي: مائلا عن الشرك إلى التوحيد، وعن التوجه للخلق إلى الإقبال على الخالق، وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ْ والخُلة أعلى أنواع المحبة، وهذه المرتبة حصلت للخليلين محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وأما المحبة من الله فهي لعموم المؤمنين، وإنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه وفَّى بما أُمر به وقام بما ابْتُلي به، فجعله الله إماما للناس، واتخذه خليلا، ونوه بذكره في العالمين.


﴿ تفسير البغوي ﴾

( ومن أحسن دينا ) أحكم دينا ( ممن أسلم وجهه لله ) أي أخلص عمله لله ، وقيل : فوض أمره إلى الله ، ( وهو محسن ) أي : موحد ، ( واتبع ملة إبراهيم ) يعني : دين إبراهيم عليه السلام ، ( حنيفا ) أي : مسلما مخلصا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ومن دين إبراهيم الصلاة إلى الكعبة والطواف بها ومناسك الحج ، وإنما خص إبراهيم لأنه كان مقبولا عند الأمم أجمع ، وقيل : لأنه بعث على ملة إبراهيم وزيد له أشياء .
( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) صفيا ، والخلة : صفاء المودة ، وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان إبراهيم عليه السلام أبا الضيفان ، وكان منزله على ظهر الطريق يضيف من مر به من الناس ، فأصاب الناس سنة فحشروا إلى باب إبراهيم عليه السلام يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر ، فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذي له بمصر ، فقال خليله لغلمانه : لو كان إبراهيم عليه السلام إنما يريده لنفسه احتملنا ذلك له ، فقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة ، فرجع رسلإبراهيم عليه السلام ، فمروا ببطحاء فقالوا : [ إنا لو ] حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة ، فإنا نستحي أن نمر بهم وإبلنا فارغة ، فملئوا تلك الغرائر سهلة ثم أتوا إبراهيم فأعلموه وسارة نائمة ، فاهتم إبراهيم لمكان الناس ببابه ، فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة وقد ارتفع النهار ، فقالت : سبحان الله ما جاء الغلمان؟ قالوا : بلى ، قالت : فما جاءوا بشيء؟ قالوا : بلى ، فقامت إلى الغرائر ففتحتها فإذا هي أجود دقيق حواري يكون ، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس فاستيقظ إبراهيم فوجد ريح الطعام ، فقال : يا سارة من أين هذا؟ قالت : من عند خليلك المصري ، فقال : هذا من عند خليلي الله ، قال : فيومئذ اتخذه الله خليلا .
قال الزجاج : معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل ، والخلة : الصداقة ، فسمي خليلا لأن الله أحبه واصطفاه .
وقيل : هو من الخلة وهي الحاجة ، سمي خليلا أي : فقيرا إلى الله [ لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله عز وجل ] والأول أصح لأن قوله ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) يقتضي الخلة من الجانبين ، ولا يتصور الحاجة من الجانبين .
ثنا أبو المظفر بن أحمد التيمي ، ثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، ثنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، ثنا أبو قلابة الرقاشي ، ثنا بشر بن عمر ، ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أبا بكر أخي وصاحبي ، ولقد اتخذ الله صاحبكم خليلا " .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم أثنى- سبحانه- على من أخلص له الإيمان والعمل فقال: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ.
أى: لا أحد أحسن دينا، وأجدر بالقبول عند الله وبجزيل ثوابه ممن أخلص نفسه لله، وجعلها سالمة له بحيث لا تعرف لها ربا ولا معبودا سواه.
وقوله وَهُوَ مُحْسِنٌ أى: وهو مؤد لما أمره الله به ومبتعد عن كل ما نهاه الله عنه، على الوجه اللائق الحسن.
فالاستفهام في قوله وَمَنْ أَحْسَنُ للنفي.
والمقصود منه مدح من فعل ذلك على أتم وجه.
وقوله وَهُوَ مُحْسِنٌ جملة في موضع الحال من فاعل أَسْلَمَ.
فالآية الكريمة قد أشارت إلى أن الدين الحق يقتضى أمرين:أولهما: إخلاص القلب والنية لله- تعالى- بحيث لا يكون عامرا إلا بذكر الله.
والثاني: إتقان العمل الصالح وإجادته حتى يصل إلى مرتبة الإحسان الذي عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» .
وقوله وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً بيان لما كان عليه إبراهيم- عليه السلام- من عقيدة سليمة، ودين قويم.
وهو معطوف على قوله أَسْلَمَ وَجْهَهُ.
أى: لا أحد أحسن دينا، وأصوب طريقا ممن أخلص نفسه لله، وأتقن أعماله الصالحة على الوجه الذي يرضاه الله- تعالى- واتبع ملة إبراهيم الذي كان مبتعدا عن كل الملل الزائفة المعوجة ومتجها إلى الدين الحق، والمنهاج المستقيم.
والمراد بملة إبراهيم: شريعته التي كان يدين الله عليها، ومنهاجه الذي يوافق منهاج الإسلام الذي أتى به محمد- عليه الصلاة والسلام.
وحنيفا من الحنف وهو الميل عن الضلال إلى الاستقامة.
وضده الجنف يقال: تحنف فلان أى تحرى طريق الاستقامة.
وقوله وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا تذييل جيء به للترغيب في اتباع ملة إبراهيم، وللتنويه بشأنه- عليه السلام- وبشأن من اتبع طريقته.
والخليل في كلام العرب: هو الصاحب الملازم الذي لا يخفى عليه شيء من أمور صاحبه.
مشتق من الخلة وهي صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل الأسرار.
قال الآلوسى: والخليل مشتق من الخلة- بضم الخاء- وهي إما من الخلال- بكسر الخاء- فإنها مودة تتخلل النفس وتخالطها مخالطة معنوية.
فالخليل من بلغت مودته هذه المرتبة.
وإما من الخلل على معنى أن كلا من الخليلين يصلح خلل الآخر.
وإما من الخل- بالفتح- وهو الطريق في الرمل، لأنهما يتوافقان على طريقة.
وإما من الخلة- بفتح الخاء- بمعنى الخصلة لأنهما يتوافقان في الخصال والأخلاق.
وأطلق الخليل على إبراهيم، لأن محبة الله تعالى، قد تخللت نفسه وخالطتها مخالطة تامة، أو لتخلقه بأخلاق الله تعالى .
والمعنى: واتخذ الله إبراهيم حنيفا له من بين خلقه، لأنه- عليه السلام- كان خالص المحبة لخالقه- عز وجل- ومبغضا لكل ما يبغضه الله من الشريك والأعمال السيئة، وغيورا على إعلاء كلمة الله وعلى تمكين دينه في الأرض فوصفه الله- تعالى- بهذا الوصف الجليل، وأسبغ عليه الكثير من ألوان نعمه وفضله.
قال الجمل: وقوله وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا في خَلِيلًا وجهان، فإن عدينا اتخذ لاثنين كان مفعولا ثانيا وإلا كان حالا.
وهذه الجملة عطف على الجملة الاستفهامية التي معناها الخبر للتنبيه على شرف المتبوع وأنه جدير بأن يتبع لاصطفاء الله له بالخلة، وفائدة هذه الجملة تأكيد وجوب اتباع ملته، لأن من بلغ من الزلفى عند الله أن اتخذه خليلا جديرا بأن تتبع ملته.
وأظهر اسم إبراهيم في مقام الإضمار لتفخيم شأنه، والتنصيص على أنه متفق على مدحه.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

ثم قال تعالى : ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ) أخلص العمل لربه ، عز وجل ، فعمل إيمانا واحتسابا ( وهو محسن ) أي : اتبع في عمله ما شرعه الله له ، وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق ، وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما ، أي : يكون خالصا صوابا ، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون متبعا للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة ، وباطنه بالإخلاص ، فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد . فمن فقد الإخلاص كان منافقا ، وهم الذين يراؤون الناس ، ومن فقد المتابعة كان ضالا جاهلا . ومتى جمعهما فهو عمل المؤمنين : ( الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم [ في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ] ) [ الأحقاف : 16 ] ; ولهذا قال تعالى : ( واتبع ملة إبراهيم حنيفا ) وهم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة ، كما قال تعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي [ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ] ) [ آل عمران : 68 ] وقال تعالى : ( [ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ] ) [ الأنعام : 161 ] و ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ النحل : 123 ] والحنيف : هو المائل عن الشرك قصدا ، أي تاركا له عن بصيرة ، ومقبل على الحق بكليته ، لا يصده عنه صاد ، ولا يرده عنه راد .وقوله : ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) وهذا من باب الترغيب في اتباعه ; لأنه إمام يقتدى به ، حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له ، فإنه انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة ، وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه ، كما وصفه به في قوله : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] قال كثيرون من السلف : أي قام بجميع ما أمر به ووفى كل مقام من مقامات العبادة ، فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير ، ولا كبير عن صغير . وقال تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [ قال إني جاعلك للناس إماما ] ) الآية [ البقرة : 124 ] . وقال تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين [ شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم . وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ] ) [ النحل : 120 - 122 ] .وقال البخاري : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن عمرو بن ميمون قال : إن معاذا لما قدم اليمن صلى الصبح بهم : فقرأ : ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) فقال رجل من القوم : لقد قرت عين أم إبراهيم .وقد ذكر ابن جرير في تفسيره ، عن بعضهم أنه إنما سماه الله خليلا من أجل أنه أصاب أهل ناحيته جدب ، فارتحل إلى خليل له من أهل الموصل - وقال بعضهم : من أهل مصر - ليمتار طعاما لأهله من قبله ، فلم يصب عنده حاجته . فلما قرب من أهله مر بمفازة ذات رمل ، فقال : لو ملأت غرائري من هذا الرمل ، لئلا أغم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة ، وليظنوا أني أتيتهم بما يحبون . ففعل ذلك ، فتحول ما في غرائره من الرمل دقيقا ، فلما صار إلى منزله نام وقام أهله ففتحوا الغرائر ، فوجدوا دقيقا فعجنوا وخبزوا منه فاستيقظ ، فسألهم عن الدقيق الذي منه خبزوا ، فقالوا : من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك فقال : نعم ، هو من خليلي الله . فسماه الله بذلك خليلا .وفي صحة هذا ووقوعه نظر ، وغايته أن يكون خبرا إسرائيليا لا يصدق ولا يكذب ، وإنما سمي خليل الله لشدة محبة ربه ، عز وجل ، له ، لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها ; ولهذا ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في آخر خطبة خطبها قال : " أما بعد ، أيها الناس ، فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلا ولكن صاحبكم خليل الله " .وجاء من طريق جندب بن عبد الله البجلي ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " .وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم ، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد ، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة ، حدثنا عبيد الله الحنفي ، حدثنا زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه ، فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم ، وإذا بعضهم يقول : عجبا إن الله اتخذ من خلقه خليلا فإبراهيم خليله ! وقال آخر : ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما ! وقال آخر : فعيسى روح الله وكلمته ! وقال آخر : آدم اصطفاه الله ! فخرج عليهم فسلم وقال : " قد سمعت كلامكم وتعجبكم أن إبراهيم خليل الله ، وهو كذلك ، وموسى كليمه ، وعيسى روحه وكلمته ، وآدم اصطفاه الله ، وهو كذلك ألا وإني حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع ، وأول مشفع ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة ، فيفتح الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر " .وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها .وقال قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : أتعجبون من أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .رواه الحاكم في مستدركه وقال : صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرجاه . وكذا روي عن أنس بن مالك ، وغير واحد من الصحابة والتابعين ، والأئمة من السلف والخلف .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يحيى بن عبدك القزويني ، حدثنا محمد - يعني ابن سعيد بن سابق - حدثنا عمرو - يعني ابن أبي قيس - عن عاصم ، عن أبي راشد ، عن عبيد بن عمير قال : كان إبراهيم عليه السلام يضيف الناس ، فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه ، فلم يجد أحدا يضيفه ، فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما ، فقال : يا عبد الله ، ما أدخلك داري بغير إذني ؟ قال : دخلتها بإذن ربها . قال : ومن أنت ؟ قال : أنا ملك الموت ، أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره أن الله قد اتخذه خليلا . قال : من هو ؟ فوالله إن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت . قال : ذلك العبد أنت . قال : أنا ؟ قال : نعم . قال : فيم اتخذني الله خليلا ؟ قال : إنك تعطي الناس ولا تسألهم .وحدثنا أبي ، حدثنا محمود بن خالد السلمي ، حدثنا الوليد ، عن إسحاق بن يسار قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل ، حتى إن كان خفقان قلبه ليسمع من بعيد كما يسمع خفقان الطير في الهواء . وهكذا جاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلاقوله تعالى : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا فضل دين الإسلام على سائر الأديان و أسلم وجهه لله معناه أخلص دينه لله وخضع له وتوجه إليه بالعبادة .
قال ابن عباس : أراد أبا بكر الصديق رضي الله عنه .
وانتصب دينا على البيان .
وهو محسن ابتداء وخبر في موضع الحال ، أي موحد فلا يدخل فيه أهل الكتاب ؛ لأنهم تركوا الإيمان بمحمد عليه السلام .
والملة : الدين ، والحنيف : المسلم ؛ وقد تقدم .
قوله تعالى : واتخذ الله إبراهيم خليلا قال ثعلب : إنما سمي الخليل خليلا لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خللا إلا ملأته ؛ وأنشد قول بشار :قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلاوخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم وقيل : هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب ، وإبراهيم كان محبا لله وكان محبوبا لله .
وقيل : الخليل من الاختصاص فالله عز وجل أعلم اختص إبراهيم في وقته للرسالة .
واختار هذا النحاس قال : والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا يعني نفسه .
وقال صلى الله عليه وسلم : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا أي لو كنت مختصا أحدا بشيء لاختصصت أبا بكر .
رضي الله عنه .
وفي هذا رد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم اختص بعض أصحابه بشيء من الدين .
وقيل : الخليل المحتاج ؛ فإبراهيم خليل الله على معنى أنه فقير محتاج إلى الله تعالى ؛ كأنه الذي به الاختلال .
وقال زهير يمدح هرم بن سنان :وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرمأي لا ممنوع .
قال الزجاج : ومعنى الخليل : الذي ليس في محبته خلل ؛ فجائز أن يكون سمي خليلا لله بأنه الذي أحبه واصطفاه محبة تامة .
وجائز أن يسمى خليل الله أي فقيرا إلى الله تعالى ؛ لأنه لم يجعل فقره ولا فاقته إلا إلى الله تعالى مخلصا في ذلك .
والاختلال الفقر ؛ فروي أنه لما رمي بالمنجنيق وصار في الهواء أتاه جبريل عليه السلام فقال : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا .
فخلة الله تعالى لإبراهيم نصرته إياه .
وقيل : سمي بذلك بسبب أنه مضى إلى خليل له بمصر ، وقيل : بالموصل ليمتار من عنده طعاما فلم يجد صاحبه ، فملأ غرائره رملا وراح به إلى أهله فحطه ونام ؛ ففتحه أهله فوجدوه دقيقا فصنعوا له منه ، فلما قدموه إليه قال : من أين لكم هذا ؟ قالوا : من الذي جئت به من عند خليلك المصري ؛ فقال : هو من عند خليلي ؛ يعني الله تعالى ؛ فسمي خليل الله بذلك .
وقيل : إنه أضاف رؤساء الكفار وأهدى لهم هدايا وأحسن إليهم فقالوا له : ما حاجتك ؟ قال : حاجتي أن تسجدوا سجدة ؛ فسجدوا فدعا الله تعالى وقال : اللهم إني قد فعلت ما أمكنني فافعل اللهم ما أنت أهل لذلك ؛ فوفقهم الله تعالى للإسلام فاتخذه الله خليلا لذلك .
ويقال : لما دخلت عليه الملائكة بشبه الآدميين وجاء بعجل سمين فلم يأكلوا منه وقالوا : إنا لا نأكل شيئا بغير ثمن فقال لهم : أعطوا ثمنه وكلوا ، قالوا : وما ثمنه ؟ قال : أن تقولوا في أوله باسم الله وفي آخره الحمد لله ، فقالوا فيما بينهم : حق على الله أن يتخذه خليلا ؛ فاتخذه الله خليلا .
وروى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتخذ الله إبراهيم خليلا لإطعامه الطعام وإفشائه السلام وصلاته بالليل والناس نيام .
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا ؟ قال : لإطعامه الطعام يا محمد .
وقيل : معنى الخليل الذي يوالي في الله ويعادي في الله .
والخلة بين الآدميين الصداقة ؛ مشتقة من تخلل الأسرار بين المتخالين .
وقيل : هي من الخلة فكل واحد من الخليلين يسد خلة صاحبه .
وفي مصنف أبي داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل .
ولقد أحسن من قال :من لم تكن في الله خلته فخليله منه على خطرآخر :إذا ما كنت متخذا خليلا فلا تثقن بكل أخي إخاءفإن خيرت بينهم فألصق بأهل العقل منهم والحياءفإن العقل ليس له إذا ما تفاضلت الفضائل من كفاءوقال حسان بن ثابت رضي الله عنه :أخلاء الرجال هم كثير ولكن في البلاء هم قليلفلا تغررك خلة من تؤاخي فما لك عند نائبة خليلوكل أخ يقول أنا وفي ولكن ليس يفعل ما يقولسوى خل له حسب ودين فذاك لما يقول هو الفعول

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًاقال أبو جعفر: وهذا قضاء من الله جل ثناؤه للإسلام وأهله بالفضل على سائر الملل غيره وأهلِها، يقول الله: " ومن أحسن دينًا " أيها الناس، وأصوبُ طريقًا، وأهدى سبيلا=" ممن أسلم وجهه لله "، يقول: ممن استسلم وجهه لله فانقاد له بالطاعة، مصدقًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند ربه (56) =" وهو محسن "، يعني: وهو عاملٌ بما أمره به ربه، محرِّم حرامه ومحلِّل حلاله (57) =" واتَّبع ملة إبراهيم حنيفًا "، يعني بذلك: واتبع الدين الذي كان عليه إبراهيم خليل الرحمن، وأمر به بنيه من بعده وأوصاهم به (58) =" حنيفًا "، يعني: مستقيمًا على منهاجه وسبيله.
* * *وقد بينا اختلاف المختلفين فيما مضى قبل في معنى " الحنيف "، والدليل على الصحيح من القول في ذلك بما أغنى عن إعادته.
(59)* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل:وممن قال ذلك أيضًا الضحاك.
10538- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: فضّل الله الإسلام على كل دين فقال: " ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن " إلى قوله: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا ، وليس يقبل فيه عملٌ غير الإسلام، وهي الحنيفيّة.
* * *القول في تأويل قوله : وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا (125)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واتخذ الله إبراهيم وليًّا.
* * *فإن قال قائل: وما معنى " الخُلَّة " التي أعطِيها إبراهيم؟قيل: ذلك من إبراهيم عليه السلام: العداوةُ في الله والبغض فيه، والولاية في الله والحب فيه، على ما يعرف من معاني" الخلة ".
وأما من الله لإبراهيم، فنُصرته على من حاوله بسوءٍ، كالذي فعل به إذْ أراده نمرود بما أرادَه به من الإحراق بالنار فأنقذَه منها، أو على حجته عليه إذ حاجّه= وكما فعل بملك مصر إذ أراده عن أهله (60) = وتمكينه مما أحب= وتصييره إمامًا لمن بعدَه من عباده، وقدوةً لمن خلفه في طاعته وعبادته.
فذلك معنى مُخَالَّته إياه.
وقد قيل: سماه الله " خليلا "، من أجل أنه أصابَ أهلَ ناحيته جدْبٌ، فارتحل إلى خليلٍ له من أهل الموصل= وقال بعضهم: من أهل مصر= في امتيار طعام لأهله من قِبله، فلم يصب عنده حاجته.
فلما قرَب من أهله مرَّ بمفازة ذات رمل، فقال: لو ملأت غرائري من هذا الرمل، (61) لئلا أغُمَّ أهلي برجوعي إليهم بغير مِيرَة، وليظنوا أنّي قد أتيتهم بما يحبون! ففعل ذلك، فتحوَّل ما في غرائره من الرمل دقيقًا، فلما صار إلى منزله نام.
وقام أهله، ففتحوا الغرائر، فوجدوا دقيقًا، فعجنوا منه وخبزوا.
فاستيقظ، فسألهم عن الدقيق الذي منه خبزوا، فقالوا: من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك! فعلم، فقال: نعم! هو من خليلي الله! قالوا: فسماه الله بذلك " خليلا ".
(62)--------------الهوامش :(56) انظر تفسير"أسلم وجهه" فيما سلف 2 : 510 -512 / 6 : 280.
(57) انظر تفسير"الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة.
(58) انظر تفسير"ملة" فيما سلف 2 : 563 / 3 : 104.
(59) انظر تفسير"حنيف" فيما سلف 3 : 104-108 / 6 : 494.
(60) في المطبوعة والمخطوطة: "ملك مصر" بغير باء ، والسياق يقتضي ما أثبت.
(61) "الغرائر" جمع"غرارة" (بكسر الغين): وهي الجوالق الذي يوضع في التبن والقمح وغيرهما.
(62) هذا دليل آخر على اختصار أبي جعفر تفسيره في مواضع ، كما قيل في ترجمته.
فلولا الاختصار ، لساق أخبار إبراهيم عليه وعلى نبينا صلى الله عليهما السلام.
وقد سلفت أخبار إبراهيم في مواضع متفرقة من التفسير.

﴿ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ﴾

قراءة سورة النساء

المصدر : تفسير : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله