القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 20 سورة آل عمران - فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن

سورة آل عمران الآية رقم 20 : سبع تفاسير معتمدة

سورة فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن - عدد الآيات 200 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 20 من سورة آل عمران عدة تفاسير - سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - - الصفحة 52 - الجزء 3.

سورة آل عمران الآية رقم 20


﴿ فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ ﴾
[ آل عمران: 20]

﴿ التفسير الميسر ﴾

فإن جادلك -أيها الرسول- أهل الكتاب في التوحيد بعد أن أقمت الحجة عليهم فقل لهم: إنني أخلصت لله وحده فلا أشرك به أحدًا، وكذلك من اتبعني من المؤمنين، أخلصوا لله وانقادوا له. وقل لهم ولمشركي العرب وغيرهم: إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم والهدى والحق، وإن توليتم فحسابكم على الله، وليس عليَّ إلا البلاغ، وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة. والله بصير بالعباد، لا يخفى عليه من أمرهم شيء.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«فإن حاجوك» خاصمك الكفار يا محمد في الدين «فقل» لهم «أسلمت وجهي لله» أنقدت له أنا «ومن اتبعن» وخص الوجه بالذكر لشرفه فغيره أولى «وقل للذين أوتوا الكتاب» اليهود والنصارى و «الأميين» مشركي العرب «أأسلمتم» أي أسلموا «فإن أسلموا فقد اهتدوا» من الضلال «وإن تولوا» عن الإسلام «فإنما عليك البلاغ» أي التبليغ للرسالة «والله بصير بالعباد» فيجازيهم بأعمالهم وهذا قبل الأمر بالقتال

﴿ تفسير السعدي ﴾

ثم أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عند محاجة النصارى وغيرهم ممن يفضل غير دين الإسلام عليه أن يقول لهم: قد أسلمت وجهي لله ومن اتبعن أي: أنا ومن اتبعني قد أقررنا وشهدنا وأسلمنا وجوهنا لربنا، وتركنا ما سوى دين الإسلام، وجزمنا ببطلانه، ففي هذا تأييس لمن طمع فيكم، وتجديد لدينكم عند ورود الشبهات، وحجة على من اشتبه عليه الأمر، لأنه قد تقدم أن الله استشهد على توحيده بأهل العلم من عباده ليكونوا حجة على غيرهم، وسيد أهل العلم وأفضلهم وأعلمهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم من بعده أتباعه على اختلاف مراتبهم وتفاوت درجاتهم، فلهم من العلم الصحيح والعقل الرجيح ما ليس لأحد من الخلق ما يساويهم أو يقاربهم، فإذا ثبت وتقرر توحيد الله ودينه بأدلته الظاهرة، وقام به أكمل الخلق وأعلمهم، حصل بذلك اليقين وانتفى كل شك وريب وقادح، وعرف أن ما سواه من الأديان باطلة، فلهذا قال وقل للذين أوتوا الكتاب من النصارى واليهود والأميين مشركي العرب وغيرهم أأسلمتم فإن أسلموا أي: بمثل ما أمنتم به فقد اهتدوا كما اهتديتم وصاروا إخوانكم، لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم وإن تولوا عن الإسلام ورضوا بالأديان التي تخالفه فإنما عليك البلاغ فقد وجب أجرك على ربك، وقامت عليهم الحجة، ولم يبق بعد هذا إلا مجازاتهم بالعقاب على جرمهم، فلهذا قال والله بصير بالعباد

﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى : ( فإن حاجوك ) أي خاصموك يا محمد في الدين ، وذلك أن اليهود والنصارى قالوا : لسنا على ما سميتنا به يا محمد إنما اليهودية والنصرانية نسب ، والدين هو الإسلام ونحن عليه فقال الله تعالى ( فقل أسلمت وجهي لله ) أي انقدت لله وحده بقلبي ولساني وجميع جوارحي ، وإنما خص الوجه لأنه أكرم الجوارح من الإنسان وفيه بهاؤه ، فإذا خضع وجهه للشيء خضع له جميع جوارحه ، وقال الفراء : معناه أخلصت عملي لله ( ومن اتبعن ) أي ومن اتبعني أسلم كما أسلمت ، وأثبت نافع وأبو عمرو الياء في قوله تعالى ( اتبعني ) على الأصل وحذفها الآخرون على الخط لأنها في المصحف بغير ياءوقوله : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ) يعني العرب ( أأسلمتم ) لفظه استفهام ومعناه أمر ، أي أسلموا كما قال " فهل أنتم منتهون " ( 91 - المائدة ) أي انتهوا ، ( فإن أسلموا فقد اهتدوا ) فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال أهل الكتاب : أسلمنا ، فقال لليهود : أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله قالوا : معاذ الله ، وقال للنصارى : أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله ؟ قالوا : معاذ الله أن يكون عيسى عبدا فقال الله عز وجل ( وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ) أي تبليغ الرسالة وليس عليك الهداية ( والله بصير بالعباد ) عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم لقن الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم ما يرد به على أهل الكتاب إذا ما جادلوه أو خاصموه ليحسم الأمر معهم ومع غيرهم من المشركين وليمضى في طريقه الواضح المستقيم فقال- تعالى- فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ.
وقوله حَاجُّوكَ من المحاجة وهي أن يتبادل المتجادلان الحجة، بأن يقدم كل واحد حجته ويطلب من الآخر أن يرد عليها أو يقدم الحجة على ما يدعيه ويزعم أنه الحق الذي لا شك فيه.
والمعنى: فإن جادلك- يا محمد- أهل الكتاب ومن لف لفهم بالأقاويل المزورة والمغالطات الباطلة بعد أن قامت الحجج على صدقك.
فلا تسر معهم في لجاجتهم، ولا تلتفت إلى أكاذيبهم، بل قل لهم أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ أى أخلصت عبادتي الله وحده، وأطعته وانقدت له، وكذلك من اتبعنى وآمن بي قد أسلم وجهه الله وأخلص له العبادة.
والمراد بالوجه هنا الذات، وعبر بالوجه عن سائر الذات لأنه أشرف أعضاء الشخص، ولأنه هو الذي تكون به المواجهة، وهو مجمع محاسن الجسم فالتعبير به عن الجسم كله تعبير بجزء له شأن خاص وتتم به إرادة الكل.
ومَنِ في قوله وَمَنِ اتَّبَعَنِ في محل رفع عطفا على الضمير المتصل في أَسْلَمْتُ أى أسلمت أنا ومن اتبعنى.
وجاء العطف على الضمير المرفوع من غير تأكيد لوجود الفاصل بينهما.
وقوله وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ عطف على الجملة الشرطية، والمراد بالأميين الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب.
والاستفهام في قوله أَأَسْلَمْتُمْ للحض على أن يسلموا وجوههم الله، ويتبعوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما اتبعه المسلمون.
والمعنى: فإن جادلوك في الدين- يا محمد- بعد أن تبين لكل عاقل صدقك، فقل لهؤلاء المعاندين إنى أسلمت وجهى الله وكذلك أتباعى أسلموا وجوههم الله، وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أسلموا تسلموا فقد تبين لكم أنى على حق، ومن شأن العاقل أنه إذا تبين له الحق أن يدخل فيه وأن يترك العناد والمكابرة.
قال صاحب الكشاف: وقوله أَأَسْلَمْتُمْ يعنى أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضى حصوله لا محالة فهل أسلمتم أم أنتم بعد على كفركم وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تبق من طرق البيان طريقا إلا سلكته: هل فهمتها لا أم لك.
ومنه قوله- تعالى- فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر.
وفي هذا الاستفهام استقصار- أى عد المخاطب قاصرا- وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف في إذعانه للحق .
ثم بين- سبحانه- ما يترتب على إسلامهم من نتائج، وما يترتب على إعراضهم من شرور تعود عليهم فقال: فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ.
أى: فإن أسلموا وجوههم الله وصدقوا بما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم فقد اهتدوا إلى طريق الحق، لأن هذا الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس وإن أعرضوا عن هذا الطريق المستقيم، فإن إعراضهم لن يضرك- أيها الرسول الكريم- لأن الذي عليك إنما هو تبليغ الناس ما أمرك الله بتبليغه إياهم.
وهو- سبحانه- بصير بخلقه لا تخفى عليه خافية من أقوالهم أو أفعالهم، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه.
وعبر بالماضي في قوله فَقَدِ اهْتَدَوْا مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى لهم وقوله فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ قائم مقام جواب الشرط أى وإن تولوا لا يضرك توليهم شيئا إذ ما عليك إلا البلاغ وقد أديته على أكمل وجه وأبلغه.
وقوله وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ تذييل فيه عزاء للنبي صلّى الله عليه وسلّم عن كفرهم، وإشارة إلى أحوالهم، وإنذار بسوء مصيرهم، لأنه- سبحانه- عليم بنفوس الناس جميعا وسيجازى كل إنسان بما يستحقه، وفيه كذلك وعد للمؤمنين بحسن العاقبة، وجزيل الثواب.
قال ابن كثير: وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته صلّى الله عليه وسلّم إلى جميع الخلق كما هو معلوم من دينه ضرورة، وكما دل عليه الكتاب والسنة في غير ما آية وحديث فمن ذلك قوله- تعالى- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً وقال- تعالى- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً.
وفي الصحيحين وغير هما مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة أنه صلّى الله عليه وسلّم بعث كتبه يدعو إلى الله ملوك الآفاق وطوائف بنى آدم من عربهم وعجمهم.
كتابيهم وأميهم امتثالا لأمر الله له بذلك، فعن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار» .
وقال صلّى الله عليه وسلّم «بعثت إلى الأحمر والأسود» .
وقال: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» وعن أنس- رضى الله عنه- أن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلّى الله عليه وسلّم وضوءه ويناوله نعليه فمرض.
فأتاه النبي صلّى الله عليه وسلّم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا فلان قل لا إله إلا الله، فنظر إلى أبيه فسكت أبوه فأعاد عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم القول.
فنظر إلى أبيه، فقال له أبوه أطع أبا القاسم.
فقال الغلام أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: الحمد لله الذي أخرجه بي من النار» رواه البخاري في الصحيح.
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث.
وبهذا نرى أن الآيات الكريمة قد بينت للناس في كل زمان ومكان أن دين الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده وشهد بذلك خالق هذا الكون- عز وجل- وكفى بشهادته شهادة كما شهد بذلك الملائكة المقربون والعلماء المخلصون.
كما بينت أن كثيرا من الذين أوتوا الكتاب يعلمون هذه الحقيقة ولكنهم يكتمونها ظلما وبغيا، كما بينت- أيضا- أن الذين يدخلون في هذا الدين يكونون بدخولهم قد اهتدوا إلى الطريق القويم، وأن الذين يعرضون عنه سيعاقبون بما يستحقونه بسبب هذا الإعراض عن الحق المبين.
ثم انتقل القرآن إلى سرد بعض الرذائل التي عرف بها اليهود وعرف بها أسلافهم، وبين سوء مصيرهم ومصير كل من يفعل فعلهم فقال- تعالى-:

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

ثم قال تعالى : ( فإن حاجوك ) أي : جادلوك في التوحيد ( فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن ) أي : فقل أخلصت عبادتي لله وحده ، لا شريك له ولا ند [ له ] ولا ولد ولا صاحبة له ( ومن اتبعن ) على ديني ، يقول كمقالتي ، كما قال تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني [ وسبحان الله وما أنا من المشركين ] ) [ يوسف : 108 ] .ثم قال تعالى آمرا لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى طريقته ودينه ، والدخول في شرعه وما بعثه الله به الكتابيين من الملتين والأميين من المشركين فقال : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ) أي : والله عليه حسابهم وإليه مرجعهم ومآبهم ، وهو الذي يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وله الحكمة في ذلك ، والحجة البالغة ، ولهذا قال : ( والله بصير بالعباد ) أي : هو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة ، وهو الذي ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) [ الأنبياء : 33 ] وما ذاك إلا لحكمته ورحمته .وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته ، صلوات الله وسلامه عليه ، إلى جميع الخلق ، كما هو معلوم من دينه ضرورة ، وكما دل عليه الكتاب والسنة في غير ما آية وحديث ، فمن ذلك قوله تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] وقال تعالى : ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] وفي الصحيحين وغيرهما ، مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة ، أنه بعث كتبه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله ملوك الآفاق ، وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم ، كتابيهم وأميهم ، امتثالا لأمر الله له بذلك . وقد روى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أهل النار " رواه مسلم .وقال صلى الله عليه وسلم : " بعثت إلى الأحمر والأسود " وقال : " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " . وقال الإمام أحمد : حدثنا مؤمل ، حدثنا حماد ، حدثنا ثابت عن أنس ، رضي الله عنه : أن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه ويناوله نعليه ، فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ، قل : لا إله إلا الله " فنظر إلى أبيه ، فسكت أبوه ، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى أبيه ، فقال أبوه : أطع أبا القاسم ، فقال الغلام : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الحمد لله الذي أخرجه بي من النار " أخرجه البخاري في الصحيح إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد قوله تعالى : فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله أي جادلوك بالأقاويل المزورة والمغالطات ، فأسند أمرك إلى ما كلفت من الإيمان والتبليغ وعلى الله نصرك .
وقوله وجهي بمعنى ذاتي ; ومنه الحديث سجد وجهي للذي خلقه وصوره .
وقيل : الوجه هنا بمعنى القصد ; كما تقول : خرج فلان في وجه كذا .
وقد تقدم هذا المعنى في البقرة مستوفى ; والأول أولى .
وعبر بالوجه عن سائر الذات إذ هو أشرف أعضاء الشخص وأجمعها للحواس .
وقال :أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالاوقد قال حذاق المتكلمين في قوله تعالى : ويبقى وجه ربك : إنها عبارة عن الذات وقيل : العمل الذي يقصد به وجهه .
وقوله : ومن اتبعن " من " في محل رفع عطفا على التاء في قوله أسلمت أي ومن اتبعني أسلم أيضا ، وجاز العطف على الضمير المرفوع من غير تأكيد للفصل بينهما .
وأثبت نافع وأبو عمرو ويعقوب ياء " اتبعني " على الأصل ، وحذف الآخرون اتباعا للمصحف إذ وقعت فيه بغير ياء .
وقال الشاعر :ليس تخفى يسارتي قدر يوم ولقد تخفي شيمتي إعساريقوله تعالى : وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد يعني اليهود والنصارى والأميين الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب .
أأسلمتم استفهام معناه التقرير وفي ضمنه الأمر ، أي أسلموا ; كذا قال الطبري وغيره .
وقال الزجاج : أأسلمتم تهديد .
وهذا حسن لأن المعنى أأسلمتم أم لا .
وجاءت العبارة في قوله فقد اهتدوا بالماضي مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى لهم وتحصيله .
و " البلاغ " مصدر بلغ بتخفيف عين الفعل ، أي إنما عليك أن تبلغ .
وقيل : إنه مما نسخ بالجهاد .
وقال ابن عطية : وهذا يحتاج إلى معرفة تاريخ نزولها ; وأما على ظاهر نزول هذه الآيات في وفد نجران فإنما المعنى فإنما عليك أن تبلغ ما أنزل إليك بما فيه من قتال وغيره .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن حاجَّك: يا محمد، النفرُ من نصارى أهل نجران في أمر عيسى صلوات الله عليه، فخاصموك فيه بالباطل، (44) فقل: انقدت لله وحده بلساني وقلبي وجميع جوارحي.
وإنما خَصّ جل ذكره بأمره بأن يقول: " أسلمت وجهي لله "، لأن الوجه أكرمُ جوارح ابن آدم عليه، وفيه بهاؤه وتعظيمه، فإذا خضع وجهه لشيء، فقد خضع له الذي هو دونه في الكرامة عليه من جوارح بدنه.
(45)* * *وأما قوله: " ومن اتبعني"، فإنه يعني: وأسلم من اتبعني أيضًا وجهه لله معي.
و " من " معطوف بها على " التاء " في" أسلمت "، كما:-6773 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " فإن حاجُّوك " أي: بما يأتونك به من الباطل، من قولهم: " خَلقنا، وفعلنا، وجعلنا، وأمرنا "، فإنما هي شبه باطلة قد عرفوا ما فيها من الحق =" فقل أسلمت وَجهي لله ومن اتبعني".
(46)* * *القول في تأويل قوله : وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْاقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " وقل "، يا محمد، = للذين أوتوا الكتاب " من اليهود والنصارى =" والأميين " الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب =" أأسلمتم "، يقول: قل لهم: هل أفردتم التوحيد وأخلصتم العبادة والألوهة لرب العالمين، دون سائر الأنداد والأشراك التي تشركونها معه في عبادتكم إياهم وإقراركم بربوبيتهم، (47) وأنتم تعلمون أنه لا ربّ غيره ولا إله سواه =" فإن أسلموا "، يقول: فإن انقادوا لإفراد الوحدانية لله وإخلاص العبادة والألوهة له =" فقد اهتدوا "، يعني: فقد أصابوا سبيل الحق، وسلكوا مَحَجَّة الرشد.
(48)* * *فإن قال قائل: وكيف قيل: " فإن أسلموا فقد اهتدوا " عقيب الاستفهام؟ وهل يجوز على هذا في الكلام أن يقال لرجل: " هل تقوم؟ فإن تقم أكرمك "؟قيل: ذلك جائز، إذا كان الكلام مرادًا به الأمر، وإن خرج مخرج الاستفهام، كما قال جل ثناؤه: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [سورة المائدة: 91]، يعني: انتهوا، وكما قال جل ثناؤه مخبرًا عن الحواريين أنهم قالوا لعيسى: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ [سورة المائدة: 112]، وإنما هو مسألة، كما يقول الرجل: " هل أنت كافٌّ عنا "؟ بمعنى: اكفف عنا، وكما يقول الرجل للرجل: " أينَ، أين "؟ بمعنى: أقم فلا تبرح، ولذلك جُوزي في الاستفهام كما جوزي في الأمر في قراءة عبد الله: ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ آمِنُوا ) [سورة الصف: 10، 11]، ففسرها بالأمر، (49) وهي في قراءتنا على الخبر.
فالمجازاة في قراءتنا على قوله: " هل أدلكم "، وفي قراءة عبد الله على قوله: "آمنوا "، على الأمر، لأنه هو التفسير.
(50)* * *وبنحو معنى ما قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل:6774 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين "، الذين لا كتاب لهم =" أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا " الآية.
(51)6775 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين "، قال: الأميون الذين لا يكتبون.
* * *القول في تأويل قوله : وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وإن تولوا "، وإن أدبروا مُعرضين عما تدعوهم إليه من الإسلام وإخلاص التوحيد لله رب العالمين، (52) فإنما أنت رسولٌ مبلِّغ، وليس عليك غير إبلاغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه من خلقي، وأداء ما كلَّفتك من طاعتي =" والله بصيرٌ بالعباد "، (53) يعني بذلك: والله ذو علم بمن يقبل من عباده ما أرسلتك به إليه فيطيعك بالإسلام، وبمن يتولَّى منهم عنه معرضًا فيردّ عليك ما أرسلتك به إليه، فيعصيك بإبائه الإسلامَ.
-------------------------الهوامش :(44) انظر تفسير"حاج" فيما سلف 3: 120 ، 201 / ثم 5: 429 ، 430.
(45) انظر تفسير"أسلم وجهه" فيما سلف 2: 510-512 ، وتفسير"الإسلام" في مراجعه التي ذكرتها آنفًا ص: 275 تعليق: 1.
(46) الأثر: 6773 - رواه ابن هشام في سيرته 2: 227 ، وهو من بقية الآثار التي آخرها رقم: 6770.
(47) "الأشراك" جمع"شريك" ، كما يقال: يتيم وأيتام وشريف وأشراف.
وقياسه شركاء ، مثل شرفاء.
(48) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف في فهارس اللغة.
وتفسير"الأميين" فيما سلف: 257-259 ، والأثر رقم: 5827 ، وفي كلام الطبري نفسه 5: 441 ، تعليق: 2.
(49) في معاني القرآن للفراء 1: 202"ففسر (هل أدلكم) بالأمر" ، وما هاهنا شبيه بالصواب أيضًا.
هذا ، وقراءتنا في مصحفنا"تؤمنون بالله" مكان"آمنوا" في قراءة عبد الله.
(50) هذا نص ما في معاني القرآن للفراء 1: 202.
(51) الأثر: 6774- ابن هشام في سيرته عن ابن إسحاق 2: 227 ، وهو بقية الآثار التي آخرها رقم: 6773.
(52) انظر تفسير"تولى" فيما سلف 2: 162-164 ، 298 ، 299 / ثم 3: 115 ، 131 / ثم 4: 237.
(53) انظر تفسير"بصير بالعباد" فيما سلف آنفًا: 262.
والمراجع في التعليق: 3.

﴿ فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ﴾

قراءة سورة آل عمران

المصدر : تفسير : فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن