القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 24 سورة يونس - إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنـزلناه من

سورة يونس الآية رقم 24 : سبع تفاسير معتمدة

سورة إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنـزلناه من - عدد الآيات 109 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 24 من سورة يونس عدة تفاسير - سورة يونس : عدد الآيات 109 - - الصفحة 211 - الجزء 11.

سورة يونس الآية رقم 24


﴿ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
[ يونس: 24]

﴿ التفسير الميسر ﴾

إنما مثل الحياة الدنيا وما تتفاخرون به فيها من زينة وأموال، كمثل مطر أنزلناه من السماء إلى الأرض، فنبتت به أنواع من النبات مختلط بعضها ببعض مما يقتات به الناس من الثمار، وما تأكله الحيوانات من النبات، حتى إذا ظهر حُسْنُ هذه الأرض وبهاؤها، وظن أهل هذه الأرض أنهم قادرون على حصادها والانتفاع بها، جاءها أمرنا وقضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات، والزينة إما ليلا وإما نهارًا، فجعلنا هذه النباتات والأشجار محصودة مقطوعة لا شيء فيها، كأن لم تكن تلك الزروع والنباتات قائمة قبل ذلك على وجه الأرض، فكذلك يأتي الفناء على ما تتباهَون به من دنياكم وزخارفها فيفنيها الله ويهلكها. وكما بيَّنا لكم -أيها الناس- مَثَلَ هذه الدنيا وعرَّفناكم بحقيقتها، نبيِّن حججنا وأدلتنا لقوم يتفكرون في آيات الله، ويتدبرون ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«إنما مَثَل» صفة «الحياة الدنيا كماء» مطر «أنزلناه من السماء فاختلط به» بسببه «نبات الأرض» واشتبك بعضه ببعض «مما يأكل الناس» من البرّ والشعير وغيرهما «والأنعام» من الكلأ «حتى إذا أخذت الأرض زخرفها» بهجتها من النبات «وازَّيَّنت» بالزهر، وأصله تزينت، أبدلت التاء زايا وأدغمت في الزاي «وظن أهلها أنهم قادرون عليها» متمكنون من تحصيل ثمارها «أتاها أمرنا» قضاؤنا أو عذابنا «ليلا أو نهارا فجعلناها» أي زرعها «حصيدا» كالمحصود بالمناجل «كأن» مخففة أي كأنها «لم تغن» تكن «بالأمس كذلك نفصَّل» نبين «الآيات لقوم يتفكرون».

﴿ تفسير السعدي ﴾

وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا، فإذا استكمل وتم اضمحل، وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها‏.
‏فذلك ‏‏كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ‏‏ أي‏:‏ نبت فيها من كل صنف، وزوج بهيج ‏‏مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ‏‏ كالحبوب والثمار ‏‏و‏‏ مما تأكل ‏‏الْأَنْعَامِ‏‏ كأنواع العشب، والكلأ المختلف الأصناف‏.
‏‏‏حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ‏‏ أي‏:‏ تزخرفت في منظرها، واكتست في زينتها، فصارت بهجة للناظرين، ونزهة للمتفرجين، وآية للمتبصرين، فصرت ترى لها منظرًا عجيبًا ما بين أخضر، وأصفر، وأبيض وغيره‏.
‏‏‏وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا‏‏ أي‏:‏ حصل معهم طمع، بأن ذلك سيستمر ويدوم، لوقوف إرادتهم عنده، وانتهاء مطالبهم فيه‏.
‏فبينما هم في تلك الحالة ‏‏أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ‏‏ أي‏:‏ كأنها ما كانت فهذه حالة الدنيا، سواء بسواء‏.
‏‏‏كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ‏‏ أي‏:‏ نبينها ونوضحها، بتقريب المعاني إلى الأذهان، وضرب الأمثال ‏‏لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ‏‏ أي‏:‏ يعملون أفكارهم فيما ينفعهم‏.
‏وأما الغافل المعرض، فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان‏.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله عز وجل : ( إنما مثل الحياة الدنيا ) في فنائها وزوالها ، ( كماء أنزلناه من السماء فاختلط به ) أي : بالمطر ، ( نبات الأرض ) قال ابن عباس : نبت بالماء من كل لون ، ( مما يأكل الناس ) من الحبوب والثمار ، ( والأنعام ) من الحشيش ، ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ) حسنها وبهجتها ، وظهر الزهر أخضر وأحمر وأصفر وأبيض ( وازينت ) أي : تزينت ، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود : " تزينت " .
( وظن أهلها أنهم قادرون عليها ) على جذاذها وقطافها وحصادها ، رد الكناية إلى الأرض .
والمراد : النبات إذ كان مفهوما ، وقيل : ردها إلى الغلة .
وقيل : إلى الزينة .
( أتاها أمرنا ) قضاؤنا ، بإهلاكها ، ( ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا ) أي : محصودة مقطوعة ، ( كأن لم تغن بالأمس ) كأن لم تكن بالأمس ، وأصله من غني بالمكان إذا أقام به .
وقال قتادة : معناه أن المتشبث بالدنيا يأتيه أمر الله وعذابه أغفل ما يكون .
( كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ) .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

وقوله- سبحانه- إِنَّما مَثَلُ .
.
.
المثل بمعنى المثل، والمثل: النظير والشبيه، ثم اطلق على القول السائر المعروف لمماثلة مضربه- وهو الذي يضرب فيه- لمورده الذي ورد فيه أولا، ولا يكون إلا فيما فيه غرابة.
ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة إذا كان لها شأن عجيب وفيها غرابة، وعلى هذا المعنى يحمل المثل في هذه الآية وأشباهها.
والأمثال إنما تضرب لتوضيح المعنى الخفى، وتقريب الشيء المعقول من الشيء المحسوس، وعرض الأمر الغائب في صورة المشاهد، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب، وأثبت في النفوس.
والمعنى: إنما صفة الحياة الدنيا وحالها في سرعة زوالها، وانصرام نعيمها بعد إقباله.
كحال ماء أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ أى: فكثر بسببه نبات الأرض حتى التف وتشابك بعضه ببعض لازدهاره وتجاوزه ونمائه.
وشبه- سبحانه- الحياة الدنيا بماء السماء دون ماء الأرض، لأن ماء السماء وهو المطر لا تأثير لكسب العبد فيه بزيادة أو نقص- بخلاف ماء الأرض- فكان تشبيه الحياة به أنسب.
وقوله: مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ معناه: وهذا النبات الذي نما وازدهر بسبب نزول المطر من السماء، بعضه مما يأكله الناس كالبقول والفواكه.
وبعضه مما تأكله الأنعام كالحشائش والأعشاب المختلفة.
وجملة مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حال من النبات.
وقوله: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ.
.
تصوير بديع لما صارت عليه الأرض بعد نزول الماء عليها، وبعد أن أنبتت من كل زوج بهيج.
ولفظ حَتَّى غاية لمحذوف: أى نزل المطر من السماء فاهتزت الأرض وربت وأنبتت النبات الذي ما زال ينمو ويزدهر حتى أخذت الأرض زخرفها.
والزخرف: الذهب وكمال حسن الشيء.
ومن القول أحسنه، ومن الأرض ألوان نباتها.
أى: حتى إذا استوفت الأرض حسنها وبهاءها وجمالها، وازينت بمختلف أنواع النباتات ذات المناظر البديعة، والألوان المتعددة.
قال صاحب الكشاف: «وهو كلام فصيح.
جعلت الأرض آخذة زخرفها وزينتها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها، وتزينت بغيرها من ألوان الزينة، أصل ازينت تزينت» .
وقوله: وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أى: وظن أهل تلك الأرض الزاخرة بالنباتات النافعة.
أنهم قادرون على قطف ثمارها، ومتمكنون من التمتع بخيراتها، ومن الانتفاع بغلاتها.
وقوله: أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً.
.
تصوير معجز لما أصاب زرعها من هلاك بعد نضرته واستوائه وأَوْ للتنويع أى: تارة يأتى ليلا وتارة يأتى نهارا.
والجملة الكريمة جواب إذا في قوله حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها .
.
.
أى: بعد أن بلغت الأرض الذروة في الجمال وفي تعلق الآمال بمنافع زروعها، أتاها قضاؤنا النافذ، وأمرنا المقدر لإهلاكها بالليل وأصحابها نائمون، أو بالنهار وهم لا هون، فجعلناها بما عليها كالأرض المحصودة، التي استؤصل زرعها.
وقوله: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ تأكيد لهلاكها واستئصال ما عليها من نبات بصورة سريعة حاسمة.
أى: جعلناها كالأرض المحصودة التي قطع زرعها، حتى لكأنها لم يكن بها منذ وقت قريب: الزرع النضير، والنبات البهيج، والنخل الباسق، والطلع النضيد.
قال القرطبي قوله: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ أى: لم تكن عامرة.
من غنى بالمكان إذا أقام فيه وعمره، والمغانى في اللغة: المنازل التي يعمرها الناس» .
وقال ابن كثير: قوله: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ أى كأنها ما كانت حينا قبل ذلك، وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن، ولهذا جاء في الحديث الشريف: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له: هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا.
ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا فيغمس في النعيم غمسة ثم يقال له: هل رأيت بؤسا قط فيقول لا» .
والمراد بالأمس هنا: الوقت الماضي القريب: لا خصوص اليوم الذي قبل يومك.
وقوله: كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ تذييل قصد به الحض على التفكير والاعتبار.
أى: كهذا المثل في وضوحه وبيانه لحال الحياة الدنيا، وقصر مدة التمتع بها نفصل الآيات ونضرب الأمثال الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا لقوم يحسنون التفكير والتدبر في ملكوت السموات والأرض.
قال الجمل ما ملخصه: «وهذه الآية مثل ضربه الله- تعالى- للمتشبث في الدنيا الراغب في زهرتها وحسنها.
.
ووجه التمثيل أن غاية هذه الدنيا التي ينتفع بها المرء، كناية عن هذا النبات الذي لما عظم الرجاء في الانتفاع به، وقع اليأس منه، ولأن المتمسك بالدنيا إذا نال منها بغيته أتاه الموت بغتة فسلبه ما هو فيه من نعيم الدنيا ولذتها» .
وبعد أن بين- سبحانه- حال الحياة الدنيا، وقصر مدة التمتع بها، أتبع ذلك بدعوة الناس جميعا إلى العمل الصالح الذي يوصلهم إلى الجنة فقال- تعالى-:

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

ضرب [ تبارك و ] تعالى مثلا لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها ، بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض بما أنزل من السماء من الماء ، مما يأكل الناس من زرع وثمار ، على اختلاف أنواعها وأصنافها ، وما تأكل الأنعام من أب وقضب وغير ذلك ، ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ) أي : زينتها الفانية ، ( وازينت ) أي : حسنت بما خرج من رباها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان ، ( وظن أهلها ) الذين زرعوها وغرسوها ( أنهم قادرون عليها ) أي : على جذاذها وحصادها فبينا هم كذلك إذ جاءتها صاعقة ، أو ريح باردة ، فأيبست أوراقها ، وأتلفت ثمارها ؛ ولهذا قال تعالى : ( أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا ) أي : يبسا بعد [ تلك ] الخضرة والنضارة ، ( كأن لم تغن بالأمس ) أي : كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك .وقال قتادة : ( كأن لم تغن ) كأن لم تنعم .وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن ؛ ولهذا جاء في الحديث يؤتى بأنعم أهل الدنيا ، فيغمس في النار غمسة ثم يقال له : هل رأيت خيرا قط ؟ [ هل مر بك نعيم قط ؟ ] فيقول : لا . ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا فيغمس في النعيم غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط ؟ فيقول : لا "وقال تعالى إخبارا عن المهلكين : ( فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ) [ هود : 94 ، 95 ] .ثم قال تعالى : ( كذلك نفصل الآيات ) أي : نبين الحجج والأدلة ، ( لقوم يتفكرون ) فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريعا مع اغترارهم بها ، وتمكنهم بمواعيدها وتفلتها منهم ، فإن من طبعها الهرب ممن طلبها ، والطلب لمن هرب منها ، وقد ضرب الله مثل الحياة الدنيا بنبات الأرض ، في غير ما آية من كتابه العزيز ، فقال في سورة الكهف : ( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ) [ الكهف : 45 ] ، وكذا في سورة الزمر والحديد يضرب بذلك مثل الحياة الدنيا كماء .وقال ابن جرير : حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز ، حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : سمعت مروان - يعني : ابن الحكم - يقرأ على المنبر : " وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها " ، قال : قد قرأتها وليست في المصحف فقال عباس بن عبد الله بن عباس : هكذا يقرؤها ابن عباس . فأرسلوا إلى ابن عباس فقال : هكذا أقرأني أبي بن كعب .وهذه قراءة غريبة ، وكأنها زيادة للتفسير .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرونقوله تعالى إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء معنى الآية التشبيه والتمثيل ، أي صفة الحياة الدنيا في فنائها وزوالها وقلة خطرها والملاذ بها كماء ; أي مثل ماء ، فالكاف في موضع رفع .
وسيأتي لهذا التشبيه مزيد بيان في " الكهف " إن شاء الله تعالى .
أنزلناه من السماء نعت ل ( ماء ) فاختلط روي عن نافع أنه وقف على فاختلط أي فاختلط الماء بالأرض ، ثم ابتدأ به نبات الأرض أي بالماء نبات الأرض ; فأخرجت ألوانا من النبات ، فنبات على هذا ابتداء ، وعلى مذهب من لم يقف على فاختلط مرفوع باختلط ; أي اختلط النبات بالمطر ، أي شرب منه فتندى وحسن واخضر .
والاختلاط تداخل الشيء بعضه في بعض .
قوله تعالى مما يأكل الناس من الحبوب والثمار والبقول ، والأنعام من الكلإ والتبن والشعير .
حتى إذا أخذت الأرض زخرفها أي حسنها وزينتها .
والزخرف كمال حسن الشيء ; ومنه قيل للذهب : زخرف .
وازينت أي بالحبوب والثمار والأزهار ; والأصل تزينت أدغمت التاء في الزاي وجيء بألف الوصل ; لأن الحرف المدغم مقام حرفين الأول منهما ساكن والساكن لا يمكن الابتداء به .
وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب " وتزينت " على الأصل .
وقرأ الحسن والأعرج وأبو العالية " وأزينت " أي أتت بالزينة عليها ، أي الغلة والزرع ، وجاء بالفعل على أصله ولو أعله لقال وازانت .
وقال عوف بن أبي جميلة الأعرابي : قرأ أشياخنا " وازيانت " وزنه اسوادت .
وفي رواية المقدمي " وازاينت " والأصل فيه تزاينت ، وزنه تقاعست ثم أدغم .
وقرأ الشعبي وقتادة " وأزينت " مثل أفعلت .
وقرأ أبو عثمان النهدي " وازينت " مثل افعلت ، وعنه أيضا " وازيانت " مثل افعالت ، وروي عنه " ازيأنت " بالهمزة ; ثلاث قراءات .
قوله تعالى وظن أهلها أي أيقن .
أنهم قادرون عليها أي على حصادها والانتفاع بها ; أخبر عن الأرض والمعني النبات إذ كان مفهوما وهو منها .
وقيل : رد إلى الغلة ، وقيل : إلى الزينة .
أتاها أمرنا أي عذابنا ، أو أمرنا بهلاكها ليلا أو نهارا ظرفان فجعلناها حصيدا مفعولان ، أي محصودة مقطوعة لا شيء فيها .
وقال حصيدا ولم يؤنث لأنه فعيل بمعنى مفعول .
قال أبو عبيد : الحصيد المستأصل .
كأن لم تغن بالأمس أي لم تكن عامرة ; من " غني " إذا أقام فيه وعمره .
والمغاني في اللغة : المنازل التي يعمرها الناس .
وقال قتادة : كأن لم تنعم .
قال لبيد :وغنيت سبتا قبل مجرى داحس لو كان للنفس اللجوج خلودوقراءة العامة تغن بالتاء لتأنيث الأرض .
وقرأ قتادة " يغن " بالياء ، يذهب به إلى الزخرف ; يعني فكما يهلك هذا الزرع هكذا كذلك الدنيا .
نفصل الآيات أي نبينها لقوم يتفكرون في آيات الله .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما مثل ما تباهون في الدنيا وتفاخرون به من زينتها وأموالها ، مع ما قد وُكِّلَ بذلك من التكدير والتنغيص وزواله بالفناء والموت، ، كمثل ماءٍ أنزلناه من السماء، يقول: كمطر أرسلناه من السماء إلى الأرض ، (فاختلط به نبات الأرض) ، يقول: فنبت بذلك المطر أنواعٌ من النبات ، مختلطٌ بعضها ببعض، كما:-17598- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: (إنما مَثَل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض) ، قال: اختلط فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس ، كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض والبقول والثمار، وما يأكله الأنعام والبهائم من الحشيش والمراعي.
(17)* * *وقوله: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) يعني: ظهر حسنها وبهاؤها (18) ، (وازينت) ، يقول : وتزينت (19) ، ( وظن أهلها) ، يعني: أهل الأرض ، ( أنهم قادرون عليها) ، يعني: على ما أنبتت.
* * *وخرج الخبر عن " الأرض " والمعنى للنبات، إذا كان مفهوما بالخطاب ما عُنِي به.
* * *وقوله: (أتاها أمرنا ليلا أو نهارًا) ، يقول: جاء الأرض ، " أمرنا " ، يعني : قضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات ، إما ليلا وإما نهارًا ، (فجعلناها)، يقول: فجعلنا ما عليها ، (حصيدًا) يعني: مقطوعة مقلوعة من أصولها.
(20)* * *، وإنما هي " محصودة " صرفت إلى " حصيد ".
* * *، ( كأن لم تغن بالأمس) ، يقول: كأن لم تكن تلك الزروع والنبات على ظهر الأرض نابتةً قائمة على الأرض قبل ذلك بالأمس.
* * *وأصله: من " غَنِيَ فلان بمكان كذا ، يَغْنَى به " ، إذا أقام به، (21) كما قال النابغة الذبياني:غَنِيَتْ بِذَلِكَ إِذْ هُمُ لَكَ جِيرَةٌمِنْهَا بِعَطْفِ رِسَالَةٍ وَتَوَدُّد (22)* * *يقول: فكذلك يأتي الفناء على ما تتباهون به من دنياكم وزخارفها، فيفنيها ويهلكها كما أهلك أمرُنا وقضاؤنا نبات هذه الأرض بعد حسنها وبهجتها ، حتى صارت كأن لم تغن بالأمس، كأن لم تكن قبل ذلك نباتًا على ظهرها.
يقول الله جل ثناؤها: (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) ، يقول: كما بينَّا لكم أيها الناس ، مثل الدنيا وعرّفناكم حكمها وأمرها، كذلك نُبين حججنا وأدلَّتنا لمن تفكَّر واعتبر ونظر.
(23)وخصَّ به أهل الفكر، لأنهم أهل التمييز بين الأمور ، والفحص عن حقائق ما يعرض من الشُّبَه في الصدور.
* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:17599- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها)، الآية، : أي والله، لئن تشبَّثَ بالدنيا وحَدِب عليها ، لتوشك الدنيا أن تلفظه وتقضي منه.
17600- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وازينت) ، قال : أنبتت وحسُنَت .
17601- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: سمعت مروان يقرأ على المنبر هذه الآية: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيُهْلِكَهَا إِلا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا) ، قال: قد قرأتها، وليست في المصحف.
فقال عباس بن عبد الله بن العباس: هكذا يقرؤها ابن عباس.
فأرسلوا إلى ابن عباس فقال: هكذا أقرأني أبيُّ بن كعب.
(24)17602- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( كأن لم تغن بالأمس ) ، يقول : كأن لم تعشْ ، كأن لم تَنْعَم.
17603- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : في قراءة أبيّ : ( كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ وَمَا أَهْلَكْنَاهَا إِلا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (25)* * *واختلفت القراء في قراءة قوله: (وازينت) .
فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق: (وَازَّيَّنَتْ) بمعنى: وتزينت، ولكنهم أدغموا التاء في الزاي لتقارب مخرجيهما، وأدخلوا ألفا ليوصل إلى قراءته، إذ كانت التاء قد سكنت ، والساكن لا يُبْتَدأ به.
* * *وحكي عن أبي العالية ، وأبي رجاء ، والأعرج ، وجماعة أخر غيرهم ، أنهم قرءوا ذلك: (وَأَزْيَنَتْ) على مثال " أفعلت ".
* * *قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك: (وَازَّيَّنَتْ) لإجماع الحجة من القراء عليها.
--------------------------الهوامش :(17) انظر تفسير " الأنعام " فيما سلف 13 : 280 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(18) انظر تفسير " الزخرف " فيما سلف 12 : 55 ، 56 .
(19) انظر تفسير " الزينة " فيما سلف ص : 37 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(20) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 277 .
(21) انظر تفسير " غني بالمكان " فيما سلف 12 : 569 ، 570 .
(22) ديوانه : 65 ، وسيأتي في التفسير 12 : 66 ( بولاق ) ، وغيرهما ، من قصيدته المشهورة التي وصف فيها المتجردة ، وقبله :فِي إثْرِ غانيةٍ رَمَتْكَ بِسَهْمِاَفأَصَابَ قَلْبَكَ غَيْرَ أَنْ لَمْ تَقْصِدِوكان في المطبوعة : " إذ هم لي جيرة " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لرواية ديوانه .
(23) انظر تفسير " تفصيل الآيات " فيما سلف ص : 24 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(24) الأثر : 17601 - " الحارث " ، هو : " الحارث بن أبي أسامة " ، ثقة ، مضى مرارًا .
و " عبد العزيز " ، هو : " عبد العزيز " بن أبان الأموي ، كذاب خبيث ، وضاع للأحاديث ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 14333 .
وأما " عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام " ، فلم أجحد له ذكرا في التوراة .
وأبوه " أبو بكر بن عبد الرحمن " ، " راهب قريش " ، ثقة ، عالم ، عاقل ، سخي ، كثير الحديث ، أحد فقهاء المدينة السبعة .
ترجم له ابن حجر في التهذيب ، وابن سعد في الطبقات 5 : 153 والزبيري في نسب قريش : 303 ، 304 .
وذكر ابن سعد ولده فقال : " فولد أبو بكر : عبد الرحمن لا بقية له ، وعبد الله ، وعبد الملك ، وهشاما .
.
.
" .
ولم يذكر ذلك الزبيري في نسب قريش ، ولكنه ذكر قصة قال في أولها " فقال لابنه عبد الله اذهب إلى عمك المغيرة بن عبد الرحمن .
.
.
" ثم قال في نفس القصة بعد قليل : " فذهب عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن " : " وسماه ابن سعد لما عد أولاد ، أبي بكر بن عبد الرحمن : عبد الرحمن " ، ولكن نص ابن سعد مخالف لما قال الحافظ ابن حجر فهما عنده رجلان بلا شك في ذلك .
ولم أجد ما أستقصي من الأخبار حتى أفضل في هذا الاختلاف .
و " عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن " ، ليس بثقة .
و " مروان " ، هو : " مروان بن الحكم " .
وهذا الخبر كما ترى ، هالك الإسناد من نواحيه .
والقراءة التي فيه إذا صحت من غير هذا الطريق الهالك ، فهي قراءة تفسير ، كما هو معروف ، وكما أشرنا إليه مرارًا في أشباهها .
ولا يجل لقارئ أنة يقرأ بمثلها على أنها نص التلاوة ، لشذوذها ، ولمخالفتها رسم المصحف بالزيادة ، بغير حجة يجب التسليم لها .
(25) الأثر : 17603 - " أبو أسامة " ، هو " حماد بن أسامة بن يزيد القرشي " ، ثقة ، روى له الجماعة مضى مرارًا .
" وإسماعيل " ، هو " إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا .
وأما " أبو سلمة بن عبد الرحمن " ، فلم يسمع من أبي بن كعب .
فهو إسناد مرسل .

﴿ إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنـزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ﴾

قراءة سورة يونس

المصدر : تفسير : إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنـزلناه من