القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 262 سورة البقرة - الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم

سورة البقرة الآية رقم 262 : سبع تفاسير معتمدة

سورة الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم - عدد الآيات 286 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 262 من سورة البقرة عدة تفاسير - سورة البقرة : عدد الآيات 286 - - الصفحة 44 - الجزء 3.

سورة البقرة الآية رقم 262


﴿ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ﴾
[ البقرة: 262]

﴿ التفسير الميسر ﴾

الذين يخرجون أموالهم في الجهاد وأنواع الخير، ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات مَنّاً على مَن أعطَوه ولا أذى بقول أو فِعْلٍ يشعره بالتفضل عليه، لهم ثوابهم العظيم عند ربهم، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على شيء فاتهم في هذه الدنيا.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يُتبِعون ما أنفقوا مَنًّا» على المنفق عليه بقولهم مثلا: قد أحسنت إليه وجبرت حاله «ولا أذًى» له بذكر ذلك إلى من لا يجب وقوفه عليه ونحو «لهم أجرهم» ثواب إنفاقهم «عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» في الآخرة.

﴿ تفسير السعدي ﴾

أي: الذين ينفقون أموالهم في طاعة الله وسبيله، ولا يتبعونها بما ينقصها ويفسدها من المن بها على المنفق عليه بالقلب أو باللسان، بأن يعدد عليه إحسانه ويطلب منه مقابلته، ولا أذية له قولية أو فعلية، فهؤلاء لهم أجرهم اللائق بهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فحصل لهم الخير واندفع عنهم الشر لأنهم عملوا عملا خالصا لله سالما من المفسدات.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى : ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) قال الكلبي : نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما جاء عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم صدقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كانت عندي ثمانية آلاف فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة آلاف درهم وأربعة آلاف أقرضتها ربي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بارك الله فيما أمسكت لك وفيما أعطيت وأما عثمان فجهز جيش المسلمين في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وأحلاسها فنزلت فيهما هذه الآية .
وقال عبد الرحمن بن سمرة : جاء عثمان رضي الله عنه بألف دينار في جيش العسرة فصبها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيها يده ويقلبها ويقول " ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم " فأنزل الله تعالى ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) في طاعة الله ( ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ) وهو أن يمن عليه بعطائه فيقول : أعطيتك كذا ويعد نعمه عليه فيكدرها ( ولا أذى ) أن يعيره فيقول : إلى كم تسأل وكم تؤذيني؟ وقيل من الأذى هو أن يذكر إنفاقه عليه عند من لا يحب وقوفه عليه .
وقال سفيان : ( منا ولا أذى ) أن يقول قد أعطيتك وأعطيت فما شكرت قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان أبي يقول : إذا أعطيت رجلا شيئا ورأيت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه فحظر الله على عباده المن بالصنيعة واختص به صفة لنفسه لأنه من العباد تعيير وتكدير ومن الله إفضال وتذكير ( لهم أجرهم ) أي ثوابهم ( عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )

﴿ تفسير الوسيط ﴾

وقوله- تعالى-: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ استئناف جيء به لبيان كيفية الإنفاق الذي يحبه الله، ويجازى عليه المنفقين بالجزاء العظيم.
وقوله: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً تحذير للمتصدق من هاتين الصفتين الذميمتين لأنهما مبطلتان لثواب الصدقة.
والمن معناه: أن يتطاول المحسن بإحسانه على من أحسن إليه، ويتفاخر عليه بسبب ما أعطاه من عطايا.
كأن يقول على سبيل التفاخر والتعبير: لقد أحسنت إليك وأنقذتك من الفقر وما يشبه ذلك.
قال الإمام الرازي ما ملخصه: والمن في اللغة على وجوه: فقد يأتى بمعنى الإنعام.
يقال:قد من الله على فلان.
إذا أنعم عليه بنعمه.
وقد يأتى بمعنى النقص من الحق والبخس له.
قال- تعالى-: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ أى غير مقطوع وغير ممنوع ومنه سمى الموت منونا لأنه يقطع الأعمار، ومن هذا الباب المنة المذمومة لأنها تنقص النعمة وتكدرها، والعرب يمتدحون بترك المن بالنعمة.
والمراد بالمن في الآية المذموم الذي هو بمعنى «إظهار الاصطناع إليهم» .
وقال صاحب الكشاف: المن: أن يعتد على من أحسن إليه بإحسانه، ويريد أنه اصطنعه وأوجب عليه حقا له، وكانوا يقولون: إذا صنعتم صنيعة فانسوها.
ولبعضهم.
وإن امرؤ أسدى إلى صنيعة وذكرنيها إنه للئيم وفي نوابغ الكلم: صنوان: من منح سائله ومنّ، ومن منع نائله وضن» والمراد بالأذى في الآية: أن يقول المعطى لمن أعطاه قولا يؤذيه، أو يفعل معه فعلا يسيء به إليه، وهو أعم من المن، إذ المن نوع من الأذى لكنه نص عليه لكثرة وقوعه.
وجاء العطف بثم في الجملة الكريمة، لإظهار التفاوت الشديد في الرتبة بين الإنفاق الذي يحبه الله، وبين الإنفاق الذي يصاحبه المن والأذى، وللإشعار بأن المن والأذى بغيضان عند الإنفاق وبعده، فعلى المنفق أن يستمر في أدبه وإخلاصه وقت الإنفاق وبعده حتى لا يذهب ثوابه، إذ المنّ والأذى مبطلان للثواب في أى وقت يحصلان فيه.
قال الشيخ ابن المنير مبينا أن ثُمَّ هنا تفيد استمرار الفعل بجانب إفادتها للتفاوت في الرتبة: وعندي فيها- أى في ثم- وجه آخر محتمل في هذه الآية ونحوها.
وهو الدلالة على دوام الفعل المعطوف بها وإرخاء الطول في استصحابه.
فهي على هذا لم تخرج عن الإشعار ببعد الزمن، ولكن معناها الأصلى تراخى زمن وقوع الفعل وحدوثه، ومعناها المستعار إليه دوام وجود الفعل وتراخى زمن بقائه.
وعليه حمل قوله-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا أى: داوموا على هذه الاستقامة دواما متراخيا ممتد الأمد.
.
وكذلك قوله هنا «ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى» أى يدومون على تناسى الإحسان وعلى ترك الاعتداد به والامتنان والأذى.
.
.
وكرر- سبحانه- النفي في قوله: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لتأكيده وشموله لأفراد كل واحد منهما، أى يجب ألا يقع منهم أى نوع من أنواع المن ولا أى نوع من أنواع الأذى.
حتى لقد قال بعض الصالحين: «لئن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه بنفقة تبتغى بها وجه الله، فلا تسلّم عليه» .
ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان عاقبة المنفقين بلا من ولا أذى فقال: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أى: لهم جزاؤهم العظيم مكافأة لهم على أدبهم وإخلاصهم، عند مربيهم ومالك أمرهم، ولا خوف عليهم مما سيجدونه في مستقبلهم، ولا هم يحزنون على ماضيهم، وذلك لأن الله- تعالى- قد أحاطهم برعايته في دنياهم وأخراهم وعوضهم عما فارقوه خير عوض وأكرمه.
ثم كرر- سبحانه- التحذير من المن والأذى، مناديا المؤمنين بأن يجتنبوا في صدقاتهم هاتين الرذيلتين، مبينا أن الكلمة الطيبة للفقير خير من إعطائه مع إيذائه، استمع إلى القرآن الكريم وهو يسوق هذه المعاني وغيرها بأسلوبه البليغ المؤثر فيقول:

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يمدح تعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ، ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منا على من أعطوه ، فلا يمنون على أحد ، ولا يمنون به لا بقول ولا فعل .وقوله : ( ولا أذى ) أي : لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروها يحبطون به ما سلف من الإحسان . ثم وعدهم تعالى الجزاء الجزيل على ذلك ، فقال : ( لهم أجرهم عند ربهم ) أي : ثوابهم على الله ، لا على أحد سواه ( ولا خوف عليهم ) أي : فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة ( ولا هم يحزنون ) أي : [ على ] ما خلفوه من الأولاد وما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها لا يأسفون عليها ; لأنهم قد صاروا إلى ما هو خير لهم من ذلك .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنونفيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله قيل : إنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه .
قال عبد الرحمن بن سمرة : جاء عثمان بألف دينار في جيش العسرة فصبها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يدخل يده فيها ويقلبها ويقول : ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم اللهم لا تنس هذا اليوم لعثمان .
وقال أبو سعيد الخدري : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان يقول : يا رب عثمان إني رضيت عن عثمان فارض عنه فما زال يدعو حتى طلع الفجر فنزلت : الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى الآية .
الثانية : لما تقدم في الآية التي قبل ذكر الإنفاق في سبيل الله على العموم بين في هذه الآية أن ذلك الحكم والثواب إنما هو لمن لا يتبع إنفاقه منا ولا أذى ؛ لأن المن والأذى مبطلان لثواب الصدقة كما أخبر تعالى في الآية بعد هذا ، وإنما على المرء أن يريد وجه الله تعالى وثوابه بإنفاقه على المنفق عليه ، ولا يرجو منه شيئا ولا ينظر من أحواله في حال سوى أن يراعي استحقاقه ، قال الله تعالى : لا نريد منكم جزاء ولا شكورا .
ومتى أنفق ليريد من المنفق عليه جزاء بوجه من الوجوه فهذا لم يرد وجه الله ، فهذا إذا أخلف ظنه فيه من بإنفاقه وآذى .
وكذلك من أنفق مضطرا دافع غرم إما لمانة للمنفق عليه أو لقرينة أخرى من اعتناء معتن فهذا لم يرد وجه الله .
وإنما يقبل ما كان عطاؤه لله وأكثر قصده ابتغاء ما عند الله ، كالذي حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أعرابيا أتاه فقال :يا عمر الخير جزيت الجنه اكس بنياتي وأمهنه وكن لنا من الزمان جنهأقسم بالله لتفعلنهقال عمر : إن لم أفعل يكون ماذا ؟ قال :إذا أبا حفص لأذهبنهقال : إذا ذهبت يكون ماذا ؟ - قال :تكون عن حالي لتسألنه يوم تكون الأعطيات هنهوموقف المسئول بينهنه إما إلى نار وإما جنهفبكى عمر حتى اخضلت لحيته ثم قال : يا غلام ، أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره والله لا أملك غيره .
قال الماوردي : وإذا كان العطاء على هذا الوجه خاليا من طلب جزاء وشكر وعريا عن امتنان ونشر كان ذلك أشرف للباذل وأهنأ للقابل .
فأما المعطي إذا التمس بعطائه الجزاء ، وطلب به الشكر والثناء ، كان صاحب سمعة ورياء ، وفي هذين من الذم ما ينافي السخاء .
وإن طلب الجزاء كان تاجرا مربحا لا يستحق حمدا ولا مدحا .
وقد قال ابن عباس في قوله تعالى : ولا تمنن تستكثر أي لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها .
وذهب ابن زيد إلى أن هذه الآية إنما هي في الذين لا يخرجون في الجهاد بل ينفقون وهم قعود ، وإن الآية التي قبلها هي في الذين يخرجون بأنفسهم ، قال : ولذلك شرط على هؤلاء ولم يشترط على الأولين .
قال ابن عطية : وفي هذا القول نظر ؛ لأن التحكم فيه باد .
الثالثة : قوله تعالى : منا ولا أذى المن ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها مثل أن يقول : قد أحسنت إليك ونعشتك وشبهه .
وقال بعضهم : المن : التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه .
والمن من الكبائر ، ثبت ذلك في صحيح مسلم وغيره ، وأنه أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، وروى النسائي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمرأة المترجلة تتشبه بالرجال والديوث ، وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن الخمر والمنان بما أعطى .
وفي بعض طرق مسلم : المنان هو الذي لا يعطي شيئا إلا منة .
والأذى : السب والتشكي ، وهو أعم من المن لأن المن جزء من الأذى لكنه نص عليه لكثرة وقوعه .
وقال ابن زيد : لئن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه تريد وجه الله فلا تسلم عليه .
وقالت له امرأة : يا أبا أسامة دلني على رجل يخرج في سبيل الله حقا فإنهم إنما يخرجون يأكلون الفواكه فإن عندي أسهما وجعبة .
فقال : لا بارك الله في أسهمك وجعبتك فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم .
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فمن أنفق في سبيل الله ولم يتبعه منا ولا أذى كقوله : ما أشد إلحاحك وخلصنا الله منك ، وأمثال هذا فقد تضمن الله له بالأجر ، والأجر الجنة ، ونفى عنه الخوف بعد موته لما يستقبل ، والحزن على ما سلف من دنياه ؛ لأنه يغتبط بآخرته فقال : لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
وكفى بهذا فضلا وشرفا للنفقة في سبيل الله تعالى .
وفيها دلالة لمن فضل الغني على الفقير حسب ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: المعطيَ ماله المجاهدين في سبيل الله معونةً لهم على جهاد أعداء الله.
يقول تعالى ذكره: الذين يعينون المجاهدين في سبيل الله بالإنفاق عليهم وفي حَمُولاتهم, وغير ذلك من مؤنهم, (71) .
ثم لم يتْبع نفقته التي أنفقها عليهم منًّا عليهم بإنفاق ذلك عليهم، ولا أذى لهم.
فامتنانه به عليهم، بأن يظهر لهم أنه قد اصطنع إليهم -بفعله وعطائه الذي أعطاهموه تقوية لهم على جهاد عدوهم- معروفا, ويبدي ذلك إما بلسان أو فعل.
وأما " الأذى " فهو شكايته إياهم بسبب ما أعطاهم وقوّاهم من النفقة في سبيل الله، أنهم لم يقوموا بالواجب عليهم في الجهاد, وما أشبه ذلك من القول الذي يؤذي به من أنفَق عليه.
وإنما شَرَط ذلك في المنفق في سبيل الله, وأوجبَ الأجر لمن كان غير مانٍّ ولا مؤذٍ مَن أنفق عليه في سبيل الله, لأن النفقة التي هي في سبيل الله: ما ابتغي به وجه الله وطلب به ما عنده.
(72) .
فإذا كان معنى النفقة في سبيل الله هو ما وصفنا, فلا وجه لمنّ المنفق على من أنفق عليه, لأنه لا يدَ له قِبَله ولا صَنيعة يستحق بها عليه -إن لم يكافئه- عليها المنَّ والأذى, إذ كانت نفقته ما أنفق عليه احتسابًا وابتغاءَ ثواب الله وطلبَ مرضاته، وعلى الله مثوبته، دون من أنفق ذلك عليه.
* * *وبنحو المعنى الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:6034 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم )، (73) .
علم الله أن أناسًا يمنون بعطيَّتهم, فكره ذلك وقدَّم فيه فقال: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ .
(74) .
6035 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قال للآخرين = يعني: قال الله للآخرين, وهم الذين لا يخرجون في جهاد عدوهم =: ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذى )، قال: فشرَط عليهم.
قال: والخارجُ لم يشرُط عليه قليلا ولا كثيرًا - يعني بالخارج، الخارجَ في الجهاد الذي ذكر الله في قوله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ الآية = قال ابن زيد: وكان أبي يقول: إن آذاك من يعطي من هذا شيئًا أو يقوِّي فقويت في سبيل الله, (75) .
فظننتَ أنه يثقل عليه سلامُك، فكفَّ سلامَك عنه.
قال ابن زيد: فنهى عن خير الإسلام.
(76) .
قال: وقالت امرأة لأبي: يا أبا أسامة, تدلُّني على رجل يخرج في سبيل الله حقًّا, فإنهم لا يخرجون إلا ليأكلوا الفواكه!! عندي جعبة وأسهُمٌ فيها.
(77) .
فقال لها: لا بارك الله لك في جعبتك, ولا في أسهمك, فقد آذيتيهم قبل أن تعطيهم! قال: وكان رجل يقول لهم: اخرجوا وكلوا الفواكه!6036 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك قوله: ( لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذى ) قال: أن لا ينفق الرجل ماله، خيرٌ من أن ينفقه ثم يتبعه منًّا وأذى.
* * *وأما قوله: ( لهم أجرهم عند ربهم )، فإنه يعني للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله على ما بيَّنَ.
و " الهاء والميم " في" لهم " عائدة على " الذين ".
* * *ومعنى قوله: ( لهم أجرهم عند ربهم )، لهم ثوابهم وجزاؤهم على نفقتهم التي أنفقوها في سبيل الله, ثم لم يتبعوها منًّا ولا أذى.
(78) .
* * *وقوله: ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )، (79) .
يقول: وهم = مع ما لهم من الجزاء والثواب على نفقتهم التي أنفقوها على ما شرطنا =( لا خوف عليهم ) عند مقدمهم على الله وفراقهم الدنيا, ولا في أهوال القيامة, وأن ينالهم من مكارهها أو يصيبهم فيها من عقاب الله =( ولا هم يحزنون ) على ما خلفوا وراءهم في الدنيا.
(80) .
---------------الهوامش :(71) في المخطوطة والمطبوعة : "الذين يعينون المجاهدين" بالجمع/ وسياق الجمل بعده بالإفراد ، وهو غير جائز .
(72) في المطبوعة : "مما ابتغى به" ، والصواب ما في المخطوطة .
(73) أتم الآية في المطبوعة ، وأثبت ما في المخطوطة .
(74) في المخطوطة : "قول معروف ومعرفة" ، وهو دال على كثرة سهو الناسخ في هذا الموضع من المخطوطة كما أسلفت مرارًا .
(75) في المطبوعة : "إن أذن لك أن تعطي من هذا شيئًا أو تقوى فقويت في سبيل الله" وهو غير مفهوم ، وهو تصرف فيما كان في المخطوطة ، ونصه : "إن أذن لك أن تعطي من هذا شيئًا أو تقوى في سبيل الله" .
واستظهرت صواب قراءتها كما أثبته ، وقد أشرت مرارًا لكثرة سهو الناسخ في هذا من كتابته .
والذي أثبته أشبه بما دل عليه سائر قوله .
(76) في المطبوعة : "فهو خير من السلام" ، ولا معنى له وفي المخطوطة"فنهي خير من الإسلام" وهو أيضًا بلا معنى ، وأظن الصواب ما أثبت .
وذلك أن زيد بن أسلم قال : "فكف عنه سلامك" فنهاه عن أن يلقي عليه السلام .
فعلق ابنه ابن زيد على قول أبيه أنه : "نهى عن خير الإسلام" ، إشارة إلى ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص : "أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير؟ قال : تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" فالسلام خير الإسلام ، وهو ما نهى عنه ابن زيد من أوذي .
(77) أخشى أن يكون الناسخ سها كما سها فيما سلف ، وأن يكون صوابها"وفيها أسهم" ، والذي هنا مقبول .
(78) انظر معنى"أجر" فيما سلف 2 : 148 ، 513 .
(79) انظر تفسير : "ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" فيما سلف 2 : 148 ، 513 .
(80) عند هذا الموضع انتهى المجلد الرابع من مخطوطتنا ، وفي آخره ما نصه :"آخر المجلد الرابع من كتاب البيان يتلوه في الخامس إن شاء الله تعالى ، القول في تأويل قوله : "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم"وكان الفراغ منه في شهر ذي الحجة سنة أربع عشرة وسبعمائة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا"

﴿ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾

قراءة سورة البقرة

المصدر : تفسير : الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم