إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم واليهود والصابئين وهم: (قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه) والنصارى والمجوس (وهم عبدة النار) والذين أشركوا وهم: عبدة الأوثان، إنَّ الله يفصل بينهم جميعًا يوم القيامة فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل الكافرين النار، إن الله على كل شيء شهيد، شهد أعمال العباد كلَّها، وأحصاها وحفظها، وسيجازي كلا بما يستحق جزاء وفاقًا للأعمال التي عملوها.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«إن الذين آمنوا والذين هادوا» هم اليهود «والصابئين» طائفة منهم «والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة» بإدخال المؤمنين الجنة وإدخال غيرهم النار «إن الله على كل شيء» من عملهم «شهيد» عالم به علم مشاهدة
﴿ تفسير السعدي ﴾
يخبر تعالى عن طوائف أهل الأرض، من الذين أوتوا الكتاب، من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين، ومن المجوس، ومن المشركين أن الله سيجمعهم جميعهم ليوم القيامة، ويفصل بينهم بحكمه العدل، ويجازيهم بأعمالهم التي حفظها وكتبها وشهدها، ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
﴿ تفسير البغوي ﴾
( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ) يعني عبدة الأوثان ، ( إن الله يفصل بينهم ) يحكم بينهم ( يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ففي هذه الآية الكريمة حدثنا القرآن عن ست فرق من الناس: أما الفرقة الأولى، فهي: فرقة الذين آمنوا، والمراد بهم: الذين آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وصدقوه واتبعوه.وابتدأ القرآن بهم، للإشعار بأن دين الإسلام هو الدين الحق، القائم على أساس أن الفوز برضا الله- تعالى- لا ينال إلا بالإيمان والعمل الصالح، ولا فضل لأمة على أمة إلا بذلك، كما قال- تعالى-: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.وأما الفرقة الثانية فهي فرقة الذين هادوا أى: صاروا يهودا. يقال: هاد فلان وتهود أى:دخل في اليهودية.وسموا يهودا نسبة إلى «يهوذا» أحد أولاد يعقوب- عليه السلام-، وقلبت الذال دال عند التعريب. أو سموا يهودا حين تابوا من عبادة العجل مأخوذ من هاد يهود هودا بمعنى تاب. ومنه قوله- تعالى-: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ أى: تبنا إليك.والفرقة الثالثة هي فرقة «الصابئين» جمع صابئ، وهو الخارج من دين إلى آخر.يقال: صبأ الظّلف والناب والنجم- كمنع وكرم- إذا طلع.والمراد بهم: الخارجون من الدين الحق إلى الدين الباطل. وهم قوم يعبدون الكواكب والملائكة ويزعمون أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم.والفرقة الرابعة هي فرقة «النصارى» جمع نصران بمعنى نصراني كندامى وندمان. والياء في نصراني للمبالغة، وهم قوم عيسى- عليه السلام-، قيل: سموا بذلك لأنهم كانوا أنصارا له: وقيل: إن هذا الاسم مأخوذ من الناصرة، وهي القرية التي كان عيسى قد نزل بها.وأما الفرقة الخامسة فهي فرقة «المجوس» وهم قوم يعبدون الشمس والقمر والنار.وقيل: هم قوم أخذوا من دين النصارى شيئا، ومن دين اليهود شيئا، ويقولون: بأن للعالم أصلين: نورا وظلمة..وأما الفرقة السادسة والأخيرة فهي فرقة الذين أشركوا. والمشهور أنهم عبدة الأصنام والأوثان، وقيل ما يشملهم ويشمل معهم كل من اتخذ مع الله- تعالى- إلها آخر.وقوله- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ بيان لما سيكون عليه حالهم جميعا يوم القيامة، من حكم عادل سيحكم الله- تعالى- به عليهم.أى: إن الله تعالى يحكم بين هؤلاء جميعا بحكمه العادل يوم القيامة، إنه- سبحانه- على كل شيء شهيد، بحيث لا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه.قال الجمل ما ملخصه: ولهذه الآية قيل: الأديان ستة. واحد للرحمن وهو الإسلام.وخمسة للشيطان وهي ما عداه. وإنّ الثانية واسمها وخبرها في محل رفع خبر لإن الأولى.وقوله: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ تعليل لقوله: إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ..وكأن قائلا قال: أهذا الفصل عن علم أو لا؟ فقيل: إن الله على كل شيء شهيد. أى:علم به علم مشاهدة» .ثم بين- سبحانه- أن الكون كله يخضع لسلطانه- تعالى- ويسجد لوجهه فقال:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يخبر تعالى عن أهل هذه الأديان المختلفة من المؤمنين ، ومن سواهم من اليهود والصابئين - وقد قدمنا في سورة " البقرة " التعريف بهم ، واختلاف الناس فيهم - والنصارى والمجوس ، والذين أشركوا فعبدوا غير الله معه; فإنه تعالى ( يفصل بينهم يوم القيامة ) ، ويحكم بينهم بالعدل ، فيدخل من آمن به الجنة ، ومن كفر به النار ، فإنه تعالى شهيد على أفعالهم ، حفيظ لأقوالهم ، عليم بسرائرهم ، وما تكن ضمائرهم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيدقوله تعالى : إن الذين آمنوا أي بالله وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - . والذين هادوا اليهود ، وهم المنتسبون إلى ملة موسى - عليه السلام - . ( والصابئين ) هم قوم يعبدون النجوم . ( والنصارى ) هم المنتسبون إلى ملة عيسى . ( والمجوس ) هم عبدة النيران القائلين أن للعالم أصلين : نور وظلمة . قال قتادة : الأديان خمسة ، أربعة للشيطان وواحد للرحمن . وقيل : المجوس في الأصل النجوس لتدينهم باستعمال النجاسات ؛ والميم والنون يتعاقبان كالغيم والغين ، والأيم والأين . وقد مضى في البقرة هذا كله مستوفى . والذين أشركوا هم العرب عبدة الأوثان . إن الله يفصل بينهم يوم القيامة أي يقضي ويحكم ؛ فللكافرين النار ، وللمؤمنين الجنة . وقيل : هذا الفصل بأن يعرفهم المحق من المبطل بمعرفة ضرورية ، واليوم يتميز المحق عن المبطل بالنظر والاستدلال . إن الله على كل شيء شهيد أي من أعمال خلقه وحركاتهم وأقوالهم ، فلا يعزب عنه شيء منها ، سبحانه ! وقوله إن الله يفصل بينهم خبر إن في قوله : إن الذين آمنوا كما تقول : إن زيدا إن الخير عنده . وقال الفراء : ولا يجوز في الكلام إن زيدا إن أخاه منطلق ؛ وزعم أنه إنما جاز في الآية لأن في الكلام معنى المجازاة ؛ أي من آمن ومن تهود أو تنصر أو صبأ يفصل بينهم ، وحسابهم على الله - عز وجل - . ورد أبو إسحاق على الفراء هذا القول ، واستقبح قوله : لا يجوز إن زيدا إن أخاه منطلق ؛ قال : لأنه لا فرق بين زيد وبين الذين ، و ( إن ) تدخل على كل مبتدإ فتقول إن زيدا هو منطلق ، ثم تأتي بإن فتقول : إن زيدا إنه منطلق . وقال الشاعر :إن الخليفة إن الله سربله سربال عز به ترجى الخواتيم
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: إن الفصل بين هؤلاء المنافقين الذين يعبدون الله على حرف، والذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام، والذين هادوا، وهم اليهود والصابئين والنصارى والمجوس الذي عظموا النيران وخدموها، وبين الذين آمنوا بالله ورسله إلى الله، وسيفصل بينهم يوم القيامة بعدل من القضاء وفصله بينهم إدخاله النار الأحزاب كلهم والجنة المؤمنين به وبرسله، فذلك هو الفصل من الله بينهم.وكان قَتادة يقول في ذلك ما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) قال: الصابئون: قوم يعبدون الملائكة، ويصلون للقبلة، ويقرءون الزبور. والمجوس: يعبدون الشمس والقمر والنيران. والذين أشركوا: يعبدون الأوثان. والأديان ستة: خمسة للشيطان، وواحد للرحمن. وأدخلت " إن " في خبر " إن " الأولى لما ذكرت من المعنى، وأن الكلام بمعنى الجزاء، كأنه قيل: من كان على دين من هذه الأديان، ففصل ما بينه وبين من خالفه على الله والعرب تدخل أحيانا في خبر " إن " إذا كان خبر الاسم الأوّل في اسم مضاف إلى ذكره، فتقول: إن عبد الله إن الخير عنده لكثير، كما قال الشاعر.إنَّ الخَلِيفَةَ إن اللهَ سَرْبَلَهُسِرْبالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجَى الخَوَاتِيمُ (1)وكان الفرّاء يقول: من قال هذا لم يقل: إنك إنك قائم، ولا إن إياك إنه قائم، لأن الاسمين قد اختلفا، فحسن رفض الأوّل، وجعل الثاني كأنه هو المبتدأ، فحسن للاختلاف وقبح للاتفاق.وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) يقول: إن الله على كل شيء من أعمال هؤلاء الأصناف الذين ذكرهم الله جلّ ثناؤه، وغير ذلك من الأشياء كلها شهيد لا يخفى عنه شيء من ذلك.القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُيقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:ألم تر يا محمد بقلبك، فتعلم أن الله يسجد له من في السماوات من الملائكة، ومن في الأرض من الخلق من الجنّ وغيرهم، والشمس والقمر والنجوم في السماء، والجبال، والشجر، والدوابّ في الأرض، وسجود ذلك ظلاله حين تطلع عليه الشمس، وحين تزول، إذا تحولّ ظلّ كل شيء فهو سجوده.كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ) قال: ظلال هذا كله.وأما سجود الشمس والقمر والنجوم، فإنه كما حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ ومحمد بن جعفر، قالا ثنا عوف، قال: سمعت أبا العالية الرياحي يقول: ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر، إلا يقع لله ساجدا حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، فيأخذ ذات اليمين، وزاد محمد: حتى يرجع إلى مطلعه.وقوله: ( وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ) يقول: ويسجد كثير من بني آدم، وهم المؤمنون بالله.كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ( وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ) قال: المؤمنون. وقوله: ( وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ) يقول تعالى ذكره: وكثير من بني آدم حقّ عليه عذاب الله، فوجب عليه بكفره به، وهو مع ذلك يسجد لله ظله.كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد ( وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ) وهو يسجد مع ظله ، فعلى هذا التأويل الذي ذكرناه عن مجاهد، وقع قوله ( وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ) بالعطف على قوله ( وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ) ويكون داخلا في عداد من وصفه الله بالسجود له، ويكون قوله ( حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ) من صلة كثير، ولو كان " الكثير الثاني " من لم يدخل في عداد من وصف بالسجود كان مرفوعا بالعائد من ذكره في قوله: ( حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ) وكان معنى الكلام حينئذ: وكثير أبى السجود، لأن قوله ( حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ) يدلّ على معصية الله وإبائه السجود، فاستحقّ بذلك العذاب.------------------------الهوامش:(1) البيت لجرير ( ديوانه طبعة الصاوي ، ص 527 ) وهو من قصيدة يمدح بها بعض بني مروان وفي روايته : " يكفي " في موضع " إن " الأولى . وتزجى ، في موضع ترجى . قال شارح شواهد الكشاف : خاتم الشيء : عاقبته . وتزجى أي تساق خواتيم الإمارة ، والخاتم بفتح التاء وكسرها ، يقال أزجيت الإبل أي سقتها . والبيت شاهد عند قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين . . . . . إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ) أدخلت إن على كل واحد من جزأي الجملة ، لزيادة التأكيد . وحسن دخول إن الثانية على الجملة الواقعة خبرا ، طول الفصل بينهما بالمعاطيف . والمؤلف ساق البيت شاهدا على أنه نظير ما في الآية من دخول إن الثانية على جملة الخبر إذا كان فيه ضمير . ويجوز في البيت وجه آخر ، وهو أن تكون جملة إن الله سربله سربال ملك ، جملة معترضة بين اسم إن وخبرها ، ولا يجوز ذلك في الآية ، قاله أبو حيان ، ونقله عن شارح شواهد الكشاف . أه . والسربال : القميص والدرع . والمراد هنا الأول .
﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ﴾