القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 21 سورة يوسف - وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي

سورة يوسف الآية رقم 21 : سبع تفاسير معتمدة

سورة وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي - عدد الآيات 111 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 21 من سورة يوسف عدة تفاسير - سورة يوسف : عدد الآيات 111 - - الصفحة 237 - الجزء 12.

سورة يوسف الآية رقم 21


﴿ وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗاۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾
[ يوسف: 21]

﴿ التفسير الميسر ﴾

ولما ذهب المسافرون بيوسف إلى "مصر" اشتراه منهم عزيزها، وهو الوزير، وقال لامرأته: أحسني معاملته، واجعلي مقامه عندنا كريمًا، لعلنا نستفيد من خدمته، أو نقيمه عندنا مقام الولد، وكما أنجينا يوسف وجعلنا عزيز "مصر" يَعْطِف عليه، فكذلك مكنَّا له في أرض "مصر"، وجعلناه على خزائنها، ولنعلِّمه تفسير الرؤى فيعرف منها ما سيقع مستقبلا. والله غالب على أمره، فحكمه نافذ لا يبطله مبطل، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر كله بيد الله.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«وقال الذي اشتراه من مصر» وهو قطفير العزيز «لامرأته» زليخا «أكرمي مثواه» مقامه عندنا «عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا» وكان حصورا «وكذلك» كما نجيناه من القتل والجب وعطفنا عليه قلب العزيز «مكنَّا ليوسف في الأرض» أرض مصر حتى بلغ ما بلغ «ولنعلِّمه من تأويل الأحاديث» تعبير الرؤيا عطف على مقدر متعلق بمكنا أي لنملكه أو الواو زائدة «والله غالب على أمره» تعالى لا يعجزه شيء «ولكن أكثر الناس» وهم الكفار «لا يعلمون» ذلك.

﴿ تفسير السعدي ﴾

أي: لما ذهب به السيارة إلى مصر وباعوه بها، فاشتراه عزيز مصر، فلما اشتراه، أعجب به، ووصى عليه امرأته وقال: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا أي: إما أن ينفعنا كنفع العبيد بأنواع الخدم، وإما أن نستمتع فيه استمتاعنا بأولادنا، ولعل ذلك أنه لم يكن لهما ولد، وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ أي: كما يسرنا له أن يشتريه عزيز مصر، ويكرمه هذا الإكرام، جعلنا هذا مقدمة لتمكينه في الأرض من هذا الطريق.
وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ إذا بقي لا شغل له ولا همَّ له سوى العلم صار ذلك من أسباب تعلمه علما كثيرا، من علم الأحكام، وعلم التعبير، وغير ذلك.
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ أي: أمره تعالى نافذ، لا يبطله مبطل، ولا يغلبه مغالب، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ فلذلك يجري منهم ويصدر ما يصدر، في مغالبة أحكام الله القدرية، وهم أعجز وأضعف من ذلك.


﴿ تفسير البغوي ﴾

( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته ) واسمها : راعيل وقيل : زليخا ( أكرمي مثواه ) أي : منزله ومقامه ، والمثوى : موضع الإقامة .
وقيل : أكرميه في المطعم والملبس والمقام .
وقال قتادة ، وابن جريج : منزلته .
( عسى أن ينفعنا ) أي : نبيعه بالربح إن أردنا البيع ، أو يكفينا إذا بلغ بعض أمورنا .
( أو نتخذه ولدا ) أي : نتبناه .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : أفرس الناس ثلاثة : العزيز في يوسف حيث قال لامرأته : أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا ، وابنة شعيب عليه السلام حيث قالت لأبيها في موسى عليه السلام : يا أبت استأجره ، وأبو بكر في عمر رضي الله عنهما حيث استخلفه .
( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ) [ أي : في أرض مصر ] أي : كما أنقذنا يوسف من القتل وأخرجناه من الجب ، كذلك [ مكنا له ] في الأرض فجعلناه على خزائنها .
( ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) أي : [ مكنا له ] في الأرض لكي نعلمه من تأويل الأحاديث ، وهي عبارة عن الرؤيا .
( والله غالب على أمره ) قيل : الهاء في أمره كناية عن الله تعالى ، يقول : إن الله غالب على أمره يفعل ما يشاء ، لا يغلبه شيء ولا يرد حكمه راد .
وقيل : هي راجعة إلى يوسف عليه السلام معناه : إن الله مستول على أمر يوسف بالتدبير [ والحياطة ] لا يكله إلى أحد حتى يبلغ منتهى علمه فيه .
( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ما الله به صانع .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

وقوله- سبحانه-: وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً .
.
.
بيان لبعض مظاهر رعاية الله- تعالى- ليوسف- عليه السلام-.
والذي اشتراه، قالوا إنه كان رئيس الشرطة لملك مصر في ذلك الوقت ولقبه القرآن بالعزيز كما سيأتى في قوله- تعالى-: قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ.
.
.
.
ومِنْ مِصْرَ صفة لقوله الَّذِي اشْتَراهُ.
وامرأته: المراد بها زوجته، واسمها كما قيل زليخا أو راعيل.
ومثواه من المثوى وهو مكان الإقامة والاستقرار.
يقال: ثوى فلان بمكان كذا، إذا أطال الإقامة به.
ومنه قوله- تعالى- وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ .
.
.
أى مقيما معهم.
أى: وقال الرجل المصرى الذي اشترى يوسف لامرأته: اجعلي محل إقامته كريما، وأنزليه منزلا حسنا مرضيا.
وهذا كناية عن وصيته لها بإكرامه على أبلغ وجه، لأن من أكرم المحل بتنظيفه وتهيئته تهيئة حسنة فقد أكرم صاحبه.
قال صاحب الكشاف: قوله أَكْرِمِي مَثْواهُ أى: اجعلي منزله ومقامه عندنا كريما:أى حسنا مرضيا بدليل قوله بعد ذلك إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ.
والمراد: تفقديه بالإحسان، وتعهديه بحسن الملكة، حتى تكون نفسه طيبة في صحبتنا، ساكنة في كنفنا.
ويقال للرجل: كيف أبو مثواك وأم مثواك؟ لمن ينزل به من رجل أو امرأة، يراد هل تطيب نفسك بثوائك عنده وهل يراعى حق نزولك به؟ واللام في لِامْرَأَتِهِ متعلق بقال .
.
.
» .
وقوله: عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً .
.
.
بيان لسبب أمره لها بإكرام مثواه.
أى: عسى هذا الغلام أن ينفعنا في قضاء مصالحنا، وفي مختلف شئوننا، أو نتبناه فيكون منا بمنزلة لولد، فإنى أرى فيه علامات الرشد والنجابة، وأمارات الأدب وحسن الخلق.
قالوا وهذه الجملة أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً توحى بأنهما لم يكن عندهما أولاد.
والكاف في قوله- سبحانه- وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ في محل نصب، على أنه نعت لمصدر محذوف والإشارة الى ما تقدم من إنجائه من إخوته، وانتشاله من الجب، ومحبة العزيز له.
.
و «مكنا» من التمكين بمعنى التثبيت، والمراد بالأرض: أرض مصر التي نزل فيها.
أى: ومثل ذلك التمكين البديع الدال على رعايتنا له، مكنا ليوسف في أرض مصر، حتى صار أهلا للأمر والنهى فيها.
وقوله- سبحانه- وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ علة لمعلل محذوف، فكأنه قيل:وفعلنا ذلك التمكين له، لنعلمه من تأويل الأحاديث، بأن نهبه من صدق اليقين، واستنارة العقل، ما يجعله يدرك معنى الكلام إدراكا سليما، ويفسر الرؤى تفسيرا صحيحا صادقا.
وقوله: وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ تذييل قصد به بيان قدرة الله- تعالى- ونفاذ مشيئته.
فأمر الله هنا: هو ما قدره وأراده.
أى: والله- تعالى- متمم ما قدره وأراده، لا يمنعه من ذلك مانع، ولا ينازعه منازع، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك حق العلم، فيما يأتون ويذرون من أقوال وأفعال.
والتعبير بقوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ احتراس لإنصاف ومدح القلة من الناس الذين يعطيهم الله- تعالى- من فضله ما يجعلهم لا يندرجون في الكثرة التي لا تعلم، بل هو- سبحانه- يعطيهم من فضله ما يجعلهم يعلمون ما لا يعلمه غيرهم.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يخبر تعالى بألطافه بيوسف ، عليه السلام ، أنه قيض له الذي اشتراه من مصر ، حتى اعتنى به وأكرمه ، وأوصى أهله به ، وتوسم فيه الخير والفلاح ، فقال لامرأته : ( أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) وكان الذي اشتراه من مصر عزيزها ، وهو الوزير بها . [ قال ] العوفي ، عن ابن عباس : وكان اسمه قطفير .وقال محمد بن إسحاق : اسمه إطفير بن روحيب ، وهو العزيز ، وكان على خزائن مصر ، وكان الملك يومئذ الريان بن الوليد ، رجل من العماليق قال : واسم امرأته راعيل بنت رعائيل .وقال غيره : اسمها زليخا .وقال محمد بن إسحاق أيضا ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : كان الذي باعه بمصر مالك بن دعر بن بويب بن عنقا بن مديان بن إبراهيم ، فالله أعلم .وقال أبو إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال : أفرس الناس ثلاثة : عزيز مصر حين قال لامرأته : ( أكرمي مثواه ) والمرأة التي قالت لأبيها [ عن موسى ] : ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) [ القصص : 26 ] وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما .يقول تعالى : وكما أنقذنا يوسف من إخوته ، ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ) يعني : بلاد مصر ، ( ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) قال مجاهد والسدي : هو تعبير الرؤيا ، ( والله غالب على أمره ) أي إذا أراد شيئا فلا يرد ولا يمانع ولا يخالف ، بل هو الغالب لما سواه .قال سعيد بن جبير في قوله : ( والله غالب على أمره ) أي : فعال لما يشاء .وقوله : ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) يقول : لا يدرون حكمته في خلقه ، وتلطفه لما يريد .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمونقوله تعالى : وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه قيل : الاشتراء هنا بمعنى الاستبدال ; إذ لم يكن ذلك عقدا ، مثل : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى .
وقيل : إنهم ظنوه في ظاهر الحال اشتراء ، فجرى هذا اللفظ على ظاهر الظن .
قال الضحاك : هذا الذي اشتراه ملك مصر ، ولقبه العزيز .
السهيلي : واسمه قطفير .
وقال ابن إسحاق : إطفير بن رويحب اشتراه لامرأته راعيل ; ذكره الماوردي .
وقيل : كان اسمها زليخاء .
وكان الله ألقى محبة يوسف على قلب العزيز ، فأوصى به أهله ; ذكره القشيري .
وقد ذكر القولين في اسمها الثعلبي وغيره .
وقال ابن عباس : إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر ، وهو الريان بن الوليد .
وقيل : الوليد بن الريان ، وهو رجل من العمالقة .
وقيل : هو فرعون موسى ; لقول موسى : ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات وأنه عاش أربعمائة سنة .
وقيل : فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف ، على ما يأتي في [ غافر ] بيانه .
وكان هذا العزيز الذي اشترى يوسف على خزائن الملك ; واشترى يوسف من مالك بن دعر بعشرين دينارا ، وزاده حلة ونعلين .
وقيل : اشتراه من أهل الرفقة .
وقيل : تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكا وعنبرا وحريرا وورقا وذهبا ولآلئ وجواهر لا يعلم قيمتها إلا الله ; فابتاعه قطفير من مالك بهذا الثمن ; قاله وهب بن منبه .
وقال وهب أيضا وغيره : ولما اشترى مالك بن دعر يوسف من إخوته كتب بينهم وبينه كتابا : هذا ما اشترى مالك بن دعر من بني يعقوب ، وهم فلان وفلان مملوكا لهم بعشرين درهما ، وقد شرطوا له أنه آبق ، وأنه لا ينقلب به إلا مقيدا مسلسلا ، وأعطاهم على ذلك عهد الله .
قال : فودعهم يوسف عند ذلك ، وجعل يقول : حفظكم الله وإن ضيعتموني ، نصركم الله وإن خذلتموني ، رحمكم الله وإن لم ترحموني ; قالوا : فألقت الأغنام ما في بطونها دما عبيطا لشدة هذا التوديع ، وحملوه على قتب بغير غطاء ولا وطاء ، مقيدا مكبلا مسلسلا ، فمر على مقبرة آل كنعان فرأى قبر أمه - وقد كان وكل به أسود يحرسه فغفل الأسود - فألقى يوسف نفسه على قبر أمه فجعل يتمرغ ويعتنق القبر ويضطرب ويقول : يا أماه ! ارفعي رأسك تري ولدك مكبلا مقيدا مسلسلا مغلولا ; فرقوا بيني وبين والدي ، فاسألي الله أن يجمع بيننا في مستقر رحمته إنه أرحم الراحمين ، فتفقده الأسود على البعير فلم يره ، فقفا أثره ، فإذا هو بياض على قبر ، فتأمله فإذا هو إياه ، فركضه برجله في التراب ومرغه وضربه ضربا وجيعا ; فقال له : لا تفعل ! والله ما هربت ولا أبقت وإنما مررت بقبر أمي فأحببت أن أودعها ، ولن أرجع إلى ما تكرهون ; فقال الأسود : والله إنك لعبد سوء ، تدعو أباك مرة وأمك أخرى ! فهلا كان هذا عند مواليك ; فرفع يديه إلى السماء وقال : اللهم إن كانت لي عندك خطيئة أخلقت بها وجهي فأسألك بحق آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن تغفر لي وترحمني ; فضجت الملائكة في السماء ، ونزل جبريل فقال له : يا يوسف غض صوتك فلقد أبكيت ملائكة السماء أفتريد أن أقلب الأرض فأجعل عاليها سافلها ؟ قال : تثبت يا جبريل ، فإن الله حليم لا يعجل ; فضرب الأرض بجناحه فأظلمت ، وارتفع الغبار ، وكسفت الشمس ، وبقيت القافلة لا يعرف بعضها بعضا ; فقال رئيس القافلة : من أحدث منكم حدثا ؟ - فإني أسافر منذ كيت وكيت ما أصابني قط مثل هذا - فقال الأسود : أنا لطمت ذلك الغلام العبراني فرفع يده إلى السماء وتكلم بكلام لا أعرفه ، ولا أشك أنه دعا علينا ; فقال له : ما أردت إلا هلاكنا ايتنا به ، فأتاه به ، فقال له : يا غلام لقد لطمك فجاءنا ما رأيت ; فإن كنت تقتص فاقتص ممن شئت ، وإن كنت تعفو فهو الظن بك ; قال : قد عفوت رجاء أن يعفو الله عني ; فانجلت الغبرة ، وظهرت الشمس ، وأضاء مشارق الأرض ومغاربها ، وجعل التاجر يزوره بالغداة والعشي ويكرمه ، حتى وصل إلى مصر فاغتسل في نيلها وأذهب الله عنه كآبة السفر ، ورد عليه جماله ، ودخل به البلد نهارا فسطع نوره على الجدران ، وأوقفوه للبيع فاشتراه قطفير وزير الملك ; قاله ابن عباس على ما تقدم .
وقيل : إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه ، ثم مات الملك ويوسف يومئذ على خزائن الأرض ; فملك بعده قابوس وكان كافرا ، فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى .
أكرمي مثواه أي منزله ومقامه بطيب المطعم واللباس الحسن ; وهو مأخوذ من ثوى بالمكان أي أقام به ; وقد تقدم في [ آل عمران ] وغيره .
عسى أن ينفعنا أي يكفينا بعض المهمات إذا بلغ .
أو نتخذه ولدا قال ابن عباس : كان حصورا لا يولد له ، وكذا قال ابن إسحاق : كان قطفير لا يأتي النساء ولا يولد له .
فإن قيل : كيف قال أو نتخذه ولدا وهو ملكه ، والولدية مع العبدية تتناقض ؟ قيل له : يعتقه ثم يتخذه ولدا بالتبني ; وكان التبني في الأمم معلوما عندهم ، وكذلك كان في أول الإسلام ، على ما يأتي بيانه في [ الأحزاب ] إن شاء الله تعالى .
وقال عبد الله بن مسعود : أحسن الناس فراسة ثلاثة ; العزيز حين تفرس في يوسف فقال : عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، وبنت شعيب حين قالت لأبيها في موسى استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ، وأبو بكر حين استخلف عمر .
قال ابن العربي : عجبا للمفسرين في اتفاقهم على جلب هذا الخبر ، والفراسة هي علم غريب على ما يأتي بيانه في سورة [ الحجر ] وليس كذلك فيما نقلوه ; لأن الصديق إنما ولى عمر بالتجربة في الأعمال ، والمواظبة على الصحبة وطولها ، والاطلاع على ما شاهد منه من العلم والمنة ، وليس ذلك من طريق الفراسة ; وأما بنت شعيب فكانت معها العلامة البينة على ما يأتي بيانه في [ القصص ] .
وأما أمر العزيز فيمكن أن يجعل فراسة ; لأنه لم يكن معه علامة ظاهرة .
والله أعلم .
قوله تعالى : وكذلك مكنا ليوسف في الأرض الكاف في موضع نصب ; أي وكما أنقذناه من إخوته ومن الجب فكذلك مكنا له ; أي عطفنا عليه قلب الملك الذي اشتراه حتى تمكن من الأمر والنهي في البلد الذي الملك مستول عليه .
ولنعلمه من تأويل الأحاديث أي فعلنا ذلك تصديقا لقول يعقوب : ويعلمك من تأويل الأحاديث .
وقيل : المعنى مكناه لنوحي إليه بكلام منا ، ونعلمه تأويله .
وتفسيره ، وتأويل الرؤيا ، وتم الكلام .
والله غالب على أمره الهاء راجعة إلى الله تعالى ; أي لا يغلب الله شيء ، بل هو الغالب على أمر نفسه فيما يريده أن يقول له : كن فيكون .
وقيل : ترجع إلى يوسف ; أي الله غالب على أمر يوسف يدبره ويحوطه ولا يكله إلى غيره ، حتى لا يصل إليه كيد كائد .
ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي لا يطلعون على غيبه .
وقيل : المراد بالأكثر الجميع ; لأن أحدا لا يعلم الغيب .
وقيل : هو مجرى على ظاهره ; إذ قد يطلع من يريد على بعض غيبه .
وقيل : المعنى ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله غالب على أمره ، وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر .
وقالت الحكماء في هذه الآية : والله غالب على أمره حيث أمره يعقوب ألا يقص رؤياه على إخوته فغلب أمر الله حتى قص ، ثم أراد إخوته قتله فغلب أمر الله حتى صار ملكا وسجدوا بين يديه ، ثم أراد الإخوة أن يخلو لهم وجه أبيهم فغلب أمر الله حتى ضاق عليهم قلب أبيهم ، وافتكره بعد سبعين سنة أو ثمانين سنة ، فقال : يا أسفا على يوسف ثم تدبروا أن يكونوا من بعده قوما صالحين ، أي تائبين فغلب أمر الله حتى نسوا الذنب وأصروا عليه حتى أقروا بين يدي يوسف في آخر الأمر بعد سبعين سنة ، وقالوا لأبيهم : إنا كنا خاطئين ثم أرادوا أن يخدعوا أباهم بالبكاء والقميص فغلب أمر الله فلم ينخدع ، وقال : بل سولت لكم أنفسكم أمرا ثم احتالوا في أن تزول محبته من قلب أبيهم فغلب أمر الله فازدادت المحبة والشوق في قلبه ، ثم دبرت امرأة العزيز أنها إن ابتدرته بالكلام غلبته ، فغلب أمر الله حتى قال العزيز : استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ، ثم دبر يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي فغلب أمر الله فنسي الساقي ، ولبث يوسف في السجن بضع سنين .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الذي اشترى يوسف من بائعه بمصر .
* * * وذكر أن اسمه: " قطفير " .
18941 - حدثني محمد بن سعد , قال:حدثني أبي , قال:حدثني عمي , قال:حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال: كان اسم الذي اشتراه قطفير.
(39) * * * وقيل: إن اسمه إطفير بن روحيب , وهو العزيز , وكان على خزائن مصر , وكان الملك يومئذ الريَّان بن الوليد , رجل من العماليق، كذلك: - 18942 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق (40) .
* * * وقيل: إن الذي باعه بمصر كان مالك بن ذعر بن بُويب بن عفقان بن مديان بن إبراهيم، (41) كذلك: - 18943 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن السائب , عن أبي صالح , عن ابن عباس .
* * * (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته)، واسمها فيما ذكر ابن إسحاق: راعيل بنت رعائيل.
18944 - حدثنا بذلك ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق.
* * * (أكرمي مثواه)، يقول: أكرمي موضع مقامه، وذلك حيث يَثوِي ويُقيم فيه.
* * * يقال: " ثوى فلان بمكان كذا ": إذا أقام فيه.
(42) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك: 18945 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (أكرمي مثواه) منزلته , وهي امرأة العزيز .
18946 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال:حدثني حجاج , عن ابن جريج , قوله: (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه)، قال: منزلته.
18947 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد اشتراه الملك , والملك مسلم.
* * * وقوله: (عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) ذكر أن مشتري يوسف قال هذا القول لامرأته، حين دفعه إليها , لأنه لم يكن له ولد، ولم يأت النساء , فقال لها: أكرميه عسَى أن يكفينا بعض ما نعاني من أمورنا إذا فهم الأمور التي يُكلَّفها وعرفها ، (أو نتخذه ولدًا)، يقول: أو نتبنَّاه .
18948 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: كان إطفير فيما ذكر لي رجلا لا يأتي النساء، وكانت امرأته راعيل امرأةً حسناء ناعمةً طاعمة، في مُلك ودُنْيا.
(43) 18949 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله , قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرّس في يوسف فقال لامرأته: (أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) ، وأبو بكر حين تفرَّس في عمر ، والتي قالت: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [سورة القصص: 26] .
18950 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي , قال: انطُلِق بيوسف إلى مصر , فاشتراه العزيز ملك مصر , فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته: (أكرمي مثْواه عسى أن ينفعنا أو نتخذهُ ولدًا).
18951 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال: حدثنا أبو أحمد , قال: حدثنا إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن أبي عبيدة , عن عبد الله , قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: (أكرمي مثواه)، والقوم فيه زاهدون ، وأبو بكر حين تفرَّس في عمر فاستخلفه ، والمرأة التي قالت: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ .
* * * وقوله: (وكذلك مكنَّا ليوسف في الأرض) يقول عز وجل : وكما أنقذنا يوسف من أيدي إخوته وقد هموا بقتله , وأخرجناه من الجبّ بعدَ أن ألقي فيه , فصيرناه إلى الكرامة والمنزلة الرفيعة عند عزيز مصر , كذلك مكنّا له في الأرض، فجعلناه على خزائنها .
(44) * * * وقوله: (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) يقول تعالى ذكره: وكي نعلم يوسف من عبارة الرؤيا، (45) مكنا له في الأرض، كما: - 18952 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا.
18953 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .
18954- حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) قال: تعبير الرؤيا.
18955 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبو أسامة , عن شبل , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا.
* * * وقوله: (والله غالب على أمره) يقول تعالى ذكره: والله مستولٍ على أمر يوسف، يسوسه ويدبّره ويحوطه.
* * * و " الهاء " في قوله: (على أمره) عائدة على يوسف.
* * * وروي عن سعيد بن جبير في معنى " غالب " , ما: -18956- حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا إسرائيل , عن أبي حصين , عن سعيد بن حبير: (والله غالب على أمره) قال: فعالٍ.
(46) * * * وقوله (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يقول: ولكن أكثر الناس الذين زهدوا في يوسف، فباعوه بثمن خسيس , والذين صَار بين أظهرهم من أهل مصر حين بيع فيهم , لا يعلمون ما الله بيوسف صانع، وإليه يوسف من أمره صائرٌ .
---------------------- الهوامش: (39) الأثر : 18941 - رواه الطبري في تاريخه 1 : 172 ، وكان في المخطوطة في الموضعين :" قطيفين" ، وفي التاريخ قبل الخبر" قطين" ، وفي الخبر" قطفير" .
(40) الأثر : 18942 - رواه الطبري في تاريخه 1 : 172 .
(41) في التاريخ 1 : 172 :" دعر" بالدال مهملة ، وكان في المطبوعة هنا" عنقاء" وفي المخطوطة :" عفقا" بغير نون في آخره .
وكان في المطبوعة :" ثويب" ، وهي غير منقوطة في المخطوطة ، فتبعت ما في التاريخ .
(42) انظر تفسير" المثوى" فيما سلف 7 : 279 12 : 117 .
(43) الأثر : 18948 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 172 ، 173 .
(44) انظر تفسير" التمكين" فيما سلف 11 : 63 12 : 315 .
(45) انظر تفسير" التأويل" فيما سلف 15 : 560 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(46) ممكن أن تقرأ" فعال" مشددة العين من" الفعل" ، ولكني أستجيد أن تقرأها" فعال" الفاء حرف عطف بعده" عال" من" العلو" .
أما الأولى ، فإني لا أكاد أرتضيها .

﴿ وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾

قراءة سورة يوسف

المصدر : تفسير : وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي