يخاطب الله المؤمنين لـمَّا أُصيبوا يوم "أُحد" تعزية لهم بأنه قد مضت من قبلكم أمم، ابتُلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت العاقبة لهم، فسيروا في الأرض معتبرين بما آل إليه أمر أولئك المكذبين بالله ورسله.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
ونزل في هزيمة أحد «قد خلَت» مضت «من قبلكم سُنَن» طرائق في الكفار بإمهالهم ثم أخذهم «فسيروا» أيها المؤمنون «في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين» الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فلا تحزنوا لغلبتهم فإنا أمهلناهم لوقتهم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وهذه الآيات الكريمات، وما بعدها في قصة "أحد" يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم، ويخبرهم أنه مضى قبلهم أجيال وأمم كثيرة، امتحنوا، وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين، فلم يزالوا في مداولة ومجاولة، حتى جعل الله العاقبة للمتقين، والنصر لعباده المؤمنين، وآخر الأمر حصلت الدولة على المكذبين، وخذلهم الله بنصر رسله وأتباعهم. فسيروا في الأرض بأبدانكم وقلوبكم فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين بأنواع العقوبات الدنيوية، قد خوت ديارهم، وتبين لكل أحد خسارهم، وذهب عزهم وملكهم، وزال بذخهم وفخرهم، أفليس في هذا أعظم دليل، وأكبر شاهد على صدق ما جاءت به الرسل؟" وحكمة الله التي يمتحن بها عباده، ليبلوهم ويتبين صادقهم من كاذبهم
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( قد خلت من قبلكم سنن ) قال عطاء : شرائع ، وقال الكلبي : مضت لكل أمة سنة ومنهاج إذا اتبعوها رضي الله عنهم ، وقال مجاهد : قد خلت من قبلكم سنن بالهلاك فيمن كذب قبلكم ، وقيل : سنن أي : أمم والسنة : الأمة قال الشاعر :ما عاين الناس من فضل كفضلكم ولا رأوا مثلكم في سالف السننوقيل معناه : أهل السنن ، والسنة هي : الطريقة المتبعة في الخير والشر ، يقال : سن فلان سنة حسنة وسنة سيئة إذا عمل عملا اقتدي به من خير وشر .ومعنى الآية : قد مضت وسلفت مني سنن فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية الكافرة ، بإمهالي واستدراجي إياهم حتى يبلغ الكتاب فيهم أجلي الذي أجلته لإهلاكهم ، وإدالة أنبيائي عليهم . ( فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) أي : آخر أمر المكذبين ، وهذا في حرب أحد ، يقول الله عز وجل : فأنا أمهلهم وأستدرجهم حتى يبلغ أجلي الذي أجلت في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم وأوليائه وإهلاك أعدائه .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال الفخر الرازي ما ملخصه: اعلم أن الله- تعالى- لما وعد على الطاعة والتوبة من المعصية، الغفران والجنات، أتبعه بذكر ما يحملهم على فعل الطاعة وعلى التوبة من المعصية.وهو تأمل أحوال القرون الخالية من المطيعين والعاصين فقال: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ.وأصل الخلو في اللغة: الانفراد. والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه. ويستعمل أيضا في الزمان بمعنى المضي: لأن ما مضى انفرد عن الوجود وخلا عنه، وكذا الأمم الخالية.والسنن جمع سنة وهي الطريقة المستقيمة والمثال المتبع. وفي اشتقاق هذه اللفظة وجوه منها:أنها فعلة من سن الماء يسنه إذا والى صبه. والسن الصب للماء. والعرب شبهت الطريقة المستقيمة بالماء المصبوب، فإنه لتوالى أجزاء الماء فيه على نهج واحد يكون كالشىء الواحد»والمراد بالسنن هنا: وقائع في الأمم المكذبة، أجراها الله- تعالى- على حسب عادته، وهي الإهلاك والدمار بسبب كفرهم وظلمهم وفسوقهم عن أمره.والمعنى: إنه قد مضت وتقررت من قبلكم- أيها المؤمنون- سنن ثابتة، ونظم محكمة فيما قدره- سبحانه- من نصر وهزيمة، وعزة وذلة، وعقاب في الدنيا وثواب فيها، فالحق يصارع الباطل، وينتصر أحدهما على الآخر بما سنه- سبحانه- من سنة في النصر والهزيمة.وقد جرت سننه- سبحانه- في خلقه أن يجعل العاقبة للمؤمنين الصادقين، وأن يملى للكافرين ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.فإن كنتم في شك من ذلك- أيها المؤمنون- فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.أى: فسيروا في الأرض متأملين متبصرين، فسترون الحال السيئة التي انتهى إليها المكذبون من تخريب ديارهم، وبقايا آثارهم.قالوا: وليس المراد بقوله فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا الأمر بذلك لا محالة، بل المقصود تعرف أحوالهم، فإن حصلت هذه المعرفة بغير المسير في الأرض كان المقصود حاصلا، ولا يمتنع أن يقال أيضا: إن لمشاهدة آثار المتقدمين أثرا أقوى من أثر السماع كما قال الشاعر:تلك آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثاروالتعبير بلفظ كيف الدال على الاستفهام، المقصود به تصوير حالة هؤلاء المكذبين التي تدعو إلى العجب، وتثير الاستغراب، وتغرس الاعتبار والاتعاظ في قلوب المؤمنين لأن هؤلاء المكذبين. مكن الله لهم في الأرض، ومنحهم الكثير من نعمه. ولكنهم لم يشكروه عليها، فأهلكهم بسبب طغيانهم.فهذه الآية وأشباهها من الآيات، تدعو الناس إلى الاعتبار بأحوال من سبقوهم. وإلى الاتعاظ بأيام الله، وبالتاريخ وما فيه من أحداث، وبالآثار التي تركها السابقون، فإنها أصدق من رواية الرواة ومن أخبار المخبرين.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى مخاطبا عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أحد ، وقتل منهم سبعون : ( قد خلت من قبلكم سنن ) أي : قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء ، ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين ، ولهذا قال : ( فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبينهذا تسلية من الله تعالى للمؤمنين ، والسنن جمع سنة وهي الطريق المستقيم . وفلان على السنة أي على طريق الاستواء لا يميل إلى شيء من الأهواء ، قال الهذلي :فلا تجزعن من سنة أنت سرتها فأول راض سنة من يسيرهاوالسنة : الإمام المتبع المؤتم به ، يقال : سن فلان سنة حسنة وسيئة إذا عمل عملا اقتدي به فيه من خير أو شر ، قال لبيد :من معشر سنت لهم آباؤهم ولكل قوم سنة وإمامهاوالسنة الأمة ، والسنن الأمم ; عن المفضل . وأنشد :ما عاين الناس من فضل كفضلهم ولا رأوا مثلهم في سالف السننوقال الزجاج : والمعنى أهل سنن ، فحذف المضاف . وقال أبو زيد : أمثال . عطاء : شرائع . مجاهد : المعنى قد خلت من قبلكم سنن يعنى بالهلاك فيمن كذب قبلكم كعاد وثمود . والعاقبة : آخر الأمر ، وهذا في يوم أحد . يقول فأنا أمهلهم وأملي لهم وأستدرجهم حتى يبلغ الكتاب أجله ، يعني بنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين وهلاك أعدائهم الكافرين .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " أولئك "، الذين ذكر أنه أعد لهم الجنة التي عرضها السموات والأرض، من المتقين، ووصفهم بما وصفهم به. ثم قال: هؤلاء الذين هذه صفتهم =" جزاؤهم "، يعني ثوابهم من أعمالهم التي وصَفهم تعالى ذكره أنهم عملوها، (33) = " مغفرة من ربهم "، يقول: عفوٌ لهم من الله عن عقوبتهم على ما سلف من ذنوبهم، ولهم على ما أطاعوا الله فيه من أعمالهم بالحسن منها =" جنات "، وهي البساتين (34) = " تجري من تحتها الأنهار "، يقول: تجري خلال أشجارها الأنهار وفي أسافلها، جزاء لهم على صالح أعمالهم (35) = " خالدين فيها " يعني: دائمي المقام في هذه الجنات التي وصفها =" ونعم أجر العاملين "، يعني: ونعم جزاء العاملين لله، الجنات التي وصفها، كما:-7866- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين "، أي ثواب المطيعين. (36)----------------------الهوامش :(33) انظر تفسير: "الجزاء" فيما سلف 2: 27 ، 28 ، 314 / 6: 576.(34) انظر تفسير: "الجنات" فيما سلف 1: 384 / 5 : 535 ، 542.(35) انظر تفسير: "تجري من تحتها الأنهار" فيما سلف 5: 542.(36) الأثر: 7866- سيرة ابن هشام 3: 116 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 7865.
﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ﴾