يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه احذروا الربا بجميع أنواعه، ولا تأخذوا في القرض زيادة على رؤوس أموالكم وإن قلَّت، فكيف إذا كانت هذه الزيادة تتضاعف كلما حان موعد سداد الدين؟ واتقوا الله بالتزام شرعه؛ لتفوزوا في الدنيا والآخرة.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة» بألف ودونها بأن تزيدوا في المال عند حلول الأجل وتؤخروا الطلب «واتقوا الله» بتركه «لعلكم تفلحون» تفوزون.
﴿ تفسير السعدي ﴾
تقدم في مقدمة هذا التفسير أن العبد ينبغي له مراعاة الأوامر والنواهي في نفسه وفي غيره، وأن الله تعالى إذا أمره بأمر وجب عليه -أولا- أن يعرف حده، وما هو الذي أمر به ليتمكن بذلك من امتثاله، فإذا عرف ذلك اجتهد، واستعان بالله على امتثاله في نفسه وفي غيره، بحسب قدرته وإمكانه، وكذلك إذا نهي عن أمر عرف حده، وما يدخل فيه وما لا يدخل، ثم اجتهد واستعان بربه في تركه، وأن هذا ينبغي مراعاته في جميع الأوامر الإلهية والنواهي، وهذه الآيات الكريمات قد اشتملت عن أوامر وخصال من خصال الخير، أمر الله [بها] وحث على فعلها، وأخبر عن جزاء أهلها، وعلى نواهي حث على تركها. ولعل الحكمة -والله أعلم- في إدخال هذه الآيات أثناء قصة "أحد" أنه قد تقدم أن الله تعالى وعد عباده المؤمنين، أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم على أعدائهم، وخذل الأعداء عنهم، كما في قوله تعالى: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ثم قال: بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم الآيات. فكأن النفوس اشتاقت إلى معرفة خصال التقوى، التي يحصل بها النصر والفلاح والسعادة، فذكر الله في هذه الآيات أهم خصال التقوى التي إذا قام العبد بها فقيامه بغيرها من باب أولى وأحرى، ويدل على ما قلنا أن الله ذكر لفظ "التقوى" في هذه الآيات ثلاث مرات: مرة مطلقة وهي قوله: أعدت للمتقين ومرتين مقيدتين، فقال: واتقوا الله واتقوا النار فقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كل ما في القرآن من قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا افعلوا كذا، أو اتركوا كذا، يدل على أن الإيمان هو السبب الداعي والموجب لامتثال ذلك الأمر، واجتناب ذلك النهي؛ لأن الإيمان هو التصديق الكامل بما يجب التصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح، فنهاهم عن أكل الربا أضعافا مضاعفة، وذلك هو ما اعتاده أهل الجاهلية، ومن لا يبالي بالأوامر الشرعية من أنه إذا حل الدين، على المعسر ولم يحصل منه شيء، قالوا له: إما أن تقضي ما عليك من الدين، وإما أن نزيد في المدة، ويزيد ما في ذمتك، فيضطر الفقير ويستدفع غريمه ويلتزم ذلك، اغتناما لراحته الحاضرة، ، فيزداد -بذلك- ما في ذمته أضعافا مضاعفة، من غير نفع وانتفاع. ففي قوله: أضعافًا مضاعفة تنبيه على شدة شناعته بكثرته، وتنبيه لحكمة تحريمه، وأن تحريم الربا حكمته أن الله منع منه لما فيه من الظلم. وذلك أن الله أوجب إنظار المعسر، وبقاء ما في ذمته من غير زيادة، فإلزامه بما فوق ذلك ظلم متضاعف، فيتعين على المؤمن المتقي تركه وعدم قربانه، لأن تركه من موجبات التقوى. والفلاح متوقف على التقوى
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ) أراد به ما كانوا يفعلونه عند حلول أجل الدين من زيادة المال وتأخير الطلب ، ( واتقوا الله ) في أمر الربا فلا تأكلوه ، ( لعلكم تفلحون )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال الإمام الرازي ما ملخصه: اعلم أن من الناس من قال: إن الله- تعالى- لما شرح عظيم نعمه على المؤمنين فيما يتعلق بإرشادهم إلى الأصلح لهم في أمر الدين وفي أمر الجهاد، أتبع ذلك بما يدخل في الأمر والنهى والترغيب والترهيب فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً.وقال القفال: يحتمل أن تكون هذه الآية متصلة بما قبلها من جهة أن المشركين في غزوة أحد أنفقوا على عساكرهم أموالا كثيرة جمعوها من الربا، ولعل ذلك يصير داعيا للمسلمين إلى الإقدام على الربا حتى يجمعوا المال وينفقوه على العسكر، ويتمكنوا من الانتقام منهم، فلا جرم نهاهم الله عن ذلك.وكان الرجل في الجاهلية إذا كان له على إنسان مائة درهم- مثلا- إلى أجل، فإذا حل الأجل ولم يكن المدين واجدا لذلك المال قال: زدني في المال حتى أزيد في الأجل، فربما جعله مائتين، ثم إذا حل الأجل الثاني فعل مثل ذلك ثم إلى آجال كثيرة، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها فهذا هو المراد من قوله أَضْعافاً مُضاعَفَةً .وقد ابتدأ- سبحانه- الآية بالنداء بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لبيان أن أكل الربا ليس من شأن المؤمنين، وإنما هو من سمات الكافرين والفاسقين.وإذا كان الكافرون يستكثرون من تعاطى الربا فعلى المؤمنين أن يجتنبوا هذا الفعل القبيح، وأن يتحروا الحلال في كل أمورهم.وخصه بالنهى لأنه كان شائعا في ذلك الوقت، ولأنه- كما يقول القرطبي- هو الذي أذن فيه بالحرب في قوله- تعالى- فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ والحرب يؤذن بالقتل، فكأنه يقول لهم: إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم .والمراد من الأكل الأخذ، وعبر عنه بالأكل لما أنه معظم ما يقصد به، ولشيوعه في المأكولات مع ما فيه من زيادة التشنيع.والربا معناه الزيادة، والمراد بها هنا تلك الزيادة التي كانت تضاف على الدين.قال الإمام ابن جرير: عن عطاء قال: كانت ثقيف تداين بنى المغيرة في الجاهلية، فإذا حل الأجل قالوا: نزيدكم وتؤخرون.وقال ابن زيد: كان أبى- زيد بن ثابت- يقول: إنما كان ربا الجاهلية في التضعيف.يكون للرجل على الرجل دين فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له: «تقضيني أو تزيدني» .وقوله أَضْعافاً حال من الربا، وقوله مُضاعَفَةً صفة له.والأضعاف جمع ضعف. وضعف الشيء مثله، وضعفاه مثلاه، وأضعافه أمثاله.وهذا القيد وهو قوله «أضعافا مضاعفة» ليس لتقييد النهى به، أى ليس النهى عن أكل الربا في هذه الحالة وإباحته في غيرها، بل هذا القيد لمراعاة الواقع، ولبيان ما كانوا عليه في الجاهلية من التعامل الفاسد المؤدى إلى استئصال المال، ولتوبيخ من كان يتعاطى الربا بتلك الصورة البشعة.وقد حرم الله- تعالى- أصل الربا ومضاعفته، ونفر منه تنفيرا شديدا، فقال- تعالى- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا.وهذا النوع من الربا الذي نهى الله- تعالى- عنه هنا بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً هو الذي يسمى عند الصحابة والفقهاء بربا النسيئة، أو ربا الجاهلية وقد حرمه الإسلام تحريا قاطعا. فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في خطبة الوداع: «ألا إن ربا الجاهلية موضوع- أى مهدر- وأول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد المطلب.» .وقال الإمام أحمد بن حنبل: إن ربا النسيئة يكفر من يجحد تحريمه.ويقابل هذا النوع من الربا، ربا البيوع وهو الذي ورد في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي يقول فيه:«البر بالبر مثلا بمثل يدا بيد، والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمصل يدا بيد، والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى» .وقد اتفق العلماء على أن بيع هذه الأصناف لا بد أن يكون بغير زيادة إذا كانت بمثلها كقمح بقمح، ولا بد من قبضها. وإذا اختلف الجنس كقمح بشعير جازت الزيادة، ولا بد من القبض في المجلس، والتأخير يسمى ربا النساء، والزيادة المحرمة تسمى ربا الفضل.وللفقهاء في هذا الموضوع مباحث طويلة فليرجع إليها من شاء في مظانها. ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بأمر المؤمنين بخشيته وتقواه فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.أى: واتقوا الله بأن تجعلوا بينكم وبين محارمه ساترا ووقاية، لعلكم بذلك تنالون الفلاح في الدنيا والآخرة.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن تعاطي الربا وأكله أضعافا مضاعفة ، كما كانوا يقولون في الجاهلية - إذا حل أجل الدين : إما أن يقضي وإما أن يربي ، فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده الآخر في القدر ، وهكذا كل عام ، فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيرا مضاعفا .وأمر تعالى عباده بالتقوى لعلهم يفلحون في الأولى والأخرى
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحونقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا هذا النهي عن أكل الربا اعتراض بين أثناء قصة أحد . قال ابن عطية : ولا أحفظ في ذلك شيئا مرويا .قلت : قال مجاهد : كانوا يبيعون البيع إلى أجل ، فإذا حل الأجل زادوا في الثمن على أن يؤخروا ; فأنزل الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة قلت وإنما خص الربا من بين سائر المعاصي ; لأنه الذي أذن الله فيه بالحرب في قوله : فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله والحرب يؤذن بالقتل ; فكأنه يقول : إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم . فأمرهم بترك الربا ; لأنه كان معمولا به عندهم ، والله أعلم . و ( أضعافا ) نصب على الحال و ( مضاعفة ) نعته . وقرئ " مضعفة " ومعناه : الربا الذي كانت العرب تضعف فيه الدين فكان الطالب يقول : أتقضي أم تربي ؟ كما تقدم في " البقرة " . و ( مضاعفة ) إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام كما كانوا يصنعون ; فدلت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه ، ولذلك ذكرت حالة التضعيف خاصة .قوله تعالى : واتقوا الله أي في أموال الربا فلا تأكلوها .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: ليس لك يا محمد، من الأمر شيء، ولله جميع ما بين أقطار السموات والأرض من مشرق الشمس إلى مغربها، دونك ودونهم، يحكم فيهم بما يشاء، ويقضي فيهم ما أحب، فيتوب على من أحب من خلقه العاصين أمرَه ونهيه، ثم يغفر له، ويعاقب من شاء منهم على جرمه فينتقم منه، وهو الغفور الذي يستر ذنوب من أحب أن يستر عليه ذنوبه من خلقه بفضله عليهم بالعفو والصفح، والرحيم بهم في تركه عقوبتهم عاجلا على عظيم ما يأتون من المآثم. كما:-7822- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " والله غفور رحيم "، أي يغفر الذنوب، ويرحم العباد، على ما فيهم. (71)----------------------(71) الأثر: 7822- سيرة ابن هشام 3: 115 ، وهو تابع الآثار التي آخرها رقم: 7804.
﴿ ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ﴾