أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عاليًا تشرفون منه فتسخرون مِنَ المارة؟ وذلك عبث وإسراف لا يعود عليكم بفائدة في الدين أو الدنيا، وتتخذون قصورًا منيعة وحصونًا مشيَّدة، كأنكم تخلدون في الدنيا ولا تموتون، وإذا بطشتم بأحد من الخلق قتلا أو ضربًا، فعلتم ذلك قاهرين ظالمين.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وتتخذون مصانع» للماء تحت الأرض «لعلكم» كأنكم «تخلدون» فيها لا تموتون.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ أي: بركا ومجابي للحياة لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ والحال أنه لا سبيل إلى الخلود لأحد.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وتتخذون مصانع ) قال ابن عباس : أبنية . وقال مجاهد : قصورا مشيدة . وعن الكلبي : أنها الحصون . وقال قتادة : مآخذ الماء ، يعني الحياض ، واحدتها مصنعة ) ( لعلكم تخلدون ) أي : كأنكم تبقون فيها خالدين . والمعنى : أنهم كانوا يستوثقون المصانع كأنهم لا يموتون .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وَتَتَّخِذُونَ أى: وتعملون مَصانِعَ أى: قصورا ضخمة متينة، أو حياضا تجمعون فيها مياه الأمطار.. لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ أى: عاملين عمل من يرجو الخلود في هذه الحياة الفانية
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم قال : ( وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ) . قال مجاهد : المصانع : البروج المشيدة ، والبنيان المخلد . وفي رواية عنه : بروج الحمام .وقال قتادة : هي مأخذ الماء . قال قتادة : وقرأ بعض القراء : وتتخذون مصانع كأنكم خالدون " .وفي القراءة المشهورة : ( لعلكم تخلدون ) أي : لكي تقيموا فيها أبدا ، وليس ذلك بحاصل لكم ، بل زائل عنكم ، كما زال عمن كان قبلكم .وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا أبي ، حدثنا الحكم بن موسى ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابن عجلان ، حدثني عون بن عبد الله بن عتبة ، أن أبا الدرداء ، رضي الله عنه ، لما رأى ما أحدث المسلمون في الغوطة من البنيان ونصب الشجر ، قام في مسجدهم فنادى : يا أهل دمشق ، فاجتمعوا إليه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ألا تستحيون ! ألا تستحيون ! تجمعون ما لا تأكلون ، وتبنون ما لا تسكنون ، وتأملون ما لا تدركون ، إنه كانت قبلكم قرون ، يجمعون فيرعون ، ويبنون فيوثقون ، ويأملون فيطيلون ، فأصبح أملهم غرورا ، وأصبح جمعهم بورا ، وأصبحت مساكنهم قبورا ، ألا إن عادا ملكت ما بين عدن وعمان خيلا وركابا ، فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين ؟ .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وتتخذون مصانع أي منازل ; قاله الكلبي . وقيل : حصونا مشيدة ; قال ابن عباس ومجاهد . ومنه قول الشاعر :تركنا ديارهم منهم قفارا وهدمنا المصانع والبروجاوقيل : قصورا مشيدة ; وقاله مجاهد أيضا . وعنه : بروج الحمام ; وقاله السدي . قلت : وفيه بعد عن مجاهد ; لأنه تقدم عنه في الريع أنه بنيان الحمام فيكون تكرارا في الكلام . وقال قتادة : مآجل للماء تحت الأرض . وكذا قال الزجاج : إنها مصانع الماء ، واحدتها مصنعة ومصنع . ومنه قول لبيد :بلينا وما تبلى النجوم الطوالع وتبقى الجبال بعدنا والمصانعالجوهري : المصنعة كالحوض يجتمع فيها ماء المطر ، وكذلك المصنعة بضم النون . والمصانع الحصون . وقال أبو عبيدة : يقال لكل بناء مصنعة . حكاه المهدوي . وقال عبد الرزاق : المصانع عندنا بلغة اليمن القصور العادية . لعلكم تخلدون أي كي تخلدوا . وقيل : " لعل " استفهام بمعنى التوبيخ أي فهل تخلدون كقولك : لعلك تشتمني أي هل تشتمني . روي معناه عن ابن زيد . وقال الفراء : كيما تخلدون لا تتفكرون في الموت . وقال ابن عباس وقتادة : كأنكم خالدون باقون فيها . وفي بعض القراءات ( كأنكم تخلدون ) ذكره النحاس . وحكى قتادة : أنها كانت في بعض القراءات ( كأنكم خالدون ) .
﴿ تفسير الطبري ﴾
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ ) قال: قصور مشيدة, وبنيان مخلد.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( مصانع ) : قصور مشيدة وبنيان.حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن مجاهد, قال: ( مصانع ) يقول: حصون وقصور.حدثني يونس, قال: أخبرنا يحيى بن حسان, عن مسلم, عن رجل, عن مجاهد, قوله: ( مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ) قال: أبرجة الحمام.وقال آخرون: بل هي مآخذ للماء.* ذكر من قال ذلك:حدثني الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: ( مصانع ) قال: مآخذ للماء.قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن المصانع جمع مصنعة, والعرب تسمي كل بناء مصنعة, وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصورًا وحصونا مشيدة, وجائز أن يكون كان مآخذ للماء, ولا خبر يقطع العذر بأيّ ذلك كان, ولا هو مما يدرك من جهة العقل. فالصواب أن يقال فيه, ما قال الله: إنهم كانوا يتخذون مصانع.وقوله: ( لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ) يقول: كأنكم تخلدون, فتبقون في الأرض.وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثنا معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ) يقول: كأنكم تخلدون.حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: قال في بعض الحروف ( وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ ) كأنكم تخلدون.وكان ابن زيد يقول: " لعلكم " في هذا الموضع استفهام.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ) قال: هذا استفهام, يقول: لعلكم تخلدون حين تبنون هذه الأشياء؟.وكان بعض أهل العربية يزعم أن لعلكم في هذا الموضع بمعنى " كيما ".