وكما سلَّطْنا شياطين الجن على كفار الإنس، فكانوا أولياء لهم، نسلِّط الظالمين من الإنس بعضهم على بعض في الدنيا؛ بسبب ما يعملونه من المعاصي.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وكذلك» كما متَّعنا عُصاة الإنس والجن بعضهم ببعض «نولي» من الولاية «بعض الظالمين بعضا» أي على بعض «بما كانوا يكسبون» من المعاصي.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أي: وكما ولَّيْنَا الجن المردة وسلطناهم على إضلال أوليائهم من الإنس وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة، بسبب كسبهم وسعيهم بذلك. كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالما مثله، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه، ويزهده في الخير وينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها. والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ومن ذلك، أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين. كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) [ قيل : أي ] كما خذلنا عصاة الجن والإنس حتى استمتع بعضهم ببعض نولي بعض الظالمين بعضا ، أي : نسلط بعضهم على بعض ، فنأخذ من الظالم بالظالم ، كما جاء : " من أعان ظالما سلطه الله عليه " .وقال قتادة : نجعل بعضهم أولياء بعض ، فالمؤمن ولي المؤمن [ أين كان ] والكافر ولي الكافر حيث كان . وروي عن معمر عن قتادة : نتبع بعضهم بعضا في النار ، من الموالاة ، وقيل : معناه نولي ظلمة الإنس ظلمة الجن ، ونولي ظلمة الجن ظلمة الإنس ، أي : نكل بعضهم إلى بعض ، كقوله تعالى : ( نوله ما تولى ) ( النساء ، 115 ) ، وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها هو : أن الله تعالى إذا أراد بقوم خيرا ولى أمرهم خيارهم ، وإذا أراد بقوم شرا ولى أمرهم شرارهم . 18
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم يعقب القرآن على هذا الاستمتاع المتبادل بين الضالين والمضلين من الجن والإنس فيقول: وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.ونولي: من الولاية بمعنى القرابة، والنصرة، والمحالفة وما إلى ذلك من أنواع الاتصال.أى: ومثل ما سبق من تمكين الجن من إغواء الإنس وإضلالهم لما بينهم من التناسب والمشاكلة، نولي بعض الظالمين من الإنس بعضا آخر منهم بأن نجعلهم يزينون لهم السيئات، ويؤثرون فيهم بالإغواء. بسبب ما كانوا مستمرين على اكتسابه من الكفر والمعاصي.قال الإمام الرازي: «لأن الجنسية علة الضم» فالأرواح الخبيثة تنضم إلى ما يشاكلها في الخبث. وكذا القول في الأرواح الطاهرة، فكل أحد يهتم بشأن من يشاكله في النصرة والمعونة والتقوية. ثم قال: والآية تدل على أن الرعية متى كانوا ظالمين فالله- تعالى- يسلط عليهم ظالما مثلهم. فإن أرادوا أن يتخلصوا من ذلك الأمير الظالم فليتركوا الظلم» .وقال ابن كثير: معنى الآية الكريمة: كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن، كذلك نفعل بالظالمين، نسلط بعضهم على بعض، ونهلك بعضهم ببعض، وننتقم من بعضهم ببعض جزاء على ظلمهم وبغيهم» .وقال الفضيل بن عياض: إذا رأيت ظالما ينتقم من ظالم. فقف وانظر فيه متعجبا.فالآية الكريمة تصور لنا مشهدا واقعا في حياة الأمم، وهو أن الظالمين من الناس يوالى بعضهم بعضا، ويناصر بعضهم بعضا، بسبب ما بينهم من صلات في المشارب والأهداف والطباع وأن الأمة التي لا تتمسك بمبدأ العدالة بل تسودها روح الظلم والاعتداء يكون حكامها عادة على شاكلتها لأن الحاكم الظالم لا يستطيع البقاء عادة في مجتمع أفراده تسودهم العدالة والشجاعة في الحق.والآية في الوقت ذاته تهدد الظالمين، وتتوعدهم بسوء المصير إذا لم يقلعوا عن ظلمهم، ويثوبوا إلى رشدهم، ويقيدوا أنفسهم بمبدأ العدالة ورعاية الحق ثم بعد هذا التعقيب بتلك الآية التي بينت طبيعة الأشرار يعود القرآن إلى سؤال الإنس والجن فيقول: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال سعيد ، عن قتادة في تفسيرها : وإنما يولي الله الناس بأعمالهم ، فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان ، والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان ، ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي . واختاره ابن جرير .وقال معمر ، عن قتادة في تفسيرها : ( نولي بعض الظالمين بعضا ) في النار ، يتبع بعضهم بعضا .وقال مالك بن دينار : قرأت في الزبور : إني أنتقم من المنافقين بالمنافقين ، ثم أنتقم من المنافقين جميعا ، وذلك في كتاب الله قوله تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ) .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ) قال : ظالمي الجن وظالمي الإنس ، وقرأ : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) [ الزخرف : 36 ] ، قال : ونسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس .وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الباقي بن أحمد ، من طريق سعيد بن عبد الجبار الكرابيسي ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود مرفوعا : " من أعان ظالما سلطه الله عليه "وهذا حديث غريب ، وقال بعض الشعراء :وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيبلى بظالمومعنى الآية الكريمة : كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن ، كذلك نفعل بالظالمين ، نسلط بعضهم على بعض ، ونهلك بعضهم ببعض ، وننتقم من بعضهم ببعض ، جزاء على ظلمهم وبغيهم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون قوله تعالى : وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا المعنى وكما فعلنا بهؤلاء مما وصفته لكم من استمتاع بعضهم ببعض أجعل بعض الظالمين أولياء بعض ، ثم يتبرأ بعضهم من بعض غدا . ومعنى نولي على هذا نجعل وليا . قال ابن زيد : نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس . وعنه أيضا : نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله . وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالما آخر . ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الرعية ، أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم . وقال فضيل بن عياض : إذا رأيت ظالما ينتقم من ظالم فقف وانظر فيه متعجبا . وقال ابن عباس : إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم ، وإذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم . وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أعان ظالما سلطه الله عليه . وقيل : المعنى نكل بعضهم إلى بعض فيما يختارونه من الكفر ، كما نكلهم غدا إلى رؤسائهم الذين لا يقدرون على تخليصهم من العذاب أي كما نفعل بهم ذلك في الآخرة كذلك نفعل بهم في الدنيا . وقد قيل في قوله تعالى : نوله ما تولى : نكله إلى ما وكل إليه نفسه . قال ابن عباس : تفسيرها هو أن الله إذا أراد بقوم شرا ولى أمرهم شرارهم . يدل عليه قوله تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل (نُوَلّي).فقال بعضهم: معناه: نحمل بعضهم لبعض وليًّا، على الكفر بالله .* ذكر من قال ذلك:13893- حدثنا يونس قال، حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون)، وإنما يولي الله بين الناس بأعمالهم ، فالمؤمن وليُّ المؤمن أين كان وحيث كان, والكافر وليُّ الكافر أينما كان وحيثما كان . ليس الإيمان بالتَمنِّي ولا بالتحَلِّي .* * *وقال آخرون: معناه: نُتْبع بعضهم بعضًا في النار= من " الموالاة ", وهو المتابعة بين الشيء والشيء, من قول القائل: " واليت بين كذا وكذا "، إذا تابعت بينهما .* ذكر من قال ذلك:13894- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا)، في النار، يتبع بعضهم بعضًا . (39)* * *وقال آخرون: معنى ذلك، نسلط بعض الظلمة على بعض .* ذكر من قال ذلك:13895- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا)، قال: ظالمي الجن وظالمي الإنس . وقرأ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ، [سورة الزخرف: 36]. قال: نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس .* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك بالصواب, قولُ من قال: معناه: وكذلك نجعل بعض الظالمين لبعضٍ أولياء . لأن الله ذكر قبل هذه الآية ما كان من قول المشركين, فقال جل ثناؤه: وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ , وأخبر جل ثناؤه: أنّ بعضهم أولياء بعض, ثم عقب خبره ذلك بخبره عن أن ولاية بعضهم بعضًا بتوليته إياهم, فقال: وكما جعلنا بعض هؤلاء المشركين من الجن والإنس أولياء بعض يستمتع بعضهم ببعض, كذلك نجعل بعضَهم أولياء بعض في كل الأمور =" بما كانوا يكسبون "، من معاصي الله ويعملونه . (40)---------------الهوامش :(39) انظر تفسير (( ولي )) فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .(40) انظر تفسير (( الكسب )) فيما سلف : 11 : 448 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .