يا أيها الذين صدِّقوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق، ففي الاستجابة إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة، واعلموا -أيها المؤمنون- أن الله تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء، والقادر على أن يحول بين الإنسان وما يشتهيه قلبه، فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاكم؛ إذ بيده ملكوت كل شيء، واعلموا أنكم تُجمعون ليوم لا ريب فيه، فيجازي كلا بما يستحق.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول» بالطاعة «إذا دعاكم لما يحييكم» من أمر الدين أنه سبب الحياة الأبدية «واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه» فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإرادته «وأنه إليه تُحشرون» فيجازيكم بأعمالكم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو الاستجابة للّه وللرسول، أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه والنهي عنه. وقوله: إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وصف ملازم لكل ما دعا اللّه ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته، فإن حياة القلب والروح بعبودية اللّه تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام. ثم حذر عن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فإياكم أن تردوا أمر اللّه أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء. فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك. وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي: تجمعون ليوم لا ريب فيه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بعصيانه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ) يقول أجيبوهما بالطاعة ، ( إذا دعاكم ) الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ( لما يحييكم ) أي : إلى ما يحييكم . قال السدي : هو الإيمان ، لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان .وقال قتادة : هو القرآن فيه الحياة وبه النجاة والعصمة في الدارين .وقال مجاهد : هو الحق .وقال ابن إسحاق : هو الجهاد أعزكم الله به بعد الذل .وقال القتيبي : بل الشهادة قال الله تعالى في الشهداء : " بل أحياء عند ربهم يرزقون " ( آل عمران 169 ) .وروينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على أبي بن كعب ، رضي الله عنه ، وهو يصلي ، فدعاه فعجل أبي في صلاته ، ثم جاء فقال رسول الله : " ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ قال : كنت في الصلاة ، قال : أليس يقول الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ؟ فقال : لا جرم يا رسول الله لا تدعوني إلا أجبت وإن كنت مصليا " .قوله تعالى : ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) قال سعيد بن جبير وعطاء : يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان .وقال الضحاك : يحول بين الكافر والطاعة ، ويحول بين المؤمن والمعصية .وقال مجاهد : يحول بين المرء وقلبه فلا يعقل ولا يدري ما يعمل .وقال السدي : يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه .وقيل : هو أن القوم لما دعوا إلى القتال في حالة الضعف ساءت ظنونهم واختلجت صدورهم فقيل لهم : قاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الخوف أمنا والجبن جرأة . ( وأنه إليه تحشرون ) فيجزيكم بأعمالكم .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا محمد بن حماد ، ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله يكثر أن يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ، قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال : " القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها " .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال القرطبي: قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ.. هذا الخطاب للمؤمنين المصدقين بلا خلاف، والاستجابة:الإجابة.. قال الشاعر:وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيبأى: فلم يجبه عند ذاك مجيب.وكان الإمام القرطبي يرى أن السين والتاء في قوله: «استجيبوا» زائدتان.ولعل الأحسن من ذلك أن تكون السين والتاء للطلب، لأن الاستجابة هي الإجابة بنشاط وحسن استعداد.وقوله لِما يُحْيِيكُمْ أى لما يصلحكم من أعمال البر والخير والطاعة، التي توصلكم متى تمسكتم بها إلى الحياة الكريمة الطيبة في الدنيا، وإلى السعادة التي ليس بعدها سعادة في الآخرة.وهذا المعنى الذي ذكرناه لقوله لِما يُحْيِيكُمْ أدق مما ذكره بعضهم من أن المراد بما يحييهم القرآن، أو الجهاد، أو العلم ... إلخ.وذلك، لأن أعمال البر والخير والطاعة تشمل كل هذا.والمعنى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بالله حق الإيمان، اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ عن طواعية واختيار، ونشاط وحسن استعداد إِذا دَعاكُمْ الرسول- صلى الله عليه وسلم- لِما يُحْيِيكُمْ أى: إلى ما يصلح أحوالكم، ويرفع درجاتكم، من الأقوال النافعة، والأعمال الحسنة، التي بالتمسك بها تحيون حياة طيبة: وتظفرون بالسعادتين:الدنيوية والأخروية.والضمير في قوله دَعاكُمْ يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه هو المباشر للدعوة إلى الله، ولأن في الاستجابة له استجابة لله- تعالى- قال- سبحانه-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ، وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً .وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ تحذير لهم من الغفلة عن ذكر الله، وبعث لهم على مواصلة الطاعة له- سبحانه-.وقوله: يَحُولُ من الحول بين الشيء والشيء، بمعنى الحجز والفصل بينهما.قال الراغب: أصل الحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره، وباعتبار التغير قيل حال الشيء يحول حولا واستحال تهيأ لأن يحول: وباعتبار الانفصال قيل حال بيني وبينك كذا ...أى فصل..» .هذا، وللمفسرين في معنى هذه الجملة الكريمة أقوال متعددة أهمها قولان:أما القول الأول فهو أن المراد بالحيلولة بين المرء وقلبه- كما يقول ابن جرير-: أنه- سبحانه- أملك لقلوب عباده منهم وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك شيئا من إيمان أو كفر، أو أن يعي به شيئا، أو أن يفهم إلا بإذنه ومشيئته، وذلك أن الحول بين الشيء والشيء إنما هو الحجز بينهما، وإذا حجز- جل ثناؤه- بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل، وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك قول من قال: يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان.وقول من قال: يحول بينه وبين عقله. وقول من قال: يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.. فالخبر على العموم حتى يخصصه ما يجب التسليم له، .وقد رجح ابن جرير هذا القول بعد أن ذكر قبله بعض الأقوال الأخرى.وقال ابن كثير- بعد أن لخص القول الذي رجحه ابن جرير-: وقد وردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قلوب بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفها كيف شاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك) .وروى: الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة عن النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه» .أما القول الثاني فهو أن المراد بالحيلولة بين المرء وقلبه- كما يقول الزمخشري- «أنه- سبحانه- يميت المرء فتفوته الفرصة التي هو واجدها، وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله، ورده سليما كما يريده الله، فاغتنموا هذه الفرصة، وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله، .أو- كما يقول الفخر الرازي- بعبارة أوضح: «أن المراد أنه- تعالى- يحول بين المرء وبين ما يتمناه ويريده بقلبه، فإن الأجل يحول دون الأمل. فكأنه قال: بادروا إلى الأعمال الصالحة ولا تعتمدوا على ما يقع في قلوبكم من توقع طول البقاء، فإن ذلك غير موثوق به،وإنما حسن إطلاق لفظ القلب على الأمانى الحاصلة في القلب، لأن تسمية الشيء باسم ظرفه جائزة كقولهم: سال الوادي، .والذي نراه أن القول الثاني أولى بالقبول، لأن الآية الكريمة ساقته لحض المؤمنين على سرعة الاستجابة للحق الذي دعاهم إليه رسوله صلى الله عليه وسلم والذي باتباعه يحيون حياة طيبة، وتذكيرهم بيوم الحساب وما فيه من ثواب وعقاب، كما قال- تعالى- في ختامها وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.وليست مسوقة لإثبات قدرة الله، وأنه أملك لقلوب عباده منهم: وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء.فالمعنى الذي ذكره ابن جرير- وتابعه عليه ابن كثير وغيره، معنى وجيه في ذاته، إذ لا ينكر أحد أن الله مقلب القلوب ومالكها.. ولكن ليس مناسبا هنا مناسبة المعنى الذي ذكره الزمخشري والرازي، لأن الآية التي معنا والتي بعدها صريحتان في دعوة المؤمنين إلى الاستجابة للحق قبل أن يفاجئهم الموت، وقبل أن تحل بهم مصيبة لا تصيب الظالمين منهم خاصة.والمعنى الإجمالى للآية الكريمة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بعزيمة صادقة، وسرعة فائقة، إِذا دَعاكُمْ الرسول- صلى الله عليه وسلم- لِما يُحْيِيكُمْ أى لما به تحيون حياة طيبة من الأقوال والأعمال الصالحة وَاعْلَمُوا علما يقينا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أى يحول بين المرء وبين ما يتمناه قلبه من شهوات الدنيا ومتعها: فكم من إنسان يؤمل أنه سيفعل كذا غدا، وسيجمع كذا في المستقبل، وسيحصل على كذا قريبا..ثم يحول الموت ويفصل بينه وبين آماله وأمانيه.. فبادروا إلى اغتنام الأعمال الصالحة من قبل أن يفاجئكم الموت.وقوله: وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ تذبيل قصد به تذكيرهم بأهوال يوم القيامة. والضمير في قوله وَأَنَّهُ يعود إلى الله تعالى- أو هو ضمير الشأن. أى: وأنه- سبحانه- إليه وحده ترجعون لا إلى غيره، فيحاسبكم على ما قدمتم وما أخرتم، ويجازى كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر.فأنت ترى أن الآية الكريمة قد جمعت بين الترغيب. في العمل الصالح بسرعة ونشاط، وبين الترهيب من التكاسل والغفلة عن طاعة الله.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال البخاري : ( استجيبوا ) أجيبوا ، ( لما يحييكم ) لما يصلحكم . حدثنا إسحاق ، حدثنا روح ، حدثنا شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن قال : سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنت أصلي ، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاني فلم آته حتى صليت ، ثم أتيته فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ ألم يقل الله : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج ، فذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرج ، فذكرت له ، وقال معاذ : حدثنا شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، سمع حفص بن عاصم ، سمع أبا سعيد رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا - وقال : هي ( الحمد لله رب العالمين ) السبع المثاني .هذا لفظه بحروفه ، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث بذكر طرقه في أول تفسير الفاتحة .وقال مجاهد في قوله : ( لما يحييكم ) قال : الحق .وقال قتادة ( لما يحييكم ) قال : هو هذا القرآن ، فيه النجاة والتقاة والحياة .وقال السدي : ( لما يحييكم ) ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر .وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) أي : للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل ، وقواكم بها بعد الضعف ، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم .وقوله تعالى : ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) قال ابن عباس : يحول بين المؤمن وبين الكفر ، وبين الكافر وبين الإيمان .رواه الحاكم في مستدركه موقوفا ، وقال : صحيح ولم يخرجاه ، ورواه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعا ولا يصح لضعف إسناده ، والموقوف أصح . وكذا قال مجاهد ، وسعيد ، وعكرمة ، والضحاك ، وأبو صالح ، وعطية ، ومقاتل بن حيان ، والسدي .وفي رواية عن مجاهد في قوله : ( يحول بين المرء وقلبه ) حتى تركه لا يعقل .وقال السدي : يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه .وقال قتادة هو كقوله : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) [ ق : 16 ] .وقد وردت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يناسب هذه الآية .وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول : يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك . قال : فقلنا : يا رسول الله ، آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ قال : نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها . .وهكذا رواه الترمذي في " كتاب القدر " من جامعه ، عن هناد بن السري ، عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير ، عن الأعمش - واسمه سليمان بن مهران - عن أبي سفيان - واسمه طلحة بن نافع - عن أنس ثم قال : حسن . وهكذا روي عن غير واحد عن الأعمش ، رواه بعضهم عنه ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديث أبي سفيان عن أنس أصح .حديث آخر : قال عبد بن حميد في مسنده : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، عن بلال - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . هذا حديث جيد الإسناد إلا أن فيه انقطاعا وهو مع ذلك على شرط أهل السنن ولم يخرجوه .حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت ابن جابر يقول : حدثني بسر بن عبد الله الحضرمي : أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول : سمعت النواس بن سمعان الكلابي - رضي الله عنه - يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه . وكان يقول : يا مقلب القلوب ، ثبت قلوبنا على دينك . قال : والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه .وهكذا رواه النسائي وابن ماجه ، من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فذكر مثله .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا حماد بن زيد ، عن المعلى بن زياد ، عن الحسن ؛ أن عائشة قالت : دعوات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بها : يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك . قالت : فقلت : يا رسول الله ، إنك تكثر تدعو بهذا الدعاء . فقال : إن قلب الآدمي بين إصبعين من أصابع الله ، فإذا شاء أزاغه وإذا شاء أقامه .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا عبد الحميد ، حدثني شهر ، سمعت أم سلمة تحدث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر في دعائه يقول : اللهم يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك . قالت : فقلت يا رسول الله ، أوإن القلوب لتقلب ؟ قال : نعم ، ما خلق الله من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين إصبعين من أصابع الله - عز وجل - فإن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه . فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب . قالت : قلت : يا رسول الله ، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي ؟ قال : بلى ، قولي : اللهم رب النبي محمد ، اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، أخبرني أبو هانئ ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي أنه سمع عبد الله بن عمرو ؛ أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، كقلب واحد يصرف كيف شاء . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم مصرف القلوب ، صرف قلوبنا إلى طاعتك .انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري ، فرواه مع النسائي من حديث حيوة بن شريح المصري ، به .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون فيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول هذا الخطاب للمؤمنين المصدقين بلا خلاف . والاستجابة : الإجابة . و يحييكم أصله يحييكم ، حذفت الضمة من الياء لثقلها . ولا يجوز الإدغام . قال أبو عبيدة : معنى استجيبوا أجيبوا ; ولكن عرف الكلام أن يتعدى استجاب بلام ، ويتعدى أجاب دون لام . قال الله تعالى : ياقومنا أجيبوا داعي الله . وقد يتعدى استجاب بغير لام ; والشاهد له قول الشاعر :وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيبتقول : أجابه وأجاب عن سؤاله . والمصدر الإجابة . والاسم الجابة ; بمنزلة الطاقة والطاعة . تقول : أساء سمعا فأساء جابة . هكذا يتكلم بهذا الحرف . والمجاوبة والتجاوب : التحاور . وتقول : إنه لحسن الجيبة بالكسر أي الجواب . لما يحييكم متعلق بقوله : استجيبوا . المعنى : استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم . وقيل : اللام بمعنى إلى ، أي إلى ما يحييكم ، أي يحيي دينكم ويعلمكم . وقيل : أي إلى ما يحيي به قلوبكم فتوحدوه ، وهذا إحياء مستعار ; لأنه من موت الكفر والجهل . وقال مجاهد والجمهور : المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ; ففيه الحياة الأبدية ، والنعمة السرمدية ، وقيل : المراد بقوله لما يحييكم الجهاد ، فإنه سبب الحياة في الظاهر ، لأن العدو إذا لم يغز غزا ; وفي غزوه الموت ، والموت في الجهاد الحياة الأبدية ; قال الله عز وجل : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء والصحيح العموم كما قال الجمهور .الثانية : روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ، ثم أتيته فقلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي . فقال : ألم يقل الله عز وجل استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم وذكر الحديث وقد تقدم في الفاتحة . وقال الشافعي رحمه الله : هذا دليل على أن الفعل الفرض أو القول الفرض إذا أتي به في الصلاة لا تبطل ; لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإجابة وإن كان في الصلاة .قلت : وفيه حجة لقول الأوزاعي : لو أن رجلا يصلي فأبصر غلاما يريد أن يسقط في بئر فصاح به وانصرف إليه وانتهره لم يكن بذلك بأس . والله أعلم .الثالثة : واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه قيل : إنه يقتضي النص منه على خلقه تعالى الكفر والإيمان فيحول بين المرء الكافر وبين الإيمان الذي أمره به ، فلا يكتسبه إذ لم يقدره عليه بل أقدره على ضده وهو الكفر . وهكذا المؤمن يحول بينه وبين الكفر . فبان بهذا النص أنه تعالى خالق لجميع اكتساب العباد خيرها وشرها . وهذا معنى قوله عليه السلام : لا ، ومقلب القلوب . وكان فعل الله تعالى ذلك عدلا فيمن أضله وخذله ; إذ لم يمنعهم حقا وجب عليه فتزول صفة العدل ، وإنما منعهم ما كان له أن يتفضل به عليهم لا ما وجب لهم . قال السدي : يحول بين المرء وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن إلا بإذنه ، ولا يكفر أيضا إلا بإذنه ; أي بمشيئته . والقلب موضع الفكر . وقد تقدم في " البقرة " بيانه . وهو بيد الله ، متى شاء حال بين العبد وبينه بمرض أو آفة كيلا يعقل . أي بادروا إلى الاستجابة قبل ألا تتمكنوا منها بزوال العقل . وقال مجاهد : المعنى يحول بين المرء وعقله حتى لا يدري ما يصنع . وفي التنزيل : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أي عقل . وقيل : يحول بينه وبينه بالموت ، فلا يمكنه استدراك ما فات . وقيل : خاف المسلمون يوم بدر كثرة العدو فأعلمهم الله أنه يحول بين المرء وقلبه بأن يبدلهم بعد الخوف أمنا ، ويبدل عدوهم من الأمن خوفا . وقيل : المعنى يقلب الأمور من حال إلى حال ; وهذا جامع . واختيار الطبري أن يكون ذلك إخبارا من الله عز وجل بأنه أملك لقلوب العباد منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ; حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئة الله عز وجل .وأنه إليه تحشرون عطف . قال الفراء : ولو استأنفت فكسرت : وأنه ، كان صوابا .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (إذا دعاكم لما يحييكم).فقال بعضهم: معناه: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم للإيمان.* ذكر من قال ذلك:15867- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، قال: أمّا " ما يحييكم "، (50) فهو الإسلام, أحياهم بعد موتهم, بعد كفرهم.* * *وقال آخرون: للحق.* ذكر من قال ذلك:15868- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نحيح, عن مجاهد في قول الله: (لما يحييكم)، قال: الحق.15869 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.15870 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (إذا دعاكم لما يحييكم)، قال: الحق.15871 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد في قوله: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، قال: للحق.* * *وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلى ما في القرآن.* ذكر من قال ذلك:15872- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، قال: هو هذا القرآن، فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة. (51)* * *وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلى الحرب وجهاد العدو.* ذكر من قال ذلك:15873- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، أي: للحرب الذي أعزكم الله بها بعد الذل, وقوّاكم بعد الضعف, ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم. (52)* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب, قولُ من قال: معناه: استجيبوا لله وللرسول بالطاعة، إذا دعاكم الرسول لما يحييكم من الحق. وذلك أن ذلك إذا كان معناه، كان داخلا فيه الأمر بإجابتهم لقتال العدو والجهاد, والإجابة إذا دعاكم إلى حكم القرآن, وفي الإجابة إلى كل ذلك حياة المجيب. أما في الدنيا, فبقاء الذكر الجميل, (53) وذلك له فيه حياة. وأما في الآخرة, فحياة الأبد في الجنان والخلود فيها. (54)* * *وأما قول من قال: معناه الإسلام, فقول لا معنى له. لأن الله قد وصفهم بالإيمان بقوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، فلا وجه لأن يقال للمؤمن: استجب لله وللرسول إذا دعا إلى الإسلام والإيمان. (55)* * *وبَعْدُ، ففيما:-15874- حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا روح بن القاسم, عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيٍّ وهو يصلي, فدعاه: أيْ أُبَيّ ! فالتفت إليه أبيّ ولم يجبه. ثم إن أبيًّا خفف الصلاة, ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك، أي رسول الله! قال: وعليك، ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني؟ قال: يا رسول الله، كنت أصلي! قال: أفلم تجد فيما أوحي إليّ: " استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم "؟ قال: بلى، يا رسول الله! لا أعود. (56)15875 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد, عن محمد بن جعفر, عن العلاء, عن أبيه, عن أبي هريرة قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ وهو قائم يصلي, فصرخ به [فلم يجبه, ثم جاء]، (57) فقال: يا أبيّ، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ أليس الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ؟ قال أبيّ: لا جَرَم يا رسول الله, لا تدعوني إلا أجبتُ وإن كنت أصلي! (58)* * *=ما يُبِين عن أن المعنيَّ بالآية، هم الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه حياتهم بإجابتهم إليه من الحق بعد إسلامهم, لأن أبَيًّا لا شك أنه كان مسلمًا في الوقت الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا في هذين الخبرين.* * *القول في تأويل قوله : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.فقال بعضهم: معناه: يحول بين الكافر والإيمان، وبين المؤمن والكفر.* ذكر من قال ذلك:15876- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي, عن سعيد بن جبير: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: بين الكافر أن يؤمن, وبين المؤمن أن يكفر. (59)15877 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أحمد= قالا حدثنا سفيان= وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، حدثنا الثوري, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله الرازي, عن سعيد بن جبير, بنحوه.15878 - حدثني أبو زائدة زكريا بن أبي زائدة قال، حدثنا أبو عاصم, عن سفيان, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله, عن سعيد بن جبير, مثله.15879 - حدثني أبو السائب وابن وكيع قالا حدثنا أبو معاوية, عن المنهال, عن سعيد بن جبير: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: يحول بين المؤمن وبين الكفر, وبين الكافر وبين الإيمان.15880- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله الرازي, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: (يحول بين المرء وقلبه)، يحول بين الكافر والإيمان وطاعة الله.15881 - . . . . قال، حدثنا حفص, عن الأعمش, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: يحول بين المؤمن والكفر, وبين الكافر والإيمان.15882- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان, وعبد العزيز بن أبي رواد, عن الضحاك في قوله: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: يحول بين الكافر وطاعته, وبين المؤمن ومعصيته.15883 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن أبى روق, عن الضحاك بن مزاحم, بنحوه.15884 - . . . . قال، حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك قال: يحول بين المرء وبين أن يكفر, (60) وبين الكافر وبين أن يؤمن.15885 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد, عن الضحاك بن مزاحم: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: يحول بين الكافر وبين طاعة الله, وبين المؤمن ومعصية الله.15886 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا ابن أبي رواد, عن الضحاك, نحوه.15887 - وحدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، فذكر نحوه.15888 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن منهال قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت عبد العزيز بن أبي رواد يحدث، عن الضحاك بن مزاحم في قوله: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: يحول بين المؤمن ومعصيته.15889 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه)، يقول: يحول بين المؤمن وبين الكفر, ويحول بين الكافر وبين الإيمان.15890 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه)، يقول: يحول بين الكافر وبين طاعته, ويحول بين المؤمن وبين معصيته.15891- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي, عن ليث, عن مجاهد: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: يحول بين المؤمن وبين الكفر, وبين الكافر وبين الإيمان.15892 - . . . . قال، حدثنا أبي, عن ابن أبي رواد, عن الضحاك: (يحول بين المرء وقلبه)، يقول: يحول بين الكافر وبين طاعته, وبين المؤمن وبين معصيته.15893 - . . . . قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل, عن يعقوب القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبير: (يحول بين المرء وقلبه)، يحول بين المؤمن والمعاصي, وبين الكافر والإيمان.15894- . . . . قال، حدثنا عبيدة, عن إسماعيل, عن أبي صالح: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: يحول بينه وبين المعاصي.* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: يحول بين المرء وعقله, فلا يدري ما يَعمل.* ذكر من قال ذلك:15895- حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي قال، حدثنا عبد المجيد, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: يحول بين المرء وعقله.15896 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (يحول بين المرء وقلبه)، حتى تركه لا يعقل.15897 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.15898 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: هو كقوله " حال "، حتى تركه لا يعقل. (61)15899 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله, عن حميد, عن مجاهد: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: إذا حال بينك وبين قلبك، كيف تعمل.15900 - قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك, عن خصيف, عن مجاهد: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: يحول بين قلب الكافر, وأن يعمل خيرًا.* * *وقال آخرون: معناه: يحول بين المرء وقلبه، أن يقدر على إيمان أو كفر إلا بإذنه.* ذكر من قال ذلك:15901- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه)، قال: يحول بين الإنسان وقلبه, فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: أنه قريب من قلبه، لا يخفى عليه شيء أظهره أو أسره.* ذكر من قال ذلك:15902- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر, عن قتادة في قوله: (يحول بين المرء وقلبه)، قال: هي كقوله: أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، [سورة ق: 16] .* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال: إن ذلك خبرٌ من الله عز وجل أنه أملك لقلوب عباده منهم, وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء, حتى لا يقدر ذو قلب أن يُدرك به شيئًا من إيمان أو كفر, أو أن يَعِي به شيئًا, أو أن يفهم، إلا بإذنه ومشيئته. وذلك أن " الحول بين الشيء والشيء "، إنما هو الحجز بينهما, وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه, (62) لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبَه إدراكَه سبيلٌ.وإذا كان ذلك معناه, دخل في ذلك قول من قال: " يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان ", وقول من قال: " يحول بينه وبين عقله ", وقول من قال: " يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه "، لأن الله عز وجل إذا حال بين عبد وقلبه, لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينه وبينه ما مُنِع إدراكه به على ما بيَّنتُ.غير أنه ينبغي أن يقال: إن الله عم بقوله: ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه)، الخبرَ عن أنه يحول بين العبد وقلبه, ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئًا دون شيء, والكلام محتمل كل هذه المعاني, فالخبر على العموم حتى يخصه ما يجب التسليم له.* * *وأما قوله: (وأنه إليه تحشرون)، فإن معناه: واعلموا، أيها المؤمنون، أيضًا، مع العلم بأن الله يحول بين المرء وقلبه: أنّ الله الذي يقدر على قلوبكم, وهو أملك بها منكم, إليه مصيركم ومرجعكم في القيامة, (63) فيوفّيكم جزاء أعمالكم, المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته, فاتقوه وراقبوه فيما أمركم ونهاكم هو ورسوله أن تضيعوه, وأن لا تستجيبوا لرسوله إذا دعاكم لما يحييكم, فيوجب ذلك سَخَطَه, وتستحقوا به أليم عذابه حين تحشرون إليه.-------------------الهوامش :(50) في المطبوعة والمخطوطة : " أما يحييكم " ، بإسقاط "ما " والجيد إثباتها .(51) في المطبوعة : " الحياة والعفة " ، وهي في المخطوطة كما أثبتها غير منقوطة " الثاء " ، ثم زاد ناشرها أيضًا فأسقط من الكلام " والنجاة " ، وهذا من أسوأ العبث وأقبحه .(52) الأثر : 15873 - سيرة ابن هشام 2 : 324 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15866.(53) في المطبوعة والمخطوطة : " فيقال الذكر الجميل " ، وهو لا معنى له . صوابه ما أثبت .(54) انظر تفسير " الاستجابة " فيما سلف ص : 409 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .(55) في المطبوعة : " إذا دعاك " ، وأثبت ما في المخطوطة .(56) الأثر : : 15874 - سيأتي من طريق أخرى في الذي يليه ." أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي " ، شيخ الطبري ، ثقة ، مضى برقم : 12861 .و " يزيد بن زريع العيشي " ، ثقة حافظ مضى مرارًا . برقم : 1769 ، 2533 ، 5429 ، 5438 ، غيرها .و " روح بن القاسم التميمي الطبري " ، ثقة ، مضى برقم 6613 .و " العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، مولى الحرقة " ، تابعي ثقة ، مضى برقم : 221 ، 14210 .وأبوه : " عبد الرحمن بن يعقوب ، مولى الحرقة " ، تابعي ثقة . مضى برقم : 14210 .وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 2 : 412 ، 413 ، من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم ، عن العلاء بن عبد الرحمن . عن أبيه ، بنحوه ، مطولا .ورواه الترمذي في " فضائل القرآن ، باب ما جاء في فضل الفاتحة " ، من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن العلاء ، بنحوه مطولا ، وقال : " هذا حديث حسن صحيح" . وفي الباب عن أنس بن مالك " .وخرجه ابن كثير في تفسيره 1 : 22 ، 23 .ثم انظر حديث البخاري ( الفتح 8 : 119 ، 231 ) ، وهو حديث أبي سعيد بن المعلى ، بنحو هذه القصة عن أبي بن كعب . وقد فصل الحافظ ابن حجر هناك الكلام فيه ، وخرج حديث أبي بن كعب . وانظر أيضًا الموطأ : 83 ، خبر مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب : أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز ، أخبره : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي ... " بغير هذا السياق ، وما قاله فيه الحافظ ابن حجر ، وابن كثير في تفسيره ، حيث أشرنا إلى موضعه .(57) هذا الذي بين القوسين ، ليس في المخطوطة ، زاده ناشر المطبوعة ، لا أدري من أين ؟ وفي الخبر سقط لا شك فيه ، ولكني لم أجد الخبر بنصه هذا .(58) الأثر : 15875 - إسناد آخر للخبر السالف . وقد خرجته هناك ." خالد بن مخلد القطواني " ، ثقة من شيوخ البخاري ، وأخرج له مسلم " مضى مرارًا ، برقم : 2206 ، 4577 ، 8166 ، 8397 ، وغيرها .و " محمد بن جعفر بن أبي كثير الزرقي " ، ثقة معروف ، مضى برقم : 2206 ، 8397 .(59) الأثر : 15876 - " عبد الله بن عبد الله الرازي " ، " أبو جعفر الرازي " ، قاضي الري ، ثقة ، لا بأس . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 2 92 .وهو غير " أبي جعفر الرازي التميمي " ، " عيسى بن ماهان " .(60) هكذا في المخطوطة والمطبوعة : " يحول بين المرء " ، ولو ظننت أنها : " يحول بين المؤمن " ، لكان في الذي سلف ما يرجحه .(61) في المطبوعة : " قال : هي يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل " ، غير ما في المخطوطة كل التغيير ، لأنه لم يفهمه ، وهذا من أسوأ التصرف وأقبحه وأبعده من الأمانة . وإنما أراد أن " يحول " مضارعًا ، بمعنى " حال " ماضيًا ، ولذلك قال " حتى تركه لا يعقل " . فانظر أي فساد أدخله الناشر بلا ورع ! .(62) انظر تفسير " المرء " فيما سلف 2 : 446 9 : 430 .(63) انظر تفسير " الحشر " فيما سلف ص 23 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
﴿ ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون ﴾