القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 33 سورة النور - وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم

سورة النور الآية رقم 33 : سبع تفاسير معتمدة

سورة وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم - عدد الآيات 64 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 33 من سورة النور عدة تفاسير - سورة النور : عدد الآيات 64 - - الصفحة 354 - الجزء 18.

سورة النور الآية رقم 33


﴿ وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾
[ النور: 33]

﴿ التفسير الميسر ﴾

والذين لا يستطيعون الزواج لفقرهم أو غيره فليطلبوا العفة عمَّا حَرَّمَ الله حتى يغنيهم الله من فضله، وييسر لهم الزواج. والذين يريدون أن يتحرروا من العبيد والإماء بمكاتبة أسيادهم على بعض المال يؤدونه إليهم، فعلى مالكيهم أن يكاتبوهم على ذلك إن علموا فيهم خيرًا: مِن رشد وقدرة على الكسب وصلاح في الدين، وعليهم أن يعطوهم شيئًا من المال أو أن يحطوا عنهم مما كُوتبوا عليه. ولا يجوز لكم إكراه جواريكم على الزنى طلبًا للمال، وكيف يقع منكم ذلك وهن يُرِدْن العفة وأنتم تأبونها؟ وفي هذا غاية التشنيع لفعلهم القبيح. ومن يكرههنَّ على الزنى فإن الله تعالى من بعد إكراههن غفور لهن رحيم بهن، والإثم على مَن أكْرههن.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا» ما ينكحون به من مهر ونفقة عن الزنا «حتى يغنيهم الله» يوسع عليهم «من فضله» فينكحون «والذين يبتغون الكتاب» بمعنى المكاتبة «مما ملكت أيمانكم» من العبيد والإماء «فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا» أي أمانة وقدرة على الكسب لأداء مال الكتابة وصيغتها مثلا: كاتبتك على ألفين في شهرين كل شهر ألف فإذا أديتها فأنت حر فيقول قبلت «وآتوهم» أمر للسادة «من مال الله الذي آتاكم» ما يستعينون به في أداء ما التزموه لكم وفي معنى الإيتاء حط شيء مما التزموه «ولا تكرهوا فتياتكم» إماءكم «على البغاء» الزنا «إن أردن تحصنا» تعففا عنه وهذه الإرادة محل الإكراه فلا مفهوم للشرط «لتبتغوا» بالإكراه «عرض الحياة الدنيا» نزلت في عبد الله بن أبي كان يكره جواريه على الكسب بالزنا «ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور» لهن «رحيم» بهن.

﴿ تفسير السعدي ﴾

وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هذا حكم العاجز عن النكاح، أمره الله أن يستعفف، أن يكف عن المحرم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، من صرف دواعي قلبه بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه، ويفعل أيضا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " وقوله: الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا أي: لا يقدرون نكاحا، إما لفقرهم أو فقر أوليائهم وأسيادهم، أو امتناعهم من تزويجهم [وليس لهم] من قدرة على إجبارهم على ذلك، وهذا التقدير، أحسن من تقدير من قدر " لا يجدون مهر نكاح " وجعلوا المضاف إليه نائبا مناب المضاف، فإن في ذلك محذورين: أحدهما: الحذف في الكلام، والأصل عدم الحذف.
والثاني كون المعنى قاصرا على من له حالان، حالة غنى بماله، وحالة عدم، فيخرج العبيد والإماء ومن إنكاحه على وليه، كما ذكرنا.
حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وعد للمستعفف أن الله سيغنيه وييسر له أمره، وأمر له بانتظار الفرج، لئلا يشق عليه ما هو فيه.
وقوله وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا أي: من ابتغى وطلب منكم الكتابة، وأن يشتري نفسه، من عبيد وإماء، فأجيبوه إلى ما طلب، وكاتبوه، إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ أي: في الطالبين للكتابة خَيْرًا أي: قدرة على التكسب، وصلاحا في دينه، لأن في الكتابة تحصيل المصلحتين، مصلحة العتق والحرية، ومصلحة العوض الذي يبذله في فداء نفسه.
وربما جد واجتهد، وأدرك لسيده في مدة الكتابة من المال ما لا يحصل في رقه، فلا يكون ضرر على السيد في كتابته، مع حصول عظيم المنفعة للعبد، فلذلك أمر الله بالكتابة على هذا الوجه أمر إيجاب، كما هو الظاهر، أو أمر استحباب على القول الآخر، وأمر بمعاونتهم على كتابتهم، لكونهم محتاجين لذلك، بسبب أنهم لا مال لهم، فقال: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ يدخل في ذلك أمر سيده الذي كاتبه، أن يعطيه من كتابته أو يسقط عنه منها، وأمر الناس بمعونتهم.
ولهذا جعل الله للمكاتبين قسطا من الزكاة، ورغب في إعطائه بقوله: مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ أي: فكما أن المال مال الله، وإنما الذي بأيديكم عطية من الله لكم ومحض منه، فأحسنوا لعباد الله، كما أحسن الله إليكم.
ومفهوم الآية الكريمة، أن العبد إذا لم يطلب الكتابة، لا يؤمر سيده أن يبتدئ بكتابته، وأنه إذا لم يعلم منه خيرا، بأن علم منه عكسه، إما أنه يعلم أنه لا كسب له، فيكون بسبب ذلك كلا على الناس، ضائعا، وإما أن يخاف إذا أعتق، وصار في حرية نفسه، أن يتمكن من الفساد، فهذا لا يؤمر بكتابته، بل ينهى عن ذلك لما فيه من المحذور المذكور.
ثم قال تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ أي: إماءكم عَلَى الْبِغَاءِ أي: أن تكون زانية إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لأنه لا يتصور إكراهها إلا بهذه الحال، وأما إذا لم ترد تحصنا فإنها تكون بغيا، يجب على سيدها منعها من ذلك، وإنما هذا نهى لما كانوا يستعملونه في الجاهلية، من كون السيد يجبر أمته على البغاء، ليأخذ منها أجرة ذلك، ولهذا قال: لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فلا يليق بكم أن تكون إماؤكم خيرا منكم، وأعف عن الزنا، وأنتم تفعلون بهن ذلك، لأجل عرض الحياة، متاع قليل يعرض ثم يزول.
فكسبكم النزاهة، والنظافة، والمروءة -بقطع النظر عن ثواب الآخرة وعقابها- أفضل من كسبكم العرض القليل، الذي يكسبكم الرذالة والخسة.
ثم دعا من جرى منه الإكراه إلى التوبة، فقال: وَمَنْ يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ فليتب إلى الله، وليقلع عما صدر منه مما يغضبه، فإذا فعل ذلك، غفر الله ذنوبه، ورحمه كما رحم نفسه بفكاكها من العذاب، وكما رحم أمته بعدم إكراهها على ما يضرها.


﴿ تفسير البغوي ﴾

( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ) أي : ليطلب العفة عن الحرام والزنا الذين لا يجدون ما لا ينكحون به للصداق والنفقة ، ( حتى يغنيهم الله من فضله ) أي : يوسع عليهم من رزقه .
قوله تعالى : ( والذين يبتغون الكتاب ) أي : يطلبون المكاتبة ، ( مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ) سبب نزول هذه الآية ما روي أن غلاما لحويطب بن عبد العزى سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه ، فأنزل الله هذه الآية فكاتبه حويطب على مائة دينار ، ووهب له منها عشرين دينارا فأداها ، وقتل يوم حنين في الحربوالكتابة أن يقول الرجل لمملوكه : كاتبتك على كذا من المال ، ويسمي مالا معلوما ، يؤدى ذلك في نجمين أو نجوم معلومة في كل نجم كذا ، فإذا أديت فأنت حر ، والعبد يقبل ذلك ، فإذا أدى المال عتق ، ويصير العبد أحق بمكاسبه بعد الكتابة ، وإذا أعتق بعد أداء المال فما فضل في يده من المال ، يكون له ، ويتبعه أولاده الذين حصلوا في حال الكتابة في العتق ، وإذا عجز عن أداء المال كان لمولاه أن يفسخ كتابته ويرده إلى الرق ، وما في يده من المال يكون لمولاه ، لما أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك عن نافع ، أخبرنا عبد الله بن عمر كان يقول : " المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء " .
ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : " المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم " .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى : ( فكاتبوهم ) أمر إيجاب ، يجب على المولى أن يكاتب عبده الذي علم فيه خيرا إذا سأل العبد ذلك ، على قيمته أو أكثر ، وإن سأل على أقل من قيمته فلا يجب ، وهو قول عطاء وعمرو بن دينار ، ولما روي أن سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه فتلكأ عنه فشكا إلى عمر ، فعلاه بالدرة وأمره بالكتابة فكاتبه .
وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه أمر ندب واستحباب .
ولا تجوز الكتابة على أقل من نجمين عند الشافعي; لأنه عقد جوز إرفاقا بالعبد ، ومن تتمة الإرفاق أن يكون ذلك المال عليه إلى أجل حتى يؤديه على مهل ، فيحصل المقصود ، كالدية في قتل الخطأ ، وجبت على العاقلة على سبيل المواساة فكانت عليهم مؤجلة منجمة ، وجوز أبو حنيفة الكتابة على نجم واحد وحالة .
قوله تعالى : ( إن علمتم فيهم خيرا ) اختلفوا في معنى الخير ، فقال ابن عمر : قوة على الكسب .
وهو قول مالك والثوري ، وقال الحسن ومجاهد والضحاك : مالا كقوله تعالى : " إن ترك خيرا " ( البقرة - 180 ) أي : مالا وروي أن عبدا لسلمان الفارسي قال له : كاتبني ، قال : ألك مال ؟ قال : لا .
قال : تريد أن تطعمني من أوساخ الناس ، ولم يكاتبه .
قال الزجاج : لو أراد به المال لقال : إن علمتم لهم خيرا .
وقال إبراهيم وابن زيد وعبيدة : صدقا وأمانة وقال طاوس ، وعمرو بن دينار : مالا وأمانة وقال الشافعي : وأظهر معاني الخير في العبد : الاكتساب مع الأمانة ، فأحب أن لا يمنع من كتابته إذا كان هكذا .
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أخبرنا أبو الحسن بن علي بن شريك الشافعي ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم ، أخبرنا أبو بكر الجوربذي ، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب أخبرني الليث عن محمد بن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثلاثة حق على الله عونهم : المكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح يريد العفاف ، والمجاهد في سبيل الله " .
وحكى محمد بن سيرين عن عبيدة : " إن علمتم فيهم خيرا " أي : أقاموا الصلاة .
وقيل : هو أن يكون العبد بالغا عاقلا فأما الصبي والمجنون فلا تصح كتابتهما لأن الابتغاء منهما لا يصح .
وجوز أبو حنيفة كتابة الصبي المراهق .
قوله - عز وجل - : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هذا خطاب للموالي ، يجب على المولى أن يحط عن مكاتبه من مال كتابته شيئا ، وهو قول عثمان وعلي والزبير وجماعة ، وبه قال الشافعي .
ثم اختلفوا في قدره ، فقال قوم : يحط عنه ربع مال الكتابة ، وهو قول علي ، ورواه بعضهم عن علي مرفوعا ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يحط عنه الثلث .
وقال الآخرون : ليس له حد بل عليه أن يحط عنه ما شاء وهو قول الشافعي .
قال نافع : كاتب عبد الله بن عمر غلاما له على خمسة وثلاثين ألف درهم فوضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم .
وقال سعيد بن جبير : كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أول نجومه مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته ، ووضع من آخر كتابته ما أحب .
وقال بعضهم : هو أمر استحباب .
والوجوب أظهر .
وقال قوم : أراد بقوله : " وآتوهم من مال الله " أي سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات ، بقوله تعالى : " وفي الرقاب " ( التوبة - 60 ) وهو قول الحسن وزيد بن أسلم .
وقال إبراهيم : هو حث لجميع الناس على معونتهمولو مات المكاتب قبل أداء النجوم ، اختلف أهل العلم فيه : فذهب كثير منهم إلى أنه يموت رقيقا ، وترتفع الكتابة سواء ترك مالا أو لم يترك ، كما لو تلف المبيع قبل القبض يرتفع البيع .
وهو قول عمر ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، والزهري ، وقتادة ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد .
وقال قوم : إن ترك وفاء بما بقي عليه من الكتابة كان حرا وإن كان فيه فضل ، فالزيادة لأولاده الأحرار ، وهو قول عطاء ، وطاوس ، والنخعي ، والحسن ، وبه قال مالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي .
ولو كاتب عبده كتابة فاسدة يعتق بأداء المال لأن عتقه معلق بالأداء ، وقد وجد وتبعه الأولاد والاكتساب كما في الكتابة الصحيحة ، ويفترقان في بعض الأحكام : وهي أن الكتابة الصحيحة لا يملك المولى فسخها ما لم يعجز المكاتب عن أداء النجوم ، ولا تبطل بموت المولى ، ويعتق بالإبراء عن النجوم ، والكتابة الفاسدة يملك المولى فسخها قبل أداء المال ، حتى لو أدى المال بعد الفسخ لا يعتق ويبطل بموت المولى ، ولا يعتق بالإبراء عن النجوم ، وإذا عتق المكاتب بأداء المال لا يثبت التراجع في الكتابة الصحيحة ، ويثبت في الكتابة الفاسدة ، فيرجع المولى عليه بقيمة رقبته ، وهو يرجع على المولى بما دفع إليه إن كان مالا .
قوله - عز وجل - : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ) الآية نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق ، كانت له جاريتان : معاذة ومسيكة ، وكان يكرههما على الزنا بالضريبة يأخذها منهما ، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية ، يؤجرون إماءهم ، فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة : إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين ، فإن يك خيرا فقد استكثرنا منه ، وإن يك شرا فقد آن لنا أن ندعه ، فأنزل الله هذه الآية .
وروي أنه جاءت إحدى الجاريتين يوما ببرد وجاءت الأخرى بدينار ، فقال لهما : ارجعا فازنيا ، قالتا : والله لا نفعل ، قد جاء الإسلام وحرم الزنا ، فأتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشكتا إليه ، فأنزل هذه الآية( ولا تكرهوا فتياتكم ) إماءكم ( على البغاء ) أي : الزنا ( إن أردن تحصنا ) أي : إذا أردن ، وليس معناه الشرط ، لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا وإن لم يردن تحصنا ، كقوله تعالى : " وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ( آل عمران - 139 ) ، أي : إذا كنتم مؤمنين وقيل : شرط إرادة التحصن لأن الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصن ، فإذا لم ترد التحصن بغت طوعا ، والتحصن : التعفف .
وقال الحسن بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير تقديرها : وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصنا ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء .
( لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) أي : لتطلبوا من أموال الدنيا ، يريد من كسبهن وبيع أولادهن ، ( ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) يعني للمكرهات ، والوزر على المكره .
وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال : لهن والله لهن والله .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم أرشد- سبحانه- الذين لا يجدون وسائل النكاح، إلى ما يعينهم على حفظ فروجهم، فقال: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
والاستعفاف: طلب العفة، واختيار طريق الفضيلة التي من وسائلها ما أشار إليه- سبحانه- في قوله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ.
والمعنى: وعلى المؤمنين والمؤمنات «الذين لا يجدون نكاحا» أى: الذين لا يجدون الوسائل والأسباب التي توصلهم إلى الزواج بسبب ضيق ذات اليد، أو ما يشبه ذلك، عليهم أن يتحصنوا بالعفاف وأن يصونوا أنفسهم عن الفواحش، وأن يستمروا على ذلك حتى يرزقهم الله- تعالى- من فضله رزقا، يستعينون به على إتمام الزواج.
فهذه الجملة الحكيمة وعد كريم من الله- تعالى- للتائقين إلى الزواج، العاجزين عن تكاليفه بأنه- سبحانه- سيرزقهم من فضله ما يعينهم على التمكن منه، متى اعتصموا بطاعته، وحافظوا على أداء ما أمرهم به.
قال صاحب الكشاف: «وما أحسن ما رتب هذه الأوامر: حيث أمر- أولا- بما يعصم من الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية، وهو غض البصر.
ثم بالنكاح الذي يحصن به الدين، ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام، ثم بالحمل على النفس الأمارة بالسوء، وعزفها عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن يرزق القدرة عليه» .
ثم حض- سبحانه- على إعانة الأرقاء لكي يتخلصوا من رقهم ويصيروا أحرارا.
فقال: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً، وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ.
والمراد بالكتاب هنا: المكاتبة التي تكون بين السيد وعبده، بأن يقول السيد لعبده: إن أديت إلى كذا من المال فأنت حر لوجه الله، فإذا قبل العبد ذلك وأدى ما طلبه منه سيده، صار حرا.
أى: والذين يطلبون المكاتبة من عبيدكم- أيها الأحرار.
.
فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، أى: أمانة وقدرة على الكسب، وأعينوهم على التحرر من رقهم بأن تعطوهم شيئا من المال الذي آتاكم الله إياه، بفضله وإحسانه.
وهكذا نرى الإسلام يأمر أتباعه الذين رزقهم الله نعمة الحرية، أن يعينوا مماليكهم على ما يمكنهم من الحصول على هذه النعمة.
ومن العلماء من يرى أن الأمر في قوله- تعالى-: فَكاتِبُوهُمْ وفي قوله وَآتُوهُمْ للوجوب، لأنه هو الذي يتناسب مع حرص شريعة الإسلام على تحرير الأرقاء.
ثم نهى- سبحانه- عن رذيلة كانت موجودة في المجتمع، لكي يطهره منها، فقال:وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ- إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً- لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا.
قال الآلوسى: أخرج مسلم وأبو داود عن جابر أن جارية لعبد الله بن أبى بن سلول يقال لها «مسيكة» وأخرى يقال لها «أميمة» كان يكرههما على الزنا، فشكتا ذلك إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم فنزلت.
وأخرج ابن مردويه عن على- رضى الله عنه- أنهم كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا، ويأخذون أجورهن، فنهوا عن ذلك في الإسلام، ونزلت الآية.
.
.
والفتيات جمع فتاة والمراد بهن هنا الإماء، وعبر عنهن بقوله «فتياتكم» على سبيل التكريم لهن، ففي الحديث الشريف: «لا يقولن أحدكم عبدى وأمتى ولكن فتاي وفتأتي» .
والبغاء- بكسر الباء- زنى المرأة خاصة، مصدر بغت المرأة تبغى بغاء إذا فجرت.
والتحصن: التصون والتعفف عن الزنا.
والمعنى: ولا تكرهوا- أيها الأحرار- فتياتكم اللائي تملكوهن على الزنا إن كرهنه وأردن العفاف والطهر، لكي تنالوا من وراء إكراههن على ذلك، بعض المال الذي يدفع لهن نظير افتراشهن.
وقوله- تعالى- إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ليس المقصود منه أنهن إن لم يردن التحصن يكرهن على ذلك، وإنما المراد منه بيان الواقع الذي نزلت من أجله الآية، وهو إكراههم لإمائهم على الزنا مع نفورهن منه.
ولأن الإكراه لا يتصور عند رضاهن بالزنا واختيارهن له، وإنما يتصور عند كراهتهن له، وعدم رضاهن عنه، ولأن في هذا التعبير تعبيرا لهم، فكأنه- سبحانه- يقول لهم: كيف يقع منكم إكراههن على البغاء وهن إماء يردن العفة ويأبين الفاحشة؟ ألم يكن الأولى بكم والأليق بكرامتكم أن تعينوهن على العفاف والطهر، بدل أن تكرهوهن على ارتكاب الفاحشة من أجل عرض من أعراض الحياة الدنيا؟.
وقوله- تعالى-: وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ بيان لمظهر من مظاهر فضل الله- تعالى- ورحمته- بعباده.
أى: ومن يكره إماءه على البغاء فإن الله- تعالى- بفضله وكرمه من بعد إكراهكم لهن، غفور رحيم لهن، أما أنتم يا من أكرهتموهن على الزنا فالله وحده هو الذي يتولى حسابكم، وسيجازيكم بما تستحقون من عقاب.
فمغفرة الله- تعالى- ورحمته إنما هي للمكرهات على الزنا، لا للمكرهين لهن على ذلك.
قال بعض العلماء: قوله- تعالى-: فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ قيل:غفور لهن.
وقيل: غفور لهم.
وقيل: غفور لهن ولهم.
والأظهر: أن المعنى لهن، لأن المكره لا يؤاخذ بما يكره عليه، بل يغفره الله له، لعذره بالإكراه.
فالموعود بالمغفرة والرحمة، هو المعذور بالإكراه دون المكره- بكسر الراء- لأنه غير معذور بفعله القبيح .

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

وقوله تعالى : ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ) . هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجا [ بالتعفف ] عن الحرام ، كما قال - عليه الصلاة والسلام - : " يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج . ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " .وهذه الآية مطلقة ، والتي في سورة النساء أخص منها ، وهي قوله تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) ، إلى أن قال : ( ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم ) [ النساء : 25 ] أي صبركم عن تزويج الإماء خير; لأن الولد يجيء رقيقا ، ( والله غفور رحيم ) .قال عكرمة في قوله : ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ) قال : هو الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهي ، فإن كانت له امرأة فليذهب إليها وليقض حاجته منها ، وإن لم يكن له امرأة فلينظر في ملكوت السماوات [ والأرض ] حتى يغنيه الله .وقوله : ( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) هذا أمر من الله تعالى للسادة إذا طلب منهم عبيدهم الكتابة أن يكاتبوا ، بشرط أن يكون للعبد حيلة وكسب يؤدي إلى سيده المال الذي شارطه على أدائه . وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الأمر أمر إرشاد واستحباب ، لا أمر تحتم وإيجاب ، بل السيد مخير ، إذا طلب منه عبده الكتابة إن شاء كاتبه ، وإن شاء لم يكاتبه .وقال الثوري ، عن جابر ، عن الشعبي : إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه .وقال ابن وهب ، عن إسماعيل بن عياش ، عن رجل ، عن عطاء بن أبي رباح : إن يشأ يكاتبه وإن لم يشأ لم يكاتبه ، وكذا قال مقاتل بن حيان ، والحسن البصري .وذهب آخرون إلى أنه يجب على السيد إذا طلب منه عبده ذلك ، أن يجيبه إلى ما طلب; أخذا بظاهر هذا الأمر :قال البخاري : وقال روح ، عن ابن جريج قلت لعطاء : [ أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه؟ قال : ما أراه إلا واجبا . وقال عمرو بن دينار : قلت لعطاء ] ، أتأثره عن أحد؟ قال : لا . ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره ، أن سيرين سأل أنسا المكاتبة - وكان كثير المال ، فأبى . فانطلق إلى عمر بن الخطاب فقال : كاتبه . فأبى ، فضربه بالدرة ، ويتلو عمر ، رضي الله عنه : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) ، فكاتبههكذا ذكره البخاري تعليقا . ورواه عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج قال : قلت لعطاء : أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه؟ قال : ما أراه إلا واجبا . وقال عمرو بن دينار ، قال : قلت لعطاء : أتأثره عن أحد؟ قال : لاوقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك : أن سيرين أراد أن يكاتبه ، فتلكأ عليه ، فقال له عمر : لتكاتبنه . إسناد صحيح .وقال سعيد بن منصور : حدثنا هشيم بن جويبر ، عن الضحاك قال : هي عزمة .وهذا هو القول القديم من قولي الشافعي ، رحمه الله ، وذهب في الجديد إلى أنه لا يجب; لقوله عليه الصلاة والسلام : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه " .وقال ابن وهب : قال مالك : الأمر عندنا أن ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك ، ولم أسمع أحدا من الأئمة أكره أحدا على أن يكاتب عبده . قال مالك : وإنما ذلك أمر من الله ، وإذن منه للناس ، وليس بواجب .وكذا قال الثوري ، وأبو حنيفة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم . واختار ابن جرير قول الوجوب لظاهر الآية .وقوله : ( إن علمتم فيهم خيرا ) ، قال بعضهم : أمانة . وقال بعضهم : صدقا . [ وقال بعضهم : مالا ] وقال بعضهم : حيلة وكسبا .وروى أبو داود في كتاب المراسيل ، عن يحيى بن أبي كثير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) قال : " إن علمتم فيهم حرفة ، ولا ترسلوهم كلا على الناس " .وقوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) اختلف المفسرون فيه ، فقال قائلون : معناه اطرحوا لهم من الكتابة بعضها ، ثم قال بعضهم : مقدار الربع . وقيل : الثلث . وقيل : النصف . وقيل : جزء من الكتابة من غير واحد .وقال آخرون : بل المراد من قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) هو النصيب الذي فرض الله لهم من أموال الزكوات . وهذا قول الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وأبيه ، ومقاتل بن حيان . واختاره ابن جرير .وقال إبراهيم النخعي في قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : حث الناس عليه مولاه وغيره . وكذلك قال بريدة بن الحصيب الأسلمي ، وقتادة .وقال ابن عباس : أمر الله المؤمنين أن يعينوا في الرقاب . وقد تقدم في الحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاثة حق على الله عونهم " : فذكر منهم المكاتب يريد الأداء ، والقول الأول أشهر .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا وكيع ، عن ابن شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن عمر; أنه كاتب عبدا له ، يكنى أبا أمية ، فجاء بنجمه حين حل ، فقال : يا أبا أمية ، اذهب فاستعن به في مكاتبتك . قال : يا أمير المؤمنين ، لو تركته حتى يكون من آخر نجم؟ قال : أخاف ألا أدرك ذلك . ثم قرأ : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال عكرمة : كان أول نجم أدي في الإسلام .وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أول نجومه ، مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته . ولكنه إذا كان في آخر مكاتبته ، وضع عنه ما أحب .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) قال : يعني : ضعوا عنهم من مكاتبتهم . وكذلك قال مجاهد ، وعطاء ، والقاسم بن أبي بزة ، وعبد الكريم بن مالك الجزري ، والسدي .وقال محمد بن سيرين في قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) : كان يعجبهم أن يدع الرجل لمكاتبه طائفة من مكاتبته .وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا الفضل بن شاذان المقرئ ، أخبرنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف ، عن ابن جريج ، أخبرني عطاء بن السائب : أن عبد الله بن جندب أخبره ، عن علي ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ربع الكتابة " .وهذا حديث غريب ، ورفعه منكر ، والأشبه أنه موقوف على علي ، رضي الله عنه ، كما رواه عنه أبو عبد الرحمن السلمي ، رحمه الله .وقوله : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) الآية : كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة ، أرسلها تزني ، وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت . فلما جاء الإسلام ، نهى الله المسلمين عن ذلك .وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة - فيما ذكره غير واحد من المفسرين ، من السلف والخلف - في شأن عبد الله بن أبي بن سلول [ المنافق ] فإنه كان له إماء ، فكان يكرههن على البغاء طلبا لخراجهن ، ورغبة في أولادهن ، ورئاسة منه فيما يزعم [ قبحه الله ولعنه ][ ذكر الآثار الواردة في ذلك ]قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ، رحمه الله ، في مسنده : حدثنا أحمد بن داود الواسطي ، حدثنا أبو عمرو اللخمي - يعني : محمد بن الحجاج - حدثنا محمد بن إسحاق ، عن الزهري قال : كانت جارية لعبد الله بن أبي بن سلول ، يقال لها : معاذة ، يكرهها على الزنى ، فلما جاء الإسلام نزلت : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) إلى قوله : ( فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم )وقال الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر في هذه الآية : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) قال : نزلت في أمة لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها : مسيكة ، كان يكرهها على الفجور - وكانت لا بأس بها - فتأبى . فأنزل الله ، عز وجل ، هذه الآية إلى قوله ( ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) .وروى النسائي ، من حديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر نحوهوقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا علي بن سعيد ، حدثنا الأعمش ، حدثني أبو سفيان ، عن جابر قال : كان لعبد الله بن أبي بن سلول جارية يقال لها : مسيكة ، وكان يكرهها على البغاء ، فأنزل الله : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) ، إلى قوله : ( ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) .صرح الأعمش بالسماع من أبي سفيان طلحة بن نافع ، فدل على بطلان قول من قال : " لم يسمع منه ، إنما هو صحيفة " حكاه البزار .قال أبو داود الطيالسي ، عن سليمان بن معاذ ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس; أن جارية لعبد الله بن أبي كانت تزني في الجاهلية ، فولدت أولادا من الزنى ، فقال لها : ما لك لا تزنين؟ قالت لا والله لا أزني . فضربها ، فأنزل الله عز وجل : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا )وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن الزهري : أن رجلا من قريش أسر يوم بدر ، وكان عند عبد الله بن أبي أسيرا ، وكانت لعبد الله بن أبي جارية يقال لها : معاذة ، وكان القرشي الأسير يريدها على نفسها ، وكانت مسلمة . وكانت تمتنع منه لإسلامها ، وكان عبد الله بن أبي يكرهها على ذلك ويضربها ، رجاء أن تحمل للقرشي ، فيطلب فداء ولده ، فقال تبارك وتعالى : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا )وقال السدي : أنزلت هذه الآية الكريمة في عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين ، وكانت له جارية تدعى معاذة ، وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها ، إرادة الثواب منه والكرامة له . فأقبلت الجارية إلى أبي بكر ، رضي الله عنه فشكت إليه ذلك ، فذكره أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره بقبضها . فصاح عبد الله بن أبي : من يعذرني من محمد ، يغلبنا على مملوكتنا؟ فأنزل الله فيهم هذا .وقال مقاتل بن حيان : بلغنا - والله أعلم - أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا يكرهان أمتين لهما ، إحداهما اسمها مسيكة ، وكانت للأنصاري ، وكانت أميمة أم مسيكة لعبد الله بن أبي ، وكانت معاذة وأروى بتلك المنزلة ، فأتت مسيكة وأمها النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرتا ذلك له ، فأنزل الله في ذلك ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) يعني : الزنى .وقوله : ( إن أردن تحصنا ) هذا خرج مخرج الغالب ، فلا مفهوم له . وقوله : ( لتبتغوا عرض [ الحياة ] الدنيا ) أي : من خراجهن ومهورهن وأولادهن . وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن كسب الحجام ، ومهر البغي وحلوان الكاهن - وفي رواية : " مهر البغي خبيث ، وكسب الحجام خبيث ، وثمن الكلب خبيث "وقوله : ( ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) [ أي : لهن ، كما تقدم في الحديث عن جابر .وقال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فإن فعلتم فإن الله لهن غفور رحيم ] وإثمهن على من أكرههن : وكذا قال مجاهد ، وعطاء الخراساني ، والأعمش ، وقتادة .وقال أبو عبيد : حدثني إسحاق الأزرق ، عن عوف ، عن الحسن في هذه الآية : ( فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) قال : لهن والله . لهن والله .وعن الزهري قال : غفور لهن ما أكرهن عليه .وعن زيد بن أسلم قال : غفور رحيم للمكرهات .حكاهن ابن المنذر في تفسيره بأسانيده .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني عطاء ، عن سعيد بن جبير قال : في قراءة عبد الله بن مسعود : " فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم " وإثمهن على من أكرههن .وفي الحديث المرفوع ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيمقوله تعالى : وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله .
فيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : وليستعفف الذين الخطاب لمن يملك أمر نفسه ، لا لمن زمامه بيد غيره فإنه يقوده إلى ما يراه ؛ كالمحجور - قولا واحدا - والأمة والعبد ؛ على أحد قولي العلماء .
الثانية : ( واستعفف ) وزنه استفعل ؛ ومعناه طلب أن يكون عفيفا ؛ فأمر الله تعالى بهذه الآية كل من تعذر عليه النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف .
ثم لما كان أغلب الموانع على النكاح عدم المال وعد بالإغناء من فضله ؛ فيرزقه ما يتزوج به ، أو يجد امرأة ترضى باليسير من الصداق ، أو تزول عنه شهوة النساء .
وروى النسائي ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ثلاثة كلهم حق على الله - عز وجل - عونهم المجاهد في سبيل الله ، والناكح الذي يريد العفاف ، والمكاتب الذي يريد الأداء .
الثالثة : قوله تعالى : لا يجدون نكاحا أي طول نكاح ؛ فحذف المضاف .
وقيل : النكاح هاهنا ما تنكح به المرأة من المهر والنفقة ؛ كاللحاف اسم لما يلتحف به .
واللباس اسم لما يلبس ؛ فعلى هذا لا حذف في الآية ، قاله جماعة من المفسرين ؛ وحملهم على هذا قوله تعالى : حتى يغنيهم الله من فضله فظنوا أن المأمور بالاستعفاف إنما هو من عدم المال الذي يتزوج به .
وفي هذا القول تخصيص المأمورين بالاستعفاف ؛ وذلك ضعيف ، بل الأمر بالاستعفاف متوجه لكل من تعذر عليه النكاح بأي وجه تعذر ، كما قدمناه ، والله تعالى أعلم .
الرابعة : من تاقت نفسه إلى النكاح فإن وجد الطول فالمستحب له أن يتزوج ، وإن لم يجد الطول فعليه بالاستعفاف ما أمكن ولو بالصوم فإن الصوم له وجاء ؛ كما جاء في الخبر الصحيح .
ومن لم تتق نفسه إلى النكاح فالأولى له التخلي لعبادة الله تعالى .
وفي الخبر ( خيركم الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد ) .
وقد تقدم جواز نكاح الإماء عند عدم الطول للحرة في ( النساء ) والحمد لله .
ولما لم يجعل الله له من العفة والنكاح درجة دل على أن ما عداهما محرم ولا يدخل فيه ملك اليمين ؛ لأنه بنص آخر مباح وهو قوله تعالى : أو ما ملكت أيمانكم فجاءت فيه زيادة ويبقى على التحريم الاستمناء ردا على أحمد .
وكذلك يخرج عنه نكاح المتعة بنسخه وقد تقدم هذا في ( المؤمنون ) .
قوله تعالى : والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا .
فيه ست عشرة مسألة :الأولى : والذين يبتغون الكتاب الذين في موضع رفع .
وعند الخليل وسيبويه في موضع نصب على إضمار فعل ؛ لأن بعده أمرا .
ولما جرى ذكر العبيد والإماء فيما سبق وصل به أن العبد إن طلب الكتاب فالمستحب كتابته ؛ فربما يقصد بالكتابة أن يستقل ويكتسب ويتزوج إذا أراد ، فيكون أعف له .
قيل : نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبح - وقيل صبيح - طلب من مولاه أن يكاتبه فأبى ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين دينارا فأداها ، وقتل بحنين في الحرب ؛ ذكره القشيري ، وحكاه النقاش .
وقال مكي : هو صبيح القبطي غلام حاطب بن أبي بلتعة .
وعلى الجملة فإن الله تعالى أمر المؤمنين كافة أن يكاتب منهم كل من له مملوك وطلب المملوك الكتابة وعلم سيده منه خيرا .
الثانية : الكتاب والمكاتبة سواء ؛ مفاعلة مما لا تكون إلا بين اثنين ، لأنها معاقدة بين السيد وعبده ؛ يقال : كاتب يكاتب كتابا ومكاتبة ، كما يقال : قاتل قتالا ومقاتلة .
فالكتاب في الآية مصدر كالقتال والجلاد والدفاع .
وقيل : الكتاب هاهنا هو الكتاب المعروف الذي يكتب فيه الشيء ؛ وذلك أنهم كانوا إذا كاتبوا العبد كتبوا عليه وعلى أنفسهم بذلك كتابا .
فالمعنى يطلبون العتق الذي يكتب به الكتاب فيدفع إليهم .
الثالثة : معنى المكاتبة في الشرع : هو أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه منجما عليه ؛ فإذا أداه فهو حر .
ولها حالتان : الأولى : أن يطلبها العبد ويجيبه السيد ؛ فهذا مطلق الآية وظاهرها .
الثانية : أن يطلبها العبد ويأباها السيد ؛ وفيها قولان : الأول : لعكرمة ، وعطاء ، ومسروق ، وعمرو بن دينار ، والضحاك بن مزاحم ، وجماعة أهل الظاهر أن ذلك واجب على السيد .
وقال علماء الأمصار : لا يجب ذلك .
وتعلق من أوجبها بمطلق الأمر ، وأفعل بمطلقه على الوجوب حتى يأتي الدليل بغيره .
وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، واختاره الطبري .
واحتج داود أيضا بأن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل أنس بن مالك الكتابة وهو مولاه فأبى أنس ؛ فرفع عمر عليه الدرة ، وتلا : فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ، فكاتبه أنس .
قال داود : وما كان عمر ليرفع الدرة على أنس فيما له مباح ألا يفعله .
وتمسك الجمهور بأن الإجماع منعقد على أنه لو سأله أن يبيعه من غيره لم يلزمه ذلك ، ولم يجبر عليه وإن ضوعف له في الثمن .
وكذلك لو قال له أعتقني أو دبرني أو زوجني لم يلزمه ذلك بإجماع ، فكذلك الكتابة ؛ لأنها معاوضة فلا تصح إلا عن تراض .
وقولهم : مطلق الأمر يقتضي الوجوب صحيح ، لكن إذا عري عن قرينة تقتضي صرفه عن الوجوب ، وتعليقه هنا بشرط علم الخير فيه ؛ فعلق الوجوب على أمر باطن وهو علم السيد بالخيرية .
وإذا قال العبد : كاتبني ؛ وقال السيد : لم أعلم فيك خيرا ؛ وهو أمر باطن ، فيرجع فيه إليه ويعول عليه .
وهذا قوي في بابه .
الرابعة : واختلف العلماء في قوله تعالى : خيرا فقال ابن عباس ، وعطاء : المال .
مجاهد : المال والأداء .
والحسن ، والنخعي : الدين والأمانة .
وقال مالك : سمعت بعض أهل العلم يقولون هو القوة على الاكتساب والأداء .
وعن الليث نحوه ، وهو قول الشافعي .
وقال عبيدة السلماني : إقامة الصلاة والخير .
قال الطحاوي : وقول من قال إنه المال لا يصح عندنا ؛ لأن العبد مال لمولاه ، فكيف يكون له مال .
والمعنى عندنا : إن علمتم فيهم الدين والصدق ، وعلمتم أنهم يعاملونكم على أنهم متعبدون بالوفاء لكم بما عليهم من الكتابة والصدق في المعاملة فكاتبوهم .
وقال أبو عمر : من لم يقل إن الخير هنا المال أنكر أن يقال إن علمتم فيهم مالا ، وإنما يقال : علمت فيه الخير والصلاح والأمانة ؛ ولا يقال : علمت فيه المال ، وإنما يقال علمت عنده المال .
قلت : وحديث بريرة يرد قول من قال : إن الخير المال ؛ على ما يأتي .
الخامسة : اختلف العلماء في كتابة من لا حرفة له ؛ فكان ابن عمر يكره أن يكاتب عبده إذا لم تكن له حرفة ، ويقول : أتأمرني أن آكل أوساخ الناس ؛ ونحوه عن سلمان الفارسي .
وروى حكيم بن حزام فقال : كتب عمر بن الخطاب إلى عمير بن سعد : أما بعد ! فانه من قبلك من المسلمين أن يكاتبوا أرقاءهم على مسألة الناس .
وكرهه الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق .
ورخص في ذلك مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي .
وروي عن علي - رضي الله عنه - أن ابن التياح مؤذنه قال له : أكاتب وليس لي مال ؟ قال نعم ؛ ثم حض الناس على الصدقة علي ؛ فأعطوني ما فضل عن مكاتبتي ، فأتيت عليا فقال : اجعلها في الرقاب .
وقد روي عن مالك كراهة ذلك ، وأن الأمة التي لا حرفة لها يكره مكاتبتها لما يؤدي إليه من فسادها .
والحجة في السنة لا فيما خالفها .
روى الأئمة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : دخلت علي بريرة فقالت : إن أهلي كاتبوني على تسع أواق في تسع سنين كل سنة أوقية ، فأعينيني .
.
.
الحديث .
