ولنختبرنكم بشيء يسير من الخوف، ومن الجوع، وبنقص من الأموال بتعسر الحصول عليها، أو ذهابها، ومن الأنفس: بالموت أو الشهادة في سبيل الله، وبنقص من ثمرات النخيل والأعناب والحبوب، بقلَّة ناتجها أو فسادها. وبشِّر -أيها النبي- الصابرين على هذا وأمثاله بما يفرحهم ويَسُرُّهم من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ولنبلونكم بشيء من الخوف» للعدو «والجوع» القحط «ونقص من الأموال» بالهلاك «والأنفس» بالقتل والموت والأمراض «والثمرات» بالحوائج أي لنختبرنكم فننظر أتصبرون أم لا «وبشر الصابرين» على البلاء بالجنة.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن, ليتبين الصادق من الكاذب, والجازع من الصابر, وهذه سنته تعالى في عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان, ولم يحصل معها محنة, لحصل الاختلاط الذي هو فساد, وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر. هذه فائدة المحن, لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان, ولا ردهم عن دينهم, فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين، فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ من الأعداء وَالْجُوعِ أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله, أو الجوع, لهلكوا, والمحن تمحص لا تهلك. وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية, وغرق, وضياع, وأخذ الظلمة للأموال من الملوك الظلمة, وقطاع الطريق وغير ذلك. وَالْأَنْفُسِ أي: ذهاب الأحباب من الأولاد, والأقارب, والأصحاب, ومن أنواع الأمراض في بدن العبد, أو بدن من يحبه، وَالثَّمَرَاتِ أي: الحبوب, وثمار النخيل, والأشجار كلها, والخضر ببرد, أو برد, أو حرق, أو آفة سماوية, من جراد ونحوه. فهذه الأمور, لا بد أن تقع, لأن العليم الخبير, أخبر بها, فوقعت كما أخبر، فإذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين، فالجازع, حصلت له المصيبتان, فوات المحبوب, وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها, وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان, ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران, وحصل [له] السخط الدال على شدة النقصان. وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب, فحبس نفسه عن التسخط, قولا وفعلا, واحتسب أجرها عند الله, وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له, بل المصيبة تكون نعمة في حقه, لأنها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وأنفع منها, فقد امتثل أمر الله, وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى: ولنبلونكم أي ولنختبرنكم يا أمة محمد، واللام لجواب القسم تقديره والله لبيلونكم والابتلاء من الله لإظهار المطيع من العاصي لا ليعلم شيئاً لم يكن عالماً به.بشيء من الخوف قال ابن عباس: "يعني خوف العدو".والجوع يعني القحط.ونقص من الأموال بالخسران والهلاك.والأنفس يعني بالقتل والموت وقيل بالمرض والشيب.والثمرات يعني الجوائح في الثمار، وحكي عن الشافعي أنه قال: "الخوف خوف الله تعالى، والجوع صيام رمضان، ونقص من الأموال أداء الزكاة والصدقات، والأنفس الأمراض، والثمرات موت الأولاد لأن ولد الرجل ثمرة قلبه".أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا الحسن بن موسى أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي سنان قال: دفنت ابني سناناً وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر فلما أردت الخروج أخذ بيدي فأخرجني فقال: ألا أبشرك؟: حدثني الضحاك بن عزرب عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته أقبضتم ولد عبدي؟ قالوا نعم، قال أقبضتم ثمرة فؤاده؟ قالوا نعم، فماذا قال عبدي؟ قالوا استرجع وحمدك قال: ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد".وبشر الصابرين على البلايا والرزايا.ثم وصفهم فقال:
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وبعد أن طلب- سبحانه- من عباده أن يستعينوا بالصبر والصلاة على احتمال المكاره، أردف ذلك بذكر بعض المواطن التي لا يمر فيها الإنسان بسلامة إلا إذا اعتصم بعرى الصبر فقال- تعالى- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ.وقوله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ من البلو والبلاء وهو الامتحان والاختبار، وهو جواب لقسم محذوف والتقدير: والله لنبلونكم.وقوله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ عطف على قوله: وَاسْتَعِينُوا إلخ، عطف المضمون على المضمون، والجامع أن مضمون الأول طلب الصبر، ومضمون الثانية بيان مواطنه، والمراد:ولنعاملنكم معاملة المختبر والمبتلى لأحوالكم:والتنوين في قوله: بِشَيْءٍ للتقليل. أى بقليل من كل واحد من هذه البلايا والمحن وهي الخوف وما عطف عليه.وإنما قلل- كما قال الزمخشري- ليؤذن أن كل بلاء وإن جل ففوقه ما يقل إليه وليخفف عليهم ويريهم أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم، وأنه- سبحانه- يبتليهم من هذه المصائب بقدر ما يمتاز به الصابرون من غير الصابرين.والْخَوْفِ غم يلحق النفس لتوقع مكروه، ومن أشد ما تضطرب له النفوس من الخوف، خشيتها أن تقع تحت يد عدو لا هم له إلا إيذاؤها بما تكره.والْجُوعِ ضد الشبع، والمراد منه القحط، وتعذر تحصيل القوت، والحاجة الملحة إلى طعام.والْأَمْوالِ جمع مال، وهو ما يملك مما له قيمة، وجرى للعرب عرف باستعماله في النعم خاصة- وهي الإبل والبقر والغنم-.والثَّمَراتِ: جمع ثمرة وهي حمل الشجر، وقد تطلق على الشجر والنبات نفسه.والمعنى: ولنصيبنكم بشيء من الخوف وبشيء من الجوع، وبشيء من النقص في الأنفس والأموال والثمرات، ليظهر هل تصبرون أو لا تصبرون، فنرتب الثواب على الصبر والثبات على الطاعة، ونرتب العقاب على الجزع وعدم التسليم لأمر الله- تعالى-.ولقد حدث للمسلمين الأولين خوف شديد بسبب تألب أعدائهم عليهم كما حصل في غزوة الأحزاب. وحدث لهم جوع أليم بسبب هجرتهم من أوطانهم، وقلة ذات يدهم حتى لقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يشد الحجر على بطنه. وحدث لهم نقص في أموالهم بسبب اشتغالهم بإعلاء كلمة الله. وحدث لهم نقص في أنفسهم بسبب قتالهم لأعدائهم. ولكن كل هذه الآلام لم تزدهم إلا إيمانا وتسليما لقضاء الله وقدره، واستمساكا بتعاليم دينهم وهذا البلاء وتلك الآلام لا بد منها ليؤدى المؤمنون تكاليف العقيدة، كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف، إذ العقائد الرخيصة التي لا يؤدى أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم تركها عند الصدمة الأولى، وليعلم من جاء بعدهم من المؤمنين إذا ما أصابهم مثل هذه الأمور أن ما أصابهم ليس لنقصان من درجاتهم، وحط من مراتبهم، فقد أصيب بمثل ذلك أو أكثر من هم أفضل منهم وهم أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم.قال الإمام الرازي: وأما الحكمة في تقديم تعريف هذا الابتلاء. أى الإخبار به قبل وقوعه: ففيها وجوه:أحدها: ليوطنوا أنفسهم على الصبر عليها إذا وردت فيكون ذلك أبعد لهم عن الجزع وأسهل عليهم بعد الورود.وثانيها: أنهم إذا علموا أنه ستصل إليهم تلك المحن اشتد خوفهم، فيصير ذلك الخوف تعجيلا للابتلاء، فيستحقون به مزيد الثواب.وثالثها: أن الكفار إذا شاهدوا النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه مقيمين على دينهم مستقرين عليه، مع ما كانوا عليه من نهاية الضر والمحنة والجوع- يعلمون أن القوم إنما اختاروا هذا الدين لقطعهم بصحته فيدعوهم ذلك إلى مزيد التأمل في دلائله. ومن المعلوم الظاهر أن التبع إذا عرفوا أن المتبوع في أعظم المحن بسبب المذهب الذي ينصره، ثم رأوه مع ذلك مصرا على ذلك المذهب:كان ذلك أدعى لهم إلى اتباعه مما إذا رأوه مرفه الحال لا كلفة عليه في ذلك المذهب.ورابعها: أنه- تعالى- أخبر بوقوع ذلك الابتلاء قبل وقوعه فوجد مخبر ذلك الخبر على ما أخبر عنه. فكان إخبارا عن الغيب فكان معجزا.وخامسها: أن من المنافقين من أظهر متابعة الرسول طمعا في المال وسعة الرزق، فإذا اختبره- سبحانه- بنزول هذه المحن، فعند ذلك يتميز المنافق عن الموافق.وسادسها: أن إخلاص الإنسان حالة البلاء ورجوعه إلى باب الله- تعالى- أكثر من إخلاصه حال إقبال الدنيا عليه. فكانت الحكمة في هذا الابتلاء ذلك .ثم بعد أن بين- سبحانه- مواطن تضطرب فيها النفوس أردف ذلك يذكر عاقبة الصبر، وجزائه الأسنى، فقال:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
أخبر تعالى أنه يبتلي عباده [ المؤمنين ] أي : يختبرهم ويمتحنهم ، كما قال تعالى : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) [ محمد : 31 ] فتارة بالسراء ، وتارة بالضراء من خوف وجوع ، كما قال تعالى : ( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ) [ النحل : 112 ] فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه ; ولهذا قال : لباس الجوع والخوف . وقال هاهنا ( بشيء من الخوف والجوع ) أي : بقليل من ذلك ( ونقص من الأموال ) أي : ذهاب بعضها ) والأنفس ) كموت الأصحاب والأقارب والأحباب ) والثمرات ) أي : لا تغل الحدائق والمزارع كعادتها . كما قال بعض السلف : فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة . وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده ، فمن صبر أثابه [ الله ] ومن قنط أحل [ الله ] به عقابه .ولهذا قال : ( وبشر الصابرين )وقد حكى بعض المفسرين أن المراد من الخوف هاهنا : خوف الله ، وبالجوع : صيام رمضان ، ونقص الأموال : الزكاة ، والأنفس : الأمراض ، والثمرات : الأولاد .وفي هذا نظر ، والله أعلم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرينقوله تعالى : " ولنبلونكم " هذه الواو مفتوحة عند سيبويه لالتقاء الساكنين . وقال غيره : لما ضمت إلى النون الثقيلة بني الفعل فصار بمنزلة خمسة عشر . والبلاء يكون حسنا ويكون سيئا . وأصله المحنة ، وقد تقدم . والمعنى لأمتحننكم لنعلم المجاهد والصابر علم معاينة حتى يقع عليه الجزاء ، كما تقدم . وقيل : إنما ابتلوا بهذا ليكون آية لمن بعدهم فيعلموا أنهم إنما صبروا على هذا حين وضح لهم الحق . وقيل : أعلمهم بهذا ليكونوا على يقين منه أنه يصيبهم ، فيوطنوا أنفسهم عليه فيكونوا أبعد لهم من الجزع ، وفيه تعجيل ثواب الله تعالى على العز وتوطين النفس .قوله تعالى : بشيء لفظ مفرد ومعناه الجمع . وقرأ الضحاك " بأشياء " على الجمع . وقرأ الجمهور بالتوحيد ، أي بشيء من هذا وشيء من هذا ، فاكتفى بالأول إيجازا : من الخوف أي خوف العدو والفزع في القتال ، قاله ابن عباس . وقال الشافعي : هو خوف الله عز وجل . والجوع يعني المجاعة بالجدب والقحط ، في قول ابن عباس . وقال الشافعي : هو الجوع في شهر رمضان . ونقص من الأموال بسبب الاشتغال بقتال الكفار . وقيل : بالجوائح المتلفة . وقال الشافعي : بالزكاة المفروضة . والأنفس قال ابن عباس : بالقتل والموت في الجهاد . وقال الشافعي : يعني بالأمراض . والثمرات قال الشافعي : المراد موت الأولاد ، وولد الرجل ثمرة قلبه ، كما جاء في الخبر ، على ما يأتي . وقال ابن عباس : المراد قلة النبات وانقطاع البركات .قوله تعالى : وبشر الصابرين أي بالثواب على الصبر . والصبر أصله الحبس ، وثوابه غير مقدر ، وقد تقدم . لكن لا يكون ذلك إلا بالصبر عند الصدمة الأولى ، كما روى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى . وأخرجه مسلم أتم منه ، أي إنما الصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها ، فإنه يدل على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر ، وأما إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك ، ولذلك قيل : يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بد للأحمق منه بعد ثلاث . وقال سهل بن عبد الله التستري : لما قال تعالى : وبشر الصابرين صار الصبر عيشا . والصبر صبران : صبر عن معصية الله ، فهذا مجاهد ، وصبر على طاعة الله ، فهذا عابد . فإذا صبر عن معصية الله وصبر على طاعة الله أورثه الله الرضا بقضائه وعلامة الرضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات . وقال الخواص : الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنة . وقال رويم : الصبر ترك الشكوى . وقال ذو النون المصري : الصبر هو الاستعانة بالله تعالى . وقال الأستاذ أبو علي : الصبر حده ألا تعترض على التقدير ، فأما إظهار البلوى على غير وجه الشكوى فلا ينافي الصبر ، قال الله تعالى في قصة أيوب : إنا وجدناه صابرا نعم العبد مع ما أخبر عنه أنه قال : مسني الضر .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)قال أبو جعفر: وهذا إخبار من الله تعالى ذكره أتباعَ رَسوله صلى الله عليه وسلم، أنه مبتليهم وممتحنهم بشدائد من الأمور، ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه, كما ابتلاهم فامتحنهم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة, وكما امتحن أصفياءَه قَبلهم. ووَعدهم ذلك في آية أخرى فقال لهم: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [سورة البقرة: 214]، وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس وغيرُه يقول.2325- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع "، ونحو هذا, قال: أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دارُ بلاء, وأنه مبتليهم فيها, وأمرَهم بالصبر وبَشّرهم فقال: " وبشر الصابرين "، ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصَفوته، لتطيب أنفسهم فقال: مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا .* * *ومعنى قوله: " وَلنبلونكم "، ولنختبرنكم. وقد أتينا على البيان عن أن معنى " الابتلاء " الاختبار، فيما مضى قبل. (6)* * *وقوله: " بشيء من الخوف "، يعني من الخوف من العدو، وبالجوع -وهو القحط- يقول: لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسَنة تُصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة، وتتعذر المطالب عليكم، (7) فتنقص لذلك أموالكم, وحروبٌ تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار, فينقص لها عددكم, وموتُ ذراريكم وأولادكم, وجُدوب تحدُث, فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم، واختبار مني لكم, فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه, ويُعرف أهل البصائر في دينهم منكم، من أهل النفاق فيه والشك والارتياب.كل ذلك خطابٌ منه لأتباع رَسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما:2326- حدثني هارون بن إدريس الكوفيّ الأصم قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي, عن عبد الملك، عن عطاء في قوله: " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع " قال، هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. (8)* * *وإنما قال تعالى ذكره: " بشيء من الخوف " ولم يقل بأشياء، لاختلاف أنواع ما أعلم عبادَه أنه مُمتحنهم به. فلما كان ذلك مختلفًا - وكانت " مِن " تَدلّ على أنّ كل نوع منها مُضمر " شيء "، فإنّ معنى ذلك: ولنبلونكم بشيء من الخوف، وبشيء من الجوع، وبشيء من نقص الأموال - اكتفى بدلالة ذكر " الشيء " في أوله، من إعادته مع كل نوع منها.ففعل تعالى ذكره كل ذلك بهم، وامتحنهم بضروب المحَن، كما:-2327- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات " قال، قد كان ذلك, وسيكونُ ما هو أشد من ذلك.قال الله عند ذلك: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ .* * *ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: يا محمد، بشّر الصابرين على امتحاني بما أمتحنهم به، (9) والحافظين أنفسهم عن التقدم على نَهْيي عما أنهاهم عنه, والآخذين أنفسهم بأداء ما أكلفهم من فرائضي، مع ابتلائي إياهم بما أبتليهم به، (10) القائلين إذا أصابتهم مصيبة: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . فأمره الله تعالى ذكره بأن يخصّ -بالبشارة على ما يمتحنهم به من الشدائد- أهلَ الصبر، الذين وصف الله صفتهم.* * *وأصل " التبشير ": إخبار الرجل الرجلَ الخبرَ، يَسرّه أو يسوءه، لم يسبقه به إلى غيره (11)-----------------الهوامش :(6) انظر ما سلف 2 : 48 ، 49 ، ثم هذا الجزء 3 : 7 .(7) في المطبوعة : "وتعذر المطالب" والصواب ما أثبت .(8) الخبر : 2326- سبق هذا الإسناد : 1455 ، ولما نعرف شيخ الطبري فيه .(9) في المطبوعة : "بما امتحنتهم" ، والسياق يقتضي ما أثبت .(10) في المطبوعة : "بما ابتليتهم" ، والسياق يقتضي ما أثبت .(11) انظر ما سلف 1 : 383/2 : 393 .
﴿ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ﴾