ولئن انقضت آجالكم في هذه الحياة الدنيا، فمتم على فُرُشكم، أو قتلتم في ساحة القتال، لإلى الله وحده تُحشرون، فيجازيكم بأعمالكم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ولئن» لام قسم «مُتُّمْ» بالوجهين «أو قُتلتم» في الجهاد وغيره «لإلى الله» لا إلى غيره «تُحشرون» في الآخرة فيجازيكم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم أخبر تعالى أن القتل في سبيله أو الموت فيه، ليس فيه نقص ولا محذور، وإنما هو مما ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون، لأنه سبب مفض وموصل إلى مغفرة الله ورحمته، وذلك خير مما يجمع أهل الدنيا من دنياهم، وأن الخلق أيضا إذا ماتوا أو قتلوا بأي حالة كانت، فإنما مرجعهم إلى الله، ومآلهم إليه، فيجازي كلا بعمله، فأين الفرار إلا إلى الله، وما للخلق عاصم إلا الاعتصام بحبل الله؟"
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ) في العاقبة .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- أن مصير العباد جميعا إليه وحده فقال: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ.أى ولئن متم- أيها المؤمنون- وأنتم في بيوتكم أو في أى مكان، أو قتلتم بأيدى أعدائكم وأنتم تجاهدون في سبيل الله، فعلى أى وجه من الوجوه كان انقضاء حياتكم فإنكم إلى الله وحده جميعا تعودون وتحشرون فيجازيكم على أعمالكم.فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على أبلغ ألوان الترغيب في الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله، لأنها قد بينت أن الحياة والموت بيد الله وحده وأنه سبحانه قد يكتب الحياة للمسافر والغازي مع اقتحامهما لموارد الحتوف، وقد يميت المقيم والقاعد في بيته مع حيازته لأسباب السلامة.وأن الذين يموتون على الإيمان الحق، أو يقتلون وهم يجاهدون في سبيل الله فإن لهم من مغفرة الله ورحمته ما هو خير مما يجمعه الكافرون من حطام الدنيا.وأن جميع الخلق مؤمنهم وكافرهم سيعودون إلى الله ليجازيهم على أعمالهم يوم الدين.قال الفخر الرازي: واعلم أن في قوله: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ دقائق:إحداها: أنه لم يقل: تحشرون إلى الله، بل قال: لإلى الله تحشرون، وهذا يفيد الحصر، وهذا يدل على أنه لا حاكم في ذلك اليوم ولا نافع ولا ضار إلا هو.وثانيهما: أنه ذكر من أسمائه هذا الاسم، وهذا الاسم أعظم الأسماء وهو دال على كمال الرحمة. وكمال القهر، فهو لدلالته على كمال الرحمة أعظم أنواع الوعد، ولدلالته على كمال القهر أشد أنواع الوعيد.وثالثها: أن قوله تُحْشَرُونَ فعل لم يسم فاعله، مع أن فاعلى ذلك الحشر هو الله وإنما لم يقع التصريح به لأنه- تعالى- هو العظيم الكبير الذي شهدت العقول بأنه هو الذي يبدئ ويعيد، ومنه الإنشاء والإعادة فترك التصريح في مثل هذا الموضع أدل على العظمة.ورابعها: أن قوله تُحْشَرُونَ خطاب مع الكل فهو يدل على أن جميع العاملين، يحشرون إلى الله فيجتمع المظلوم مع الظالم والمقتول مع القاتل، والله- تعالى- هو الذي يتولى الحكم بينهم .وقبل أن تتمم السورة حديثها مع الذين آمنوا عن أحداث غزوة أحد وما دار فيها من نصر وهزيمة، وعن الأسباب الظاهرة والخفية لذلك. أخذت في بيان حال النبي صلّى الله عليه وسلّم وما كان عليه من قيادة حكيمة وأخلاق كريمة، وأنه صلّى الله عليه وسلّم لم يقابل مخالفة المخالفين له والفارين عنه بالانتقام منهم وإنزال العقوبات بهم وإنما قابل ذلك بالحلم واللين والسياسة الرشيدة. فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم أخبر بأن كل من مات أو قتل فمصيره ومرجعه إلى الله ، عز وجل ، فيجزيه بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر فقال : ( ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون )
﴿ تفسير القرطبي ﴾
وقوله : لإلى الله تحشرون وعظ . وعظهم الله بهذا القول ، أي لا تفروا من القتال ومما أمركم به ، بل فروا من عقابه وأليم عذابه ، فإن مردكم إليه لا يملك لكم أحد ضرا ولا نفعا غيره . والله سبحانه وتعالى أعلم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولئن متم أو قتلتم، أيها المؤمنون، فإن إلى الله مرجعكم ومحشركم، فيجازيكم بأعمالكم، فآثروا ما يقرّبكم من الله ويوجب لكم رضاه، ويقربكم من الجنة، من الجهاد في سبيل الله والعمل بطاعته، على الركون إلى الدنيا وما تجمعون فيها من حُطامها الذي هو غير باقٍ لكم، بل هو زائلٌ عنكم، وعلى ترك طاعة الله والجهاد، فإن ذلك يبعدكم عن ربكم، ويوجب لكم سخطه، ويقرِّبكم من النار.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق:8118- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " ولئن متم أو قتلتم "، أيُّ ذلك كان =" لإلى الله تحشرون "، أي: أن إلى الله المرجع، فلا تغرنَّكم الحياة الدنيا ولا تغتروا بها، وليكن الجهاد وما رغبكم الله فيه منه، آثر عندكم منها. (1)* * *وأدخلت " اللام " في قوله: " لإلى الله تحشرون "، لدخولها في قوله: " ولئن ". ولو كانت " اللام " مؤخرة إلى قوله: " تحشرون "، لأحدثت " النون " الثقيلة فيه، كما تقول في الكلام: " لئن أحسنتَ إليّ لأحسننَّ إليك " بنون مثقّلة. فكان كذلك قوله: ولئن متم أو قتلتم لتحشرن إلى الله، ولكن لما حِيل بين " اللام " وبين " تحشرون " بالصفة، (2) أدخلت في الصفة، وسلمت " تحشرون "، فلم تدخلها " النون " الثقيلة، كما تقول في الكلام: " لئن أحسنتَ إليّ لإليك أحسن "، بغير " نون " مثقلة.----------------الهوامش :(1) الأثر: 8118- سيرة ابن هشام 3: 123 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8117.(2) في المطبوعة: "لما حيز بين اللام. . ." ، وفي المخطوطة: "ولما حين. . ." ، وصواب قراءتها ما أثبت. و"الصفة" حرف الجر ، انظر ما سلف 1: 299 ، تعليق: 1 ، وسائر فهارس المصطلحات في الأجزاء السالفة.