فهذا دليل على أن للسيد أن يكاتب عبده وهو لا شيء معه ؛ ألا ترى أن بريرة جاءت عائشة تخبرها بأنها كاتبت أهلها وسألتها أن تعينها ، وذلك كان في أول كتابتها قبل أن تؤدي منها شيئا ؛ كذلك ذكره ابن شهاب ، عن عروة أن عائشة أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا ؛ أخرجه البخاري ، وأبو داود .
وفي هذا دليل على جواز كتابة الأمة ، وهي غير ذات صنعة ولا حرفة ولا مال ، ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل لها كسب أو عمل واصب أو مال ، ولو كان هذا واجبا لسأل عنه ليقع حكمه عليه ؛ لأنه بعث مبينا معلما - صلى الله عليه وسلم - .
وفي هذا الحديث ما يدل على أن من تأول في قوله تعالى : إن علمتم فيهم خيرا أن المال الخير ، ليس بالتأويل الجيد ، وأن الخير المذكور هو القوة على الاكتساب مع الأمانة .
والله أعلم .
السادسة : الكتابة تكون بقليل المال وكثيره ، وتكون على أنجم ؛ لحديث بريرة .
وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء والحمد لله .
فلو كاتبه على ألف درهم ولم يذكر أجلا نجمت عليه بقدر سعايته وإن كره السيد .
قال الشافعي : لا بد فيها من أجل ؛ وأقلها ثلاثة أنجم .
واختلفوا إذا وقعت على نجم واحد فأكثر أهل العلم يجيزونها على نجم واحد .
وقال الشافعي : لا تجوز على نجم واحد ، ولا تجوز حالة البتة ، وإنما ذلك عتق على صفة ؛ كأنه قال : إذا أديت كذا وكذا فأنت حر وليست كتابة .
قال ابن العربي : اختلف العلماء والسلف في الكتابة إذا كانت حالة على قولين ، واختلف قول علمائنا كاختلافهم .
والصحيح في النظر أن الكتابة مؤجلة ؛ كما ورد بها الأثر في حديث بريرة حين كاتبت أهلها على تسع أواق في كل عام أوقية ، وكما فعلت الصحابة ؛ ولذلك سميت كتابة لأنها تكتب ويشهد عليها ، فقد استوسق الاسم والأثر ، وعضده المعنى ؛ فإن المال إن جعله حالا وكان عند العبد شيء فهو مال مقاطعة وعقد مقاطعة لا عقد كتابة .
وقال ابن خويز منداد : إذا كاتبه على مال معجل كان عتقا على مال ، ولم تكن كتابة .
وأجاز غيره من أصحابنا الكتابة الحالة وسماها قطاعة ، وهو القياس ؛ لأن الأجل فيها إنما هو فسحة للعبد في التكسب .
ألا ترى أنه لو جاء بالمنجم عليه قبل محله لوجب على السيد أن يأخذه ويتعجل للمكاتب عتقه .
وتجوز الكتابة الحالة ؛ قاله الكوفيون .
قلت : لم يرد عن مالك نص في الكتابة الحالة ؛ والأصحاب يقولون : إنها جائزة ، ويسمونها قطاعة .
وأما قول الشافعي إنها لا تجوز على أقل من ثلاثة أنجم فليس بصحيح ؛ لأنه لو كان صحيحا لجاز لغيره أن يقول : لا يجوز على أقل من خمسة نجوم ؛ لأنها أقل النجوم التي كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بريرة ، وعلم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقضى فيها ، فكان بصواب الحجة أولى .
روى البخاري عن عائشة أن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمسة أواق نجمت عليها في خمس سنين .
.
.
الحديث .
كذا قال الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : وعليها خمسة أواق نجمت عليها في خمس سنين .
وقال أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : جاءت بريرة فقالت : إني كاتبت أهلي على تسع أواق .
.
.
الحديث .
وظاهر الروايتين تعارض ، غير أن حديث هشام أولى لاتصاله وانقطاع حديث يونس ؛ لقول البخاري : وقال الليث حدثني يونس ؛ ولأن هشاما أثبت في حديث أبيه وجده من غيره ، والله أعلم .
السابعة : المكاتب عبد ما بقي عليه من مال الكتابة شيء ؛ لقوله - عليه السلام - : المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم .
أخرج أبو داود ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده .
وروي عنه أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد .
وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود ، والطبري .
وروي ذلك عن ابن عمر من وجوه ، وعن زيد بن ثابت ، وعائشة ، وأم سلمة ، لم يختلف عنهم في ذلك - رضي الله عنهم - .
وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وبه قال ابن المسيب ، والقاسم ، وسالم ، وعطاء .
قال مالك : وكل من أدركنا ببلدنا يقول ذلك .
وفيها قول آخر روي عن علي أنه إذا أدى الشطر فهو غريم ؛ وبه قال النخعي .
وروي ذلك عن عمر - رضي الله عنه - ، والإسناد عنه بأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم خير من الإسناد عنه بأن المكاتب إذا أدى الشطر فلا رق عليه ؛ قاله أبو عمر .
وعن علي أيضا يعتق منه بقدر ما أدى .
وعنه أيضا أن العتاقة تجري فيه بأول نجم يؤديه .
وقال ابن مسعود : إذا أدى ثلث الكتابة فهو عتيق غريم ؛ وهذا قول شريح .
وعن ابن مسعود : لو كانت الكتابة مائتي دينار وقيمة العبد مائة دينار فأدى العبد المائة التي هي قيمته عتق ؛ وهو قول النخعي أيضا .
وقول سابع : إذا أدى الثلاثة الأرباع وبقي الربع فهو غريم ولا يعود عبدا ؛ قاله عطاء بن أبي رباح ، رواه ابن جريج عنه .
وحكي عن بعض السلف أنه بنفس عقد الكتابة حر ، وهو غريم بالكتابة ولا يرجع إلى الرق أبدا .
وهذا القول يرده حديث بريرة لصحته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وفيه دليل واضح على أن المكاتب عبد ، ولولا ذلك ما بيعت بريرة ، ولو كان فيها شيء من العتق ما أجاز بيع ذلك ؛ إذ من سنته المجمع عليها ألا يباع الحر .
وكذلك كتابة سلمان وجويرية ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم لجميعهم بالرق حتى أدوا الكتابة .
وهي حجة للجمهور في أن المكاتب عبد ما بقي عليه شيء .
وقد ناظر علي بن أبي طالب زيد بن ثابت في المكاتب ؛ فقال لعلي : أكنت راجمه لو زنى ، أو مجيزا شهادته لو شهد ؟ فقال علي لا .
فقال زيد : هو عبد ما بقي عليه شيء .
وقد روى النسائي ، عن علي ، وابن عباس - رضي الله عنهم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما أدى ويرث بقدر ما عتق منه .
وإسناده صحيح .
وهو حجة لما روي عن علي ، ويعتضد بما رواه أبو داود عن نبهان مكاتب أم سلمة قال سمعت أم سلمة تقول : قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه .
وأخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
إلا أنه يحتمل أن يكون خطابا مع زوجاته أخذا بالاحتياط والورع في حقهن ؛ كما قال لسودة : احتجبي منه مع أنه قد حكم بأخوتها له ، وبقوله لعائشة ، وحفصة : أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه يعني ابن أم مكتوم ، مع أنه قال لفاطمة بنت قيس : اعتدي عند ابن أم مكتوم وقد تقدم هذا المعنى .
الثامنة : أجمع على أن المكاتب إذا حل عليه نجم من نجومه أو نجمان أو نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه بحاله أن الكتابة لا تنفسخ ما داما على ذلك ثابتين .
التاسعة : قال مالك : ليس للعبد أن يعجز نفسه إذا كان له مال ظاهر ، وإن لم يظهر له مال فذلك إليه .
وقال الأوزاعي : لا يمكن من تعجيز نفسه إذا كان قويا على الأداء .
وقال الشافعي : له أن يعجز نفسه ، علم له مال أو قوة على الكتابة أو لم يعلم ؛ فإذا قال : قد عجزت وأبطلت الكتابة فذلك إليه .
وقال مالك : إذا عجز المكاتب فكل ما قبضه منه سيده قبل العجز حل له ، كان من كسبه أو من صدقة عليه .
وأما ما أعين به على فكاك رقبته فلم يف ذلك بكتابته كان لكل من أعانه الرجوع بما أعطى أو تحلل منه المكاتب .
ولو أعانوه صدقة لا على فكاك رقبته فذلك إن عجز حل لسيده ولو تم به فكاكه وبقيت منه فضلة .
فإن كان بمعنى الفكاك ردها إليهم بالحصص أو يحللونه منها .
هذا كله مذهب مالك فيما ذكر ابن القاسم .
وقال أكثر أهل العلم : إن ما قبضه السيد منه من كتابته ، وما فضل بيده بعد عجزه من صدقة أو غيرها فهو لسيده ، يطيب له أخذ ذلك كله .
هذا قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابهما ، وأحمد بن حنبل ، ورواية عن شريح .
وقال الثوري : يجعل السيد ما أعطاه في الرقاب ؛ وهو قول مسروق ، والنخعي ، ورواية عن شريح .
وقالت طائفة : ما قبض منه السيد فهو له ، وما فضل بيده بعد العجز فهو له دون سيده ؛ وهذا قول بعض من ذهب إلى أن العبد يملك .
وقال إسحاق : ما أعطي بحال الكتابة رد على أربابه .
العاشرة : حديث بريرة على اختلاف طرقه وألفاظه يتضمن أن بريرة وقع فيها بيع بعد كتابة تقدمت .
واختلف الناس في بيع المكاتب بسبب ذلك .
وقد ترجم البخاري ( باب بيع المكاتب إذا رضي ) .
وإلى جواز بيعه للعتق إذا رضي المكاتب بالبيع ولو لم يكن عاجزا ، ذهب ابن المنذر ، والداودي ، وهو الذي ارتضاه أبو عمر بن عبد البر ، وبه قال ابن شهاب ، وأبو الزناد ، وربيعة ؛ غير أنهم قالوا : لأن رضاه بالبيع عجز منه .
وقال مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : لا يجوز بيع المكاتب ما دام مكاتبا حتى يعجز ، ولا يجوز بيع كتابته بحال ؛ وهو قول الشافعي بمصر ، وكان بالعراق يقول : بيعه جائز ، وأما بيع كتابته فغير جائزة .
وأجاز مالك بيع الكتابة ؛ فإن أداها عتق وإلا كان رقيقا لمشتري الكتابة .
ومنع من ذلك أبو حنيفة ؛ لأنه بيع غرر .
واختلف قول الشافعي في ذلك بالمنع والإجازة .
وقالت طائفة : يجوز بيع المكاتب على أن يمضي في كتابته ؛ فإن أدى عتق وكان ولاؤه للذي ابتاعه ، ولو عجز فهو عبد له .
وبه قال النخعي ، وعطاء ، والليث ، وأحمد ، وأبو ثور .
وقال الأوزاعي : لا يباع المكاتب إلا للعتق ، ويكره أن يباع قبل عجزه ؛ وهو قول أحمد ، وإسحاق .
قال أبو عمر : في حديث بريرة إجازة بيع المكاتب إذا رضي بالبيع ولم يكن عاجزا عن أداء نجم قد حل عليه ؛ بخلاف قول من زعم أن بيع المكاتب غير جائز إلا بالعجز ؛ لأن بريرة لم تذكر أنها عجزت عن أداء نجم ، ولا أخبرت بأن النجم قد حل عليها ، ولا قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : أعاجزة أنت أم هل حل عليك نجم ؟ ولو لم يجز بيع المكاتب والمكاتبة إلا بالعجز عن أداء ما قد حل لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سألها : أعاجزة هي أم لا ، وما كان ليأذن في شرائها إلا بعد علمه - صلى الله عليه وسلم - أنها عاجزة ولو عن أداء نجم واحد قد حل عليها .
وفي حديث الزهري أنها لم تكن قضت من كتابتها شيئا .
ولا أعلم في هذا الباب حجة أصح من حديث بريرة هذا ، ولم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء يعارضه ، ولا في شيء من الأخبار دليل على عجزها .
استدل من منع من بيع المكاتب بأمور : منها أن قالوا إن الكتابة المذكورة لم تكن انعقدت ، وأن قولها كاتبت أهلي معناه أنها راوضتهم عليها ، وقدروا مبلغها وأجلها ولم يعقدوها .
وظاهر الأحاديث خلاف هذا إذا تؤمل مساقها .
وقيل : إن بريرة عجزت عن الأداء فاتفقت هي وأهلها على فسخ الكتابة ، وحينئذ صح البيع ؛ إلا أن هذا إنما يتمشى على قول من يقول : إن تعجيز المكاتب غير مفتقر إلى حكم حاكم إذا اتفق العبد والسيد عليه ؛ لأن الحق لا يعدوهما ، وهو المذهب المعروف .
وقال سحنون : لا بد من السلطان ؛ وهذا إنما خاف أن يتواطآ على ترك حق الله تعالى .
ويدل على صحة أنها عجزت ما روي أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا ؛ فقالت لها عائشة : ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك فعلت .
فظاهر هذا أن جميع كتابتها أو بعضها استحق عليها ؛ لأنه لا يقضى من الحقوق إلا ما وجبت المطالبة به ، والله أعلم .
هذه التأويلات أشبه ما لهم وفيها من الدخل ما بيناه .
وقال ابن المنذر : ولا أعلم حجة لمن قال ليس له بيع المكاتب إلا أن يقول لعل بريرة عجزت .
قال الشافعي : وأظهر معانيه أن لمالك المكاتب بيعه .
الحادية عشرة : المكاتب إذا أدى كتابته عتق ولا يحتاج إلى ابتداء عتق من السيد .
وكذلك ولده الذين ولدوا في كتابته من أمته ، يعتقون بعتقه ويرقون برقه ؛ لأن ولد الإنسان من أمته بمثابته اعتبارا بالحر وكذلك ولد المكاتبة ، فإن كان لهما ولد قبل الكتابة لم يدخل في الكتابة إلا بشرط .
الثانية عشرة : وآتوهم من مال الله الذي آتاكم هذا أمر للسادة بإعانتهم في مال الكتابة ؛ إما بأن يعطوهم شيئا مما في أيديهم - أعني أيدي السادة - أو يحطوا عنهم شيئا من مال الكتابة .
قال مالك : يوضع عن المكاتب من آخر كتابته .
وقد وضع ابن عمر خمسة آلاف من خمسة وثلاثين ألفا .
واستحسن علي - رضي الله عنه - أن يكون ذلك ربع الكتابة .
قال الزهراوي : روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
واستحسن ابن مسعود ، والحسن بن أبي الحسن ثلثها .
وقال قتادة : عشرها .
ابن جبير : يسقط عنه شيئا ، ولم يحده ؛ وهو قول الشافعي ، واستحسنه الثوري .
قال الشافعي : والشيء أقل شيء يقع عليه اسم شيء ، ويجبر عليه السيد ويحكم به الحاكم على الورثة إن مات السيد .
ورأى مالك رحمه الله تعالى هذا الأمر على الندب ، ولم ير لقدر الوضعية حدا .
احتج الشافعي بمطلق الأمر في قوله [ تعالى ] : وآتوهم ، ورأى أن عطف الواجب على الندب معلوم في القرآن ولسان العرب ؛ كما قال تعالى : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وما كان مثله .
قال ابن العربي : وذكره قبله إسماعيل بن إسحاق القاضي ، جعل الشافعي الإيتاء واجبا ، والكتابة غير واجبة ؛ فجعل الأصل غير واجب والفرع واجبا ، وهذا لا نظير له ، فصارت دعوى محضة .
فإن قيل : يكون ذلك كالنكاح لا يجب فإذا انعقد وجبت أحكامه ، منها المتعة .
قلنا : عندنا لا تجب المتعة فلا معنى لأصحاب الشافعي .
وقد كاتب عثمان بن عفان عبده وحلف ألا يحطه .
.
.
، في حديث طويل .
قلت : وقد قال الحسن ، والنخعي ، وبريدة : إنما الخطاب بقوله : وآتوهم للناس أجمعين في أن يتصدقوا على المكاتبين ، وأن يعينوهم في فكاك رقابهم .
وقال زيد بن أسلم : إنما الخطاب للولاة بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم ؛ وهو الذي تضمنه قوله تعالى : وفي الرقاب .
وعلى هذين القولين فليس لسيد المكاتب أن يضع شيئا عن مكاتبه .
ودليل هذا أنه لو أراد حط شيء من نجوم الكتابة لقال وضعوا عنهم كذا .
الثالثة عشرة : : إذا قلنا : إن المراد بالخطاب السادة فرأى عمر بن الخطاب أن يكون ذلك من أول نجومه مبادرة إلى الخير خوفا ألا يدرك آخرها .
ورأى مالك رحمه الله تعالى وغيره أن يكون الوضع من آخر نجم .
وعلة ذلك أنه إذا وضع من أول نجم ربما عجز العبد فرجع هو وماله إلى السيد ، فعادت إليه وضيعته وهي شبه الصدقة .
وهذا قول عبد الله بن عمر ، وعلي .
وقال مجاهد : يترك له من كل نجم .
قال ابن العربي : والأقوى عندي أن يكون في آخرها ؛ لأن الإسقاط أبدا إنما يكون في أخريات الديون .
الرابعة عشرة : المكاتب إذا بيع للعتق رضا منه بعد الكتابة وقبض بائعه ثمنه لم يجب عليه أن يعطيه من ثمنه شيئا ، سواء باعه لعتق أو لغير عتق ، وليس ذلك كالسيد يؤدي إليه مكاتب كتابته فيؤتيه منها أو يضع عنه من آخرها نجما أو ما شاء ؛ على ما أمر الله به في كتابه ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر موالي بريرة بإعطائها مما قبضوا شيئا ، وإن كانوا قد باعوها للعتق .
الخامسة عشرة : اختلفوا في صفة عقد الكتابة ؛ فقال ابن خويز منداد : صفتها أن يقول السيد لعبده : كاتبتك على كذا وكذا من المال ، في كذا وكذا نجما ، إذا أديته فأنت حر .
أو يقول له أد إلي ألفا في عشرة أنجم وأنت حر .
فيقول العبد : قد قبلت ، ونحو ذلك من الألفاظ ؛ فمتى أداها عتق .
وكذلك لو قال العبد كاتبني ، فقال السيد قد فعلت ، أو قد كاتبتك .
قال ابن العربي : وهذا لا يلزم ؛ لأن لفظ القرآن لا يقتضيه والحال يشهد له ؛ فإن ذكره فحسن ، وإن تركه فهو معلوم لا يحتاج إليه .
ومسائل هذا الباب وفروعه كثيرة ، وقد ذكرنا من أصوله جملة ، فيها لمن اقتصر عليها كفاية ، والله الموفق للهداية .
السادسة عشرة : في ميراث المكاتب ؛ واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال : أن المكاتب إذا هلك وترك مالا أكثر مما بقي عليه من كتابته وله ولد ولدوا في كتابته أو كاتب عليهم ، ورثوا ما بقي من المال بعد قضاء كتابته ؛ لأن حكمهم كحكمه ، وعليهم السعي فيما بقي من كتابته لو لم يخلف مالا ، ولا يعتقون إلا بعتقه ، ولو أدى عنهم ما رجع بذلك عليهم ؛ لأنهم يعتقون عليه ؛ فهم أولى بميراثه لأنهم مساوون له في جميع حاله .
والقول الثاني : أنه يؤدي عنه من ماله جميع كتابته ، وجعل كأنه قد مات حرا ، ويرثه جميع ولده وسواء في ذلك من كان حرا قبل موته من ولده ، ومن كاتب عليهم ، أو ولدوا في كتابته لأنهم قد استووا في الحرية كلهم حين تأدت عنهم كتابتهم .
روي هذا القول عن علي ، وابن مسعود ، ومن التابعين عن عطاء ، والحسن ، وطاوس ، وإبراهيم ، وبه قال فقهاء الكوفة سفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والحسن بن صالح بن حي ، وإليه ذهب إسحاق .
والقول الثالث : أن المكاتب إذا مات قبل أن يؤدي جميع كتابته فقد مات عبدا ، وكل ما يخلفه من المال فهو لسيده ، ولا يرثه أحد من أولاده ، لا الأحرار ولا الذين معه في كتابته ؛ لأنه لما مات قبل أن يؤدي جميع كتابته فقد مات عبدا وماله لسيده ، فلا يصح عتقه بعد موته ؛ لأنه محال أن يعتق عبد بعد موته ، وعلى ولده الذين كاتب عليهم أو ولدوا في كتابته أن يسعوا في باقي الكتابة ، ويسقط عنهم منها قدر حصته ، فإن أدوا عتقوا لأنهم كانوا فيها تبعا لأبيهم ، وإن لم يؤدوا ذلك رقوا .
هذا قول الشافعي ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وهو قول عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، وعمر بن عبد العزيز ، والزهري ، وقتادة .
قوله تعالى : ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا روي عن جابر بن عبد الله ، وابن عباس - رضي الله عنهم - أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبي ، وكانت له جاريتان إحداهما تسمى معاذة ، والأخرى مسيكة ، وكان يكرههما على الزنا ويضربهما عليه ابتغاء الأجر وكسب الولد ؛ فشكتا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت الآية فيه وفيمن فعل فعله من المنافقين .
ومعاذة هذه أم خولة التي جادلت النبي - صلى الله عليه وسلم - في زوجها .
وفي صحيح مسلم ، عن جابر أن جارية لعبد الله بن أبي يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة فكان يكرههما على الزنا ، فشكتا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله - عز وجل - ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إلى قوله ( غفور رحيم ) .
قوله تعالى : إن أردن تحصنا راجع إلى الفتيات ، وذلك أن الفتاة إذا أرادت التحصن فحينئذ يمكن ويتصور أن يكون السيد مكرها ، ويمكن أن ينهى عن الإكراه .
وإذا كانت الفتاة لا تريد التحصن فلا يتصور أن يقال للسيد لا تكرهها ؛ لأن الإكراه لا يتصور فيها وهي مريدة للزنا .
فهذا أمر في سادة وفتيات حالهم هذه .
وإلى هذا المعنى أشار ابن العربي فقال : إنما ذكر الله تعالى إرادة التحصن من المرأة لأن ذلك هو الذي يصور الإكراه ؛ فأما إذا كانت هي راغبة في الزنا لم يتصور إكراه ، فحصلوه .
وذهب هذا النظر عن كثير من المفسرين ؛ فقال بعضهم : قوله : إن أردن تحصنا راجع إلى الأيامى ، قال الزجاج ، والحسين بن الفضل : في الكلام تقديم وتأخير ؛ أي وأنكحوا الأيامى والصالحين من عبادكم إن أردن تحصنا .
وقال بعضهم : هذا الشرط في قوله : ( إن أردن ) ملغى ، ونحو ذلك مما يضعف والله الموفق .
قوله تعالى : لتبتغوا عرض الحياة الدنيا أي الشيء الذي تكسبه الأمة بفرجها والولد يسترق فيباع .
وقيل : كان الزاني يفتدي ولده من المزني بها بمائة من الإبل يدفعها إلى سيدها .
قوله تعالى : ومن يكرهن أي يقهرهن .
فإن الله من بعد إكراههن غفور لهن رحيم بهن .
وقرأ ابن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وابن جبير ( لهن غفور ) بزيادة لهن .
وقد مضى الكلام في الإكراه في ( النحل ) والحمد لله .

﴿ تفسير الطبري ﴾

يقول تعالى ذكره: ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ) ما ينكحون به النساء عن إتيان ما حرّم الله عليهم من الفواحش، حتى يغنيهم الله من سعة فضله، ويوسِّع عليهم من رزقه.
وقوله: ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) يقول جلّ ثناؤه: والذين يلتمسون المكاتبة منكم من مماليككم ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) ، واختلف أهل العلم في وجه مكاتبة الرجل عبده، الذي قد علم فيه خيرا، وهل قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) على وجه الفرض، أم هو على وجه الندب؟ فقال بعضهم: فرض على الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علم فيه خيرا، إذا سأله العبد ذلك.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُرَيج، قال: قلت لعطاء: أواجب عليّ إذا علمت مالا أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلا واجبا، وقالها عمرو بن دينار، قال: قلت لعطاء: أتأثِره عن أحد؟ قال: لا.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر، قال: ثنا سعيد، عن قَتَادَة، عن أنس بن مالك أن سيرين أراد أن يكاتبه، فتلكأ عليه، فقال له عمر: لتكاتبنه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لا ينبغي لرجل إذا كان عنده المملوك الصالح، الذي له المال يريد إن يكاتب، ألا يكاتبه.
وقال آخرون: ذلك غير واجب على السيد، وإنما قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ ) ندب من الله سادة العبيد إلى كتابة من عُلم فيه منهم خير، لا إيجاب.
*ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك بن أنس: الأمر عندنا أن ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك، ولم أسمع بأحد من الأئمة أكره أحدا على أن يكاتب عبده، وقد سمعت بعض أهل العلم إذا سُئل عن ذلك، فقيل له: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) يتلو هاتين الآيتين وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ قال مالك: فإنما ذلك أمر أذن الله فيه للناس، وليس بواجب على الناس ولا يلزم أحدا.
وقال الثوري: إذا أراد العبد من سيده أن يكاتبه، فإن شاء السيد أن يكاتبه كاتبه، ولا يجبر السيد على ذلك.
حدثني بذلك عليّ عن زيد، عنه، وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: ليس بواجب عليه أن يكاتبه، إنما هذا أمر أذن الله فيه، ودليل.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: واجب على سيد العبد أن يكاتبه إذا علم فيه خيرا، وسأله العبد الكتابة، وذلك أن ظاهر قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ ) ظاهر أمر، وأمر الله فرض الانتهاء إليه، ما لم يكن دليل من كتاب أو سنة، على أنه ندب، لما قد بيَّنا من العلة في كتابنا المسمى " البيان عن أصول الأحكام ".
وأما الخير الذي أمر الله تعالى ذكره عباده بكتابة عبيدهم إذا علموه فيهم، فهو القدرة على الاحتراف والكسب لأداء ما كوتبوا عليه.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد الكريم الجزري، عن نافع، عن ابن عمر أنه كره أن يكاتب مملوكه إذا لم تكن له حرفة، قال: تطعمني أوساخ الناس.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) يقول: إن علمتم لهم حيلة، ولا تلقوا مؤنتهم على المسلمين.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أشهب، قال: سئل مالك بن أنس، عن قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) فقال: إنه ليقال: الخير القوة على الأداء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن زيد، عن أبيه قول الله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: الخير: القوة على ذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن علمتم فيهم صدقا ووفاء وأداء.
*ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلية، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، في قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: صدقا ووفاء وأداء وأمانة.
قال: ثنا ابن عُلية، قال: ثنا عبد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وطاووس، أنهما قالا في قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قالا مالا وأمانة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: أداء وأمانة.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، قال: كان إبراهيم يقول في هذه الآية ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: صدقا ووفاء، أو أحدهما.
حدثنا أبو بكر، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، في قوله ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: أداء ومالا.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُرَيج، قال: قال عمرو بن دينار: أحسبه كل ذلك المال والصلاح.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سفيان: ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) يعني: صدقا ووفاء وأمانة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: إن علمت فيه خيرا لنفسك، يؤدّي إليك ويصدّقك ما حدثك؛ فكاتبه.
وقال آخرون بل معنى ذلك: إن علمتم لهم مالا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) يقول: إن علمتم لهم مالا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: مالا.
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: مالا.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: لهم مالا فكاتبوهم.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: إن علمتم لهم مالا كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن زاذان، عن عطاء بن أبي رباح: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: مالا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مجاهد، قال: إن علمتم عندهم مالا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني محمد بن عمرو اليافعي، عن ابن جُرَيج، أن عطاء بن أبي رباح، كان يقول: ما نراه إلا المال، يعني قوله: ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: ثم تلا كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا .
وأولى هذه الأقوال في معنى ذلك عندي قول من قال: معناه فكاتبوهم إن علمتم فيهم قوة على الاحتراف والاكتساب، ووفاء بما أوجب على نفسه وألزمها وصدق لهجة.
وذلك أن هذه المعاني هي الأسباب التي بمولى العبد الحاجة إليها إذا كاتب عبده مما يكون في العبد.
فأما المال وإن كان من الخير، فإنه لا يكون في العبد وإنما يكون عنده أو له لا فيه، والله إنما أوجب علينا مكاتبة العبد إذا علمنا فيه خيرا، لا إذا علمنا عنده أو له، فلذلك لم نقل: إن الخير في هذا الموضع معنيّ به المال.
وقوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) يقول تعالى ذكره: وأعطوهم من مال الله الذي أعطاكم.
ثم اختلف أهل التأويل في المأمور بإعطائه من مال الله الذي أعطاه، من هو؟ وفي المال، أيّ الأموال هو؟ فقال: بعضهم: الذي أمر الله بإعطاء المكاتب من مال الله: هو مولى العبد المكاتب، ومال الله الذي أمر بإعطائه منه هو مال الكتابة، والقدر الذي أمر أن يعطيه منه الربع.
وقال آخرون: بل ما شاء من ذلك المولى.
*ذكر من قال ذلك:حدثني عمرو بن عليّ، قال: ثنا عمران بن عيينة، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ في قول الله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: ربع المكاتبة.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ، في قوله الله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: ربع الكتابة يحطها عنه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ليث بن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ رضي الله عنه ، في قول الله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: الربع من أوّل نجومه.
قال: أخبرنا ابن علية، قال عطاء بن السائب: عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ، في قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: الربع من مكاتبته.
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثني عبد الملك بن أبي سليمان، عن عبد الملك بن أعين، قال: كاتب أبو عبد الرحمن غلاما في أربعة آلاف درهم، ثم وضع له الربع، ثم قال: لولا أني رأيت عليا، رضوان الله عليه كاتب غلاما له، ثم وضع له الربع ، ما وضعت لك شيئا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرحمن السلمي: أنه كاتب غلاما له على ألف ومئتين، فترك الربع وأشهدني، فقال لي: كان صديقك يفعل هذا، يعني عليا رضوان الله عليه يتأوّل ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ).
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان ،عن عبد الملك، قال: ثني فضالة بن أبي أمية، عن أبيه، قال: كاتبني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فاستقرض لي من حفصة مئتي درهم.
قلت: ألا تجعلها في مكاتبتي؟ قال: إني لا أدري أدرك ذاك أم لا.
قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، بلغني أنه كاتبه على مئة أوقية، قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك، قال: ذكرت ذلك لعكرمة، فقال: هو قول الله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ).
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قول الله ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) يقول: ضعوا عنهم من مكاتبتهم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي،قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) يقول: ضعوا عنهم مما قاطعتموهم عليه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، في قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: مما أخرج الله لكم منهم.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: آتِهمْ مما في يديك.
حدثني الحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثني أبي، عن أسباط، عن السديّ، عن أبيه، قال: كاتبتني زينب بنت قيس، بن مخرمة من بني المطلب بن عبد مناف على عشرة آلاف، فتركت لي ألفا وكانت زينب قد صلَّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين جميعا.
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا ابن مسعود الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، مولى أبي أسيد، قال: كاتبني أبو أسيد، على ثنتي عشرة مئة، فجئته بها، فأخذ منها ألفا، وردّ عليّ مئتين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أوّل نجومه؛ مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته، ولكنه إذا كان في آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مخرمة، عن أبيه، عن نافع، قال: كاتب عبد الله بن عمر غلامًا له يقال له: شرف، على خمسة وثلاثين ألف درهم، فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف ولم يذكر نافع أنه أعطاه شيئا غير الذي وضع له.
قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يقول: إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه، ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئا مسمى، قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت، وعلى ذلك أهل العلم، وعمل الناس عندنا.
حدثني عليّ، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سفيان: أحبّ إليّ أن يعطيه الربع، أو أقلّ منه شيئا، وليس بواجب، وأن يفعل ذلك حسن.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عبد الله بن حبيب أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ رضي الله عنه ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: هو ربع المكاتبة.
وقال آخرون: بل ذلك حضّ من الله أهل الأموال على أن يعطوهم سهمهم، الذي جعله لهم من الصدقات المفروضة لهم في أموالهم، بقوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ قال: فالرقاب التي جعل فيها أحد سُهمان الصدقة الثمانية هم المكاتبون، قال: وإياه عنى جلّ ثناؤه بقوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) : أي سهمهم من الصدقة.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثني يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن ابن زيد، عن أبيه، قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: يحث الله عليه يعطونه.
حدثني يعقوب، قال: ثني ابن علية، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: حثّ الناس عليه، مولاه وغيره.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم في قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: يعطي مكاتبه وغيره حثّ الناس عليه.
حدثني يعقوب قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه قال في قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: أمر مولاه والناس جميعا أن يعينوه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: أمر المسلمين أن يعطوهم مما آتاهم الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن زيد، عن أبيه ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: ذلك في الزكاة على الولاة، يعطونهم من الزكاة، يقول الله وَفِي الرِّقَابِ .
قال: ثني ابن زيد، عن أبيه ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) قال: الفيء والصدقات.
وقرأ قول الله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ، وقرأ حتى بلغ: وَفِي الرِّقَابِ فأمر الله أن يوفوها منه، فليس ذلك من الكتابة، قال: وكان أبي يقول: ما له وللكتابة؟! هو من مال الله الذي فرض له فيه نصيبا.
وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي القول الثاني، وهو قول من قال: عنى به إيتاءهم سهمهم من الصدقة المفروضة.
وإنما قلنا ذلك أولى القولين، لأن قوله: ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) أمر من الله تعالى ذكره بإيتاء المكاتبين من ماله الذي آتى أهل الأموال، وأمر الله فرض على عباده الانتهاء إليه، ما لم يخبرهم أن مراده الندب، لما قد بيَّنا في غير موضع من كتابنا، فإذ كان ذلك كذلك ولم يكن أخبرنا في كتابه، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه ندب، ففرض واجب.
وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الحجة قد قامت أن لا حق لأحد في مال أحد غيره من المسلمين، إلا ما أوجبه الله لأهل سهمان الصدقة في أموال الأغنياء منهم، وكانت الكتابة التي يقتضيها سيد المكاتب من مكاتبه مالا من مال سيد المكاتب، فيفاد أن الحقّ الذي أوجب الله له على المؤمنين أن يؤتوه من أموالهم، هو ما فرض على الأغنياء في أموالهم له من الصدقة المفروضة، إذ كان لا حقّ في أموالهم لأحد سواها.
القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌيقول تعالى ذكره: زوّجوا الصالحين من عبادكم وإمائكم ولا تكرهوا إماءكم على البغاء، وهو الزنا( إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) يقول: إن أردن تعففا عن الزنا.
( لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول: لتلتمسوا بإكراهكم إياهنّ على الزنا عرض الحياة الدنيا وذلك ما تعرض لهم إليه الحاجة من رياشها وزينتها وأموالها، ( وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ ) يقول: ومن يكره فتياته على البغاء، فإن الله من بعد إكراهه إياهنّ على ذلك، لهن ( غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، ووزر ما كان من ذلك عليهم دونهن.
وذُكر أن هذه الآية أنزلت في عبد الله بن أُبي ابن سلول، حين أكره أمته مسيكة على الزنا.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن الصباح، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: جاءت مسيكة لبعض الأنصار فقالت: إن سيدي يكرهني على الزنا، فنزلت في ذلك: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ).
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: كانت جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول، يقال لها مسيكة، فآجرها أو أكرهها " الطبري شكّ" فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فشكت ذلك إليه، فأنزل الله ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يعني بهنّ.
حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن الشعبي، في قوله: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) قال: رجل كانت له جارية تفجر، فلما أسلمت نزلت هذه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني أبو الزبير، عن جابر، قال: جاءت جارية لبعض الأنصار، فقالت: إن سيدي أكرهني على البغاء، فأنزل الله في ذلك ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ )قال ابن جُرَيج: وأخبرني عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: أمة لعبد الله بن أُبَيّ، أمرها فزنت، فجاءت ببرد، فقال لها: ارجعي فازني، قالت: والله لا أفعل، إن يك هذا خيرا فقد استكثرت منه، وإن يك شرّا فقد آن لي أن أدعه.
قال ابن جُرَيج، وقال مجاهد نحو ذلك، وزاد قال: البغاء الزنا، ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) قال: للمكرهات على الزنا، وفيها نزلت هذه الآية.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري أن رجلا من قريش أُسر يوم بدر، وكان عبد الله بن أُبي أسره، وكان لعبد الله جارية يقال: لها معاذة، فكان القرشيّ الأسير يريدها على نفسها، وكانت مسلمة، فكانت تمتنع منه لإسلامها، وكان ابن أُبي يُكرهها على ذلك، ويضربها رجاء أن تحمل للقرشيّ، فيطلب فداء ولده، فقال الله: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) قال الزهري: ( وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول: غفور لهنّ ما أكرهن عليه.
حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير، أنه كان يقرأ: فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لهن غَفُورٌ رَحِيمٌ .
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) يقول: ولا تكرهوا إماءكم على الزنا، فإن فعلتم فإن الله سبحانه لهنّ غفور رحيم، وإثمهنّ على من أكرههنّ.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) .
.
.
إلى آخر الآية، قال: كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا، يأخذون أجورهن، فقال الله: لا تكرهوهنّ على الزنا من أجل المنالة في الدنيا، ( وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) لهنّ يعني إذا أكرهن.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) على الزنا، قال: عبد الله بن أُبي ابن سلول أمر أمة له بالزنا، فجاءته بدينار أو ببرد " شكّ أبو عاصم " فأعطته، فقال: ارجعي فازني بآخر، فقالت: والله ما أنا براجعة، فالله غفور رحيم للمكرهات على الزنا ، ففي هذا أنزلت هذه الآية.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
إلا أنه قال في حديثه: أمر أمة له بالزنا، فزنت فجاءته ببرد فأعطته، فلم يشك.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) يقول: على الزنا( فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول: غفور لهنّ، للمكرهات على الزنا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: ابن زيد، في قوله: ( وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) قال: غفور رحيم لهنّ حين أكرهن وقسرن على ذلك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: كانوا يأمرون ولائدهم يباغين يفعلن ذلك، فيصبن، فيأتينهم بكسبهنّ، فكانت لعبد الله بن أُبي ابن سلول جارية، فكانت تباغي.
فكرهت وحلفت أن لا تفعله، فأكرهها أهلها، فانطلقت فباغت ببرد أخضر، فأتتهم به، فأنزل الله تبارك وتعالى: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) .
.
.
الآية.

﴿ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ﴾

قراءة سورة النور

المصدر : تفسير : وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم