القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 14 سورة المائدة - ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم

سورة المائدة الآية رقم 14 : سبع تفاسير معتمدة

سورة ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم - عدد الآيات 120 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 14 من سورة المائدة عدة تفاسير - سورة المائدة : عدد الآيات 120 - - الصفحة 110 - الجزء 6.

سورة المائدة الآية رقم 14


﴿ وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ ﴾
[ المائدة: 14]

﴿ التفسير الميسر ﴾

وأخذنا على الذين ادَّعوا أنهم أتباع المسيح عيسى -وليسوا كذلك- العهد المؤكد الذي أخذناه على بني إسرائيل: بأن يُتابعوا رسولهم وينصروه ويؤازروه، فبدَّلوا دينهم، وتركوا نصيبًا مما ذكروا به، فلم يعملوا به، كما صنع اليهود، فألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون يوم الحساب، وسيعاقبهم على صنيعهم.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«ومن الذين قالوا إنا نصارى» متعلق بقوله «أخذنا ميثاقهم» كما أخذنا على بني إسرائيل اليهود «فنسوا حظاً مما ذكِّروا به» في الإنجيل من الإيمان وغيره ونقضوا الميثاق «فأغرينا» أوقعنا «بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة» بتفرقهم واختلاف أهوائهم فكل فرقة تكفر الأخرى «وسوف ينبئهم الله» في الآخرة «بما كانوا يصنعون» فيجازيهم عليه.

﴿ تفسير السعدي ﴾

أي: وكما أخذنا على اليهود العهد والميثاق، فكذلك أخذنا على الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ْ لعيسى ابن مريم، وزكوا أنفسهم بالإيمان بالله ورسله وما جاءوا به، فنقضوا العهد، فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ْ نسيانا علميا، ونسيانا عمليا.
فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ْ أي: سلطنا بعضهم على بعض، وصار بينهم من الشرور والإحن ما يقتضي بغض بعضهم بعضا ومعاداة بعضهم بعضا إلى يوم القيامة، وهذا أمر مشاهد، فإن النصارى لم يزالوا ولا يزالون في بغض وعداوة وشقاق.
وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ْ فيعاقبهم عليه.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله عز وجل : ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم ) قيل : أراد بهم اليهود والنصارى فاكتفى بذكر أحدهما ، والصحيح أن الآية في النصارى خاصة لأنه قد تقدم ذكر اليهود ، وقال الحسن : فيه دليل على أنهم نصارى بتسميتهم لا بتسمية الله تعالى ، أخذنا ميثاقهم في التوحيد والنبوة ، ( فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) بالأهواء المختلفة والجدال في الدين ، قال مجاهد وقتادة : يعني بين اليهود والنصارى ، وقال قوم : هم النصارى وحدهم صاروا فرقا ، منهم اليعقوبية والنسطورية والملكانية ، وكل فرقة تكفر الأخرى ، ( وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) في الآخرة .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

وقوله- تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى معطوف على قوله قبل ذلك: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ.
ونسب- سبحانه- تسميتهم نصارى إلى أنفسهم فقال: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى جمع نصران كندامى جمع ندمان، ولم يستعمل نصران إلا بياء النسب.
وقد صارت كلمة نصراني لكل من اعتنق المسيحية.
وقد سموا بذلك لدعواهم أنهم أنصار عيسى على أعدائهم.
أو نسبة إلى بلدة الناصرة التي فيها نشأ عيسى- عليه السلام- وأعلن دعوته للناس.
والمعنى: وكما أخذنا على بنى إسرائيل الميثاق بأن يعبدوا الله وحده ويطيعوا أنبياءه، ويستجيبوا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم الذي بشرت به الكتب السماوية، فقد أخذنا- أيضا- من الذين قالوا إنا نصارى الميثاق بذلك، ولكنهم كان شأنهم في الكفر ونقض العهود كشأن اليهود، إذ ترك هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى قدرا كبيرا، ونصيبا عظيما مما ذكروا به على لسان عيسى عليه السلام- فقد أمرهم بتوحيد الله، وبشرهم بظهور رسول من بعده هو محمد صلّى الله عليه وسلّم ودعاهم إلى الإيمان به، ولكنهم استحبوا الكفر على الإيمان، فكان دأبهم كدأب بنى إسرائيل في العناد والضلال.
ونسب- سبحانه- تسميتهم نصارى إلى أنفسهم فقال: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ولم يقل: «ومن النصارى» للإشارة إلى أن ادعاءهم النصرانية وهي الدين الذي جاء به عيسى.
إنما هو قول يقولونه بأفواههم دون أن يتبعوه بقلوبهم إذ لو كانوا متبعين حقا لما جاء به عيسى عليه السلام- لأقروا لله- تعالى- بالوحدانية ولآمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم الذي بشر به عيسى- عليه السلام-.
وإلى هذا المعنى أشار- صاحب الكشاف بقوله: فإن قلت: فهلا قيل: ومن النصارى؟قلت: لأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله، وهم الذين قالوا لعيسى: نحن أنصار الله.
ثم اختلفوا بعد: نسطورية، ويعقوبية، وملكانية، أنصارا للشيطان».
وقوله- تعالى: وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ بيان لما حدث منهم بعد أخذ الميثاق.
أى: أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم على أن يعبدوا الله وحده ويطيعوا أنبياءه ورسله ولكنهم لم يكونوا أوفياء بعهودهم، بل تركوا نصيبا كبيرا مما أمروا بفعله ومما ذكروا به على لسان المسيح عيسى بن مريم.
والمراد بالنسيان هنا الترك والإهمال عن تعمد وقصد، لأن الناسي حقيقة لا يؤاخذه الله- تعالى-:والإتيان بالفاء في قوله: فَنَسُوا للإشارة إلى أن تركهم لما أخذ عليهم من ميثاق، كان عن تعجل وعدم تمهل بسبب استيلاء الأهواء والشهوات على نفوسهم.
والتنكير في قوله تعالى: حَظًّا للتهويل والتكثير.
أى تركوا نصيبا كبيرا مما أمرتهم به شريعتهم من وجوب اتباعهم للحق وإيمانهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم عند ظهوره فكان تركهم لهذا النصيب العظيم مما ذكروا به سببا في ضلالهم وسوء عاقبتهم.
قال بعض العلماء: «وسبب نسيان حظ أى نصيب كبير مما ذكروا به، هو اضطهاد النصارى اضطهادا شديدا في عهد الرومان حتى ضاعت كتبهم ولم يعرف شيء منها إلا قليل غير سليم بعد مائتي سنة من ترك المسيح هذه الدنيا.
وما ظهرت هذه الأناجيل التي يتدارسونها- ولا يزالون يغيرون ويبدلون فيها على حسب الطبعات المختلفة- إلا بعد أن دخل قسطنطين أمبراطور الرومان في المسيحية، وغير وبدل في مجمع نيقية الذي انعقد في سنة 325 ميلادية.
وقد ذهب لب الديانة وهو التوحيد» .
وقوله: فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ وعيد شديد لهم بسبب تركهم لما أرشدوا إليه، ولما ذكروا به.
فالفاء في قوله- تعالى- فَأَغْرَيْنا للسببية وأغرينا أى: ألقينا وهيجنا وألصقنا.
يقال:أغريت فلانا بكذا حتى أغرى به، أى: ألزمته به وألصقته وأصل ذلك من الغراء وهو ما يلتصق به الشيء.
وقوله: بَيْنَهُمُ ظرف لأغرينا.
والضمير فيه يعود إلى فرق النصارى المتعددة عند جمهور المفسرين.
والمعنى: بسبب ترك هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى لما ذكروا به فرقناهم شيعا وأحزابا وجعلنا كل فرقة منهم تعادى الأخرى وتبغضها إلى يوم القيامة.
ويرى بعضهم أن الضمير في قوله: بَيْنَهُمُ تعود إلى اليهود والنصارى، فيكون المعنى:بسبب ما عليه الطائفتان من عناد وضلال، ألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، فهم في عداوة شديدة، وكراهية مستحكمة.
وقد رجح ابن جرير عودة الضمير إلى فرق النصارى فقال:وأولى التأويلين بالآية عندي: ما قاله الربيع بن أنس وغيره.
وهو أن المعنى بالإغراء بينهم:النصارى في هذه الآية خاصة وأن الهاء والميم عائدتان على النصارى، دون اليهود، لأن ذكر الإغراء في خبر الله عن النصارى بعد تقضى خبره عن اليهود، وبعد ابتداء خبره عن النصارى، فلأن يكون ذلك معنيا به النصارى خاصة.
أولى من أن يكون معنيا به الحزبان جميعا لما ذكرناه»وقال ابن كثير: قوله- تعالى-: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أى: فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضا، ولا يزالون كذلك إلى يوم قيام الساعة.
وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكفر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، فكل فرقة تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها.
فالملكانية تكفر اليعقوبية، وكذلك الآخرون.
وكذلك النسطورية الآريوسية كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد» .
والذي تطمئن إليه النفس أن قوله- تعالى- فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يشمل ما بين اليهود والنصارى من عداوة ظاهرة مستحكمة يراها الرائي في كل العصور والأزمان، كما يشمل ما بين فرق النصارى من اختلاف وتباغض وتقاتل بسبب عقائدهم الزائغة وأهوائهم الفاسدة.
وما نراه من تصارع وتقاتل بين طائفتى الكاثوليك والبروستانت في.
إيرلاندا وفي غيرها خير شاهد على صدق القرآن الكريم، وأنه من عند الله- عز وجل- وقوله- تعالى: وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ بيان لسوء عاقبتهم في الآخرة بعد بيان ما حكم به عليه في الدنيا من عداوة وبغضاء.
وسَوْفَ هنا لتأكيد الخبر وتقويته وبيان أنه وإن تأخر آت لا محالة.
والمعنى: لقد ألقينا العداوة والبغضاء بين هذه الطوائف الضالة وسوف يخبرهم الله في الآخرة بما كانوا يصنعونه من كتمان الحق، ومخالفة للرسل، وانغماس في الباطل، وسيجازيهم على كل ذلك بما يستحقون من عذاب شديد.
وبعد أن بين- سبحانه- بعض الرذائل التي انغمس فيها اليهود والنصارى.
وجه إليهم نداء دعاهم فيه إلى الدخول في الدين الحق الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم فقال: تعالى:

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

وقوله : ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم ) أي : ومن الذين ادعوا لأنفسهم أنهم نصارى يتابعون المسيح ابن مريم عليه السلام ، وليسوا كذلك ، أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة الرسول ومناصرته ومؤازرته واقتفاء آثاره ، والإيمان بكل نبي يرسله الله إلى أهل الأرض ، أي : ففعلوا كما فعل اليهود خالفوا المواثيق ونقضوا العهود ; ولهذا قال : ( فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) أي : فألقينا بينهم العداوة والتباغض لبعضهم بعضا ، ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة . وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين ، يكفر بعضهم بعضا ، ويلعن بعضهم بعضا ; فكل فرقة تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها ، فالملكية تكفر اليعقوبية ، وكذلك الآخرون ، وكذلك النسطورية والأريوسية كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .ثم قال تعالى : ( وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) وهذا تهديد ووعيد أكيد للنصارى على ما ارتكبوه من الكذب على الله وعلى رسوله ، وما نسبوه إلى الرب ، عز وجل ، وتعالى وتقدس عن قولهم علوا كبيرا ، من جعلهم له صاحبة وولدا ، تعالى الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعونقوله تعالى : ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم أي : في التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ; إذ هو مكتوب في الإنجيل ، فنسوا حظا وهو الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام ; أي : لم يعملوا بما أمروا به ، وجعلوا ذلك الهوى والتحريف سببا للكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .
ومعنى أخذنا ميثاقهم هو كقولك : أخذت من زيد ثوبه ودرهمه ; قاله الأخفش ، ورتبة ( الذين ) أن تكون بعد ( أخذنا ) وقبل ( الميثاق ) ; فيكون التقدير : أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ; لأنه في موضع المفعول الثاني لأخذنا ، وتقديره عند الكوفيين ومن الذين قالوا إنا نصارى من أخذنا ميثاقه ; فالهاء والميم تعودان على " من " المحذوفة ، وعلى القول الأول تعودان على الذين ، ولا يجيز النحويون أخذنا ميثاقهم من الذين قالوا إنا نصارى ، ولا ألينها لبست من الثياب ; لئلا يتقدم مضمر على ظاهر ، وفي قولهم : إنا نصارى ولم يقل من النصارى دليل على أنهم ابتدعوا النصرانية وتسموا بها ; روي معناه عن الحسن .
قوله تعالى : فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء أي : هيجنا ، وقيل : ألصقنا بهم ; مأخوذ من الغراء وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه .
يقال : غري بالشيء يغرى غرا " بفتح الغين " مقصورا وغراء " بكسر الغين " ممدودا إذا أولع به كأنه التصق به ، وحكى الرماني : الإغراء تسليط بعضهم على بعض ، وقيل : الإغراء التحريش ، وأصله اللصوق ; يقال : غريت بالرجل غرا - مقصور وممدود مفتوح الأول - إذا لصقت به ، وقال كثير :إذا قيل مهلا قالت العين بالبكا غراء ومدتها حوافل نهلوأغريت زيدا بكذا حتى غري به ; ومنه الغراء الذي يغرى به للصوقه ; فالإغراء بالشيء الإلصاق به من جهة التسليط عليه ، وأغريت الكلب أي : أولعته بالصيد .
بينهم ظرف للعداوة .
والبغضاء البغض .
أشار بهذا إلى اليهود والنصارى لتقدم ذكرهما .
عن السدي وقتادة : بعضهم لبعض عدو ، وقيل : أشار إلى افتراق النصارى خاصة ; قاله الربيع بن أنس ، لأنهم أقرب مذكور ; وذلك أنهم افترقوا إلى اليعاقبة والنسطورية والملكانية ; أي : كفر بعضهم بعضا .
قال النحاس : ومن أحسن ما قيل في معنى فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء أن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم ، فكل فرقة مأمورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها لأنهم كفار .
وقوله : وسوف ينبئهم الله تهديد لهم ; أي : سيلقون جزاء نقض الميثاق .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله عز ذكره : وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِقال أبو جعفر: يقول عز ذكره: وأخذنا من النصارى الميثاقَ على طاعتي وأداء فرائضي، واتباع رسلي والتصديق بهم، فسلكوا في ميثاقي الذي أخذتُه عليهم منهاج الأمة الضالة من اليهود، فبدلوا كذلك دينَهم، ونقضوه نقضَهم، (1) وتركوا حظّهم من ميثاقي الذي أخذته عليهم بالوفاء بعهدي، وضيَّعوا أمري، (2) كما:-11596 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ومن الذين قالوا إنّا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظًّا مما ذكروا به "، نسوا كتاب الله بين أظهرهم، وعهدَ الله الذي عهده إليهم، وأمرَ الله الذي أمرهم به.
11597 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قالت النصارى مثل ما قالت اليهود، ونسوا حظًّا مما ذكروا به.
* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " فأغرينا بينهم " حرّشنا بينهم وألقينا، كما تغري الشيء بالشيء.
يقول جل ثناؤه: لما ترك هؤلاء النصارى، الذين أخذتُ ميثاقهم بالوفاء بعهدي، حظَّهم مما عهدتُ إليهم من أمري ونهيي، أغريتُ بينهم العداوة والبغضاء.
* * *ثم اختلف أهل التأويل في صفة " إغراء الله عز ذكره بينهم العداوة، والبغضاء ".
(3)فقال بعضهم: كان إغراؤه بينهم بالأهواء التي حَدَثت بينهم.
ذكر من قال ذلك:11598 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال: أخبرنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم النخعي في قوله: " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء "، قال: هذه الأهواء المختلفة والتباغُض، فهو الإغراء.
11599 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب قال: سمعت النخعي يقول: " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء "، قال: أغرى بعضهم ببعض بخصُومات بالجدال في الدين.
11600 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني هشيم قال، أخبرنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم النخعي والتّيمي، قوله: " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء "، قال: ما أرى " الإغراء " في هذه الآية إلا الأهواء المختلفة= وقال معاوية بن قرة: الخصومات في الدين تُحْبِط الأعمال.
* * *وقال آخرون: بل ذلك هو العداوة التي بينهم والبغضاء.
ذكر من قال ذلك:11601 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة " الآية، إنّ القوم لما تركوا كتابَ الله، وعصَوْا رسله، وضَيّعوا فرائضه، وعطّلوا حدُوده، ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، بأعْمالهم أعمالِ السوء، ولو أخذ القوم كتاب الله وأمرَه، ما افترقوا ولا تباغَضُوا.
* * *قال أبو جعفر: وأولى التأولين في ذلك عندنا بالحق، تأويلُ من قال: " أغرى بينهم بالأهواء التي حدثت بينهم "، كما قال إبراهيم النخعي، لأن عداوة النصارى بينَهم، إنما هي باختلافهم في قولهم في المسيح، وذلك أهواءٌ، لا وحيٌ من الله.
* * *واختلف أهل التأويل في المعنيِّ ب" الهاء والميم " اللتين في قوله: " فأغرينا بينهم ".
فقال بعضهم: عني بذلك اليهود والنصارى.
فمعنى الكلام على قولِهم وتأويلهم: فأغرينا بين اليهود والنصارى، لنسيانهم حظًّا مما ذكّروا به.
ذكر من قال ذلك:11602 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: وقال في النصارى أيضا: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ، فلما فعلوا ذلك، أغرى الله عز وجل بينَهم وبين اليهود العداوةَ والبغضاءَ إلى يوم القيامة.
11603 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة "، قال: هم اليهود والنصارى.
قال ابن زيد: كما تُغْري بين اثنين من البهائم.
11604 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء "، قال: اليهود والنصارى.
11605 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
11606 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة قال: هم اليهود والنصارى، أغرى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة.
* * *وقال آخرون: بل عنى الله بذلك النصارَى وحدَها.
وقالوا: معنى ذلك: فأغرينا بين النصارى، عقوبةً لها بنسيانها حظًّا مما ذكرت به.
قالوا: وعليها عادت " الهاء والميم " في" بينهم "، دون اليهود.
ذكر من قال ذلك:11607 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، (4) عن أبيه، عن الربيع قال: إن الله عز ذكره تقدَّم إلى بني إسرائيل: أن لا تشتروا بآيات الله ثمنًا قليلا وعلموا الحكمة ولا تأخذوا عليها أجرًا، فلم يفعل ذلك إلا قليل منهم، فأخذُوا الرّشوة في الحكم، وجاوزوا الحدود، فقال في اليهود حيث حكموا بغير ما أمر الله: وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [سورة المائدة: 64]، وقال في النصارى: " فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
* * *قال أبو جعفر: وأولى التأولين بالآية عندي ما قاله الربيع بن أنس، وهو أنّ المعنيّ بالإغراء بينهم، النصارى، في هذه الآية خاصة= وأنّ" الهاء والميم " عائدتان على النصارى دون اليهود، لأن ذكر " الإغراء " في خبر الله عن النصارى، بعد تقضِّي خبره عن اليهود، وبعد ابتدائه خبَره عن النصارى، فلأنْ يكون ذلك معنيًّا به النصارى خاصًّة، (5) أولى من أن يكون معنيًّا به الحزبان جميعًا، لما ذكرنا.
* * *فإن قال قائل: وما العداوة التي بين النصارى، فتكون مخصوصة بمعنى ذلك؟ قيل: ذلك عداوة النسطوريةِ واليعقوبيةِ، الملكيةَ= والملكيةِ النسطوريةَ واليعقوبيةَ.
(6) وليس الذي قاله من قال: " معنيٌّ بذلك: إغراء الله بين اليهود والنصارى " ببعيد، غير أن هذا أقرب عندي، وأشبهُ بتأويل الآية، لما ذكرنا.
* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمَّد صلى الله عليه وسلم: اعفُ عن هؤلاء الذين همُّوا ببسط أيديهم إليك وإلى أصحابك واصفح، فإن الله عز وجل من وراء الانتقام منهم، وسينبئهم الله عند ورودهم عليه في معادهم، بما كانوا في الدنيا يصنعون، من نقضهم ميثاقه، ونكثهم عهده، وتبديلهم كتابه، وتحريفهم أمره ونهيه، فيعاقبهم على ذلك حسب استحقاقهم.
-------------------الهوامش :(1) في المطبوعة: "ونقضوا" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) انظر تفسير"أخذ الميثاق" فيما سلف ص: 110 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك= وتفسير"النسيان" و"الحظ" فيما سلف ص: 129 ، تعليق: 3 ، 4 ، والمراجع هناك= وتفسير"التذكير" فيما سلف ص: 130 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير"البغضاء" فيما سلف 7: 146.
(4) في المطبوعة والمخطوطة: "عبيد الله بن أبي جعفر" ، والصواب"عبد الله" كما أثبته ، وهو"عبد الله بن أبي جعفر الرازي" ، مضى مئات من المرات في الأسانيد السالفة.
(5) في المطبوعة: "فأن لا يكون ذلك معنيا به إلا النصارى خاصة" ، وهو كلام بريء من العربية.
وفي المخطوطة: "فلا يكون ذلك معنيا به إلا النصارى خاصة" ، وهو مثله ، ولكنه سهو من الناسخ وغفلة ، أخطأ فكتب"فلأن يكون""فلا يكون" ، ثم زاد"إلا".
وهذا كله فساد ، صوابه ما أثبت.
(6) في المطبوعة: "ذلك عداوة النسطورية واليعقوبية والملكية النسطورية واليعقوبية".
وهو كلام خال من المعنى ، صوابه من المخطوطة.
يعني عداوة هؤلاء لهؤلاء= وعداوة هؤلاء لهؤلاء.

﴿ ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ﴾

قراءة سورة المائدة

المصدر : تفسير : ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم