القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 154 سورة الأنعام - ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي

سورة الأنعام الآية رقم 154 : سبع تفاسير معتمدة

سورة ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي - عدد الآيات 165 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 154 من سورة الأنعام عدة تفاسير - سورة الأنعام : عدد الآيات 165 - - الصفحة 149 - الجزء 8.

سورة الأنعام الآية رقم 154


﴿ ثُمَّ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ ﴾
[ الأنعام: 154]

﴿ التفسير الميسر ﴾

ثم قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إن الله تعالى هو الذي أتى موسى التوراة تمامًا لنعمته على المحسنين من أهل ملته، وتفصيلا لكل شيء من أمور دينهم، وهدى ودلالة على الطريق المستقيم ورحمة لهم؛ رجاء أن يصدِّقوا بالبعث بعد الموت والحساب والجزاء، ويعملوا لذلك.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«ثم آتينا موسى الكتاب» التوراة وثم لترتيب الأخبار «تماما» للنعمة «على الذي أحسن» بالقيام به «وتفصيلا» بيانا «لكل شيء» يحتاج إليه في الدين «وهدىّ ورحمة لعلهم» أي بني إسرائيل «بلقاء ربهم» بالبعث «يؤمنون».

﴿ تفسير السعدي ﴾

ثُمَّ في هذا الموضع، ليس المراد منها الترتيب الزماني، فإن زمن موسى عليه السلام، متقدم على تلاوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب، وإنما المراد الترتيب الإخباري.
فأخبر أنه آتى مُوسَى الْكِتَابَ وهو التوراة تَمَامًا لنعمته، وكمالا لإحسانه.
عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ من أُمة موسى، فإن الله أنعم على المحسنين منهم بنِعَم لا تحصى.
من جملتها وتمامها إنزال التوراة عليهم.
فتمت عليهم نعمة الله، ووجب عليهم القيام بشكرها.
وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ يحتاجون إلى تفصيله، من الحلال والحرام، والأمر والنهي، والعقائد ونحوها.
وَهُدًى وَرَحْمَةً أي: يهديهم إلى الخير، ويعرفهم بالشر، في الأصول والفروع.
وَرَحْمَةٌ يحصل به لهم السعادة والرحمة والخير الكثير.
لَعَلَّهُمْ بسبب إنزالنا الكتاب والبينات عليهم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ فإنه اشتمل من الأدلة القاطعة على البعث والجزاء بالأعمال، ما يوجب لهم الإيمان بلقاء ربهم والاستعداد له.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله - عز وجل - : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) فإن قيل : لم قال : " ثم آتينا " وحرف " ثم " للتعقيب وإيتاء موسى الكتاب كان قبل مجيء القرآن؟ قيل : معناه ثم أخبركم أنا آتينا موسى الكتاب ، فدخل " ثم " لتأخير الخبر لا لتأخير النزول .
( تماما على الذي أحسن ) اختلفوا فيه ، قيل : تماما على المحسنين من قومه ، فتكون " الذي " بمعنى من ، أي : على من أحسن من قومه ، وكان بينهم محسن ومسيء ، يدل عليه قراءة ابن مسعود : " على الذين أحسنوا " وقال أبو عبيدة : معناه على كل من أحسن ، أي : أتممنا فضيلة موسى بالكتاب على المحسنين ، يعني : أظهرنا فضله عليهم ، والمحسنون هم الأنبياء والمؤمنون ، وقيل : " الذي أحسن " هو موسى ، و " الذي " بمعنى ما ، أي : على ما أحسن موسى ، تقديره : آتيناه الكتاب ، يعني التوراة ، إتماما عليه للنعمة ، لإحسانه في الطاعة والعبادة ، وتبليغ الرسالة وأداء الأمر .
وقيل : الإحسان بمعنى العلم ، وأحسن بمعنى علم ، ومعناه : تماما على الذي أحسن موسى من العلم والحكمة ، أي آتيناه الكتاب زيادة على ذلك .
وقيل : معناه تماما مني على إحساني إلى موسى .
( وتفصيلا ) بيانا ( لكل شيء ) يحتاج إليه من شرائع الدين ، ( وهدى ورحمة ) هذا في صفة التوراة ، ( لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون ) قال ابن عباس : كي يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

قال الآلوسى: قوله ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ.
إلخ.
كلام مستأنف مسوق من جهته- تعالى- تقريرا للوصية وتحقيقا لها، وتمهيدا لما تعقبه من ذكر إنزال القرآن المجيد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى التكلم معطوف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه النظام كأنه قيل بعد قوله ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ بطريق الاستئناف تصديقا له وتقريرا لمضمونه، فعلنا ذلك ثُمَّ آتَيْنا وقيل عطف على ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ.
وعند الزجاج أنه عطف على معنى التلاوة، كأنه قيل: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ثم أتل عليهم ما آتاه الله موسى .
وكلمة ثم لا تفيد الترتيب الزمنى هنا، وإنما تفيد عطف معنى على معنى، فكأنه- سبحانه- يقول: لقد بينت لكم في هذه الوصايا ما فيه صلاحكم ثم أخبركم بأنا آتينا موسى الكتاب وهو التوراة ليكون هدى ونورا.
وقوله: تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ قرأ الجمهور أحسن بفتح النون على أنه فعل ماض وفاعله ضمير الذي، أى: آتينا موسى الكتاب تماما للكرامة والنعمة على من أحسن القيام به كائنا من كان.
فالذي لجنس المحسنين.
وتدل عليه قراءة عبد الله «تماما على الذين أحسنوا» وقراءة الحسن «على المحسنين» .
ويجوز أن يكون فاعل أحسن ضمير موسى- عليه السلام- ومفعوله محذوف أى: آتينا موسى الكتاب تتمة للكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ وفي كل أمر وهو موسى- عليه السلام- و «تماما» مفعول لأجله أى: آتيناه لأجل تمام نعمتنا، أو حال من الكتاب، أى: حال كونه أى الكتاب تاما.
أو مصدر لقوله «آتينا» من معناه، لأن إيتاء الكتاب إتمام للنعمة.
كأنه قيل: أتممنا النعمة إتماما.
فهو «كنباتا» في قوله: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً أى إنباتا.
وقرأ يحيى بن يعمر «على الذي أحسن» بضم النون على أنه خبر لمبتدأ محذوف، و «الذي» وصف للدين أى: تماما على الدين الذي هو أحسن دين وأرضاه.
قال ابن جرير: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها وإن كان لها في العربية وجه صحيح، لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قراء الأمصار» .
وقوله: وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ معطوف على ما قبله، أى: وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج إليه قومه في أمور دينهم ودنياهم.
وقوله: وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ أى: هذا الكتاب هداية لهم إلى طريق الحق، ورحمة لمن عمل به لعلهم- أى قوم موسى وسائر أهل الكتاب- يصدقون بيوم الجزاء، ويقدمون العمل الصالح الذي ينفعهم في هذا اليوم الشديد.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

قال ابن جرير : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) تقديره : ثم قل - يا محمد - مخبرا عنا بأنا آتينا موسى الكتاب ، بدلالة قوله : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) .قلت : وفي هذا نظر ، و " ثم " هاهنا إنما هي لعطف الخبر بعد الخبر ، لا للترتيب هاهنا ، كما قال الشاعر :قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جدهوهاهنا لما أخبر الله تعالى عن القرآن بقوله : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) عطف بمدح التوراة ورسولها ، فقال : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) وكثيرا ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة ، كقوله تعالى : ( ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا ) [ الأحقاف : 12 ] ، وقوله في أول هذه السورة : ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ) [ الآية : 91 ] ، وبعدها ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك ) الآية [ الأنعام : 92 ] ، وقال تعالى مخبرا عن المشركين : ( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) قال تعالى : ( أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون ) [ القصص : 48 ] ، وقال تعالى مخبرا عن الجن أنهم قالوا : ( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) [ الأحقاف : 30 ] .وقوله تعالى : ( تماما على الذي أحسن وتفصيلا ) أي : آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماما كاملا جامعا لجميع ما يحتاج إليه في شريعته ، كما قال : ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء ) الآية [ الأعراف : 145 ] .وقوله : ( على الذي أحسن ) أي : جزاء على إحسانه في العمل ، وقيامه بأوامرنا وطاعتنا ، كقوله : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) [ الرحمن : 60 ] ، وكقوله ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) [ البقرة : 124 ] ، وقوله : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) [ السجدة : 24 ] .وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : ( ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ) يقول : أحسن فيما أعطاه الله .وقال قتادة : من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة .واختار ابن جرير أن تقدير الكلام : ( ثم آتينا موسى الكتاب تماما ) على إحسانه . فكأنه جعل " الذي " مصدرية ، كما قيل في قوله تعالى : ( وخضتم كالذي خاضوا ) [ التوبة : 69 ] أي : كخوضهم وقال ابن رواحة :فثبت الله ما آتاك من حسن في المرسلين ونصرا كالذي نصرواوقال آخرون : " الذي " هاهنا بمعنى " الذين "قال ابن جرير : وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود : أنه كان يقرؤها : " تماما على الذين أحسنوا "وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تماما على الذي أحسن ) قال : على المؤمنين والمحسنين ، وكذا قال أبو عبيدة . قال البغوي : والمحسنون : الأنبياء والمؤمنون ، يعني : أظهرنا فضله عليهم .قلت : كما قال تعالى : ( قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ) [ الأعراف : 144 ] ، ولا يلزم اصطفاؤه على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والخليل ، عليهما السلام لأدلة أخر .قال ابن جرير : وروى أبو عمرو بن العلاء عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرؤها " تماما على الذي أحسن " رفعا ، بتأويل : " على الذي هو أحسن " ، ثم قال : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، وإن كان لها في العربية وجه صحيح .وقيل : معناه : تماما على إحسان الله إليه زيادة على ما أحسن الله إليه ، حكاه ابن جرير ، والبغوي .ولا منافاة بينه وبين القول الأول ، وبه جمع ابن جرير كما بيناه ، ولله الحمد .وقوله : ( وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة ) فيه مدح لكتابه الذي أنزله الله عليه ، ( لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون)

﴿ تفسير القرطبي ﴾

ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنونقوله تعالى : ثم آتينا موسى الكتاب مفعولان .
تماما مفعول من أجله أو مصدر .
على الذي أحسن قرئ بالنصب والرفع .
فمن رفع - وهي قراءة يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق - فعلى تقدير : تماما على الذي هو أحسن .
قال المهدوي : وفيه بعد من أجل حذف المبتدأ العائد على الذي .
وحكى سيبويه عن الخليل أنه سمع " ما أنا بالذي قائل لك شيئا " .
ومن نصب فعلى أنه فعل ماض داخل في الصلة ; هذا قول البصريين .
وأجاز الكسائي والفراء أن يكون اسما نعتا ل " الذي " وأجازا " مررت بالذي أخيك " ينعتان " الذي " بالمعرفة وما قاربها .
قال النحاس : وهذا محال عند البصريين ; لأنه نعت للاسم قبل أن يتم ، والمعنى عندهم : على المحسن .
قال مجاهد : تماما على المحسن المؤمن .
وقال الحسن في معنى قوله : تماما على الذي أحسن كان فيهم محسن وغير محسن ; فأنزل الله الكتاب تماما على المحسنين .
والدليل على صحة هذا القول أن ابن مسعود قرأ : ( تماما على الذين أحسنوا ) .
وقيل : المعنى أعطينا موسى التوراة زيادة على ما كان يحسنه موسى مما كان علمه الله قبل نزول التوراة عليه .
قال محمد بن يزيد : فالمعنى تماما على الذي أحسن أي تماما على الذي أحسنه الله عز وجل إلى موسى عليه السلام من الرسالة وغيرها .
وقال عبد الله بن زيد : معناه على إحسان الله تعالى إلى أنبيائه عليهم السلام من الرسالة وغيرها .
وقال الربيع بن أنس : تماما على إحسان موسى من طاعته لله عز وجل ; وقاله الفراء .
ثم قيل : ثم يدل على أن الثاني بعد الأول ، وقصة موسى صلى الله عليه وسلم وإتيانه الكتاب قبل هذا ; فقيل : ثم بمعنى الواو ; أي وآتينا موسى الكتاب ، لأنهما حرفا عطف .
وقيل : تقدير الكلام ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم .
وقيل : المعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، ثم أتل ما آتينا موسى تماما .
وتفصيلا عطف عليه .
وكذا وهدى ورحمة

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ثم آتينا موسى الكتاب)، ثم قل بعد ذلك يا محمد: آتى ربك موسى الكتابَ = فترك ذكر " قل ", إذ كان قد تقدم في أول القصّة ما يدلّ على أنه مرادٌ فيها, وذلك قوله : (28) قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ، فقصَّ ما حرم عليهم وأحلّ, ثم قال: ثم قل: "آتينا موسى ", فحذف " قل " لدلالة قوله: " قل " عليه, وأنه مراد في الكلام .
وإنما قلنا: ذلك مرادٌ في الكلام, لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا شك أنه بُعث بعد موسى بدهر طويل، وأنه إنما أمر بتلاوة هذه الآيات على مَنْ أمر بتلاوتها عليه بعد مبعثه.
ومعلوم أن موسى أوتي الكتاب من قبل أمر الله محمدًا بتلاوة هذه الآيات على مَنْ أمر بتلاوتها عليه.
و " ثم " في كلام العرب حرف يدلّ على أن ما بعده من الكلام والخبر، بعد الذي قبلها .
* * *ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (تمامًا على الذي أحسن)، فقال بعضهم: معناه: تمامًا على المحسنين .
* ذكر من قال ذلك:14171- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (تمامًا على الذي أحسن)، قال: على المؤمنين.
14172- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (تمامًا على الذي أحسن)، المؤمنين والمحسنين.
* * *= وكأنّ مجاهدًا وجّه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله جل ثناؤه أخبر عن موسى أنه آتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين من عباده .
* * *فإن قال قائل: فكيف جاز أن يقال: (على الذي أحسن)، فيوحِّد " الذي", والتأويل على الذين أحسنوا؟قيل: إن العرب تفعل ذلك خاصة في" الذي" وفي" الألف واللام "، إذا أرادت به الكل والجميع, كما قال جل ثناؤه: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، [سورة العصر: 2،1] ، وكما قالوا: " كثر الدِّرهم فيه في أيدي الناس ".
(29)وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود: أنه كان يقرأ ذلك: " تمامًا عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا "، وذلك من قراءته كذلك، يؤيد قول مجاهد .
وإذا كان المعنى كذلك, كان قوله: " أحسن "، فعلا ماضيًا, فيكون نصبه لذلك .
* * *وقد يجوز أن يكون " أحسن " في موضع خفض, غير أنه نصب إذ كان " أفعل ", و " أفعل "، لا يجري في كلامها .
(30)فإن قيل: فبأيِّ شيء خفض؟قيل: ردًّا على " الذي"، إذ لم يظهر له ما يرفعه = فيكون تأويل الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي هو أحسن, ثم حذف " هو ", وجاور " أحسن "" الذي", فعرِّب بتعريبه, (31) إذ كان كالمعرفة من أجل أن " الألف واللام " لا يدخلانه," والذي" مثله, كما تقول العرب: " مررت بالذي خيرٍ منك، وشرٍّ منك ", (32) كما قال الراجز: (33)إِنَّ الزُّبَيْرِيَّ الَّذِي مِثْلَ الحَلَمْمَسَّى بِأَسْلابِكُمُ أَهْلَ الْعَلَمْ (34)فأتبع " مثل "" الذي"، في الإعراب .
ومن قال ذلك، لم يقل: مررت " بالذي عالمٍ", لأن " عالمًا " نكرة،" والذي" معرفة, ولا تتبع نكرة معرفة .
(35)* * *وقال آخرون: معنى ذلك: " تمامًا على الذي أحسن "، موسى، فيما امتحنه الله به في الدنيا من أمره ونهيه .
* ذكر من قال ذلك:14173- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذين أحسن)، فيما أعطاه الله.
14174- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن)، قال: من أحسن في الدنيا، تمم الله له ذلك في الآخرة .
14175- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة قوله: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن)، يقول: من أحسن في الدنيا، تمت عليه كرامة الله في الآخرة.
* * *وعلى هذا التأويل الذي تأوّله الربيع، يكون " أحسن "، نصبًا, لأنه فعل ماض, و " الذي" بمعنى " ما " = وكأنّ الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على ما أحسن موسى = أي: آتيناه الكتاب لأتمم له كرامتي في الآخرة، تمامًا على إحسانه في الدنيا في عبادة الله والقيام بما كلفه به من طاعته .
* * *وقال آخرون في ذلك: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم .
* ذكر من قال ذلك:14176- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن)، قال: تمامًا من الله وإحسانه الذي أحسن إليهم وهداهم للإسلام, وآتاهم ذلك الكتاب تمامًا، لنعمته عليه وإحسانه .
* * *" وأحسن " على هذا التأويل أيضًا، في موضع نصب، على أنه فعل ماض،" والذي" على هذا القول والقول الذي قاله الربيع، بمعنى: " ما " .
* * *وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك: " تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ" رفعًا= بتأويل: على الذي هو أحسن .
14177- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا الحجاج, عن هارون, عن أبي عمرو بن العلاء, عن يحيى بن يعمر .
* * *قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح, لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قرأة الأمصار .
* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا لنعمنا عنده، على الذي أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا = لأن ذلك أظهرُ معانيه في الكلام, وأن إيتاء موسى كتابه نعمةٌ من الله عليه ومنة عظيمة.
فأخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل وحُسن طاعة .
* * *ولو كان التأويل على ما قاله ابن زيد، كان الكلام: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسنّا = أو: ثم آتى الله موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن .
وفي وصفه جل ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب، ثم صرفه الخبر بقوله: " أحسن ", إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين = الدليلُ الواضح على أن القول غير القول الذي قاله ابن زيد .
* * *وأما ما ذكر عن مجاهد من توجيهه " الذي" إلى معنى الجميع، فلا دليل في الكلام يدل على صحة ما قال من ذلك.
بل ظاهر الكلام بالذي اخترنا من القول أشبه .
وإذا تنوزع في تأويل الكلام، كان أولى معانيه به أغلبُه على الظاهر, إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليلٌ واضح على أنه معنيٌّ به غير ذلك .
* * *وأما قوله: (وتفصيلا لكل شيء)، فإنه يعني: وتبيينًا لكل شيء من أمر الدين الذي أمروا به .
(36)* * *= فتأويل الكلام إذًا: ثم آتينا موسى التوراة تمامًا لنعمنا عنده وأيادينا قِبَله, تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربَّه وقيامه بما كلّفه من شرائع دينه, وتبيينًا لكل ما بقومه وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم، (37) كما:-14178- حدثني بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (وتفصيلا لكل شيء)، فيه حلاله وحرامه .
* * *القول في تأويل قوله : وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: آتينا موسى الكتاب تمامًا وتفصيلا لكل شيء =(وهدى)، يعني بقوله " وهدى "، تقويمًا لهم على الطريق المستقيم, وبيانًا لهم سُبُل الرشاد لئلا يضلوا =(ورحمة)، يقول: ورحمة منا بهم ورأفة, لننجيهم من الضلالة وَعمى الحيرة .
(38)وأما قوله: (لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون)، فإنه يعني: إيتائي موسى الكتاب تمامًا لكرامة الله موسى، على إحسان موسى, وتفصيلا لشرائع دينه, وهدًى لمن اتبعه، ورحمة لمن كان منهم ضالا لينجيه الله به من الضلالة, وليؤمن بلقاء ربه إذا سمع مواعظ الله التي وعظ بها خلقه فيه, فيرتدع عما هو عليه مقيمٌ من الكفر به, وبلقائه بعد مماته, فيطيع ربه, ويصدِّق بما جاءه به نبيه موسى صلى الله عليه وسلم .
--------------------الهوامش :(28) في المطبوعة والمخطوطة : (( ذلك قوله )) بغير واو ، والسياق يقتضي إثباتها .
(29) في المطبوعة : (( أكثر الذي هم في أيدي الناس )) ، وهو كلام غث لا معنى له ، زاد (( فيه )) على ما كان في المخطوطة .
وكان فيها : (( أكثر الدرهم في أيدي الناس )) ، وصواب قراءتها ما أثبت ، أو : (( ما أكثر الدرهم في أيدي الناس )) .
وقد سلف هذا البحث فيما مضى ، وفيه نحو هذا الشاهد 4 : 263 ، 270 / 6 : 125 .
(30) الإجراء : الصرف .
(31) في المطبوعة : (( فعرف بتعريفه )) ، وهو كلام لا معنى له ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، إذ كانت غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها .
و (( التعريب )) ، هو (( الإعراب )) .
(32) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 365 ، وفيها خطأ ظاهر ، لأنه كتب هناك : (( مررت بالذي هو خير منك ، وشر منك )) ، فزادوا (( هو )) ، والصواب حذفها ، فلتصحح هناك .
(33) لم أعرفه .
(34) معاني القرآن للفراء 1 : 365 ، وروايته كما في مطبوعة المعاني :مَشَّى بِأَسْلابِكَ فِي أَهْلِ الَعَلَمْكأنه يعني أنه سلبه ثيابه ولبسهما ، وهو يمشي بها في الناس .
(( ومشى )) بتشديد الشين .
يقال : (( مشى )) و (( تمشي )) و (( مشى )) بمعنى واحد .
وأما رواية أبي جعفر ، فهي بالسين لا بالشين ، لا شك في ذلك ، كأنه يقول : صبحه بالغارة ، ثم أمسى بما سلبه عند (( أهل العلم )) ، وهو موضع .
و (( العلم )) ، الجبل .
و (( الحلم )) ( بفتحتين ) : القراد الصغير ، يصف هذا الزبيرى الذي سلبه ثيابه وأمواله ، بأنه قميء قصير .
(35) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 365 .
(36) انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف 113 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(37) في المطبوعة : (( ما لقومه )) باللام ، لم يحسن قراءة المخطوطة .
(38) انظر تفسير (( الهدى )) و (( الرحمة )) فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) و ( رحم ) .

﴿ ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون ﴾

قراءة سورة الأنعام

المصدر : تفسير : ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي