الذين أعطيناهم التوراة والإنجيل من أحبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله بأوصافه المذكورة في كتبهم، مثل معرفتهم بأبنائهم. وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون صِدْقه، وثبوت أوصافه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه» أي محمداً «كما يعرفون أبناءهم» بنعته في كتبهم قال ابن سلام: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي لمحمد أشد «وإن فريقا منهم ليكتمون الحق» نعته «وهم يعلمون» هذا الذي أنت عليه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يخبر تعالى: أن أهل الكتاب قد تقرر عندهم, وعرفوا أن محمدا رسول الله, وأن ما جاء به, حق وصدق, وتقينوا ذلك, كما تيقنوا أبناءهم بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم، فمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم, وصلت إلى حد لا يشكون فيه ولا يمترون، ولكن فريقا منهم - وهم أكثرهم - الذين كفروا به, كتموا هذه الشهادة مع تيقنها, وهم يعلمون وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وفي ضمن ذلك, تسلية للرسول والمؤمنين, وتحذير له من شرهم وشبههم، وفريق منهم لم يكتموا الحق وهم يعلمون، فمنهم من آمن [به] ومنهم من كفر [به] جهلا، فالعالم عليه إظهار الحق, وتبيينه وتزيينه, بكل ما يقدر عليه من عبارة وبرهان ومثال, وغير ذلك, وإبطال الباطل وتمييزه عن الحق, وتشيينه, وتقبيحه للنفوس, بكل طريق مؤد لذلك، فهولاء الكاتمون, عكسوا الأمر, فانعكست أحوالهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب ) يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه ( يعرفونه ) يعني يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم ( كما يعرفون أبناءهم ) من بين الصبيان ، قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام إن الله قد أنزل على نبيه ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) فكيف هذه المعرفة ؟ قال عبد الله : يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما عرفت ابني ومعرفتي بمحمد صلى الله عليه وسلم أشد من معرفتي بابني ، فقال عمر : كيف ذلك ؟ فقال أشهد أنه رسول الله حق من الله تعالى وقد نعته الله في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء ، فقال عمر وفقك الله يا ابن سلام فقد صدقت ( وإن فريقا منهم ليكتمون الحق ) يعني صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمر الكعبة ( وهم يعلمون )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
- ثم بين القرآن الكريم أن أهل الكتاب يعرفون صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم معرفة لا يخالطها شك فقال تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ.أى: أن أحبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون صدق رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم ويعرفون أن توجهه إلى البيت الحرام حق، كما يعرفون أبناءهم فهو تشبيه للمعرفة العقلية الحاصلة من مطالعة الكتب السماوية، بالمعرفة الحسية في أن كلا متهما يقين لا اشتباه فيه.قال الإمام ابن كثير: «يخبر الله أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا كما جاء في الحديث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لرجل معه صبي صغير «ابنك هذا» ؟ قال نعم يا رسول الله أشهد به، قال: «أما إنه لا يخفى عليك ولا تخفى عليه» ويروى عن عمر أنه قال «لعبد الله بن سلام» أتعرف محمدا صلّى الله عليه وسلّم كما تعرف ولدك. قال نعم وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته، وإنى لا أدرى ما كان من أم ولدي، فقبل عمر- رضي الله عنه- رأسه» .أى: وإن طائفة من أهل الكتاب مع ذلك التحقيق والإيقان العلمي من أنك على حق في كل شئونك ليتمادون في إخفائه وجحوده، وهم يعلمون ما يترتب على ذلك الكتمان من سوء المصير لهم في الدنيا والآخرة- ثم ثبت الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين، فأخبرهم بأن ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو الحق الذي لا شك فيه.أى: اعلم- يا محمد- أن ما أوحى إليك وأمرت به من التوجه إلى المسجد الحرام. هو الحق الذي جاءك من ربك، وأن ما يقوله اليهود وغيرهم من المشركين هو الباطل الذي لا شك فيه، فلا تكونن من الشاكين في كتمانهم الحق مع علمهم به، أو في الحق الذي جاءك من ربك وهو ما أنت عليه في جميع أحوالك ومن بينها التوجه إلى المسجد الحرام.والشك غير متوقع من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولذلك قال المفسرون إن النهى موجه إلى الأمة في شخص نبيّها صلّى الله عليه وسلّم إذ كان فيها حديثو عهد بكفر يخشى عليهم أن يفتنوا بزخرف من القول يروج به أهل الكتاب شبها تعلق بأذهان من لم يرسخ الإيمان في قلوبهم.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم [ كما يعرفون أبناءهم ] كما يعرف أحدهم ولده ، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا ، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صغير : " ابنك هذا ؟ " قال : نعم يا رسول الله ، أشهد به . قال : " أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه " .[ قال القرطبي : ويروى أن عمر قال لعبد الله بن سلام : أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ولدك ابنك ، قال : نعم وأكثر ، نزل الأمين من السماء على الأمين ، في الأرض بنعته فعرفته ، وإني لا أدري ما كان من أمره . قلت : وقد يكون المراد ( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) من بين أبناء الناس لا يشك أحد ولا يتمارى في معرفة ابنه إذا رآه من بين أبناء الناس كلهم ] .ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإتقان العلمي ( ليكتمون الحق ) أي : ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ( وهم يعلمون )
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمونقوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين في موضع رفع بالابتداء والخبر يعرفونه . ويصح أن يكون في موضع خفض على الصفة ل " لظالمين " ويعرفون في موضع الحال ، أي يعرفون نبوته وصدق رسالته ، والضمير عائد على محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما . وقيل : يعرفون تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة أنه حق ، قاله ابن عباس وابن جريج والربيع وقتادة أيضا . وخص الأبناء في المعرفة بالذكر دون الأنفس وإن كانت ألصق لأن الإنسان يمر عليه من زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه ، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه . وروي أن عمر قال لعبد الله بن سلام : أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ابنك ؟ فقال : نعم وأكثر ، بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته ، وابني لا أدري ما كان من أمه .قوله تعالى : وإن فريقا منهم ليكتمون الحق يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد وقتادة وخصيف . وقيل : استقبال الكعبة ، على ما ذكرنا آنفا .قوله تعالى : وهم يعلمون ظاهر في صحة الكفر عنادا ، ومثله : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم وقوله فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه "، أحبارَ اليهود وعلماء النصارى: يقول: يعرف هؤلاء الأحبارُ من اليهود، والعلماءُ من النصارى: أن البيتَ الحرام قبلتُهم وقبلة إبراهيم وقبلةُ الأنبياء قبلك, كما يعرفون أبناءَهم، كما:-2259- حدثنا بشر بن معاذ: قال، حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: " الذين آتيناهم الكتاب يَعرفونه كما يَعرفون أبناءهم "، يقول: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلةُ.2260- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قول الله عز وجل: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونهُ كما يعرفونَ أبناءهم "، يعني: القبلةَ.2261- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم "، عرفوا أن قِبلة البيت الحرام هي قبلتُهم التي أمِروا بها, كما عرفوا أبناءهم.2262- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفونَ أبناءهم "، يعني بذلك: الكعبةَ البيتَ الحرام.2263- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم "، يعرفون الكعبة من قبلة الأنبياء, كما يعرفون أبناءهم. (1)2264- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " قال، اليهود يعرفون أنها هي القبلة، مكة.2265- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج في قوله: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " قال، القبلةُ والبيتُ.* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وإنّ طائفةً من الذين أوتوا الكتاب -وهُمُ اليهود والنصارى. وكان مجاهد يقول: هم أهل الكتاب.2266- حدثني محمد بن عمرو -يعني الباهلي- قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بذلك.2267- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج مثله.2268- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح مثله.* * *قال أبو جعفر: وقوله: " ليكتمون الحق "، - وذلك الحق هو القبلة =التي وجَّه الله عز وجل إليها نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم. يقول: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ = التي كانت الأنبياء من قبل محمدٍ صلى الله عليه وسلم يتوجَّهون إليها. فكتمتها اليهودُ والنصارى, فتوجَّه بعضُهم شرقًا، وبعضُهم نحو بيتَ المقدس, ورفضُوا ما أمرهم الله به, وكتموا مَعَ ذلك أمرَ محمد صلى الله عليه وسلم وهم يجدونَه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل. فأطلع الله عز وجل محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمَّتَه على خيانتهم اللهَ تبارك وتعالى, وخيانتهم عبادَه, وكتمانِهم ذلك, وأخبر أنهم يفعلون ما يَفعلون من ذلك على علم منهم بأن الحق غيرُه, وأن الواجب عليهم من الله جل ثناؤه خلافُه، فقال: " ليكتمونَ الحق وهم يعلمون "، أنْ لَيس لَهم كتمانه, فيتعمَّدون معصية الله تبارك وتعالى، كما:- (2)2269- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد عن قتادة قوله: " وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحق وهُمْ يعلمون "، فكتموا محمدًا صلى الله عليه وسلم.2270- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " ليكتمون الحق وَهمْ يعلمون " قال، يكتمون محمدًا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.2271- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون "، يعني القبلةَ.---------------------الهوامش :(1) في المطبوعة : "يعرفون الكعبة من قبلة الأنبياء" .(2) من أول قوله : "كما حدثنا بشر بن معاذ" ، إلى حيث نذكر في ص 207 تعليق : 2 موجود في ست عشرة صفحة بقيت من القسم المفقود من النسخة العتيقة .
﴿ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ﴾